|
حول أزمة حركة التحرر في العالم العربي
خالد بطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 7275 - 2022 / 6 / 10 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أذكر فيما أذكره، انه في نهاية سبعينات القرن المنصرم او مطلع ثمانيناته، عقد في العاصمة التشيكية "براغ" مؤتمر للأحزاب الشيوعية في العالم العربي، حضره قادة هذه الأحزاب من الصف القيادي الأول وأقصد الأمناء العامون وأعضاء في المكاتب السياسية، وذلك بغية نقاش أين تكمن " أزمة حركات التحرر الوطني في العالم العربي". جميع هذه الأحزاب أجمعت في مداخلات قادتها على أن أزمة حركة التحرر في العالم العربي هي إما أزمة في الفكر الديني أو في الفكر القومي الضيق، إلا الحزب الشيوعي اللبناني الذي فاجأ الحضور وقتها وأعلن في مداخلته أنه يختلف مع ما ذهبت إليه الأحزاب الشيوعية العربية وأن أزمة حركة التحرر في العالم العربي ما هي إلا أزمة في البديل الثوري. وعندها، ثارت ثائرة هذه الأحزاب وبشكل خاص الحزب الشيوعي السوري وأمينه العام الرفيق خالد بكداش – رحمه الله – لدرجة أنهم إعتبروا الحزب الشيوعي اللبناني من المارقين ولولا الحياء لقاموا "بتكفيره". وبصراحة فقد "طربت" الخلايا القاعدية لكافة الأحزاب الشيوعية العربية لهذا الموقف الجريء من الحزب الشيوعي اللبناني، فقد كان " يحك للرفاق القاعديين على جرب " كما يقولون. لقد تذرعت غالبية الأحزاب الشيوعية العربية أنذاك "بظروف العمل السري" كي لا تعقد مؤتمراتها من ناحية وكي تعلق بعض بنود أنظمتها الداخلية وكي يبقى متربعا على عرش قيادتها ذلك الجيل الذي أتى بعد الرفاق الرفاق أمثال الرفيق فهد من العراق، والرفيق فرج الله الحلو من لبنان والرفيق فؤاد نصار من فلسطين وغيرهم من قادة هذه الأحزاب الذين دفعوا ثمنا لحياتهم في سبيل قضايا النضال الوطني التحرري. جاء هذا الرعيل اللاحق من القادة، ومع كل الإحترام لتاريخهم النضالي والمعرفة الشخصية الحميمة التي ربطتني بالبعض منهم ليحافظوا على ذات التكتيك النضالي المهادن للأنظمة دون التعاطي مع معطيات ومستجدات كل مرحلة، فحافظوا على ذات أساليب النضال، دون أن يعوا أن المعطيات قد تغيرات وأن النضال الوطني التحرري ضد الإستعمار يختلف عن النضال الوطني والطبقي ضد الطبقة الحاكمة في " بلاد العرب أوطاني" بعد الإستقلال والتحرر، فقد بدأ الإستعمار يتخذ أشكالا جديدة أكثر تطورا بدلا من التواجد الفعلي لجيوشه على الأراضي العربية كمنتدبين وفق قوانين وأنظمة الآنتداب. بعض الأحزاب الشيوعية العربية ناضلت وبشرف ضد أنظمتها الرجعية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الحزب الشيوعي العراقي، وبعض الأحزاب الشيوعية العربية هادنت أنظمتها ومنها الحزب الشيوعي السوري/ جناح خالد بكداش، بينما واصلت بعض الأحزاب الشيوعية العربية نضالها السري على نار هادئة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحزب الشيوعي الأردني والمصري، فيما أمتشق الحزب الشيوعي اللبناني السلاح في وجه الطائفية والإحتلال الإسرائيلي وشكّل حالة نضالية متقدمة، أما الحزب الإشتراكي اليمني بقيادة الرفيق الراحل عبد الفتاح إسماعيل " ذي يزن" فقد حاول إحداث حالة ثورية متقدمة في الشطر الجنوبي من اليمن، نال من هذه التجربة الهامة الإختراقات الداخلية التي تمثلت في أعضاء المكتب السياسي كل من علي ناصر محمد وعلى عنتر وعلي سالم البيض وغيرهم، وسقط شعار الحزب " من أجل تحقيق الوحدة اليمنية وتطبيق الخطة الخمسية" بإغتيال الرفيق عبد الفتاح إسماعيل رئيس جمهورية اليمن الديمقراطي أثناء إجتماع للمكتب السياسي للحزب. وعصف بالرفاق الفلسطينيين حالة من الشرذمة، فالتحق التنظيم الشيوعي الفلسطيني في الضفة الغربية بالحزب الشيوعي الأردني، وإلتحق رفاق الحزب من فلسطينيي الداخل المحتل بالحزب الشيوعي الإسرائيلي، فيما شكّل رفاق الحزب في قطاع غزة حاله نهضوية متقدمة وثورية وحافظوا على إسمهم وهو الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزّة، وقادوا العمل المسلح ضد الإحتلال وفي قيادة الجبهة الوطنية في قطاع غزّة. كان هذا الجيل، الذي قاد الأحزاب الشيوعية ما بعد الإستقلال وحتى إنهيار الإتحاد السوفياتي، فسقطت معه المقولة المعروفة التي كانت تقول " إن أمطرت في موسكو ... ترفعوا الشماسي في البلاد العربية". ثم جاء جيل قادة الأحزاب الشيوعية العربية ما بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وربما ما زال بعضه الى يومنا هذا يقود حزبه، دون أن يتسلح بالمعرفة العلمية الجديدة إذ لا يؤمن – لشديد الأسف – بأن أحد أهم سمات التفكير العلمي، هي الإيمان بأهمية التعلم المستمر، فتحجر في ذهنيته وتحجر معه حزبه، اللهم إلا من رحم ربي. خلاصة القول، أن ما توصل إليه الحزب الشيوعي اللبناني نهاية سبعينات القرن المنصرم، بأن أزمة حركة التحرر العربي ليست في الفكر الديني أو في الفكر القومي الضيق فحسب، وإنما هي أزمة في البديل الثوري، هو إستنتاج كان وما زال في محله، وتشخيص دقيق لو إستمع إليه قادة الأحزاب الشيوعية العربية آنذاك، ربما لما أنحسرت هذه الأحزاب لدرجة أن بعضها بالكاد يصل في تعداده الى "حمولة باص" وللأسف " الشوفير مش من عندهم".
#خالد_بطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب ... لسه ... في أول السكة
-
جيل الراية
-
القدس ... سيادة وإردة.
-
نحن والتطبيع
-
نحن والفعل الجماهيري
-
مجزرة حي التضامن السوري
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|