|
مسرحية من فصل واحد الصحراء
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7273 - 2022 / 6 / 8 - 22:39
المحور:
الادب والفن
مسرحية من فصل واحد
الصحراء
طلال حسن
صحراء ، سكون شامل ، فوق الرمال يرقد رجل ، فترة صمت صمت طويلة ، الرجل يرفع رأسه ، ويتلفت حوله في إعياء
الرجل : رمال .. رمال .. رمال ، لا شيء هنا سوى الرمال ، لقد محت الريح آثار خطواتي ، كما محت آثار الآخرين ، لا طريق إلى أمام ، لا طريق إلى الوراء ، رمال .. رمال .. رمال .. لا شيء سوى الرمال " صمت ، الرجل يتلفت حوله " لا أحد هنا ، حتى الريح ماتت ، قالوا .. ابحث عنه .. ستجده .. إنه الماء .. إنه الخبز .. إنه الأمل .. الخلاص .. لكن لا أحد هنا ، لقد جبتُ الصحراء ، فلم أجد سوى الرمال ، هل ثمة أمل ؟ هل ثمة خلاص ؟ أين هو ؟ أين الماء ؟ أين .. ؟
تنهض في خط الأفق واحة ظليلة ، الرجل يبتسم ويصيح فرحاً
الرجل : يا للسماء ، واحة ، إنه موجود ، إنه حقيقة ، إنه هناك ينتظرني " يصيح وهو يحاول أن ينهض " لقد قطعتُ صحراء العمر بحثاً عنك ، وها أنت هناك ، تنتظرني ، امنحني القوة ، سآتي إليك ، سآتي ..
الرجل ينهض بصعوبة ، ويعدو مترنحاً نحو خط الأفق ، الواحة تغور في الرمال ، كلما اقترب منها ، حتى تختفي تماماً ، الرجل يتلفت حوله في جنون ، صمت طويل ، الرجل يقف مذهولاً ، ثم يتداعى فوق الرمال . الرجل : رمال .. رمال .. رمال ، لا شيء سوى الرمال ، إنني وحيد مع الرمال ، وحيد في الرمال ، رمال .. رما ..ل .
يرقد الرجل فوق الرمال ثانية، سكون شامل ، كما في الحلم ، تظهر امرأة شابة في غلالة وردية شفافة ، وتجلس بجانب الرجل ، وترفع رأسه المتعب ، وتضعه في حضنها ، المرأة تتأمل وجه الرجل ، ثم تفتح أزرار ثوبها ، وتلقمه ثديها ، تدب الحياة في الرجل ، ويفتح عينيه ، المرأة تبتسم له ، وتمسد شعره بيد حانية رقيقة .
المرأة : ارتو ِ . الرجل : من أنتِ ! المرأة : لا تتكلم ، ارتو ِ أولاً . الرجل : لكن من أنت ِ ؟ المرأة : أنت متعب ، ارتح الآن .
المرأة تضم الرجل إلى صدرها ، وتطوقه بذراعيها ، الرجل يستسلم لها ، ويغمض عينيه ، إظلام تدريجي ، ظلام تام. تضاء شجرة تفاح ، ويضاء إلى جانبها خيالا رجل وامرأة ، المرأة تمد يدها بتفاحة إلى الرجل
المرأة : أنظر . الرجل : ماذا في يدك ؟ المرأة : تفاحة . الرجل : " يتأمل التفاحة " .... المرأة : هذه تفاحتي ، أليست جميلة ؟ الرجل : جميلة جداً . المرأة : وعبيرها ؟ الرجل : رائع . المرأة : إن طعمها أجمل وأروع ، تذوقها . الرجل : " يتراجع " إنني خائف . المرأة : لا تخف ، تذوقها ، تذوق تفاحتي ، ولن تندم " تدنو منه وتضع التفاحة في فمه " المسها ، المس تفاحتي بشفتيك ، قبلها ، ودع دماءها العذراء تسيل ، لا تخف ، إنها الحياة ، هيا ، هيا .
الرجل يفتح شفتيه ، ويلمس التفاحة في تخوف ، المرأة تدنو أكثر من الرجل وتضمه بين ذراعيها ، الرجل يقضم التفاحة ، ويحتضن المرأة المرأة : ما رأيك ؟ الرجل : " يغمغم " .... المرأة : أليست طيبة ؟ الرجل : " يغمغم مبتسماً " .... المرأة : " وهي تحضنه " أطفِ عطشك ، أطفئهِ .
الرجل يحتضن المرأة بقوة ، وهو يغمغم بصوت منتشي ، إظلام تدريجي ، الرجل يتنهد بارتياح ، وهو يفتح عينيه ، المرأة تبتسم وهي تبكل أزرار ثوبها المرأة : تبدو الآن أفضل . الرجل : بالفعل . المرأة : هل ارتويت ؟ الرجل : " في تردد " نعم . المرأة : لا تتعجل ، سترتوي أكثر . الرجل : لقد أرويتِ عطش دمائي ، لكن .. المرأة : " تنظر إليه " .... الرجل : " يتلفت حوله " هذه الصحراء .. المرأة : ماذا ؟ الرجل : رمال .. رمال .. المرأة : لكن التفاحة ليست رمالاً . الرجل : .... المرأة : " في حماس " سنملأ الصحراء بأشجار التفاح .. الرجل : وبعد ؟ المرأة : ماذا بعد ؟ الرجل : هذه الصحراء ماذا وراءها ؟ المرأة : ابحث عما وراءها ، لكن لا تنسى حقيقتها . الرجل : ما هي حقيقتها ؟ المرأة : شجرة التفاح . الرجل : شجرة التفاح ليست كل الحقيقة . المرأة : أنت مخطيء . الرجل : الواحة هي البداية . المرأة : أبداً . الرجل : ويجب أن أجدها . المرأة : لن تجدها . الرجل : سأعبر الصحراء . المرأة : لقد حاول قبلك الكثير . الرجل : هل كانوا مثلي يبحثون عن الواحة ؟ المرأة : ومثلك أيضاً لم يجدوها . الرجل : " يصيح " لا يمكن .. لا يمكن . المرأة : هذا هو الواقع .
إظلام تدريجي ، صمت شامل ، تضاء شجرة التفاح ، ويضاء إلى جانبها خيالا رجل وامرأة ، المرأة ـ الخيال تمد يدها بالتفاحة إلى الرجل المرأة : أنظر .. الرجل : .... المرأة : هذه تفاحتي .. الرجل : .... المرأة : تنسم عبيرها .. الرجل : .... المرأة : تذوقها .. إن طعمها أجمل وأروع ..
الرجل ـ الخيال يعرض عن المرأة ـ الخيال ، تضاء في البعيد صورة الواحة
الرجل : " يصيح " الواحة . المرأة : " تصيح " كلا ، إنها سراب . الرجل : واحتي . المرأة : " تمد يديها نحوه " واحتك هنا . الرجل : " يتملص من المرأة " دعيني ، يجب أن أمضي . المرأة :" تتشبث بالرجل " ابن ِ واحتك هنا ، لا تمض ِ وراء المستحيل ، ازرع في هذه الصحراء شجرتك ـ الحقيقة ، ازرع شجرة تفاح ، أحيي هذه الرمل بأشجار التفاح ، الشجرة هي الحقيقة .. الشجرة .. هي .. الحقيقة .
الرجل ـ الخيال يتملص من المرأة ـ الخيال ، ويسير كالمذهول نحو الواحة ، تسقط يد المرأة ـ الخيال بالتفاحة في يأس ، تتوهج في البعيد صورة الواحة ، تنطفيء المرأة ـ الخيال ، تغور الواحة في الرمال ، كلما اقترب الرجل منها ، حتى تختفي تماماً ، الرجل ـ الخيال وحده ، يتلفت حوله في جنون ، ثم يتداعى فوق الرمال ، سكون شامل ، وكالحلم ـ الكابوس يرتفع شيئاً فشيئاً وقع أقدام جياد ، يرفع الرجل ـ الخيال رأسه ، ثم يصرخ في ذعر ، ينطفيء الرجل ـ الخيال ، ويضاء الرجل وهو يهب مذعوراً ، ويفاجأ برجل يرتدي ملابس سوداء ، ويتمنطق بسيف ، ويحدجه بنظرة ثابتة قاتمة
الرجل : من أنت ؟ السياف : " لا يتكلم " .... الرجل : تكلم ، من أنت ؟ السياف : " لا يتكلم " .... الرجل : ماذا تريد ؟ تكلم ، تكلم .
الرجل يتلفت حوله في قلق ، السيّاف يحدجه بنظرة ثابتة قاتمة الرجل : أين هي ؟ السياف : .... الرجل : أين المرأة ؟ السياف : .... الرجل : كانت هنا .. معي . السياف : .... الرجل : " يصيح " ماذا فعلتَ بها ؟ السياف : .... الرجل : تكلم . السياف : .... الرجل : لا تقل ، إنها لم تكن موجودة . السياف : .... الرجل : إن لبنها مازال دافئاً في فمي . السياف : .... الرجل : " يصيح " أين هي ؟ تكلم ، أين هي ؟ أين هي ؟
الرجل يتهدج صوته ، ويخفت بالتدريج ، فترة صمت ، الرجل يحدج السيّاف بنظرة غلّ ومرارة
الرجل : من أنت ؟ السياف : .... الرجل : هل أنت واحد من أتباعه . السياف : .... الرجل : هل أنت مسخ من مسوخه . السياف : .... الرجل : " يصيح " هل أنت جلاده ؟ السياف : " في مرارة " أنظر ، هذه صحراؤه ، ماذا ترى ؟ رمال .. رمال ، لا شيء سوى الرمال ، وأنا ؟ هل أنا أيضاً رمال ؟ السياف : .... الرجل : قل له ، إنني أرفضه ، وأرفض صحراءه الموات ، قل له ، إنني لن أطأ نفسي ، وأزحف إلى واحته الغائرة في الرمال .
السياّف يستل سيفه في هدوء إظلام تدريجي ، صوت الرجل يتعالى متهدجاً غاضباً من قلب الظلام
الرجل : قل لسيد المتعفن .. إنني أرفضه .. وأرفض صحراءه .. لأني إنسان .. هل فهمت ؟ إنني إنسان .. إنسا .. ن .. إنسا ..ن .. " يصرخ " آ آ آ آ .
الرجل يصرخ من قلب العتمة ، وتسمع أصوات نزع وأنين متوجع ، صمت ، سكون شامل ، تضاء الصحراء بالتدريج ، فوق الرمال يرقد الرجل وحيداً ، وقد غرز السيف في صدره ، إظلام تدريجي ، ظلام . تضاء شجرة التفاح ، الشجرة مزهرة ، تضج بالحياة ، تظهر المرأة وراء الشجرة ، المرأة حبلى ، تضج بالحياة ، المرأة تتحسس بطنها بكلتا يديها ، ثم تبتسم في فرح
المرأة " سيأتي .. لابد أن يأتي .. ويملأ هذه الصحراء .. بأشجار التفاح .
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية من فصل واحد الشجرة
-
الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
-
مسرحية عقارب الساعة
-
قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال
...
-
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|