كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 7272 - 2022 / 6 / 7 - 14:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوم جئنا في خمسينيات القرن الماضي من الجنوب هاربين من مخطط التعطيش الدولي و برنامج قتل الفلاحة في السهل الرسوبي ( مهنة الزراعة في وادي الرافدين) ، يممنا صوب بغداد التي احتضنتنا بحبها المألوف، ومناخها الزاهر، ومجدها الوارف، وكنا وقتذاك صغاراً لا نحس بأعباء الرحلة محمولين في احضان الامهات او على اكتاف الاباء .. ويطلق علينا في اللهجة الدارجة ( عرب شايلة - أي راحلة ) وكبرت الطفولة وصار ان يذهب الصغار الى المدارس في الستينيات من ذلك القرن . وتعلمنا الحساب والقراءة الخلدونية ومفاتيح متنوعة لمعارف شتى، وتزخر ضمائرنا بحكمة رشيدة من قول مأثور : ( من علمني حرفا ملكني عبدا).
فمَن قام بهذه المهمة الخلاقة و علمنا ما لم نعلم ، و لم يكن بين اهلنا المهاجرين معلم .. ؟
- علمنا ابناء بغداد الاولون من اهل الاعظمية والوزيرية والحارثية والمنصور و الكرخ. علمونا من دون شروط كل شيء يتعلق بالمعرفة وأحبونا حبا خالصا.. واكتشفوا فينا مواهب لا تحصى ، لم ينبس احد منهم بكلمة تحسسنا بالاختلاف المذهبي ، فكانوا يهضمون المواطنة و يقدمونها للتلاميذ مثل الماء والهواء كحاجة ضميرية وشرف وخيار لا يقبل الجدل بشأنها . وعلمونا ان كل عمل او تفكير بمقدار حبة خردل يعاكس المواطنة فهو خيانة لا تغتفر .. وزرعوا شتلات خضراء للثقافة الانسانية باختصارات وايجازات مذهلة عن حركة التاريخ ومسار الاداب والفنون وشجعونا ان نقرأ ونحن صغار لاسماء خالدة في ذاكرة الادب العالمي .. سمعنا بفكتور هيجو و ارنست همنغواي و مكسيم غوركي وجان جاك روسو ودافنشي وسارتر والبير كامو و عرفنا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم و الجواهري و بدر شاكر السياب والبياتي و كثير ورأيناسلسلة من كتب الجيب وتعلمنا استعارة الكتاب ليوم او يومين مقابل 5 فلوس ..
كنا جميعنا "شيعة" وكانوا جميعهم" سنة" و " مسيحيين " .. تحية اجلال للمعلمين الاوائل و المجد لهم .. كيف للايام ان تأخذ من قوة جدار التعليم الاول وتبعج فيه ثغرات لتنفذ منه اطياف سوداء اكلت ربيع ايام العراقيين وجمال وحدتهم الوطنية .. ؟ كيف أذنت المواطنة ان يفوت من شباكها مغول الامم ليقتلوا اخوانهم الابرياء ويسحق المتطرفون هدوء الوطن ..؟ كيف تراجع القلم المقدس امام سطوة البنادق و المتفجرات والعنف.. ؟ لايمكن للعنف مهما بالغ في قسوته ضدنا ان يمحو حبنا لمعلمينا الاوائل ، فهو حب روحي ازلي ..
انها تجربة مرة وبالغة الأثر ينبغي ان نحرص بشدة لمنع التفكير بتكرارها. وذلك من خلال التمييز في الرؤية والاستبصار في الرؤيا .
ينبغي ان نعرف بعضنا جيدا وبشكل تطبيقي ، فصار لزاما ان يفرق الشيعة بين السنة أهلهم وبين سنة السياسة والفاسدين منهم و داعش والوهابية ، وبمقابله ان يفرق السنة بين الشيعة أهلهم وبين شيعة السياسة والفاسدين منهم و المتطرفين .
و لزاما ان يكون للشعب كلمة موحدة في مناخ الضياع والتفتت وفي ظل موجات الاحتلال المتنوعة.
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟