أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - نقد العقل الجنسي مرة أخرى















المزيد.....


نقد العقل الجنسي مرة أخرى


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 496 - 2003 / 5 / 23 - 03:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



 

هذا المقال نشر أول مرة في موقع( الحوار المتمدن) في 10/2/03، أي قبل الحرب بـ 40 يوما. وكان الاتجاه السائد في الكتابة هو، طبعا، الأخطار المتوقعة، وانشغل المثقف العراقي، وغير المثقف، بموضوعة الحرب والسلام ومن مواقع مختلفة ومتناقضة، كما هو الأمر في أي موضوع مصيري.

لكن، وفي لحظة انتزاع النفس، من الراهن واليومي والساخن، والتحديق في عمق الأزمة، جرى في هذا المقال قراءة أحد وجوه الأزمة العراقية من موقع نظر مختلف، لا تدخل فيه لغة السياسة اليومية التي يلجأ إليها عادة وبإفراط الكاتب السياسي العراقي، وهي لغة تفسر كل شيء، بما في ذلك ظواهر الطبيعة، وأمراض الجسد، وحالات الخسوف، وظاهرة ثقب الأوزون، والجينات، وتلوث البيئة، وغزو الفضاء، وغير ذلك من ظواهر هائلة بلغة سياسية تكون، في الغالب، لا تفسر شيئا، ولا تقول شيئا، لأن هذا العالم الواسع والمتشعب والمعقد لم يعد قابلا للمسك والرصد والحصر والدراسة بهذه اللغة العاجزة والميتة، خاصة لغة السياسي العراقي المفرطة في عموميتها والتي تصلح لكل المناسبات، ويتم نفي واستبعاد كل العلوم الأخرى، عن جهل أو قصد، مثل علم النفس والاجتماع والجنس والاقتصاد والأدب والأسطورة واللغة ..الخ..

 في هذا المقال كانت هناك إشارات صريحة وقوية إلى عمق أزمة المجتمع العراقي، أو أزمة المدينة العراقية، في شكلها، وتكوينها، وموقعها، وشكل وتكوين وموقع (الضاحية) العراقية التي تقع على تخوم المدن الكبرى( وكان المثال بغداد ) وكيف أن هذا التهميش المعماري كما يبدو هو في الأصل تهميشا سياسيا، وكيف أن  تمظهرات هذا التهميش والنفي والإقصاء يبدو، في السلطة الفاشية، البوليسية، في صورة  الحقد الجنسي المتبادل، وهذا الحقد والنفور والكراهية بين الأحياء الفقيرة وبين ما يعرف بالأحياء الراقية( ضربت مثلا عن: مدينة الثورة، الفضيلية، الكمالية، الشماعية) هو تعبير مبطن عن حقد سياسي وطبقي لا يجد سبيلا للتعبير عن نفسه إلا عن طريق الاستعلاء أو الكراهية الجنسية المتبادلة بين هذه الأحياء. هذا كل ما تسمح به سلطة فاشية أو بتعبير أدق لا تعرفه لأنه يقع في العمق، وهي مؤسسة سطحية.

ولا ينفرد العراق في إنتاج( مستوطنات) أو أحياء سكانية أشبه ما تكون بزرائب للحيوانات، بل هي خاصية كل الدول التسلطية. وأتذكر جيدا كيف أني كنت مارا يوما بحي ( سيدي مومن) في الدار البيضاء سنة 2000، حين صدمت بمنظر الزرائب التي لا تصلح حتى للحيوانات. ويومها قلت لصديق وكاتب مغربي معروف كان معي:
ـ الحرب الأهلية القادمة ستخرج من هنا!
رد عليّ مجفلا:
ـ فال الله ولا فالك. نحن مجتمع يتجه نحو الديمقراطية.

قلت وأنا أشير لتلك الزرائب:
ـ وهذه؟ جزء من هذه الديمقراطية؟!
ـ لا، لا ياسي حمزة، هؤلاء أغنياء ويجمعون الفلوس!

وفي المساء ركبني هاجس حي سيدي مومن مثل كابوس وأعدت الحديث في حي مجاور له هو حي( البرنوصي) الحديث نوعا ما، في لقاء خاص، أدى إلى غضب سيدة  مثقفة جالسة معنا، قائلة:
ـ سي حمزة أنت تبشر بالخراب!

وحين علمت أن جميع الذين شاركوا في تفجيرات الدار البيضاء هم من حي سيدي مومن، قلت لزوجتي لعلك تتذكرين حواري مع فلان المغربي؟

 نحن أحوج ما نكون اليوم، بعد اغتراب عقلي طويل، إلى العودة لدراسة أوحالنا كما هي، والكف عن التغني بحمامات ساحة السلام السماوي في بكين، والتغني بعصافير الكرملين، وسنونوات هافنا( نحن عندنا  حمامات في السليمانية، وعصافير في المشرح، وسنونوات في الكاظمية، وهي جميلة أيضا!).


قلت في (نقد العقل الجنسي) أن نقد هذا العقل هو في الأساس نقد للعقل السياسي، وأن كل ( مساوئ هذا موجودة في العقل الجنسي). هذا المقال نشر يوم كان التماسك الاجتماعي يبدو، في السطح، بين هذه الأحياء متماسكا وقويا وحصينا. ولم يكن الأمر كذلك أبدا. إذ ما كان يبدو تماسكا، واحتراما، هو في واقع الحال، صمت مشحون بكل ما هو  مخرب، ومتفجر، وعنفي.

وبعد سقوط السلطة، ونكوص العقل، وعودة ( المساوات) البدائية إلى الحالة الأولى، وانهيار ما يعرف بـ ( القانون) وبعد رفع  غطاء الحماية عن الأحياء( الراقية)، تحركت الأحياء المذكورة المهمشة لتنتقم من الإقصاء والفقر والتصنيف كأحياء صفيح أو طين أو زرائب، ولتدخل، كما ترى هي، تاريخا جديدا: من التهميش إلى الفعل، من النفي إلى الحضور، من سلطة قانون صارم إلى سلطة عقل جمعي بدائي مقهور.

والذين يهربون من تحليل ظاهرة السرقة التي عمت بغداد في كونها ظاهرة مدعومة من النظام القديم( ولا يستعبد أبدا وجود هؤلاء) لا يريدون رؤية الصورة كما هي، أو أنهم يفسرون الظواهر بذات اللغة:لغة السياسة التي تجيّش، وتعبئ، وتحرض، لكنها تطمس، وتلغي، وتهرب من مواجهة المشكلة الأصل.

  ـ في المقال المذكور كراهية بين سكان مدينة الثورة/ الشماعية/ الفضيلية/ الكمالية/ وبين الأحياء البغدادية " الراقية". وجاءت الوقائع بعد الحرب لتأكد عمق ودقة هذا التحليل الذي بدا يومها غريبا.

ـ وفي المقال أيضا: كراهية مستترة ومغطاة بين أحياء الثورة والفضلية والشماعية لحي الكمالية وهو حي للغجر وهو مجاور لهذه الأحياء.

 وجاءت الأحداث، وبعد رفع غطاء الحماية من هذا الحي الذي كان مدعوما من السلطة لأنه يوفر خدمات جنسية للزبائن الكبار، هجم سكان الثورة والأحياء الأخرى على الكمالية وطالبوا سكانه( وهم ضحايا أيضا) بالرحيل من هذا الحي، بل طردوهم.

 هذه هي طبيعة كل المجتمعات التي تبنى على العقل البوليسي. وهذا العقل يشحن المجتمعات بكل ما هو وحشي وعنفي وسري فيتأسس كل شيء، وكل علاقة، على الخوف، بما في ذلك مظاهر الاحترام، وقواعد الجنس.

ولأن السلطة الفاشية خلقت مفهوما بربريا في السياسة يقوم على التنازع والاستئثار، وليس على التنافس النظيف، وعلى الاحتكار، سواء احتكار السلطة أو احتكار اللغة أو احتكار التاريخ أو احتكار المتعة، وليس على فهم متحضر للسياسة يقوم على التعايش القائم على المصالح المشروعة المتبادلة، فإنها ـ بعد الانهيار ـ أطلقت الوحش السري المختبئ الخائف والمقموع  ليعيد تقاليد التكوينات البدائية الوحشية.

ولا أستبعد أن تكون حوادث اغتصاب كثيرة قد وقعت تحت سلطة الوحش الفالت، وحش التهميش والجنس والطبقة، وهي في جوهرها صورة انتقام رمزي لاغتصاب سياسي وطبقي مرير، والمتعة فيها مضاعفة: تلبية حاجة جنسية، وتلبية رغبة دفينة في سلطة مسروقة لسنوات طويلة.

 إعادة نشر هذا المقال تهدف أيضا إلى دعوة في نفس الوقت لقراءة مجتمعنا من زاوية أخرى، والنظر إليه من غير تلك المناطق العمومية التي تعودنا عليها، والتي عمقت اغترابنا عن هذا المجتمع، وعمقت نفينا عنه: أصبحنا غرباء فيه، وأصبح غريبا عنا( قد يكون قولهم المتكرر : نحن لا نحتاج إلى من يأتي من الخارج، يتضمن هذا الفهم عن اغترابنا).

إن كل مفردات الخطاب الجنسي، هي مفردات سلطة ذكورية، تنتج في كل مرة سلطة قمعية على شاكلتها، وهذه الإشكالية تتجسد في اللغة الذكورية على نحو واضح. إن مفردات مثل( سنقاتل حتى آخر رجل، أو أليس فيكم رجل، أو كلنا رجال دفاعا عن الوطن، أو الخجل من ذكر الزوجة في الكتابة والاستشهاد بأقوالها وهو يعكس احتقارا باطنيا مغلفا، وغيرها الكثير ) هي تجليات للعقل الذكوري التسلطي، حتى وأن تبرقع بزي يساري حداثي. 

صرنا حفنة من (الأفندية) نكتب بناءً على مقولات أو مفاهيم أنتجتها منظومة فكرية وسياسية واجتماعية مختلفة. وكل ما ندعو إليه هنا هو إعادة الخطاب التحليلي إلى القوى المنتجة له دون الحاجة  لهذا التغريب الذي طال كثيرا، كثيرا جدا.         

                نقد العقل الجنسي
لا يتكلم الضحايا غالبا عن مجال القهر الجنسي حتى في الغرف المغلقة، وان تكلموا فسيكون الكلام عن هذا القهر على انه قدر لا تشارك السلطة في مجاله ولا تخلق له، لا عن طريق خطابات المعرفة السلطوية، أو عن طريق الخوف، بنى ومؤسسات تعمل في الخفاء والعلن على تشويه العقل وتحويله من مجاله الطبيعي إلى فضاء عقل عاجز مشوه بليد.

 هذا هو السبب الذي يجعل تناول نقد العقل الجنسي مركبا وصعبا ومحفوفا بمخاطر متعددة نظرا لتداخل مستويات السلطات المنشغلة بإدارة أزمة العقل الجنسي سواء كانت هذه سلطة الدولة من خلال برامجها ونظامها المعرفي مهما كان نوعه، أو من خلال سلطة المؤسسة الدينية المرتكزة على ترسانة ضخمة من العقل النقدي الجنسي وعلى سلطة فقيه وظيفته حراسة الجسد من الرغبة والتفتح حتى في ظل مناخ رؤية دينية تحترم الفطرة وتقدس حدود الطبيعة وتلتزم بقوانين الجنس وحدوده الثقافية وترفض الممارسات الجنسية المفتوحة أو ما يسميه الشاذون( الجنس المعاش). أي  جنس ما قبل الثقافة والعائلة والقانون والعرف والأخلاق.

إن نقد العقل الجنسي يبدأ من نقد مبدأ أو عقلية الفصم والعزل بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبين الجنسي واعتبار الأخير نشاطا أو فعلا مستقلا لا يخضع لقانون غير قانونه الخاص.

 كما أن نقد العقل الجنسي يعمل على تحرير  الخطاب الذكوري من منطق الهيمنة وهو في الأصل خطاب سلطوي سواء كان قادما من سلطة سياسية حاكمة أو من خلال  ذاكرة تراثية أو سلطة اجتماعية أو سلطة معرفية.

 وخطاب السلطة هو خطاب حيازة واحتكار وسيطرة، وخطاب من هذا النوع  يعمل على احتكار ليس جسد الفرد بل ومشاعره وأعمق عواطفه وتحويل هذه العواطف من مجال التبادل المشروع إلى مجال أهداف السلطة وهي أهداف معادية للدوافع والعواطف الإنسانية الصافية.

 إن كل أشكال القهر المعروفة تجد انعكاساتها في المجال الجنسي الذي لا يجد الفرصة ولا المناخ والذهنية القادرة على تحمل هذا التوزيع المخالف لنظام الغرائز البشرية.

ويمكن للضحايا أن يخوضوا في الاستلاب السياسي والاقتصادي لكن الاستلاب الجنسي يقصى  إلى ابعد نقطة في العقل الأمر الذي يشكل عصابا أو تابعا يشوه الوعي البشري من وراء ستار وحجاب وأقنعة.

لذا لا وجود لجنسية حقيقية وعادلة وطبيعية في دولة لا تنمية بشرية فيها ولا توزيع ثروة بصورة متساوية، ولا تعددية سياسية، أو شرعية دستورية، وبلا مؤسسات مجتمع مدني.      

 لكن كيف تتلاعب السلطة بقضية الجنس؟ وكيف توظف الكبت والحرمان والقمع السياسي والجنسي لصالح وظائفها، وكيف تحول الفرد ولا نقول المواطن من جسد ومشاعر وعواطف إلى مؤسسة وظيفتها حماية النظام العام من خطر محدد يهدد هوية الدولة؟

 إن السلطة البوليسية تعرف إلى ابعد الحدود مخاطر تحرير النشاط الإنساني برمته على مستوى الإبداع الأدبي والسياسي والثقافي، من هيمنتها  ورقابتها ليس حرصا منها على القيم المقدسة والأعراف، إنما خوف من نمو نشاط بشري خارج سيطرتها ونظامها المعرفي وتحديدا خارج آيديولوجيا السلطة.

 لذا فهي تتدخل حتى في التفاصيل الصغيرة وتدير عواطف الناس ومشاعرهم وتكّون عقلهم الجنسي بصورة  غير مباشرة ومستترة تارة من خلال قوانينها و أنشطتها الكثيرة ـ حروب، فعاليات، مهرجانات، حفلات..الخ ـ  أو بصورة مباشرة  ومرئية أحيانا أخرى من خلال بناء مؤسسات بديلة للمجتمع القائم سواء على شكل منظمات جماهيرية أو مدارس خاصة أو معاهد أو جامعات أو أندية، وتعمل هذه المؤسسات على جانبين:
الأول: التبشير بنظام سياسي واجتماعي جديد.
الثاني: تشكل تحديا ورفضا للبنى الاجتماعية التقليدية وخاصة العائلة.

 والسلطة الفاشية في العراق عملت بكل مشقة على تهديم البنى التقليدية وبناء أخرى بديلة وتم التركيز بصورة خاصة على المدن العريقة في تقاليدها لأن هذه التقاليد وقفت عائقا في وجه النظام المعرفي السلطوي.

 إن نقد العقل الجنسي يقوم على تحرير العقل من عبودية اللغة التي تضع الأنثوي في المجال الدوني الذي يعكس تراتبية طبقية وسياسية أولا وقبل كل شيء وبناء ذهنية القمع بناء على شروط ذكورية تستند على ذاكرة تراثية دينية مسلحة بقاموس يعزل الجسد الأنثوي من حقل الجمال والخير والعطاء والخصب ويضعه في حقل الأغراء والإغواء والغواية والخطيئة.

 وكما يقول الكاتب الخمَار العلمي في دراسته القيمة( المعرفة والسلطة) إن تمسك الفقيه باللغة ليست صدفة بريئة بل لأن هذا التمسك بالنحو واللغة والقواعد يضمن له وبصورة دائمة ومستند في ذلك على شرعية النحو، المحافظة على نسق جاهز من المواقف والقيم والسلوكيات المحقرة للمرأة عبر لغة تضع المؤنث في مرتبة أدنى حتى في مجال النحو( بناء على دونية صورية تؤسسها اللغة من خلال هندسة نحوية صارمة).

 إن أي خرق للقاعدة اللغوية يشكل بالنسبة للفقيه ومؤسسة السلطة خيانة وخروجا عن الخطاب السائد الذي لا يحمل فقط تراث الدولة لوحدها، بل يحمل تراث الفقيه.

 وهذا هو السر الذي يجعل قاموس اللغة العربية مليء بألفاظ تدين الخروج على  القاعدة النحوية والفكرية( خائن، متمرد، زنديق..) وربما يكون هو السبب الذي جعل المفكر المرحوم هادي العلوي يخرج لوحده عن هذا السياق ويكسر القاعدة النحوية.

لذلك يأتي الخطاب الروائي الحداثي مغايرا ورفضا وتحديا لخطاب السلطة وخطاب الفقيه وخطاب الجنرال وخطاب شيخ القبيلة.
إنه خطاب يعرّي ويفضح ويكشف، في حين  أن الخطابات الأخرى تخبئ وتحجب وتخفي وتهرب.
 
أن السلطة تؤثر في مجال الجنس من خلال خطاب معرفي و تؤثر وتخلق وتنتج خطابا لغويا خاصا بها.

 بهذا المعنى يمكن فهم  المقولة المتكررة لميشيل فوكو حول العلاقة( بين السلطة واللغة، وبين السلطة والجنس، وبين السلطة والنص).

 إن اللغة هي شكل من أشكال السلطة. ليست بالضرورة سلطة الدولة، بل سلطة النحو، وسلطة الأسرة، وسلطة الأعراف، وسلطة الجسد، وسلطة المعارضة، وسلطة الرغبة، والخطاب، والذاكرة، المصح، السجن، الحب...الخ..

 والعزل اللغوي هو عزل اجتماعي وسياسي وطبقي. لنلجأ إلى الأمثلة من محيطنا العراقي دون الحاجة لتكرار أخطاء العقل السياسي العراقي السائد الذي كان مغرما ولا يزال بفهم وتفكيك  المجتمعات الأخرى دون محاولة للاقتراب من مجتمعنا الأمر الذي خلق وعيا شقيا منفصلا عن مكانه الأصلي وخصوصية الواقع المحلي وتراثه وأساطيره وثقافته وأديانه.

 إن ضواحي بغداد الشرقية تتكون من مدن حاشدة بشرائح اجتماعية تعيش وضعا طبقيا واجتماعيا خاصا:
1 . مدينة الثورة ـ حشد وعلبة هائلة لفلاحين وشغيلة نزحوا  إلى بغداد  في مراحل سابقة بعد هجر الأرض.
2 مدينة أو ضاحية الفضيلية ـ تجمع حاشد لرعاة الجاموس أو المعدان الذين نزحوا هم أيضا من الجنوب وشكلوا ضاحية عشوائية شرقي بغداد.
3 ضاحية الكمالية ـ وهي تجاور الثورة والفضيلية وتكوّن تماسا معهما وهذه الضاحية  تضم غالبا شرائح من الغجر" الكاولية" الذين استقروا في هذه الضاحية وبقوا  عائمين في الدخول إلى مجال التبادل الاجتماعي إلا بصفة غجر في الأفراح.
4 ضاحية الشماعية ـ وفي هذه الضاحية رمزها المعروف مستشفى الشماعية.

 إن هذه الضواحي، كمثال ونموذج،  فشلت في الدخول في علاقات تبادل واندماج وتكافؤ ومساواة مع بغداد الأصلية بضواحيها العريقة والمعروفة، ولم تتمكن حتى مفردات أو قاموس هذه الضواحي من أن يكون مقبولا في أي علائق اجتماعية مشروعة.

 حافظت أحياء بغداد المسماة تعسفا" الأحياء الراقية!" على كل مسافات العزل اللغوي والجنسي والطبقي بينها وبين هذه الضواحي. فلا تواصل في اللغة، ولا تزاوج بين هذه الأحياء، والعلاقة الوحيدة قائمة على الخدمات التي يقدمها هؤلاء إلى مدن الأفندية.

 والأساس في هذا العزل ليست الجغرافية التي تضع حدود المحرم بين الطبقات، بل هو عزل سياسي واجتماعي ولغوي وجنسي قائم على التصنيف والطبقية والاختزال والتراتبية.

    لكن ما هو مثير للغرابة هو أعمق من ذلك، لأن النظام السياسي القمعي ينتج مجتمعا يعاني أفراده وطبقاته من مشاعر متضاربة إزاء بعضها البعض.

 إن نزيل الفضيلية راعي الجاموس لا يستطيع هو الآخر أن يقيم علاقة اجتماعية متساوية لا على مستوى اللغة ولا على مستوى الجنس أو في طقوس الحياة مع غجري في الكمالية لأنه يشعر بدونية الأخير. وإذا كانت هناك علاقة فهي تتأسس في الخفاء والسر ولها طابع عابر ومؤقت.

 كما أن نزيل الكمالية يشعر بدونية نزيل الشماعية الذي تنازل عن شخصيته ولغته وذاكرته وسلم أمره لله ودخل في العصاب أو في الشيزوفرينا ونجا من السلطة والمعرفة والحرب والجنس ولم يعد يهتم حتى بطبول الغجر في الليل.

إن كل مساوئ وتشوهات العقل السياسي تنعكس في العقل الجنسي، وكل التصنيف والعزل والاختزال والتمييز الطبقي والثقافي والعرقي موجود في العقل الجنسي، لذلك فإن خطاب نقد العقل الجنسي هو في الأصل نقد العقل السياسي من منطقة مختلفة تماما عن المعهود.

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوقفوا عصابات الطارزاني/ نداء
- لا تنسوا المعلم هادي العلوي
- جمهوريات رعب استان
- عساك بالفراغ الدستوري
- الروائي اليوناني كازنتزاكي ـ المنشق 1
- خطاب التجييش ، خطاب سلطة
- أفراح الزمن المعقوف
- العصيان الثقافي
- أزهار تحت أظلاف الخنازير
- الاغتيال المبكر
- وطن العبيد
- رصاصة ناجي العلي في رأسي
- حماقة التاريخ الكبرى
- دكتاتور نجوم الظهيرة
- أشباح الماضي
- حفلة التيس
- إبراهيم أحمد وعيون الضبع
- غارنر والختان
- رسالة مفتوحة إلى الدكتاتور لمناسبة عيد ميلاده
- كل شيء تحطم إلا اللغة


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - نقد العقل الجنسي مرة أخرى