|
مقاربة الإصلاح في أميركا اللاتينية
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:49
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في كوبا حيث يجتمع مؤتمر عدم الانحياز ، من المفيد إلقاء نظرة على أمريكا اللاتينية بصفتها قارة الديماميكية السياسي.
هنا على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي : نعيش كمغاربة وموريطانيين وضعا خاصا ضمن المجموعة العربية والإسلامية، إذ يمكن تَفَهُّم انشغال المشرق العربي
بالتعقيدات الجيوسياسية المتداخلة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، حيث إرث طريق الحرير مضاف إليه الصراع حول البترول، وقبلهما مهبط الرسالات الثلاث التي مثلت أضخم خزان إيديولوجي متعدد متصارع مؤطر لتناقض المصالح بين ما يقارب ثلاثة ملايير نسمة، مسلمين ومسيحيين ويهود وآخرين . وبعدما نشرت الصحراء المغربية يوم الثلاثاء الماضي المقال السابق حول احتمال تحول النزاع بين إيران والغرب إلى حرب حقيقية في نفس يوم إعلان إيران عن تحولها إلى بلد نووي، يحق أن نلقي بنظرنا في اتجاه آخر، للمس التحولات الأخرى التي يصنعها الإنسان في أميركا اللاتينية، على طول المسافة الرابطة بين الشارع والمؤسسات السياسية التمثيلية، بناء على قوة الإرادة وقدرة الإنسان على تحويل المعاناة إلى مسيرة نضال سلمي من أجل سيادة الشعب وبناء التقدم ومراكمة التنمية.
إننا ونحن نتلقى أخبار تفجير المساجد بمحاربها ومآذنها في صلب شرقنا، كوجه أول مفجع للألوان الباهتة التي نتلقاها من الانتخابات المؤجلة ومخططات توريث كراسي الجمهوريات في ليبيا ومصر وسوريا، الوجه الثاني الذابل، نتلقى أخبارا أخرى من أميركا اللاتينية، التي نقتسم معها نحن المغاربة بعضا من تفاصيل مصائرنا.
فقد انهزم خوصي ماريا أثنار في الانتخابات وقد بالغ في الإساءة اليمينية لسمعة إسبانيا، في علاقتها بالمغرب وبالمنطقة العربية، مثلما رد جميل الأموال التي أتت لفائدة حزبه اليميني من أغنياء فلوريدا ذات الأغلبية اللاتينية ضمن الولايات المتحدة الأميركية، وسار في مخططات ضد اليسار في أميركا اللاتينية. وكانت هزيمة أثنار في مدريد ذات أصداء إيجابية في المغرب والمنطقة العربية وأميركا اللاتينية على حد سواء إن الملف الذي تواجه به الولايات المتحدة الأميركية المنطقة العربية يصل جزء منه لمناطق أميركا الجنوبية والوسطى.
وذلك بسبب بقايا العنصرية ذات الثقافة الأوروبية الجذور، ما بين الأنغلوسكسون واللاتين غير أن التراكم الزمني الذي توفر في أميركا اللاتينية طيلة القرنين الأخيرين (19 و20) في ظل مؤسسات السيادة الوطنية، جعل الأنظمة السياسية المحلية ذات هياكل متكيفة مع الثورة الأميركية الأصلية في شمال القارة وكذا الثورة البوليفارية من أجل تأسيس ولايات متحدة في ما بين أميركا الوسطى والجنوبية (بناما وكولومبيا وفينزويلا)، وبالتالي متشربة بالحركات السياسية والاجتماعية والثقافية المنبثقة من الأوساط الشعبية مما لقح المطالب المادية في المعيش اليومي بالفكر السياسي وبالأبعاد الثقافية وبالتالي نجد أنفسنا اليوم أمام الأجوبة الملموسة التي توفرها مسيرة أميركا اللاتينية، لأسئلة الإصلاح، مقارنة بالهلوسة التي تنتجها العقلية الشرقية عندنا عبر التردد حول ما إذا كان الإصلاح من الداخل أو من الخارج.
وفي الوقت الذي لا يمكن الادعاء، الاختلاف الوجودي بين أوضاع المنطقة العربية، وأوضاع أميركا اللاتينية، يقتضي الأمر الإشارة إلى تشابه التفاوتات الجزئية بين البلدان الغنية والمتوسطة والفقيرة في كلتا المنطقتين العربية والأميركية اللاتينية. فكلما وجدت الثروة النفطية مثلا، كلما احتدت المصالح المتناقضة واشتدت النزاعات، إن في العراق، أو في فينزويلا . لكن السؤال المطروح هنا والآن، هو التساؤل عن حدة الحضور الأميركي في المشرق، في حين يظهر أن الولايات المتحدة الأميركية، تركت هامش الإصلاح من الداخل، لمناطق أميركا اللاتينية.
لقد أتانا أكثر من جواب عن طريق الكتاب الاستراتيجيين الأميركية أنفسهم، فقد تحدث زينغيو بريجينسكي عن "أوراسيا" كرفعة شطرنج أساسية، أمام مطامح الامبراطورية الأميركية : أوراسيا، التي تبدأ من إنجلترا، على ساحل المحيط الأطلسي، لتمد شرقا عبر روسيا وسيبيريا إلى ساحل المحيط الهادي، وكأنها تعمل على استكمال السيطرة وأحكام الطوق على شمال الكرة الأرضية، مما يجعل المنطقة المتوسطية والشرق الأوسط الممر الطبيعي والتاريخي والمستقبلي على السواء لتسوية النتوءات السياسية والجغرافية أمام السيطرة الأميركية على أوراسيا المذكورة، في الطريق إلى إدماج الصين والهند في بحر القرن الواحد العشرين، مما يفسر تقديم صراع الحضارات في واجهة المبررات ودواعي توجه أميركا نحو أوراسيا.
وإذا صدق منطق كارل ماركس المناسب في القرن التاسع عشر، على كون التغيير سيأتي من داخل البنيات المتقدمة ضمن المناطق الرأسمالية، فقد يصدق نفس التحليل على أميركا اللاتينية باعتبارها ضمن الحضارة الغربية، منذ إدماجها بالعنف والقسر إبان الاكتشافات الجغرافية والقضاء على الحضارات الهندية الأصلية.
فأميركا اللاتينية اليوم متمرسة على العمل السياسي المحترف للمساطر المؤسساتية والمنبني على المبادئ الديمقراطية الحديثة، بل المبدع في ميدان الترابط بين التراث والحداثة في ميادين التعبئة ومن أجل قضايا إنسانية محضة والحق في الحياة وكذا الحق في الاختلاف والتنوع والتعدد.
ها نحن اليوم أمام حالة ميلان البيرو نحو الديمقراطية المبنية على سيادة الشعب، بعد تجارب البرازيل والأرجنتين والشيلي وفينزويلا وبوليفيا والأوروغواي إن الحصيلة الاجتماعية للحكومات اليسارية ليست كافية من الناحية الإيديولوجية الاشتراكية لكن الديمقراطية المؤسسة على المواطنة وصندوق الاقتراع، أفرزت في أميركا اللاتينية اتجاها سياسيا جديدا في الأفق.
مبنيا على بلورة بديل لما كان يعرف "بوفاق واشنطن" منذ بداية التسعينات، والمبني على تصور البنك الدولي للتنمية، والمعزز بالأهداف الثمانية للألفية الثالثة لقد اعتمدت أميركا اللاتينية على نفس ميكانيزمات الديمقراطية الليبرالية عبر صناديق الاقتراع، لكنها تمكنت بفضل تقاليد القرار المستقل واحترام الاختلاف من رسم الخطوط التي تميز بين الهيمنة الاستغلالية لشركات أميركا الشمالية عبر سياسات الليبرالية المتوحشة طيلة العشرين سنة الأخيرة.
إن في استطاعة أميركا اللاتينية أن تشكل توأما حليفا للثورة الأميركية السابقة من حيث اعتماد مبادئ حقوق الإنسان وفق دستور فلاديلفيا، وكذا اعتماد مبادئ ووندرو ويلسون (1918)، مع الاستناد على الخصوصية الاثنية الهندية والثقافية الإيبرية الإسبانية والبرتغالية، بما يعرف بالثورة البوليفارية، نسبة إلى سيمون بوليفار، وهو الشعار الذي يتداول حاليا من طرف القوى اليسارية في فينزويلا وبوليفيا وكولومبيا . فماهي تفاصيل التراكم التي أفضت بأميركا اللاتينية نحو هذا الأفق؟
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوجه السلبي من البونابرتية في السياسة الخارجية الجزائرية
-
المغرب:الانتقال من من بناء -القوة- إلى بناء الثقة
-
تحت سقف الاستراتيجية الديمقراطية أي دور لحزب العدالة والتنمي
...
-
فوق نفس الرقعة: ربح العرب الضامة وربحت أمريكا الشطرنج
-
2006-1996 عشر سنوات بعد الاصلاح الدستوري في المغرب أي أفق
-
منبعنا مشترك سواء في لبنان أو روما
-
الانتقال من الوطنية الى المواطنة
-
ثلاثة ملايين مهاجر مغربي كتلة لإنتاج قيم الديمقراطية والتقدم
-
تركيا: حجر الزاوية في حوار المتوسط
-
من يستفيد من حرية الصحافة الأنظمة أم الشعوب؟
-
الجدل الصاخب بين شبق الهوية وعبق الحرية
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|