|
في الذكرى الأربعين لاستشهاد المفكر الاجتماعي الكبير عبدالعزيز بلال/ قراءة في سيرة فكرية وسياسية لمثقف عضوي.
أحمد زوبدي
الحوار المتمدن-العدد: 7260 - 2022 / 5 / 26 - 06:12
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في الذكرى الأربعين لاستشهاد المفكر الاجتماعي الكبير عبدالعزيز بلال/
قراءة في سيرة فكرية وسياسية لمثقف عضوي.
في يوم 23 ماي من سنة 1982، استشهد المفكر الإقتصادي- السياسي عبدالعزيز بلال (1932-1982) نتيجة حريق دبر للفقيد وهو نائم في فندق هلتون بمدينة شيكاغو بأمريكا، معقل الإمبريالية والصهيونية. سافر حينها عزيز بلال للمشاركة في توأمة الدار البيضاء وشيكاغو بصفته نائب رئيس المجلس البلدي لعين الذئاب بالعاصمة العمالية. كانت الإمبريالية وقتها تعيد ترتيب أوراقها في خضم أزمة الرأسمالية و الإمبريالية في ما أطلق عليه في ما بعد بإجماع واشنطن 1 ؛ وكان عزيز بلال يوجه انتقاده بشكل صريح للفاشستية و الإمبريالية والصهيونية ولا يتوانى في نقد الغرب المتعجرف والمسيطر. كان الفقيد عزيز بلال لا يتوقف عن عقد ندوات ولقاءات فكرية وسياسية والمساهمة في النقاشات النظرية والأيديولوجية والسجالية لتوجيه نقد صارم لسياسات الكيل بمكيالين التي تفرضها الإمبريالية وتحميل كامل المسؤولية لها وللأنظمة الرجعية التي تفرض الأربارتايد على شعوب دول الجنوب. قامت أجهزة الإمبريالية بتسريب الغاز في غرفة الفندق الذي كان يقيم به عزيز بلال، بتواطؤ مكشوف للنظام المغربي، مما أدى إلى خنق الراحل بلال وتم نقل الشهيد إلى المستشفى وهو مازال على قيد الحياة، لكنه توفي في الطريق بسبب تأخر سيارة الإسعاف، وهو سلوك معتمد ليس إلا. مما يعنى أن الخطة كانت مدبرة لتصفية الرفيق عبدالعزيز بلال. التحق الشهيد عزيز بلال بجامعة تولوز بفرنسا لمتابعة دراسته في الإقتصاد السياسي وحصل في 1956 على دبلوم الدراسات العليا و دخل إلى المغرب والتحق بالوظيفة العمومية، كموظف سامي، ليساهم بشكل عملي في صياغة العديد من مشاريع لإصلاح الإدارة المغربية بعد خروج المستعمر. لقد ساهم عزيز بلال بشكل ذكي في إعداد قانون الشغل وبرامج التخطيط، وهو تمرين ليس بالهين. في ظل الحكومة الوطنية( 1958 / 1960) التي ترأسها المرحوم الأستاذ عبدالله إبراهيم، عين الفقيد بلال كاتبا عاما لوزارة الشغل والشؤون الإجتماعية، وانكب إلى جانب فريق عمل للقيام بدباجة وصياغة قانون الشغل. التحق بهيئة التخطيط وساهم بقوة في إعداد المخطط الخماسي، النسخة الأولى. المخطط الخماسي( 1964/1960) في نسخته الأولى الذي رأى النور في ظل حكومة عبدالله ابراهيم، لكن للأسف الشديد، تم إقبار هذا البرنامج المستقبلي الطموح، بعد إعفاء هذه الحكومة من قبل القصر، لأنه وضع نموذجا استراتيجيا يقطع مع التبعية للميتروبول بهدف الإقلاع بالاقتصاد والمجتمع المغربيين من خلال إنشاء مؤسسات اقتصادية كالبنك الوطني للتنمية الإقتصادية وإعادة تنظيم بنك المغرب وهيكلة مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية إلى جانب مؤسسات وطنية أخرى لوضع شروط اقتصاد وطني ممركز على الذات. بعد هذه التجربة الميدانية، وعلى إثر إعفاء حكومة عبدالله ابراهيم من مهامها من قبل القصر وإعادة هيكلة جسور الاستمرار في الارتباط والتبعية للميتروبول وللغرب عموما، التحق عزيز بلال بالجامعة المغربية كأستاذ للإقتصاد السياسي؛ وفي 1965 حصل على شهادة الدكتوراه في نفس المجال بجامعة غرونوبل الفرنسية. توجت هذه الدراسة البحثية الأكاديمية بحصول الفقيد عزيز بلال على جائزة أحسن أطروحة الدكتوراه. وفي 1968 نشر بلال هذا العمل البحثي المتميز في كتابه " الإستثمار في المغرب (1912- 1964) ودروسه في مجال التنمية الإقتصادية " لدى المطابع الفرنسية المرموقة موتون ؛ مؤلف من العيار الكبير وضع اللبنات الأولى في مجال التفكير والتنظير في الإقتصاد السياسي ( وليس الإقتصاد الخالص)، والذي قال عنه انطوان أيوب حينها في مقالة جميلة ( راجع مجلة العالم الثالث، يوليوز/سبتمبر 1969) على أن كاتب هذا المؤلف لم يكتفي بالوصف لكن ساهم في إنجاز نقلة نوعية على مستوى التجريد والتملك المعرفي معتمدا على كمية هائلة من الإحصائيات والوثائق. في 1980، صدر لعزيز بلال مؤلف" التنمية والعوامل غير الإقتصادية"، الذي كشف عن الوجه الخفي للاقتصادوية (أو النزعة الإقتصادية ) " économisme"، التي ترى في الإقتصاد العامل الوحيد لتفسير أزمات الرأسمالية بشكل خاص والأزمات الإجتماعية بشكل عام. في 1986، تم نشر " التخلف، الماضي، الحاضر, المستقبل "، كتاب صدر عن دار النشر التقدم، موسكو، للراحل بلال مع صديقه الإقتصادي الروسي الكبير يوري بوبوف، بعد أربع سنوات على وفاته. هناك ملاحظة أساسية لابد من تسجيلها عن هذا الكتاب ذلك أنه قد تمت صياغته بطريقة لا تعكس لا أسلوب عزيز بلال، المعروف بالسهل الممتنع لكن العميق والذكي والذي له طاقة خلاقة لتملك المعرفة وإنتاجها بسلاسة فائقة، ولا رؤيته ومواقفه في ما يخص الإشتراكية فكرا وممارسة. محتوى هذا المؤلف يحيل إلى الديباجات التي تعرفها المؤلفات الصادرة في الإتحاد السوفياتي آنذاك والتي كانت تعاني من الرقابة و بالتالي تسعى إلى تبرير الأيديولوجية السائدة. لا غرابة في القول أن القارىء الذكي يمكن أن يصنف هذا الكتاب، على الرغم من أهميته، في خانة كتب تعميم " ouvrages de vulgarisation" الفكر والثقافة الإشتراكيين في الإتحاد السوفياتي. عزيز بلال لم يكن ذلك المفكر الذي ارتبط بشكل دوغمائي بالكتابات والأدبيات الصادرة عن مطابع الإتحاد السوفياتي وبالأخص مطابع التقدم. حين تقرأ كتابات عزيز بلال، تلاحظ أنها كتابات مؤصلة وأصيلة نابعة من أعماق مفكر حر لا يرتكن لأية جهة، بل يكتب بتنور وحكمة، كما يملي عليه ضميره وقناعاته. فضلا عما سبق، ساهم عزيز بلال في نشر العديد من الكتب الجماعية سواء في المغرب أو في الخارج، وكان يكتب باستمرار في العديد من الصحف والمجلات التقدمية الوطنية والأجنبية. للأسف الشديد، لم تتبع هذا التفكير المتميز في الإقتصاد السياسي النقدي، الذي قام به الراحل عزيز بلال بإحكام ويقظة وبشكل فردي، بحوث واجتهادات لإضافة قيمة جديدة لهذا البنيان، رغم المحاولات التي قام بها بعض تلاميذته القلائل جدا. ظل عزيز بلال يكتب ويحاور ويؤطر في الجامعة وفي الحزب الذي كان ينتمي إليه كمنظر من طراز رفيع حيث كان له تأثير كبير في الرفع من مستوى هذا الإطار السياسي على مستوى الفكر الممارسي ( أو البراكسيس)، حتى أنه استطاع أن يشق طريقا موازيا للخط الرسمي للحزب للحفاظ على ديناميته وتصحيح مساره بحكم وجود عناصر تشوش على الدور الطلائعي الموكول له و المرتبط بقضايا الفقراء والطبقة العاملة. وقد كان احتكاك الراحل بلال بقضايا الطبقات الشعبية والطبقة العاملة ومشاكل شعوب العالم الثالث دور أساسي مكنه من بلورة منظومة مفاهيمية في الإقتصاد السياسي من قبيل الكوكبة "satelletisme " والتنمية القائمة بذاتها " développement auto-entretenu" والمضاعف البنيوي "multiplicateur d infrastructures" والقطاعات الإقتصادية ذات الامتياز، التأثير الكبير للفرنك الفرنسي في تكريس التبعية وغيرها من المفاهيم التي نحثها عزيز بلال من خلال قراءته الذكية للواقع المغربي. كان الفقيد عزيز بلال يشتغل كمفكر أممي مع كبار منظري التبعية والتخلف إلى جانب صديقه الفقيد سمير أمين وصديقه الفرنسي الفقيد جيرار ديستان دو برنيس، هذا الأخير الذي اقترن اسمه الأكاديمي في الجامعة المغربية باسم عزيز بلال، بحكم مساهمته القوية في تكوين أجيال من الطلبة المغاربة في جامعة غرونوبل والذين التحقوا بالجامعات المغربية كأساتذة مساعدين. كان الراحل عزيز بلال، وهو المثقف العضوي والرسولي، يعمل على جميع الواجهات، مؤطرا وموجها ومنظرا للحزب، كما سلف ذكره. أستاذ باحث يدرس ويؤطر ويكتب ويحاضر كذلك في المنتديات والمحافل الدولية، كمفكر عالمثالثي وأممي، مدافعا عن قضايا الشعوب الفقيرة ومنتقدا بشكل جذري للإمبريالية. الحزب الشيوعي المغربي، الذي التحق به الشهيد عزيز بلال، وهو شاب مثقف ثوري متنور، والذي غير اسمه إلى حزب التحرر والإشتراكية تم إلى حزب التقدم والإشتراكية اليوم؛ هذا الحزب أعطاه شهيد الوطن بلال كل ما لديه، أعطاه وقته وماله وضحى بأسرته وبحياته. هذا الحزب أي حزب التقدم والإشتراكية، بعد تصفية الراحل عزيز، بدأ في التفكك تدريجيا. فقد تعرض الحزب لانشقاق قاده التهامي الخياري وزمرته، في 1997, بمعية المجرم ادريس البصري، إلى أن تحول اليوم إلى زاوية لتوزيع الريوع من مكاسب ومناصب. هذا الدكان دخل اليوم مرحلة الموت السريري ولم يبق منه شيء يذكر. هذا الدكان، الذي تحول إلى حزب الأعيان والمفسدين، توجد على رأسه شرذمة من الانتهازيين والسماسرة، وظفهم النظام لتمرير الكثير من سياساته ليمسك على الحكم المتسلط بقبضة من حديد. قام المخزن بإذلال العناصر المافيوزية التي استحوذت على الحزب وتم تقزيمها وتركيعها حتى تحولت إلى أداة طيعة في خدمة المخزن والبلاط. ومن بين الأحداث التي تدعو للضحك وللسخرية مشاركة حزب التقدم والإشتراكية في حكومة إسلاموية يقودها حزب مهرج، مافيوزي سليل النظام المخزني، ضدا على مقررات و وثائق المؤتمر التي تمنع الحزب من المشاركة في حكومة ذات مرجعية منافية لإيديولوجية حزب التقدم والإشتراكية. للإستأناس، نفس المسار المأساوي سياسيا عرفه الإتحاد الإشتراكي. رحل عزيز بلال مغدورا وتم اغتياله من جديد من خلال تحويل حزب وهب له حياته، إلى دكان لخدمة مصالح المرتزقة واللصوص. مرت أربعة عقود على رحيل مثقف رسولي ولازال عزيز بلال يناضل رغم أنف السماسرة والمضاربين بأرواح الشهداء وتاريخ المناضلين الأوفياء. مرت أربعين سنة على غياب مثقف أممي ولازال فكره فكر ذي راهنية لتفسير وتقديم الأجوبة على مشاكل روح العصر.
#أحمد_زوبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الخامسة والثلاثين لاغتيال المفكر العربي الكبير الش
...
-
في المثقف المستقل والمثقف الحزبي
-
اغتيال العقل الاقتصادي.
-
في نقد ثقافة المناخ المبتذلة
-
في نقد الحداثة القائمة بالفعل
-
استمرار البنك العالمي و صندوق النقد الدولي في نهب ثروة المغر
...
-
لأجل الثورة الثقافية
-
في الديموقراطية القائمة بالفعل
-
في الذكرى المئوية لثورة أكتوبر ١٩١٧
...
-
اقتصاديو اليسار في زمن العولمة.. المغرب نموذجا /
-
في الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل المفكر المغربي عبدالعزيز ب
...
-
ما بعد كوفيد-١٩ : ملامح نظام عالمي جديد في الأفق م
...
-
شذرات خاطفة عن ظاهرة الفقر.
-
هل البورجوازية الوطنية ذات راهنية في زمن كورونا ملاحظات نظر
...
-
الدرجة الصفر للتكوين والبحث في الجامعة المغربية : كليات الإق
...
-
في الإقتصاد السياسي لثروة الفوسفاط في المغرب.
-
محاولة في نقد حزب الطبقة العاملة : ملاحظات عامة و أولية للنق
...
-
في نقد ثقافة العولمة, بعيدا وقريبا من كورونا ! ملاحظات تمهيد
...
-
في الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل المفكر المغربي الشهيد عبدا
...
-
في استقالة المثقف في موسم كورونا !
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|