اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7259 - 2022 / 5 / 25 - 09:15
المحور:
الادب والفن
منذ زمن لا اعرف مقداره ، وانا اخرج كل صباح مصطحباً فأسي لاحتطب شيئاً من غابة الشمس ، وادخره الى الشتاء القادم ، وحين اعود مساءً : اخبيء ، خوف الوشاة ، فأسي وساعديّ وبقع الضوء التي علقت بذيل ملابسي ، بين شجرتي النبق والتوت اللتين تسوران بيتي من الخلف ...
في اليومين الأخيرين لم اخرج لاحتطب ، كان صوت الراديو يهذي بأخبار غير سارة عن تقلبات الطقس .
وفعلاً : خلال هذين اليومين أمطرت الشمس لهيباً متواصلاً حتى جف الهواء ، وتخاذلت اجنحة الطيور ، وكفت مويجات النهر عن احتضان مناقير النوارس ، ولاحت على وجوه المارة سمات الاختناق ، وانحنت كؤوس الورود على سيقانها ، واختفت اجنحة الفراشات ولم نعد نسمع طنين النحل ، وران صمت ثقيل على طول الشارع . نظرتُ بقلق الى الزهور المنبثة على جانبي الطريق متسائلاً : ما اذا كان نسغها الصاعد قد توقف ، وتوقف نتيجة لذلك تنفسها ، وبالتأكيد ستفقد قدرتها على تصنيع العطور ونفثها ؟
في هذا الجو المدلهم : اندفعتُ صوب وردتي التي خرجتُ من اجلها ، قبلتها ثم قطفتها وضممتها الى صدري ، وعدت مواصلاً سيري الوئيد ، كما لو انني امشي على شاطيء النهر ، وليس على أسفلت شارع يتفجر بالحمم .
ولكي لا تلتصق تهمة : قنّاص الورود وقاصف اجنحة الفراشات بي ، علقت الوردة على صدري
ورحت أدندن ببعض قصائد ت . س . إليوت الايروتيكية ( كتبها بعد السبعين من عمره ) طالت دندنتي دون ان يسقط في يدي نهد
او تعانقني غمامة
هل سمعت الوردة شكواي ؟ فلقد لمحت شفتاها تترنمان بكلمات من قاموس نشيد الإنشاد ، واحياناً تستدعيان نسوة يوسف ، او تحاوران صديقة الملّاية وهند رستم ، ثم ترسمان لي أيقونة تدل على انها بلغت مرحلة ال : Sadness ، وانها لا تقوى على مواصلة الرحلة الى " جحيم " دانتي وكوميدياه " الإلهية " فاقترحتُ عليها ، كما لو كان كافكا هو الذي ألهمني الاقتراح - التحوّل الى شيء آخر لا يتنفس ...
ومنذ ذلك اليوم استبدلنا ، يا شيخ الشعراء ،
عطر الورود برائحة البارود .
وقايضنا رائحة القرنفل برائحة المسالخ
وبادلنا منظر شلالات المياه
بمنظر شلالات الدم
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟