|
المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1674 - 2006 / 9 / 15 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على ضوء الحرب الصهيونية على لبنان، والتدمير الوحشي الذي أحدثته، جرى التساؤل حول ضرورة المقاومة. كما جرت الإشارة إلى إعتبار أنها السبب في هذه الحرب المدمرة. وبدا وكأن المقاومة ترف أو مغامرة. هذه هي الفكرة التي لم تقلها النظم الرجعية العربية فقط، بل رددها رهط من الليبراليين العرب، وعديد ممن يعتبر ذاته من اليسار. ولاشك في أن الميل "السلمي"، والسعي للتكيّف مع العولمة هما أساس الخطاب الليبرالي، اليساري سابقاً. وبالتالي فإن تعبير المقاومة بات شاذاً في ذاك الخطاب. وأضحى الخطاب الذي يدعو إليها خطاباً ماضوياً متخلفاً "عن مواكبة العصر". وأصبحت العقلانية تقتضي التفاوض والتفاهم والقبول بالممكن، وترك محاولة تعديل ميزان القوى لأن ليس من فائدة في ذلك. والمشكلة في هذا الخطاب الديماغوجي هي أنه ينطلق من أن قبولنا بالأمر الواقع الراهن سوف يفضي لأن يقبل النظام الامبريالي الصهيوني بذلك، الأمر الذي يفضي عبر الحوار والتفاوض والتفاهم إلى إنهاء الصراع وتحقيق التعايش. موهماً بأن مجرّد قبولنا كافٍ لأن يتحقق "السلام والرفاه"، وبالتالي يلقي اللوم على الذات، ويرفض كل محاولة للمقاومة من أجل تعديل ميزان القوى. معتبراً أن في ذلك تطرفاً وسوء فهم للوضع الدولي، وبالتالي خالٍ من العقلانية. في هذا الخطاب سذاجة مفرطة، ويسكنه ميل مزمن ورثته من الحركة الشيوعية، يتمثل في القبول بالأمر الواقع، أي التكيف مع الوقائع التي يصنعها الآخرون: النظم أو الامبريالية. وبالتالي "التفكير السلمي". وهو بالتالي لازال الخطاب الشيوعي الذي يُقال أن كل هؤلاء قد عقدوا العزم على تجاوزه، رغم أنهم لازالوا غارقين حتى الإبط في أتونه. والمسألة هنا تتمثل في أن هذه السياسة لا تنطلق من الواقع، ولا تحدد مكمن الصراع، كما لا ترى مصالح القوى الامبريالية وإستراتيجياتها، ولا تفهم تحسس الشعب العربي من الدور الامبريالي الصهيوني، ووقوفه مع كل مقاوم لهذا الدور. حيث أن هذا الشعب يعرف بإحساسه المباشر أنه في صراع مع هذه القوى لأنها سبب وضعنا المزري. سبب وجود الدولة الصهيونية والمآسي التي خلقها ذلك. وسبب التجزئة. كما سبب تدمير كل محاولات التطور التي بدأت مع محمد على باشا، مروراً بأحمد عرابي، إلى الآن. وهذا لا يعني أننا تلقي اللوم على "الخارج" كما بات يقال، بل لأن هذا هو دور القوى الامبريالية الصهيونية من أجل تحقيق مصالحها. لكن ينبغي أن نلمس تخلفنا حينما ندرس آليات المواجهة، ومشكلات النظم التي أسستها "حركات التحرر". ومن ضمن ذلك هذا العقل المتكلس الذي حكم اليسار، وانتقل مع انتقاله إلى الليبرالية. فهو عقل أحادي يرى العالم كما يراه جورج بوش و بن لادن، أي: مع أو ضد. أبيض أو أسود، وبالاستتباع إشتراكي أو رأسمالي. إنه عقل أحول، ويؤسس لسياسة متخلفة. دمر الحركة الشيوعية العربية، وهو الآن ينتقل لتكرار التنظير الشيوعي القديم حول السلام، وأيضاً الديمقراطية، والتكيف. لكن في إطار أسماه: الليبرالية. وبالتالي فإن مسألة تخلفنا تظهر واضحة في مواجهة السياسات الامبريالية، وفي تنظيم أنفسنا لمواجهة هذه السياسات. تخلفنا تركز في هذه المسألة، غير المنعزلة عن تخلف البنى الاجتماعية والمجتمع عموماً. لكن كان يجب أن تمتلك الحركة السياسية "روح الحداثة"، وأن تفكر بمنطق حديث. وهو ما لم يتحقق خصوصاً لدى اليسار. ربما كان هذا الاستطراد يهدف إلى التأكيد على أننا لا نتجاهل البنى الداخلية، لكن المسألة مركبة عندنا، حيث تراكب التخلف الداخلي مع الفعل الامبريالي. ولهذا يجب أن نفرز هذا من ذاك لكي نحدد آليات العمل والرؤية. وما أشير إليه هنا هو أن المنطقة العربية ظلت مجال صراع دولي، وإن كانت حركة التحرر قد إنتصرت بفعل توازن القوى العالمي الذي أوجده الاتحاد السوفييتي، فإن إنهياره قد أدى إلى بدء إستراتيجية إمبريالية تهدف إلى السيطرة. بدأت في الحرب الامبريالية الأولى على العراق سنة 90/91، وظهرت واضحة بعد الحادي عشر من أيلول سنة 2001. وتهدف هذه الإستراتيجية إلى الاحتلال والسيطرة من أجل نهب النفط واحتكار الأسواق. ولتحقيق ذلك تسعى إلى إعادة صياغة المنطقة على أساس جغراسياسي جديد، يقوم على تفكيك الدول صنيعة سايكس/بيكو إلى دويلات طائفية. كما يقوم على فرض الدولة الصهيونية التي كانت جزءاً من الفعل الاستعماري الامبريالي، كقوة إقليمية، يترابط دورها والدور الامبريالي الأميركي الذي بات يحتل العراق، ويسعى لفرض هيمنة شاملة على كل المنطقة. هذه هي إستراتيجية الشركات الاحتكارية الامبريالية، التي تنفذها الدولة الأميركية وأداتها الدولة الصهيونية، وتخطط وتبني القوى من أجل تحقيقها. وهي إستراتيجية باتت معروفة وواضحة. وبالتالي هي جزء من الفعل الصراعي الواقعي الذي يفرض تنظيم القوى من أجل المواجهة. وهذا الدور كان يجب أن يلعبه اليسار منذ بدء إنفلات العدوانية الامبريالية. لكن كبيراً منه إنحنى تحت شعارات مثل: الظروف الجديدة، ومتغيرات العصر، والعقلانية، والاندماج. معتبراً أن الرأسمالية تعود إلى "إنسانيتها". أو أننا كنا حينما نصفها بالامبريالية و نصف شرورها، ننطلق من موقف أيديولوجي ضيّق، هو الماركسية. وبالتالي لم نكن نرى مزاياها وديمومة تطورها. أي أن هذه القوى بدأت تنظّر لما ينافي الممارسات الامبريالية الوحشية التي بدأت منذ سنة 1990. بمعنى أن هذا اليسار تكيف مع متغيرات العصر بدل أن يفكر بمواجهتها، وإختلق كل المبررات التي تعينه على ذلك. وبدل أن يصبح قوة مواجهة أصبح قوة إستسلام. وبالتالي هناك فعل إمبريالي للسيطرة والاحتلال مترابط مع الفعل الصهيوني. بدأ مع قيام الدولة الصهيونية، وأصبح أكثر خطراً مع عودة سياسة الاحتلال والاستعمار بعد إحتلال العراق. وهو يستهدف كل المنطقة العربية، كما تبدى في الحرب على لبنان. وهذا الفعل يفترض المقاومة كرد فعل طبيعي، وكحق. لتصبح المقاومة ضرورة من فلسطين إلى العراق ولبنان، وكل المنطقة العربية. في هذا الوضع ليست وحشية العدو (كما ظهر في فلسطين و العراق ولبنان) هي التي تحدد ضرورة المقاومة، بل أن وجود العدو ذاته هو الذي يحدد هذه الضرورة، بغض النظر عن ميزان القوى، أو إنطلاقاً أولاً من اختلال ميزان القوى. حيث أن من طبيعة الأمور أن تبدأ المقاومة في ظل ميزان قوى مختلّ. لكن يجب أن تتطور لتغيير الوضع. وهي لن تتطور دون ممارسة المقاومة ذاتها. وبالتالي لا يجب التحجج بأن ميزان القوى مختل من أجل وقف المقاومة، أو إتهامها بالمغامرة. كان أجدى أن تتعزز المقاومة بقوى جديدة لكي تكون فاعليتها أكبر. وكان أجدى أن يجري البحث في دور اليسار فيها، كما فعل الحزب الشيوعي اللبناني. فنحن محكومون بالمقاومة والأمل. حيث أصبح من الضروري تطوير المقاومة بعد أن توسع الوجود العسكري الامبريالي في الوطن العربي، وبات العراق محتلاً بعد فلسطين، وبعد أن غدت الدولة الصهيونية جزءاً مباشراً من الإستراتيجية الامبريالية الأميركية للسيطرة والاحتلال. ولاشك في أننا نختلف مع حزب الله من حيث كونه حزب ديني و ينحصر في طائفة محددة هي الشيعة، وبالتالي نختلف بالخيارات المجتمعية، لكن حزب الله إستعد للمقاومة وقاوم. ونحن نتوافق معه في هذه المسألة، حيث أن المقاومة ضرورة. ونعرف أن وضعه سيكون صعباً إذا لم يتحول إلى مقاومة وطنية. ومن أجل ذلك يجب أن يلعب اليسار دوراً في المقاومة. فاليسار مقاومة. مقاومة للرأسمالية ولسياساتها وحروبها، ولقد ملأ القرن العشرون بطولات. واليسار ينطلق من الوطن والمواطنة، ليعبر عن كل الوطن والمواطنين. وهو الذي يحمل رؤية مستقبلية، وينشد التطور. وهو مقاومة ضد الاستبداد كما هو مقاومة ضد الاحتلال. ويجب أن نعرف أن تطورنا وحداثتنا لن تتحققا إلا عبر المقاومة، لأنهما محتجزتان بفعل آليات السيطرة الامبريالية على العالم، كما بفعل الميل الرأسمالي لاحتكار الأسواق والتحكم بالمواد الأولية، وإحتكار قوى الإنتاج التي هي: الصناعة. إنه نمط هيمني. وعدواني لأنه هيمني. والرأسمال يسعى لاستمرار إحتكار الصناعة، وبالتالي التدخل لمنع أية محاولة لبناء الصناعة. ودون الصناعة ستبقى حداثتنا ملتبسة ومشوهة، وتبقى عودة الأصولية الدينية قائمة، كما تبقى إمكانية إنفتاح الصراعات الطائفية واردة. وبالتالي فإذا كانت الليبرالية العربية تدّعي السعي لتحقيق الحداثة، فإنها في الواقع تكرس البنى المخلّفة القائمة وتدعم إستمرار الأصولية والتفتت الطائفي. لأنها تتكيف مع السيطرة الامبريالية بدل أن تقاومها. حيث لا إمكانية لتطور وحداثة في ظل السيطرة والاحتلال الامبرياليين، فالامبريالية عنصر منع لهما. قوة كبح هائلة التأثير إذا لم تقاوم. وبالتالي فالاستقلال، الذي يعني التطور الحر لقوى الإنتاج و للمجتمع عموماً، أساس. وحين يُهدد أو ينتفي تكون المقاومة هي الضرورة.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترقيع السلطة الفلسطينية
-
وحدة اليسار: حول اعادة صياغة اليسار الماركسي
-
من أجل المواجهة مع المشروع الامبريالي الصهيوني
-
الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية
-
وضع فلسطين بعد الحرب على لبنان
-
الصراع الطائفي يُفشل القتال مع الاحتلال الأميركي
-
إنتصار حماس ومآل الوضع الفلسطيني
-
توضيح -إعلان دمشق-
-
مأزق حزب الله
-
-فرق الموت- في العراق
-
الوطن والوطنية: بصدد المفاهيم
-
ملاحظات أخيرة على إعلان دمشق
-
أزمة - القطاع العام - في سوريا
-
ثورة أكتوبر، محاولة للتفكير
-
دعوة لتجاوز - إعلان دمشق -
-
التاريخ و صيرورة الديمقراطية و العلمانية
-
ملاحظات حول - إعلان دمشق -
-
الروشيتة الأميركية من أجل الحرّية و الديمقراطية و الإصلاح
-
بوش كمخلِّص: جذور النظر الى أميركا
-
المقاومة و الإرهاب في العراق
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|