أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - .......سيدي الكريم حمزة الحسن // زيتونـة الشــام - هادي العلوي















المزيد.....


.......سيدي الكريم حمزة الحسن // زيتونـة الشــام - هادي العلوي


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 495 - 2003 / 5 / 22 - 04:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


زيتونـة الشــام

هادي العلوي
 

 ( سيدي الكريم حمزة الحسن

          تحية طيبة ، وسلام .. وبعد ؛
اسمح لي بداية أن أنحني بإجلال أمام تضحياتكم النبيلة ، وتضحيات الشعب العراقي النبيلة والجسيمة في مقاومة ذلك الطاغوت الغاشم البائد .. التي تذكرنا بتضحيات الشعب العربي الفلسطيني المناضل في سبيل حريته واستقلاله ، في وجه طغاة عنصريين بعيدين كل البعد عن الأخلاق والقيم الإنسانية ..   واعترافي بأنّ كلّ الكلام في وصف هذه الحالة الإنسانية أجوف ، ولا يمكن أن يصل إلى درجة دنيا من مستوى أبسط المشاعر التي عاناها شعبنا العراقي تحت نير حكم طاغوت جاهل ، ويعانيها شعبنا الفلسطيني تحت نير أبشع احتلال عنصري خرف ..

فهل يستطيع أكثر العباقرة نبوغاً أن يصف بالكلمات مشاعر وطني غيور يُبعد عن وطنه ظلماً ، أو بعضاً من أحاسيس ومشاعر أم تُدفن حية مع رضيعها ، أو مشاعر أم تموت وهي في حال المخاض على حاجز صهيوني لا يسمح لها بالوصول إلى الطبيب ، أو مشاعر أطفال يتحلقون حول أمهم ، تناولهم طعام الإفطار ، وإذ برصاصة جبانة من مغتصب صهيوني حاقد ترميها  أرضاً بين أطفالها ملطخة بالدماء ..   ؟!!..

وإن ثار هؤلاء الأطفال يصفونهم بـ "الإرهابيين" ..

لا أحداً يحب الإرهاب ، الإرهاب لا يأتي من الفراغ ، إنما لكل علة سبب ..

أيها الإرهابيون ، يا أسباب الإرهاب ، استفيقوا : أزيلوا الاحتلال والظلم والقهر والاستثمار والاستعباد ، الكامنة في صلب سياستكم وممارساتكم اليومية ، لينعم العالم بالأمن والسلام بعيداً عن الإرهاب .. 

 

سيدي الكريم حمزة الحسن !

مأساتكم تذكرنا بمآسي الإنسانية :

" عندما يجوع إنسان واحـد تجـوع  الإنسانيـة كلــها

عندما يتوجع إنسان واحــد تبكي  الإنسانيــة كلــها

عندما يفقد إنسان واحد حريته تكبل الأغلال الإنسانية كلها

عندما يموت إنسان واحد تلبس الإنسانية كلها ثوب الحداد "

                                  ( الشاعر الصيني : زونغ جين ينغ )

عزاؤنا أننا بقينا أحياء لنرى نهاية بعض الطغاة ، وبداية مرحلة محاكمتهم التي تعد ضرورة إنسانية ملحة ..

قرأت مقالك المؤثر على صفحات ـ الحوار المتمدن ـ  ( لا تنسوا المعلم هادي العلوي ) تاريخ 20 ـ 5 ـ 2003 ، فهزّ مشاعري .. ودفعني لنشر هذا المقال الذي تكرم عالمنا علينا به كمقدمة لكتابي : ( عبد المعين الملوحي ، أمير شعراء الرثاء ، الصادر عن دار الكنوز الأدبية ببيروت ـ عام 1996 ) ، عرفاناً بالجميل لهذا لعالم الجليل ، وتأريخاً لأعماله ، التي لا بد سيجد فيها القارئ المتعة والفائدة ، وتأكيداً على أن (هادي العلوي) باق بيننا ننهل من علمه ، ونستظل بفيء نبله وعطائه ..

مع أخلص التحيات وصادق الأمنيات بحياة حرة كريمة بعيدة عن كوابيس الطغاة ..

      طرطوس 21 ـ 5 ـ 2003                شاهر أحمد نصر )

 

************************ 

   زيتونـة الشـام

هادي العلوي
 

كان اسمه من الأسرار التي نخفيها عن أعين الشرطة . في أواسط الستينات اعتقل العارفيون صديقي الكردي محمد ملا كريم ، وكانت في منزله مجموعة كبيرة من المدونات والكتب اليسارية والماركسية التي صدرت قرارات انقلابيي شباط بمنعها . وقبل أن تقع عليه أعين الشرطة العارفية حملها أخوه محمد إليَّ لإخفائها في منزلي . وكنت في ذلك الوقت من نشطاء القيادة المركزية المنشقة عن الحزب ومحمد ملا كريم مع الحزب ولو أنه من ناقديه المجاهرين . ووفرت لي المجموعة المخبأة فرصة لقراءة ما فاتني قراءته من كتب لم تقع في يدي سابقاً . وكان من بينهما كتابان عليهما ذلك الاسم وهما " دور الأفكار التقدمية في تطور المجتمع " وكتاب لمكسيم غوركي نسيت عنوانه . وعندما التقيت بعبد المعين الملوحي في عاصمة الصين ـ تذكرت الاسم السري حين قرأته على وجه ذلك الكهل الوقور القادم للتو من منابت الزيتون إلى بلاد التاو وقلت في نفسي أتراهم يخافون من الوجوه الوديعة ، ترى أين سيشعرون بالأمن ومتى ؟ لكن العرب قالت  " يكاد المريب يقول خذوني " وخوف المريب من البريء والوحش من الوديع والقاتل من المقتول قاعدة مقررة في علم النفس السياسي .

بدأ الملوحي يكتب في بواكير الأربعينات . وخطوط كتاباته يتكامل فيها تراثه الثقافي العربي الإسلامي وثقافته الفرنسية وانتماؤه اليساري . فهو وريث للأصالة والهوية الحضارية ، تلك الهوية التي لا يتحقق شيء من التقدم خارج الالتزاز بها والانطلاق منها . ولم يتحرر شعب على أساس كوزموبوليتي إلا إذا أخذنا مثال التحرر الإفريقي القائم على الفرنكفونية السنغورية ، وهو شكل آخر ، مستجد ، من عبودية السود للبيض لا ينتج تقدماً بل تأصيلاً مطلقاً للتخلف إنما هو ناطق بلغة المحتل الحداثي .. وللعرب كما للصين كما للهنود وسائر أمم آسيا الكبرى رسوس حضارية تقف أوربا أمامها خجلى وجلة ، فتلجأ إلى تزوير التاريخ واستكمال عولمته على قاعدة المركزية الأوربية التامة الترسمل . بينما فتحت له الثقافة الفرنسية أفق تأصيل آخر يعمق ويغني أصالته الأم ، كما عمق وأغنى تراث اليونان ثقافة العرب الإسلامية . والملوحي يقف من أساتذته الفرنسيين موقف أسلافه من أساتذتهم اليونان : يحترمهم ويشكرهم ، على طريقة ابن رشد ، ويرفع عنهم إصر الزيف والكفر ، ليرتقي بهم إلى موقعهم الذي شغلوه في سيرورة تقدم الفكر على امتداد عصوره التأريخية المديدة . وهو إلى ذلك حذر متيقظ ويمتلك في تعامله مع أساتذته خبرة الصيرفي ـ في الفكر لا في النقود فهو هنا جاهل إلى درجة تدعو إلى الرثاء ـ فمن هنا بقاؤه عربياً واستعصاؤه على الفرنكفونية كما بقي مثقفو الإسلام مسلمين ولم يتأغرقوا أو يتفرنجوا ، بل ومثلما بقي الرشديون اللاتين لاتين فلم يتعربوا أو يتأسلموا . ومادام البشر منقسمين إلى أمم وحضارات فإن ذوبان فرد من أمة في حضارة أمة أخرى إقرار بالعبودية بين التلميذ والأستاذ خلافاً للقاعدة الديمقراطية التي تحكم العلاقة بين المثقف ومصدر ثقافته . والعالم ليس وحدة مصمتة كما يريدها أصحاب وحدة الموجود ، وإنما الحاكم في الطبيعة والمجتمع هو وحدة الوجود المستندة إلى كون الوجود واحداً والموجود متعدداً . وأصحاب وحدة الموجود هم أنصار العولمة الأورومركزية ، أما الملوحي ونظراؤه وهم الأكثر عدداً والأعمق أثراً ، فيرجعون إلى وحدة الوجود التي تعطي الثقافة الأجنبية موقعاً في الثقافة الوطنية يغنيها ولا يلغيها . وتأتي من هنا وطنية عبد المعين الملوحي الرافضة للاستعمار كما للهيمنة والتسلط : عسكرياً أم سياسياً أم ثقافياً . وهو يدرك أنّ الثقافة الأوروبية ومنها ثقافته الفرنسية ليست إنجيلاً تام القداسة ، تؤخذ وتقرأ للتبرك ، بل هي وسيلة إغناء وتطوير تضاف إلى وسائل أخرى توفرها الحياة ، ويجدها الإنسان في مواقع ومرافق شتى ، فيلتقطها بوعيه الحر ويلائم بينها من أجل أن يصنع أسلوب تقدمه الخاص به . ومن السهل على الملوحي أن يميز بين جان جاك روسو ونابليون الثالث ، وأن لا يضع فولتير في قائمة فرانسوا متران ، وهو يفرق بالتمام بين مونتسكيو صاحب روح القوانين ، وبين ليوتار الذي أفتى بإحراق العراق في حرب الخليج الثانية . بل هو يميز بين الشخص في داخله ، فيدرك تناقضاته ويعزلها عن بعضها فيشكر لجان بول سارتر موقفه التاريخي من قضية الجزائر ، ويرفض موقفه الملتبس في تأييد إسرائيل . والغرب عند الملوحي ليس وصفة جاهزة يسترشدها الباحثيون عن خلاص . ولو أنّه قد ينسى في لحظة ما تحفظاته ، فيطلق نظرة معممة تسوق إلى سوء الفهم . وقد فاجئني مرة بكلمة دفاع عن الغرب(1) كانت على شيء كبير من التعميم . ولسوء الحظ أنّها وصلت إليّ وأنا أعيش أجواء العدوان الهمجي ـ الحجري ـ على العراق من طرف الغربيين ، وهو العدوان الذي اتفقت عليه عناصر الغرب كلّها بما فيها المثقفون ، وبينهم المثقفون الفرنسيون الذين وقعوا وثيقة فتوى بوجوب تدمير العراق . وكان الملوحي قد وقّع على وثيقة معاكسة للعدوان ، ومناصرة للعراق برافديه ونخيله وأهله ، لا بحكامه ومثقفيه الخونة في جملتهم الساحقة . وكتبت إليه أنكر عليه المقال توقيتاً ومضموناً وأنا أعلم أنّه بعيد كل البعد عن تبعية المثقف لجغرافيا الثقافة ، أو خيانة الليبرالي لوطنه الأم ، أو تراجعات البيروستروكي عن ثوابته الطبقية والقومية . وقد عددتها من هفواته لا من سيئاته ، وهو إنسان يحسن ويسيء ، لكن إحسانه غريزة ، وإساءته صدفة .

والملوحي يقف في الحقيقة في مواجهة الغرب والغربيين . وفي سياق هذه المواجهة يأتي سعيه لنشر ثقافة الشرق وآدابه الحية بين العرب . ويندرج مسعاه في الغرض الذي يصبو إليه الوطنيون من المثقفين العرب على قلتهم بتعديل الميزان الثقافي بيننا ، وبين الغربيين ، وتخفيف هذه الموجة من الترجمات العشوائية التي تتسلط علينا بالتضامن مع المحطات الفضائية فتضيف إلينا غزواً آخر يكمل العدوان العسكري والسياسي والاقتصادي . ومن وسائلنا إلى ذلك عطف الوعي العربي نحو منابع أخرى للفكر والثقافة تأتينا من مشرق الشمس . وترجع مساعيه في هذا المنحى إلى الستينات حيث أصدر عام 1968 ترجمة الجزء الأول من كتاب (تاريخ الأدب الصيني من أقدم العصور ) وكان بالتعاون مع زميله الراحل نعيم الحمصي ، ثم الجزء الثاني الذي جاء بعد حين ، وأردف ذلك بمشروع ضخم عن الأدب الفيتنامي يقع في أربعة مجلدات كبيرة ، وما بين هذين الإنجازين الجليلين واصل ترجماته لشذرات ولآلئ من أدب الصين وفيتنام ، فأضاف إلى المكتبة العربية الحديثة رفداً كانت تفتقد إليه بسبب التركيز على النقل من المكتبات الأوروبية  ، وبفضل ترجمات الملوحي ، وما قمنا به من جهد متواضع في نفس المضمار ، صار بمقدور القارئ العربي الاطلاع على مصادر جديدة للثقافة تكسر هيمنة الغرب واحتكاره للوعي البشري . والمصادر التي اخترناها عامرة بمغزى إنساني وشفافية أخلاقية يصعب العثور على نظائر لها في أدب الغربيين الممزوج بجغرافيا العدوان والتجارة والتملك الخاص . وبالتكامل مع مصادر ثقافتنا الوطنية يمكن لهذا الرافد الجديد أن يحافظ على وعينا الوطني والإنساني المعرض للتشوه بقوة تسلط الثقافة الغربية لا سيما في هذه المرحلة من الانحطاط التي يمر بها الغربيون بقيادة أسوأ شعوبهم وأبعدهم عن التحضر ، وهم الأمريكان .

وللملوحي في مضمار التراث باع طويل . وأكثر انجازاته مدعاة للتقدير مجلداته عن أخبار اللصوص وأشعارهم . والمواقف الإنسانية في الشعر العربي ، والشعراء الذين رثوا أنفسهم قبل الموت ، ومراثي الآباء للأبناء . وفي عنايته بأخبار اللصوص وأشعارهم يصدر عن عبد الملوحي التسليم بأفضلية تقاليد أولئك الشعراء اللصوص ومبادئهم على تقاليد الحكام ومبادئهم . وهو يدرك أنّ وصف اللصوص قد لا يكون لائقاً بأولئك الفرسان الشعراء ، فهم أقرب إلى أن يكونوا متمردين على التفاوت الاجتماعي واحتكار الحكام والتجار خيرات الأرض دون عامة الناس ، لكنّه جارى المصطلح التاريخي كما يفعل أي باحث يتخذ لموضوعه عنواناً سائداً من غير أن يسأل عن درجة الدقة في العنونة . إنّ المرار الفقعسي الذي نقل إلينا الملوحي قوله :

إذا افتقر المرار لم يُـرَ فقره      وإن أيسر المرار أيسر صاحبه

 

يضع أساساً راسخاً للعلاقة بين الناس : كرامة الفقير ومشاركة الغني لصاحبه في غناه . وهو على أي حال لم يتكلم عن أغنياء ، وأنا بدوري محكوم هنا بضيق المصطلح ، بل عن إنسان من عامة الناس يصون كرامته إذا جاع ، فإذا واتته فرصة لليسر تقاسمها مع صاحبه . وهذا شأن العامة من الناس دون الخاصة . والروح المشتركية ، المشاعية ، أس مشترك بين العوام في مجتمعاتنا التي لم تهيمن عليها التجارة والملكية الخاصة هيمنتها على مجتمعات أوروبا .

وفي الملوحي شفافية إنسانية مصقولة في ذاته هي التي جعلته يختار من تراث الأدب مواقفه الإنسانية ومراثي الشعراء لأنفسهم قبل الموت ، ومراثيهم لأبنائهم . وتنبع هذه الظواهر الثلاثة من الحس الإنساني في ذروته الاحتدامية التي يزول فيها أي اعتبار خارجي وتصبح خالصة للذات المتوهجة بالمسآة والمتوجهة من ثم إلى الإنسان كإنسان مجرداً عن اللاواحق . ومن طرافة موضوع الحب ، الذي يلمس في جانبه العذري شغاف القلبية البشرية ، فقد تجاوزه الملوحي إلى ما هو أدخل في إنسانية التراث الشاعرة الزائدة في وسعها على فردية الحب عذرياً أم غربياً .

يسارية عبد المعين الملوحي لها طعم خاص ونمط خاص . هو شيوعي منذ البدايات الأولى ، وشيوعيته خليط من الصنف المترجم الأصلي والوعي المشاعي المحلي . على أنّها في تلاقحها مع هذا الوعي قد توفرت عنصر ثبات خلت منه شيوعية الأغيار المركوزة إلى الترجمة الخالصة  . والملوحي مشاعي بالبيئة والموروث ، ساعده على ذلك تعمقه في التراث ودراسته دراسة واعية نقدية انتقائية . ويكمن هنا سر استمرار الملوحي يسارياً اشتراكياً في جميع أطوار العمر ومع اختلاف الأوضاع ودوران الأيام والسنين : اختلف مع الشيوعيين وغادر التنظيم ، ولكنه بقي اشتراكياً ، انتقل من الإلحاد إلى الإيمان ، وبقي اشتراكياً . جاء غورباتشوف ، وبقي اشتراكياً . ذهب الاتحاد السوفياتي وانحلت الصين وبقي اشتراكياً... وليس لهذه من تفسير سوى ارتهان وعيه الشيوعي برسه المشاعي ذلك الرس الذي يأتي متساوقاً مع تكوين نفسي سوي يخلو من عقد الأنانية والحقد ، إلاّ على الأعداء الطبقيين والوطنيين ، خالص من وساوس الطمع لا يجمع بين الله والمال ، وينفر من ملكوت الأغنياء والحكام . تكوين أقرب إلى غريزة المرار الفقعسي وعروة بن الورد ، يرى المال حقاً مشاعاً فلا يكتنزه إذا حصل في يديه ـ وهو قلما يحصل ـ وغاية ما اكتنزه منه مبلغ قال لي أنّه يدخره لنفقات الجنازة !

شاهر نصر كاتب سيرة جيد وتلميذ نجيب لعبد المعين الملوحي ، أراد إنصافه بكتاب في سيرته فكان منصفاً ، وتأرخة حياته وأعماله فكان مؤرخاً أميناً . وقد أدار معه حوارات في شؤون شتى من الثقافة والحياة والنضال الوطني والقومي والأممي أعاد فيها الملوحي آراءه في هذه الشؤون ، وقد اختلف معه في نقاط ، وسجل كل منهما وجهة نظره ولكنها نقاط لا تمس الأسس الواحدة التي يرجع إليها المؤرِّخ والمؤرَّخ له . إنها سيرة كاتب كبير ومناضل مثابر كان خط حياته ونضاله يتصاعد ويتعمق مع تقدم السنين وتراكم الأحداث حتى إذا تجاوز السبعين وحث خطاه نحو الثمانين فإذا هو في مكانه كما بدأ : إنساناً ومناضلاً ومفكراً يتناسخ فكره في حياته وحياته في فكره خالصاً من ازدواج المثقف ولعبة : " اعمل بقولي وإن قصرت في عملي " لأن الفكر لا يصل إلا ومعه وصاحبه .

وثمة سطور لا يلبث المرء أن يعثر بها فيقف للتفكير والتقييم . وجلها من نتائج الأحادية في مصادر الثقافة والتي تركت تأثيرات ضارة في وعي الكثير من مثقفينا . ونقف على حالات من عدم التحديد أو التمييز ، في الوعي حيناً وفي الكلام حيناً . والملوحي ومؤرخه نصر دقيقان واعيان لكن للسان وللقلم سياحتهما الخاصة بهما ... تحدث الاثنان عن سعي الإنجليز لإيصال الكهرباء إلى القرى الفلسطينية واعتراض أهل القرية عليهم . وهذا حديث خطر وضار ، وكان ينبغي التدقيق فيه لكي لا يتصور الناس أن الإنجليز جاءوا إلى فلسطين لكهربتها . إن ما يقوم به المستعمرون مقنن تماماً بمصالح استراتيجيتهم العليا(2) وهم إذا مدوا كهرباء أو فتحوا شارعاً أو أقاموا جسراً إنما يتحركون ضمن الخطوط الضرورية واللازمة لتمشية مهام الاحتلال والاستعمار الذي يحتاج إلى الكهرباء والطرق والجسور . وقد تكهربت اليابان من دون أن تنتظر الاحتلال الأمريكي . ولو أن المستعمرين الغربيين تركوا شعوب الشرق لشأنها لتقدمت . إن الاستعمار هو العائق الأكبر للتقدم . وكم تدخل المستعمرون الغربيون في بلدان أرادت النهوض لمنعها من النهوض ! إنّ الفاتحين الغربيين يختلفون عن فاتحي العصور القديمة ، فهناك كان الفاتح يأخذ الريع العقاري من الفلاحين ، وهو لزيارة هذا الريع كان يسعى لتنمية البلدان المفتوحة . أما هنا فالرأسمالية تحتاج إلى أسواق لبضاعتها فهي تسعى لتدمير الإنتاج المحلي حتى تضمن التسويق لمنتجاتها .

وينبغي التدقيق فيما ننسبه إلى الشرق من أمور تبدو وكأنها محكورة عليه . فليس الدمشقي وحده يضرب المرأة بل البريطاني أيضاً . وقد عشت في بريطانيا حولاً كاملاً ووقفت بنفسي على الويلات التي تعانيها الكثير من الزوجات البريطانيات من سلوك أزواجهن الجانح والعدواني . وتساءل الشيخ الملوحي  إن كانت أمريكا أعدل من الإسلام في خصوص حقوق المرأة المادية ، لأن أمريكا تعطي المنزل للمرأة المطلقة . وأنا لا أرى في هذا الحكم أفضلية بل هو اعتراف بدونية المرأة وعجزها عن العيش من غير تعويض من الرجل (3). ويدخل ذلك في باب المهر ، وهو ثمن فرج المرأة . والفرق بين أمريكا والإسلام هنا هو في مقدار المهر فقط ! إنّ كلاً من الإسلام وأمريكا يرجع إلى جذر مشترك هو الملكية الخاصة ، وهي لأمريكا والغرب إله مطلق . لكنّها في الإسلام تتواجه مع عنصر آخر هو المشاعية الأسيوية . ويرجع الإسلام إلى أصلين هما التجار القرشيون والمشاعية الجاهلية مترادفة مع اللقاحية .. إنّ تاريخ الحضارة الإسلامية هو تاريخ الصراع بين هذه العناصر التي يتألف منها الإسلام . وما للإسلام من حسنات فمرجعه إلى اللقاحية والمشاعية العربيتين ، وما فيه من سيئات فإلى التجار القرشيين . وأصل الشر كله هو الملكية الخاصة بتفرعاتها المختلفة من إقطاع وتجارة ورأسمالية ، وعمليات بيع وشراء . وينبغي أخذ هذه الأوليات بالحسبان عند الحديث عن الإسلام وأوروبا أو عن الحضارات الشرقية والحضارة الأوروبية ، حتى لا نقع في مرمى التبعية للغرب ، وننطلق منه في كل شيء . وأنا  أرى في حضارات الشرق ما لا أراه في حضارات الغربيين من شفافية إنسانية وروح اشتراكية متأصلة ، ولو أنّها لم تنفرد بالوعي الشرقي وإنما تحركت وتمايزت من خلال صراعها مع أنماط الاقتصاد المختلفة .. أما الغرب فله نمط واحد أحد هو الملكية الخاصة ، وفيه تماهت وتمايزت حضارته وثقافته المركزية دون الهوامش الأخرى التي نجد فيها شيئاً من روح الإنسان فرضت نفسها على مفكرين وفلاسفة أحرار هم الذين ندين لهم بشيء من وعينا الإنساني ¤ المتبلور أصلاً في تاريخنا وحضارتنا . ويدرك الشيخ الملوحي أنّ رافد الثقافة الشرقية من الصين إلى العرب ينبغي أن يدخل في مفاصل وعينا ويرفد ثقافتنا بماء الحياة الذي يكاد ينضب بفعل التلمذة الأحادية للغربيين . وأود أن ألفت الانتباه أخيراً إلى أنّ الغيبية ، والغيبية غير الصوفية التي أسأنا فهمها ، ليست حظاً خاصاً بالشرق . فحتى الآن تحتل الشعوذة الدينية مكاناً فسيحاً في الأيديولوجيا الغربية . وأترجم لكم ما قاله مؤرخ العلم الأمريكي الكبير جورج سارتون في كتابه :

MODERN SCINCE AND ACIENT CIVILIZATION

" إنّ بلادنا التي تقود العالم في علم الفلك تقوده أيضاً في التنجيم " ..

 

تحية خضراء لزيتونة الشام عبد المعين الملوحي ، ولترفرف ظلاله النبيلة على طلابه ومريديه . والشكر الجميل لـشاهر نصر على وفائه بالحق وقيامه بما يجب علينا جميعاً تجاه معلمينا الأفاضل .

هادي العلوي

*       *       *

 * الحواشي ، والتعليقات ( كتبها الأديب والشاعر عبد المعين الملوحي )

ــــــــــــ

(1) كان مقالي (دفاع عن الغرب ) دفاعاً عن حضارته لا عن وحشيته ، وما أزال مصراً عليه .

(2) الكهرباء شيء وأسباب مدها شيء آخر .

(3) هل اعترافنا أو عدم اعترافنا بعجز المرأة يحول دون إعطائها حقها بثروة زوجها موفوراً عند طلاقها ؟

 

 



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين في شعر عبد المعين الملوحي
- بحث في الحرية والديموقراطية - 2
- بحث في الحرية والديموقراطية - 1
- عقبات تحقيق المشروع التنويري العربي ؟
- هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحالي ...


المزيد.....




- السعودية تعلن عن إجمالي عدد الوفيات خلال الحج هذا العام.. غا ...
- لحظة بلحظة.. تفاصيل وتداعيات هجوم قوات كييف على سيفاستوبول. ...
- جرحى إسرائيليون بهجوم صاروخي لحزب الله على موقع المطلة
- رسميا.. السعودية تعلن ارتفاع عدد الوفيات بموسم الحج
- شاهد: سفن محملة بالمعونات الإنسانية ترسو على الرصيف العائم ق ...
- سيلفي مع رونالدو- تشديد إجراءات الأمن ضد مقتحمي الملاعب بأمم ...
- ردع حزب الله لإسرائيل.. معادلة منع الحرب
- ضجة في إسرائيل بعد انتشار مشاهد -صادمة- لنقل جريح فلسطيني عل ...
- قديروف عن الهجمات الإرهابية في داغستان: ما حدث استفزاز حقير ...
- ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإرهابي الأوكراني على سيفاستوبول إل ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - .......سيدي الكريم حمزة الحسن // زيتونـة الشــام - هادي العلوي