نبيل حاجي نائف
الحوار المتمدن-العدد: 1674 - 2006 / 9 / 15 - 03:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بالنسبة للكائنات الحية هناك صراع بينها نتيجة الأوضاع الموجودة فيها
فكل كائن حي يسعى للمحافظة على ذاته , وسوف يصطدم مع الكائنات الأخرى التي تحمل نفس الأهداف والدوافع
فيمكن لخليتين تكونتا من انقسام خلية واحدة أن يحدث صراع بينهما , وذلك نتيجة وجود ذاتين أو مرجعين مختلفين.
إن طبيعة الإنسان وبقية الكائنات الحية مجهزة للصراع والتنافس بشكل أساسي , بالإضافة إلى المشاركة والتبادل والتعاون وإجراء الصفقات .
إن الفرق بين الصفقة والصراع هو:
في الصفقة يستفيد أو يربح جميع القائمين بالصفقة – ليس ضرورياٌ تساوي الفوائد -
أما في التنافس أو الصراع فهناك رابح أو مستفيد وهناك خاسر أو متضرر, ويمكن أن تكون نتيجة الصراع تدمير بعض البنيات المتصارعة .
إن آلية عمل الطبيعة الحية (أي بنية الحياة) الأساسية هي التنافس والصراع بين البنيات الحية , إضافة إلى المشاركة والتبادل والتعاون وإجراء الصفقات بين الكائنات , ولكن بشكل أقل.
ما هي الظروف التي جعلت بنية الحياة تختار الصراع في أغلب الأحيان وليس الصفقة؟
أن آلية الصفقة لا يمكن القيام بها في غالبية الظروف , فآلية الصفقة ليس فيها إلا تقدم ونمو وربح وزيادة مستمر
وهذا غير ممكن في أغلب الظروف المتاحة , فالإمكانيات والخيارات محدودة , وتوالد أو تكاثر كافة أنواع البنيات الحية غير محدود
لذلك لابد من التنافس والصراع على الموارد والإمكانيات المتاحة المحدودة
فنمو الأرانب مثلاً بشكل مستمر سوف يؤثر على البيئة , مثل الغذاء والمأوى ..., وكذلك على باقي البنيات الحية المجاورة
فوجود الحيز و الإمكانيات المحدودة يفرض التنافس والصراع , للوصول إلى أوضاع متوازنة تتفق مع كل ما هو موجود , بيئة , وظروفاً , وكائنات حية...
والصراع بين الكائنات الحية بعد أن ينتهي , يؤدي إلى تكون بنيات جديدة متوازنة مستقرة مؤلفة من الظروف أوالبيئة والكائنات الحية , ويستمر هذا طالما ليس هناك تأثيرات كبيرة تهدد هذا التوازن.
وكذلك نلاحظ التنافس والصراع بين البشر, فكل إنسان يسعى إلى النمو والاستمرار , وإلى نشر ذريته
ولكن لا يمكن أن ينمو الجميع
لذلك تنشأ التنافسات و الصراعات بينهم , وهي في النهاية غالباً تتزن , وتتكون بالتالي بنيات اجتماعية جديدة , وهذه البنيات الجديدة تعود , وتدخل قواها وتأثيراتها , وتفرض على ما هو موجود سابقاً
وقد تكونت نتيجةً لذلك بنيات متطورة مؤلفة من عدد كبير من البشر (بعقولهم وقدراتهم المتطورة) بالإضافة إلى البنيات المادية والتكنولوجية المتطورة جدا ً, وبمشاركة الكثير من البنيات الأخرى .
فمفهوم التنافس و الصراع, يقصد به التفاعل بين بنيتين أو أكثر, تسعى كل منهما إلى تحقيق دوافعها الذاتية , في وضع لا يسمح بتحقيق دوافع الجميع
لذلك سوف ينجح البعض ويفشل البعض الآخر. وبالنسبة للصراعات والتنافسات البشرية غالباً ما تكون على تحقيق البقاء وعلى النمو, وعلى المكانة , ونتيجة للتناقض بين الانتماءات , مثل اختلاف الانتماءات القبلية أو الدينية أو القومية أو الفكرية ....
ويخضع كل صراع لتأثيرات الأوضاع التي يكون ضمنها, فكل صراع يجب أن لا يخل بتوازن الوضع العام الجاري فيه , وإلا انهار الوضع الكلي بما فيه المتصارعون أنفسهم , لذلك على المتصارعين أن يراعوا شروط توازن الوضع العام, وإلا سوف ينهار كل شيء .
وهذا يفرض قواعد وشروطاً على المتصارعين, يجب التقيد بها,إذا أريد الاستمرار بالوجود, يمكن أن يضع المتصارعون قواعداً وشروطاً , يلتزمون بها, وذلك بهدف الحفاظ على أوضاع معينة أو الحفاظ على مكاسب معينة موجودة لدى المتصارعين , أي يكون الصراع أو التنافس في مجالات معينة محددة سابقاً
وهذا ما أدى إلى نشوء شروط وقواعد وقوانين تنظم وتضبط التنافسات و الصراعات البشرية بكافة أشكالها .
والملاحظ أنه في أغلب الصراعات البشرية تتفاوت درجات التقيد بالقواعد والأنظمة الموضوعة , وهذا يؤدي إلى تعقد وتطور الصراعات, وبالتالي عدم وصولها إلى التوازن والاستقرار المناسب بسهولة.
وكافة الصراعات تنشأ وتتطور نتيجة تغير وتطور الأوضاع الخارجية أو الداخلية للبنيات المتصارعة.
إذاً هناك صراع دائم بين الكائنات الحية المختلفة و حتى بين المتشابهة
وذلك نتيجة اختلاف المرجع أو اختلاف الانتماء, وكما قلنا يمكن لخليتين تكونتا من انقسام خلية واحدة أن يحدث بينهما تنافس وصراع
وفي كل صراع تفرض البنيات الشاملة تأثيراتها وقواها على بنياتها المتصارعة
وكذلك العكس تفرض البنيات الجزئية تأثيراتها على البنية الشاملة لها
وهناك أيضاً تأثير البنيات المجاورة , والنتيجة تكون محصلة كل ذلك
فيمكن أن تفرض البنيات الكلية تأثيراتها وأنظمتها وتخضع كافة بنياتها الجزئية إلى آلياتها وأنظمتها , وهذا يحدث عندما تكون هذه البنية متماسكة وعالية التوازن والاستقرار, وبالتالي تنتظم كافة أو أغلب التفاعلات لهذه البنيات بناء على خصائص البنية الكلية
وهذا نجد مثالاً عليه في بنية الكائن الحي , فكل كائن حي مؤلف من بنيات كثيرة , خلايا, وأجهزة, وأعضاء, و كل منها هو بنية قائمة بذاتها
وكل هذه البنيات تتشارك و تنتظم ضمن البنية الكلية للكائن الحي
وهذا يلغي تقريباً كافة الصراعات أو التناقضات بين تلك البنيات لأنها أصبحت ذات انتماء واحد هو بنية الكائن الحي , حتى في حال وجود درجات و أفضليات وتخصصات بينها , فهي تخدم وتتوافق مع بنية الكائن ككل .
وعندما تخرق التعاون والانتظام بنية أو عدة بنيات و لا تمتثل للانتماء العام, ويصبح هدفها - أو دافعها- خاص بها أو مختلف عما هو مطلوب منها - مثل الخلايا السرطانية-, تتهدد بنية الكائن الحي ككل وبالتالي كافة بنياته الجزئية.
مثال آخر:
الدولة التي تكون أنظمتها وقوانينها فعالة في تأثيرها على الأفراد والمؤسسات و كافة البنيات التي تتضمنها , فتراعي متطلبات هذه البنيات وتحقق أكبر تماسك واستقرار, مع نمو عام ولكافة هذه البنيات , وتكون التناقضات و الصراعات العشوائية في حدها الأدنى .
والدولة التي تكون قوانينها وأنظمتها متضاربة وغير فعالة ولا تناسب أغلب بنياتها
وتكون التناقضات والصراعات بين بنياتها عشوائية وكثيرة ولا تناسب أغلب بنياتها وتعيق نموها, وبالتالي تعيق نمو هذه الدولة ككل .
وقد هدفت العادات والتقاليد والأديان والعقائد , والآن الحكومات وجماعة السلام الأخضر وغيرهم , إلى تحقيق التوافق والتماسك للمجتمع البشري بالإضافة إلى تحقيق حاجات ودوافع الأفراد , مع المحافظة على البيئة في بعض الأحيان.
نحن الآن ضمن صراع البنيات الحية بما فيها الإنسان مع الكثير من أنواع البنيات الأخرى, والتي من مستويات مختلفة :
فهناك البنيات الاجتماعية الكثيرة المختلفة, وهناك البنيات التكنولوجية , والسياسية, والعقائدية......, فيمكن للبنيات الفكرية- المعارف والعقائد..- أن تصبح ضد بعض البنيات الحية فتقضي عليها أو تعيق نموها أو انتشارها .
وهذا نشاهد أمثلة كثيرة عليه, فنحن نشاهد تأثير المصانع والتكنولوجيا على البيئة بما فيها الكائنات الحية وغيرها من البنيات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية
وقد ذكر جيرمي سبيروك والكثيرون غيره تأثير نمو البنيات التكنولوجية وغيرها من البنيات, فهو يقول: إن بنيات مثل الشركات الكبيرة والمصانع الكبيرة, والمشاريع الكبيرة مثل بناء السدود وغيرها, أثناء نموها وتوسعها تقضي على الكثير من البنيات الحية والبنيات الاجتماعية الأخرى, قرى وجماعات وغيرها .
إن تنمية مشروع صناعي أو تكنولوجي أو اقتصادي أو اجتماعي...يمكن أن يكون على حساب وجود ونمو بنيات أخرى.
مثال آخر : نمو حرفة أو صناعة جديدة يمكن أن يقضي على حرفة أو صناعة أخرى , وأي صراع في مستوى معين , يمكن أن تكون له نتائج وتأثيرات كبيرة على مستويات البنيات الأخرى .
#نبيل_حاجي_نائف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟