اتريس سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 7250 - 2022 / 5 / 16 - 21:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عَالَمِك الدَّاخِلِيّ مُنْقَسِمٌ إلَى قِسْمَيْنِ، كُلِّ قِسْمٍ يُحَارِب الْقِسْمِ الْآخَرِ، النِّصْف الْأَسْوَد يُحَارِب النِّصْف الْأَبْيَض، النِّصْف الْأَسْوَد لجنود الْجَهْل وَالنِّصْف الْأَبْيَض لجنود الْعَقْل.
عِنْدَمَا يَبْدَأ الْإِنْسَان رِحْلَتِه الدَّاخِلِيَّة إلَى نَفْسِهِ، سَيُعْرَف أَن عَالِمَة الدَّاخِلِيّ لَا يَقُلْ رعباً وعصفا مِن عَالِمَة الْخَارِجِيّ.
عَالَمِك الْخَارِجِيّ انْعِكَاس لعالمك الدَّاخِلِيّ، إذَا كَانَ عَالَمِك الدَّاخِلِيّ فِي سَلَامِ وَأَمَانٌ، عَالَمِك الْخَارِجِيّ سَيَكُون أيضاً فِي سَلَامِ وَأَمَانٌ
رَائِع الْآن فُهِمَت الْكَثِيرِ مِنْ الْأَشْيَاءِ، ھل السَّلَام الدَّاخِلِيّ سَلَام النَّفْسِ مِنْ التصنيفات ؟ وَسَلَام الْقَلْبِ مِنْ الْحِقْدِ وَسَلَام الْعَقْلِ مِنْ الْوَهْمِ وَالْجَهْل ؟
قَالَ لِي: بِالضَّبْط، ذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَام،ُ اِرْتِقَاء فِي سَلَمِ الْوَعْي، وَلَن يُحَدِّث الِارْتِقَاءِ إلَّا بِسَلَامٍ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالْقَلْب. وَلَكِن إِحْلاَلُ السَّلاَمِ وَالصَّمْت لَيْس سهلاً.
أَظُنُّ أَنَّكَ تَسْمَعُ دائماً مَقُولَة، الْأَطْفَال يولدون عَلَى الْفِطْرَةِ، الْفِطْرَةَ هِيَ حقيقتك وَأَصْلِك ومنبعك ونورك الْحَقِيقِيّ وَالدِّين الْحَقِيقِيّ.
عِنْدَمَا تَخْرُجُ مِنْ رَحِمَ أُمُّك فَإِنَّكَ تَخْرُجُ متديناً بفطرتك، الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّد بِهِ لَا عَلاَقَةَ لَهُ بِمَفْهُوم الدَّيْنِ الَّذِي نَعْرِفُه الْآن.
تَوَلَّد وَأَنْتَ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّك مُؤْمِنٌ أصلاً. لَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُحِبَّ لِأَنَّك الْحَبّ بِأَكْمَلِه وَلَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَرَحُّم لِأَنَّك الرَّحْمَة بِذَاتِهَا.
لَكِنْ بِسَبَبِ تَدْخُل عَوَامِل خَارِجِيَّة، محيطك ومجتمعك و تقاليدك إلَخ.. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةَ عِنْدَمَا تَتَدَخَّل تِلْك الْعَوَامِل يَبْدَأ الْوَهْم وَالْخَيَال بِالظُّهُور وَبِنَاء نَفْسِه شيئاً فشيئاً دَاخِلٌ نِصْف دائرتك الثَّانِي الْفَارِغ الَّذِي غَابَتْ عَنْهُ حقيقتك.
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةَ يَبْدَأ مَشْرُوعٌ بِنَاء أَنْت الوهمي بِفِعْل عَوَامِل عَدِيدَة خَارِجِيَّة، الْمُجْتَمَع وَالْعَادَات والتقاليد، مَشْرُوعٌ يَمْلَأ النِّصْف الْفَارِغ.
تَوَلَّد وَأَنْتَ لَا تُعْرَفُ شيئاً إسْمُه الْكَرَاهِيَة وَالْحِقْد وَلَكِن تَتِمّ كِتَابَتِهِم عَلَى صفحتك فتحقد وَتُكْرَه أَنْت أيضاً.
أَنْت الْحَقِيقِيِّ لَا يَقُولُ أَنَا، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِأَنّ يَقُولُهَا لِأَنَّه هوالأصل، لَا يَحْتَاجُ إثْبَاتُ وُجُودِه.
أَمَّا أَنْتَ الوهمي يَقُولُ أَنَا، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَهَا لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ، يَحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ وُجُودُهُ وَإِثْبَات نَفْسِه، لِيَبْدَأ بِذَلِك الصِّرَاع وَالتَّشَاجُر والأخد وَالرَّدّ بَيْنَ أَنْتَ الْحَقِيقِيّ وَأَنْت الوهمي الَّذِي ظَهَرَ لَحْظَة أخد الْقَلَمِ مِنْ يَدَيْك.
أَنْت الوهمي يَحْتَوِي بِدَاخِلِه عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ الأنوات، أَنَا الْأَلْقَاب والتصنيفات، أَنَا الظُّهُور، أَنَا الكِبر وَالْغُرُور، أَنَا الرَّغَبَات وَالشَّهَوَات.
عِنْدَمَا يَغْمُض الْإِنْسَان عَيْنَيْه لَيْسَ مِنْ أَجْلِ النَّوْم، بَلْ مِنْ أَجْلِ التَّأَمُّل والتَّفكر وَالْغَوْص فِي دَوَاخِلِهِ ليكتشف حَقِيقَتِه.
سَيَعْلَم أَن عَالِمَه الدَّاخِلِيّ فِي حَرْبِ طَاحِنُه لَا تَقُلْ عصفاً ورعباً عَن حُرُوبٌ الْعَالِم الْخَارِجِيّ.
طَرَفَاهَا أَنْت الْحَقِيقِيُّ أَيْ شَجَرُهُ الْأَصْل النورانية ضِدّ أَنْت الوهمي وَمَعَه الأنوات الْوَهْمِيَّة أَيْ شَجَرُهُ الْوَهْم الْمُزَيَّفَة.
لَن يَسْمَعُ فِي الْبِدَايَةِ سِوَى أَصْوَات الأنوات الْمُزَيَّفَة، وَعِنْدَمَا يُرِيد إسْكَات تِلْك الْأَصْوَات، ستكثر وَيَكْثُر مَعَهَا الضجيج.
صَوْت يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ وَصَوْت يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ المثلجات وَصَوْت يُرِيدُ أَنْ يُشَاهَدَ مسلسلاً، سيجد نَفْسِه محاطاً بِالْكَثِيرِ مِنْ الْأَصْوَاتِ يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا.
لِأَنَّهُ هُوَ مِنْ أَوْجَدَهُ وَهُوَ مِنْ يُغَذِّيهَا، حِين تَقُل رَغْبَتُهُ فِي الْكَلَامِ وَتَكْثُر رَغْبَتُه بِالْغِذَاء قَالَ لِي، قُلْت لَهُ متسائلاً، كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ التَّخَلُّصِ مِنْ وَهْمِه ؟ لِكَي يَتَخَلَّص الْإِنْسَانِ مِنْ هُوَ الوهمي
يَجِبُ عَلَيْهِ أولاً أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنِ إِمْدادُه بِالصَّمْت وَيَتْرُك مُخَالَطَة الْأَنَام وَيَقِلّ عِنْدَه الرَّغْبَةِ فِي الْمَنَامِ وَيَتَخَلَّى عَنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ والأشَّبَاحَّ وَيَتْحَلِّىٓ بِصِفَات النُّور وَالْأَرْوَاح.
سَيَبْدَأ عِنْدَهَا هُو الوهمي بِلَفْظ أَنْفاسَهُ الأَخِيرَةَ، سيتحول عِنْدَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَى ظَلَام، وَمَن وَسَطَ ذَلِكَ الظَّلَام سَيَبْدَأ بِرُؤْيَة قَبَس مِنْ نُورٍ.
نُور حَقِيقَتَهُ الَّذِي حَجَبَه عَنْه بَحَثَهُ فِي خَارِجِهِ وَنَسِيَ أَنَّهُ بِدَاخِلِه، ذَلِكَ النُّورِ هُو مشكاته الَّتِي ستنير لَهُ طَرِيقَهٌ وتنير لَهُ نِصْفُهُ الثَّانِي، لِيَرْجِع النُّورِ إلَى نِصْفِهِ الثَّانِي وَيَغِيب الظَّلَام وَتَخْتَفِي مَعَه الْأَوْهَام.
الْمِشْكَاة الْمَوْجُودَة وَسَط ظَلَام الْإِنْسَان لَن يَجِدُهَا إلَّا إذَا تَخَلَّصَ مِنْ ظِلَامَةِ وَمَعَه وَهْمِه الَّذِي تكوَّن فِيهِ مُنْذُ صِغَرِهِ بِفِعْل عَوَامِل عَدِيدَة خَارِجِيَّة.
الْمِشْكَاة قَبَس مِنْ نُورٍ شَجَرَتِه الْأَصْلِيَّة، أَي فِطْرَتُه الْحَقِيقِيَّة.بنُورِهَا سَيَبْدَأ بِرُؤْيَة طَرِيقُهُ إلَى حَقِيقَتِهِ، وسيبدأ بِالْبَحْث حَتَّى یصبح جاهزاً لِاسْتِقْبَال الْمَصَابِيح، مَصابيحَ العِلْمِ و َالْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّة القابعة فِي دَاخِلِهِ وَاَلَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ الْوُجُودِ وَالْوُجُود بِدَاخِلِه.
سَيَنْتَقِل مَنْ عَلِمَ إلَى عِلْمِ سيدور وَيَدُور وَيُعَبَّر الْبُحُور باحثاً عَن النُّور، سيزداد وَعْيِه ويسموا أَكْثَر ويربوا لِيُصْبِح ربانياً،
بَعْدَ ذَلِكَ سيحتاج إلَى زُجَاجَة لِيَضَع الْمِصْبَاح فِيهَا، لتحميه مِنْ رِيَاحٍ الْجَهْل وَالتَّعَصُّب وإنفعالات الْأَنَا.
أَنَا الظَّلَام الوهمي عِنْدَمَا تُشْعِرُ أَنَّهَا عَلَى أعتاب الْمَوْت، ستقاوم وتحاول إِنْعاش نَفْسَهَا مِنْ جَدِيدٍ.
لِذَلِك الزُّجَاجَة مُهِمَّةٌ جداً، مِنْ غَيْرِهَا لَن يَسْتَطِيع إكْمَال طَرِيقَة نَحْو حَقِيقَتِه، ستنطفئ مشكاته مَعَ أَوَّلِ رِيح تَهُبّ نَحْوِهَا.
عِنْدَمَا يَضَع الْمِصْبَاحُ فِي الزُّجَاجَةِ سَتُصْبِح الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ، يَسْتَقْبِل النُّورِ مِنْ النُّورِ ويضخه إلَى الْوُجُودِ كُلِّهِ.
يُوقَد مِن شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لاشرقية وَلَا غَرْبِيَّةٍ، عِنْدَهَا سيكتشف هَيْئَة الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة فِيه.
عِنْدَمَا يَحْدُثُ ذَلِكَ سَيَخْرُج مِن الماتريكس، مِنْ وَهْمِ الْمَادَّةِ إلَى عَالَمِ الْفَيْض الرُّوحِيّ، وينطلق إلَى بَرْنَامَج الرَّسُول، الِانْطِلَاق هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ إلَى، مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ.
فِي الدَّاخِلِ فَقَط ستستطيع سَمَاع رَسُولِك الدَّاخِلِيّ "صَوْتَك الداخلي" لِيُصْبِح عَقْلِك حُراً لَه رُؤْيَتِه الْخَاصَّة وَتَحْلِيلِه الْخَاصّ لِلْأُمُور، لِتَسْمَع مَا لَا يُسمَع وَتَرَى مَا لَا يُرى دائماً، لِيَبْدَأ الْإِبْدَاع وَيُصْبِح عَقْلِك جُنَّةٌ تَجْنِي مِنْهَا ثِمَار الْعِلْم والنورانية.
وَهُنَا تَحْقِيق الْإِنْسَان الْكَامِل وَطَوَاف الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حَوْل السِّرّ القابع دَاخِلٌ جَوْهَرٌ الْكَيْنُونَة الْخَاصَّةَ بِالْإِنْسَانِ، وَفِيك أنطوي الْعَالِم الْأَكْبَر.
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ أَيْ جَعَلَ آدَم صُورَة المصفوفة الرقيمة الْإِلَهِيَّة لِذَلِكَ كُلّ شَيْءٍ فِي الْوُجُود يَطُوف حَوْل سِرّ آدَمَ أَيْ فِي جوهرك الدَّاخِلِيّ.
وُصُولَك وَقْتُهَا يَكُونُ الْخُرُوجُ مِنْ مَصْفُوفَةٌ الزمكان وَالدُّخُول فِى الْحُضُور وَاللَّحْظَة وَالسُّكُون، الصَّمْت والوقفة حَيْثُ لَا زَمَانُ وَلَا مَكَانِ لَا وُجُودَ إلَّا هُوَ أَنْ تَعِيشَ نُقْطَة الصُّفْر الْعَدَمِيَّة وَالعَوْدَةِ إِلَى الأحداية، حَيْثُ كُلُّ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ تَطُوف حَوْل الْوَاحِدِيَّة.
الْآن الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ نَفْسَهُ فَهُوَ حَقِيقَةٌ الْحَقَائِق، هُو قُطْب الرحى وَنَقْطُة الْوُجُود، أَنْتَ هُوَ وَهُوَ أَنْتَ مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ والصفة وتسبيح الْمُطْلَق لَه.
هُوَ ظُهُورُ الْمَعْبُود فِي الْعَابِد، "إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين"ُ وَهَذَا هُوَ كَمَالٌ الْإِنْسَانِ الْأَزَلي.
͜ ✍ﮩ₰ الماستر الأكبر سعيد اتريس
#اتريس_سعيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟