حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)
الحوار المتمدن-العدد: 7248 - 2022 / 5 / 14 - 11:31
المحور:
الادب والفن
كانت فرحة الطفل عظيمةً، حين رافقته لحضور السيرك العالمي الذي حلَّ ضيفاً على المدينة. جلسنا في الصفوف الأمامية وقد سُحرنا بألعاب الخفة وعروض الحيوانات. ثم ذهلنا حين بدأ العرض الأخير . كان صاحب العرض رجلا قوياً مفتول العضلات، قام أولاً برفع أحد مساعديه بيد واحدة، ثم رفع بعدها حصاناً بيد واحدة أيضاً .
ساد الصمت المطبق، بينما انصرف الرجل السوبرمان إلى رفع الفيل بسهولة ويسر. ثم أصدر الحضور همهمة مرتفعة ، حين أعلن الرجل القوي عن نيته في رفع المسرح بمن فيه إلى الأعلى.
همست في أذن الطفل الملتصق بي :
-هيا اخرج إلى ذلك الرجل وقم بتحديه!
استجاب الطفل لرغبتي، وخرج إلى المسرح ، وقام برفع الرجل الذي كان يرفع فيلين بنفس الوقت.
حدث هرج بين الجمهور، أسرعت إلى الطفل وحملته خارج الحشود ، ثم عرضت عليه أن أرافقه إلى بيته.
وافق الطفل ، فسرت به إلى الغابة القريبة. ثم بدأنا البحث عن شجرة العائلة. وجدت تلك الشجرة العملاقة بسرعة . كانت عائلة الطفل كاملة ملتصقة على فرع ضخم من فروع الشجرة.
-الوداع!
قالها الطفل لي، والتصق على الشجرة فطراً كروياً أبيض اللون يدعى (فطر القنفذ).
في طريق العودة ، أخذت أفكر بكيفية شرح ما حدث في السيرك لقرّائي.، وكيف يستطيع فطر غابةٍ صغيرٍ حمل تلك الأجرام الضخمة.
جلستُ تحت شجرة جوز ، أسندتُ رأسي على جذعها الضخم فغفوت. استيقظت وأنا أسمع هدير ماء مرعب، كنت في حوض أحد المطابخ، وكانت ربّة المنزل تقوم بتنظيفي. صرختُ بها:
-أرجوك اتركيني لحظة واحدة لأنزل أحمالي عن رأسي.
لم تكترث لصراخي، واصلت بالفرشاة الصغيرة تنظيف حجراتي الصغيرة من الطين. فلاحظتُ كيف تبللت كتبي بالماء ، كما فسدت كل أوراقي .
ورأيتُ كيف أن تلك الأجرام من الحيوانات والناس التي كنت أحملها فوق رأسي انصرفت إلى بالوعة المطبخ.
ولاحظت أخيراً أنني مجرد (فطر قنفذ) ستطبخه بعد قليل يد مجهولة مع الأرز ، وسأنتهي بعدها في مجارير الصرف الصحي لهذه المدينة التي لم يستطع رفعها مليمتراً واحداً عن منسوب الدود,
لا لاعب سيرك ،ولا أبو زيد الهلالي .
لا محمود درويش ، ولا سليمان وجنده.
ولا أبطال الأيديولوجيا والدين والسياسة والاقتصاد.
ولا أحد!
سوى خيال (فطر قنفذ ) في غابة مهجورة،
يحلم أن يصبح طفلاً يركض بين الأشجار،
أو كاتباً يحدث الأشجار.
#حسان_الجودي (هاشتاغ)
Hassan_Al_Joudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟