|
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7245 - 2022 / 5 / 11 - 23:15
المحور:
الادب والفن
مسرحية من ثلاثة فصول
إنسان دلمون
طلال حسن
شخصيات المسرحية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ كنكالا
2 ـ ليم
3 ـ أم ليم
4 ـ رئيس الكهنة
5 ـ ياريم .. الكاهن العجوز
6 ـ دادو .. الكاهن الشاب
7 ـ تاز .. الكاهن البديل
الفصل الأول
بقعة ضوء تسلط على الأم ، منحنية على ليم
الأم : ليم .. يم : " في فراشه ، يهمهم " هم م م م . الأم : الشمس تكاد تشرق ، يل بنيّ . ليم : لا شأن لي بالشمس اليوم . الأم : والخيول تجري في البراري . ليم : لستُ من الخيول ، يا أمي . الأم : كنكالا .. ليم : " يعتدل في فراشه " جاءت ؟ الأم : " تبتسم " لا ، رأيتها في المنام . ليم : " يتمدد ثانية في فراشه " إنني أراها في المنام كلّ يوم . الأم : وتحت الشجرة ؟ قرب المعبد ؟ ليم : " يعتدل ثانية " أمي .. الأم : " تقف قبالته " انهض ، وتناول فطورك " تبتعد عنه " لعلها الآن تقف تحت الشجرة المقدسة . ليم : المقدس داخل المعبد . الأم : أبوك ، يا ليم ، كان يأتيني عند تلك الشجرة المباركة ، انهض . ليم : " يهمّ بالنهوض " سأنهض ، يا أمي ، وأمري إلى الآلهة . الأم : " تحدق فيه " انظر إليّ ، يا ليم . ليم : أنتِ أمي ، وأنا لستُ أبي . الأم : لولا عيناي السومريتان ، كما كان يقول عنهما أبوك ، لما كنت أنت الآن أمامي ، ولما ستركض بعد قليل كالحصان ، إلى تلك الشجرة المقدسة . ليم : " يعانق أمه " لكنكالا أيضاً عينان سومريتان . الأم : " تضحك " آه إنانا .
بقعة الضوء تطفأ ، عن ليم وعن أمه إظلام
بقعة الضوء تسلط على الشاعر ليم
ليم : عيناك غابتا نخيل وقت السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
يصمت ليم ، تسلط بقعة ضوء على كنكالا
كنكالا : لم أرَ ليم منذ .. منذ عشر ساعات ، هذا ما لا ترضاه لي حبيبته الإلهة إنانا ، فلأذهب إليه .
بقعة الضوء على ليم ، تدخل كنكالا
كنكالا : ليم .. ليم : " ينظر إليها " كنكالا . كنكالا : " تتوقف أمامه مبتسمة " .... ليم : عيناك غابتا نخيل .. كنكالا : ظامئتان ، يا ليم . ليم : أظمأ ولا تظمآن ، يا كنكالا . كنكالا : ليم .. ليم : أنتِ لي ، يا كنكالا . كنكالا : أنا لكَ ، يا ليم ، الآن وإلى الأبد .
تطفأ البقعة عنهما ، يُضاء الكاهن العجوز ياريم
الكاهن : هذان البلبلان أسمع مناجاتهما رغم البعد ، إنهما يأتيان إلى هنا ، في ظلال المعبد ، ويتناجيان مغردين ، فلأقترب منهما أكثر ، وأسمعهما عن قرب .
تطفأ بقعة الضوء ، تسلط على ليم وكنكالا
كنكالا : انظر ، يا ليم . ليم : " ينظر " آه إنه الكاهن العجوز . كنكالا : يُقال أن البعض ، لا يُحبه في داخل المعبد . ليم : لكن له مكانة خاصة ، عند محبيه داخل المعبد مخارجه . الكاهن : " يدخل بقعة الضوء " طاب يومكما ، يا ولديّ . ليم : أهلاً ومرحباً . كنكالا : طاب يومكَ ، يا سيدي . الكاهن : " مبتسماً " كونا دوماً ما أنتما ، يا ولديّ الربيعين . ليم : نحن من أوروك . كنكالا : ولأوروك حدودها . الكاهن : أنتما من الربيع ، وليس للربيع حدود ، في أوروك أو غير أوروك . كنكالا : " تتلفت " يا للأسف ، للوقت حدوده " للكاهن " الحديث معك شيق ، يا سيدي ، لكن حدود أمي .. الكاهن : " يبتسم " حد أوروك المقدس . كنكالا : " تتجه إلى الخارج " أحرصُ على محبتها ، ولا أريد أن تخاف ، إنها تقول ، اكبري وستعرفين أن البنت خوف دائم " تلوح بيدها " إلى اللقاء . ليم : " يلوح لها " .... الكاهن : فلترافقكِ السلامة . كنكالا : " تخرج " .... الكاهن : يبدو أنك مألوف لديّ ، ربما رأيتك سابقاً ، ولعل سماعي لك ، أوهمني بأني رأيتك ، في مكان ما . ليم : أنا ليم . الكاهن : " يبتسم " عيناكِ غابتا نخيل .. ليم : نعم ، أنا .. شاعر .. الكاهن : أو شرفتان .. ليم : هذا مطلع من قصيدة ، كتبته عن الإلهة العظيمة إنانا . الكاهن : قرأتها ، أنا أقرأ أيضاً الشعر ، ليس كلّ شعر طبعاً . ليم : إنانا إلهة الحب .. الكاهن : وإلهة الحرب أيضاً . ليم : عندي إلهة الحب .. الحب . الكاهن : ما اسم إنانتك ؟ ليم : " ينظر إليه صامتاً " .... الكاهن : لكل إنانةِ شاعرٍ اسم . ليم : فتاتي اسمها كنكالا . الكاهن : أنت فتى ، تنتمي إلى عصر أوروك ، اكتب عن فتاتك كنكالا ، حتى وأنت تكتب عن إنانا نفسها . ليم : " ينظر إليه مبتسماً " .... الكاهن : أتمنى أن أقرأ كلّ ما تكتبه ، وخاصة عن كنكالا ، فكنكالا هي الحياة ، فيها جمال الحياة ، ودفؤها . ليم : أصارحك ، يا سيدي ، أن البعض ، وخاصة المتدينين ، ينتقدونني ، ويقولون أن إنانا ، التي أكتب عنها ، ليست إلهة ، وإنما فتاة ، فتاة من أوروك . الكاهن : وأنا لا أكتمك ، إنني أتمنى أن تكتب دائماً عن هذه الإنانا . ليم : أشكرك يا سيدي ، أشكرك . الكاهن : " يكتم أنة " آآآه . ليم : " ينظر إليه قلقاً " سيدي .. الكاهن : لا عليك ، ألم عارض " يئن مرة ثانية " آآآه . ليم : " ينظر إليه قلقاً " .... الكاهن : لو كنت في دلمون ، لما شعرتُ بالألم ، بل ولما شختُ هكذا . ليم : أتمنى لك السلامة والعافية . الكاهن : أشكرك " يتأهب للمضي " عليّ أن أدخل الدير الآن ، إن جسدي العجوز ، لم يعد يقوى على تحمل روحي الجامحة " يتجه إلى الخارج " أتمنى أن أراك قريباً ، هنا أو داخل الدير . ليم : هذا ما أتمناه ، يا سيدي . الكاهن : جئني بإنانتكَ مرة ، إنني أحب أن أراكما معاً ، يا ليم . ليم : " يهزّ رأسه متأثراً " أشكرك جداً ، يا سيدي . الكاهن : " يخرج بخطى متعبة " ....
إظلام ، تضاء بقعة الضوء على ليم وكنكالا
ليم : لنجلسْ تحت هذه الشجرة . كنكالا : نحن نجلس تحتها دائماً ، يا ليم . ليم : الجو هنا جميل . كنكالا : وقد ازداد جمالا ، في الفترة الأخيرة ، بحضورك طبعاً . ليم : أشكركِ " يجلس " اجلسي إلى جانبي ، يا كنكالا . كنكالا : " تجلس إلى جانبه " لم أرك البارحة ، وقد تمنيت أن أراك . ليم : زرتُ الكاهن العجوز ياريم ، في غرفته داخل الدير . كنكالا : لقد ازدادت زياراتك له في الفترة الأخيرة ، يا ليم . ليم : " يصمت حزيناً " .... كنكالا : ليم .. ليم : الكاهن ياريم حالته المرضية ، تقلقني كثيراً ، يا كنكالا . كنكالا : لا تنسَ ، إنه رجل عجوز ، ربما تجاوز الثمانين من العمر . ليم : نعم ، إنه متقدم في السن فعلاً ، لكن همومه وأفكاره تثقل عليه ، أكثر مما تثقل عليه سني عمره . كنكالا : أفكاره ؟ ليم : ويا لها من أفكار ، وقد أقامت بينه وبين الكهنة جدراناً عالية ، من الصعب التواصل معه من خلالها . كنكالا : " تنظر إليه في صمت " .... ليم : إنه أقرب إلى الشعراء منه إلى رجال الدين ، ولا أدري والحالة هذه ، ما الذي قاده إلى المعبد . كنكالا : يا ليم ، خذني إليه مرة ، أريد أن أزوره معك قريباً . ليم : هذا ما أراده مني ، في أول لقاء لنا معه ، لكني لم أفاتحك به . كنكالا : " تنهض " إذن خذني إليه ، في أقرب فرصة ممكنة . ليم : " ينهض بدوره " حسناً ، سأزوره أولاً ، وأتأكد من أن صحته تسمح باستقبالنا ، ولو لفترة قصيرة . كنكالا : " تتهيأ للانصراف " اتفقنا إذن . ليم : رافقتك السلامة .
كنكالا تمضي مبتعدة ، ليم يبقى وحده تحت الشجرة
إظلام
تضاء غرفة الكاهن العجوز ، الكاهن في سريره ، الكاهن دادو دادو : " يحدق فيه " سيدي .. الكاهن : نعم . دادو : ليتك تسمح لي ، أن أستدعي الطبيب ، ليراك . الكاهن : إنني بخير . دادو : نعم ، أنت بخير ، يا سيدي ، ولكن لنطمئن عليكَ أكثر . الكاهن : لا أحتاج إلى طبيب ، وإنما إلى قليل من الراحة " الباب يُطرق " . دادو : سيدي .. الكاهن : افتح الباب ، يا دادو . دادو : أنت قلتها ، يا سيدي ، إنك تحتاج إلى الراحة . الكاهن : افتح الباب . دادو : " يتجه إلى الباب " الأمر لك يا سيدي ، " يفتح الباب " آه " يلتفت إلى الكاهن " سيدي . الكاهن : من بالباب ؟ دادو : الشاعر ليم . الكاهن : " يعتدل " دعه يدخل . دادو : " يهمس لليم " لا تطل البقاء ، سيدي الكاهن متعب . ليم : " يدخل " لن أبقى طويلاً ، جئت أطمئن على سيدي الكاهن . الكاهن : تعال ، يا ليم . ليم : طاب يومك ، سيدي الكاهن . الكاهن : أهلاً ومرحباً بك " للكاهن دادو " اذهب إلى غرفتك ، سأرسل في طلبك ، إذا احتجت إليك . دادو : " على مضض " حسناً ، يا سيدي " يخرج ويغلق الباب " . الكاهن : من يتابع هذا الكاهن الشاب دادو ، ربما يظن أنه يضيق ذرعاً من شيخوختي ، ومن مرضي ، و .. ليم : كاهن غريب ، يا سيدي ، إنني لم أره يبتسم مرة واحدة . الكاهن : قلبه يبتسم ، وخاصة لي " يصمت " إنه مؤمن بشكل مطلق ، وهذه سعادة لم أحصل عليها ، رغم ذلك فهو يحبني ، يا للعجب " يبتسم " يقولون إنّ المحبة من الآلهة . ليم : لا تعجب ، يا سيدي ، إن الكثيرين في أوروك يحبونك . الكاهن : وهناك من لا يحبني ، ولا يطيقني ، حتى هنا في المعبد . ليم : " يبتسم " أعطهم بعض الحق في ذلك ، يا سيدي . الكاهن : لعلّ الأوان قد فات ، لأن أحرص على أن يحبني الجميع ، لقد حاولت طول عمري ، أن أحبّ نفسي ، لكن .. ليم : لا أعتقد ، يا سيدي ، أن الإنسان يستطيع أن يحبّ نفسه دائماً . الكاهن : أحياناً أتمنى لو أنني كبقية الناس ، أو كمعظم الناس ، أملك يقيناً ثابتاً " يصمت " إننا دائماً ، لسبب أو لآخر ، نكتم مشاعرنا ، ونكتم أفكارنا ، ربما حرصاً منّا على مشاعر الآخرين ، أو خشية الوحدة ، العزلة ، أن تكون نجماً متوحداً ، معزولاً ، في فراغ معتم " يهزّ رأسه " لا عزاء في هذه الحالة ، حتى بالضوء الذي يصدر منك ، مهما كان ساطعاً . ليم : يبدو لي ، أن الإنسان ليس مسؤولاً تماماً عمّا هو عليه . الكاهن : " ينظر إليه مفكراً " .... ليم : نعم ، هذا أنا ، تركيبتي ، عواطفي ، عقليتي ، أنا هكذا ، ولدتُ هكذا ، ، أكثر مما صنعه مني أبوايا ومحيطي . الكاهن : هناك خيوط مشتركة بيني وبينك ، رغم فارق العمر والتجربة . ليم : هذا شرف لي ، يا سيدي . الكاهن : منذ صغري ، وأنا لا أستطيع أن أتقبل كلّ ما يراه الآخرون ، ليس في الكهنة والمتعبدين والآلهة فقط ، وإنما في الحياة نفسها " يصمت " الحياة ، يا ليم ، بشعة قاسية ، ولو كنتُ الآلهة الخالقة ، لما خلقتها على هذه الصورة " بمرارة واشمئزاز " كائن يفترس كائناً آخر ، فقر ومرض وشيخوخة ، وموت ، خاصة موت الأطفال " يبتسم بمرارة " ربما لهذا أوجدوا دلمون ، بدلاً عنها ، وقدموها لخيالنا فقط . ليم : البعض يعتقد أن دلمون ليس من خلق الآلهة ، وإنما من خلق الشعراء . الكاهن : " يبتسم " بعض الكهان شعراء خلاقون ، لهم خيال إنساني رحب . ليم : لا أظنّ أن الكهنة الآخرين ، في المعابد ، على امتداد بلاد سومر ، يمكن أن يحبونهم . الكاهن : " يهز رأسه متعباً " .... ليم : أخشى أن أكون قد أثقلتُ عليك ، وأتعبتك ، يا سيدي . الكاهن : " يهز رأسه نفياً " لا .. لا " يصمت " مازال في داخلي كاهن ، لم أستطع أن أكونه ، أو أتخلص منه " يصمت " هذا الكون المذهل ، في تركيبه وفي اتساعه ، من أوجده ؟ وكيف وجد ؟وما الغاية منه ؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير ، لم يجبني عنها المعبد ، ولا كلّ ما جاء به من خرافات وأساطير ساذجة .. ليم : " يبقى صامتاً " .... الكاهن : " ينظر إليه " هل فكرت يوماً ، يا ليم ، أن تكون هنا ؟ أن تكون كاهنا في معبد كهذا المعبد ؟ ليم : " يبتسم " إنني شاعر ، يا سيدي . الكاهن : " يتنهد متألما " آآآه . ليم : " ينهض وهو يحدق فيه " سيدي .. الكاهن : ابقَ شاعراً . ليم : يبدو أنني قد أتعبتك ، يا سيدي . الكاهن : " متألماً " آآآ .. لا .. لا .. لم تتعبني .. أنت سعادة لي . ليم : أشكرك ، يا سيدي . الكاهن : " يتألم " آآآه .. ليم : " يتراجع نحو الباب " سأنادي الكاهن دادو ، يا سيدي . الكاهن : " يتمدد " لا ، دعه يرتاح مني قليلاً ، لقد أتعبته في الأيام الأخيرة " يصمت " سأنام بعض الوقت ، لعلي أرتاح . ليم : سأذهب ، يا سيدي ، ارتح أنت " يفتح الباب " سأزورك في أقرب فرصة .
ليم يخرج ، ويغلق الباب ، الكاهن يسعل إظلام
الفصل الثاني
تسلط بقعة الضوء على ليم ، يجلس ليلاً تحت الشجرة
كنكالا : " من الخارج " عيناك غابتا نخل.. ليم : " يرفع رأسه صامتاً " .... كنكالا : " تدخل وتقترب منه " ليم .. ليم : " لا ينظر إليها " أهلاً كنكالا . كنكالا " تجلس " القمر لم يظهر بعد .. ليم : " يبقى صامتاً " .... كنكالا : " تصغي " اسمع ، يا ليم . ليم : " لا ينظر إليها " .... كنكالا : البلبل يغرد ، اسمعه .. ليم : " لا يريم " .... كنكالا : يبدو أنه يغرد لي وحدي " تصمت " غرد ، إنني أسمعك . ليم : " يرمقها بنظرة سريعة " .... كنكالا : عيناكِ غابتا نخيل وقت السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القم ليم : " يتنهد " .... كنكالا : القمر لم ينأى اليوم فقط ، وإنما هو غائب . ليم : لستُ غائباً ، إنني أجلس إلى جانبك ، يا كنكالا . كنكالا : " تنظر إليه " نعم ، جسدك إلى جانبي ، إنني أراه ، لكني لا أرى ليم . ليم " " ينظر إليها صامتاً " .... كنكالا : منذ أسابيع ، وأنت لم تكتب عن عينيّ ، يا ليم ، التي تقول إنهما غابتا نخل ، كلمة واحدة .. ليم : " يغالب ابتسامته " .... كنكالا : وشرفتاي ؟ لقد غاب عنهما القمر . ليم : كنكالا .. كنكالا : " تمازحه " ومن يدري ، ربما أسرتك عينان سوداوان ، فالعيون السوداء المتألقة ، ليست نادرة في سومر . ليم : كنكالا.. كنكالا : " تنظر إليه صامتة " .... ليم : الكاهن العجوز ياريم ، مريض جداً . كنكالا : الطبيب ، على ما أعرف ، يسهر على صحته ، ومعه الكاهن الشاب دادو ، بأمر من الكاهن الأعظم نفسه . ليم : الطبيب لم يقصر ، وهو يزوره كلّ يوم ، ويقول أن جسده ضعيف ، وبحاجة إلى غذاء ، وقد وصف له لحم حمل .. كنكالا : " تهز رأسها " وهذا ما يرفضه الكاهن العجوز بشدة . ليم : يقول ، ما ذنب الحمل البريء ، ليسفك دمه بدون ذنب جناه . كنكالا : لكن الآلهة أحلت هذا ، ثم إنه مريض ، وهذا دواء شاف له . ليم : " يطرق رأسه " زرته البارحة ، كان متعباً ، قال لي ، إذا شفيت هذه المرة ، لن أبقى في الدير ، سأذهب إلى أعلى جبل منعزل ، وأعيش في أحد مغاراته . كنكالا : كم أود أن أراه . ليم : " ينظر إليها " سألني عنك يوم أمس ، وطلب مني أن أقرأ له ، عيناكِ غابتا نخيل ، فقرأتها له ، وعيناه مغمضتان ، وغارقتان بالدموع . كنكالا " " تنظر إلى القمر " انظر ، ها هو القمر يبزغ " تخنقها العبرات " ليم ، خذني إليه في أقرب فرصة .
تضع رأسها بين ركبتيه وتنشج بالبكاء إظلام
الكاهن العجوز في فراشه ، الطبيب ، الكاهن دادو
الطبيب : " يفحص الكاهن " .... دادو : " يتابعه باهتمام " .... الطبيب : " ينتهي من فحصه " .... دادو : خيراً ، يا دكتور . الطبيب : لن يكون بخير ، إذا لم يتناول ما وصفته له من طعام . دادو : حاولنا جهدنا ، يا سيدي ، لكن دون جدوى . الطبيب : لا جدوى إذن من علاجي له . دادو : " للكاهن " سيدي ، أرجو أن تكون قد سمعت ما قاله ، الطبيب . الكاهن : نعم ، سمعته . الطبيب : " للكاهن " سيدي الكاهن ، صحتك ، بل حياتك نفسها ، في خطر . الكاهن : " يبعد عينيه عنه صامتاً " ....
الطبيب يتجه نحو الباب ، الكاهن دادو يسير بجانبه
الطبيب : ما دام يرفض أن يتناول شيئاً من لحم الحمل ، أو لحم الدجاج ، حاولوا أن تسقوه شيئاً من مرقة اللحم . دادو : حاولنا ، يا سيدي ، لكنه رفض أيضاً ، وقال لا أريد أن أتحمل وزر سفك دم كائن حيّ مستضعف . الطبيب : " يفتح الباب " في سنه ، هذا خطر شديد عليه . دادو : إنه في خطر فعلاً ، ولا نعرف ماذا نفعل في هذه الحالة . الطبيب : فلتساعده الآلهة ، كن إلى جانبه ، إنه بحاجة إليك ، وأرسل في طلبي عند الحاجة . دادو : سأرافقك حتى الباب " يخرجان " . الكاهن : الآلهة لن تساعدني ، وربما لا تستطيع أن تساعدني " يبتسم بسخرية " الآلهة استأثرت بالخلود ، وقدرت الموت على الإنسان ، لماذا يا سدوري ؟
يدخل الشاعر ليم ، ويقترب من الكاهن
ليم : طاب يومكَ ، يا سيدي . الكاهن : " يحاول أن يعتدل " ليم ؟ أشكرك على مجيئكَ ، ما أحوجني إلى رؤيتك الآن بالذات . ليم : لن أفارقك ، يا سيدي ، إنني سأزورك كلّ يوم . الكاهن : " بنبرة حزينة " هذه الكلّ يوم ، أخشى أنها حلم ، والأحلام كما تعرف لا تدوم طويلاً ، وقلما تتحقق . ليم : لا تقل هذا ، يا سيدي ، أنت بخير ، وستكون أفضل قريباً . الكاهن : " يهز رأسه حزيناً " .... ليم : سيدي ، ليتك تلتزم بما يوصي به الطبيب . الكاهن : لن أخون نفسي . ليم : أنت مريض ، يا سيدي ، وصحتك في خطر ، وتحتاج إلى غذاء صحيّ يفيدك ، وينقذ حياتك . الكاهن : لا أريد ، يا ليم ، أن أشفى بقتل كائن بريء لا ذنب له . ليم : يا سيدي ، أنت إنسان ، ولك أهميتك ، ودورك في أوروك . الكاهن : هذا لا يبرر ، أن أسفك دم كائن بريء ، ولن أساهم في سفك دم أحد لأي سبب من الأسباب .
يدخل الكاهن دادو ، ويحدق في ليم معاتباً
ليم : " محرجاً " أردت أن أطمئن على سيدي الكاهن . دادو : " للكاهن " سيدي ، سيأتي سيدي رئيس المعبد لزيارتك بعد قليل . الكاهن : " ينظر إلى ليم " أهلاً به . ليم : " للكاهن " عن إذنك ، سأزورك قريباً ، أرجو لك الشفاء العاجل . الكاهن : أهلاً بك في أي وقت . دادو : " لليم " رئيس الدير قادم ، استعجل رجاء . ليم : " يفتح الباب ويخرج " .... الكاهن : أنت تتصرف بشيء من الخشونه مع هذا الشاعر الشاب . دادو : أخشى ، يا سيدي ، أن رئيس الدير ، لا يرتاح إلى زياراته المتكررة . الكاهن : إنه ضيفي ، يأتي لزيارتي ، وأنا أرحب بزياراته لي . دادو : عفواً ، يا سيدي . الكاهن : " يغالب ابتسامته " ثم إنه شاعر شاب ، له معجباته في أوروك . دادو : إنه شاعر الفضائح ، يا سيدي . الكاهن : " يبتسم " لقد كتب قصيدة طويلة عن الإلهة العظيمة إنانا . دادو : لم يكتب قصيدته عن الإلهة إنانا ، وإنما عن امرأة أرضية عاشقة . الكاهن : ما أدرانا ، لعل البشر خارج الدير ، يرون الإلهة إنانا هكذا . دادو : " ينصت " سيدي ، أسمع أحدهم قادماً " يتجه إلى الباب " لعله رئيس الدير . الكاهن : " يتنهد مقطباً " آآآآه . دادو : " يفتح الباب " إنه رئيس الدير فعلاً ، يا سيدي . الكاهن : " يعتدل في فراشه " أهلاً به .
يلوح رئيس الديربالباب ، الكاهن الشاب يتنحى قليلاً
دادو : " ينحني للرئيس " تفضل ، يا سيدي ، تفضل . الرئيس : " يدخل ويتوقف أمام الكاهن " طاب يومك ، أيها الكاهن . الكاهن : " يحاول أن ينهض " أهلاً ومرحباً ، سيدي ، شكراً لزيارتك . الرئيس : ابقَ في مكانك .. الكاهن : " يبقى في فراشه " أشكرك . الرئيس : جئت لأطمئن على صحتك ، و .. الكاهن : " ينظر إليه صامتاً " .... الرئيس : " ينظر إلى الكاهن دادو " .... دادو : سأنتظر خارج الغرفة ، يا سيدي . الرئيس : أغلق الباب . دادو : " وهو يغلق الباب " أمر سيدي . الرئيس : " يقترب من سرير الكاهن " تبدو بخير رغم شيخوختك وعنادك . الكاهن : أنت تعرف ، يا سيدي ، أنني لست بخير ، ولن أكون بخير ، ويبدو لي أنني أقترب من النهاية . الرئيس : " يحدق فيه " لولا عنادك ، وأفكارك الغريبة ، لكنت الآن في مكانة مرموقة من الدير . الكاهن : لم أطمح يوماً ، أن أكون في مكانة مرموقة ، وخاصة في الدير . الرئيس : قلة من يعرف ، أنك في الدير ، وليس في الدير ، في الوقت نفسه . الكاهن : أظنّ أنني في المكان والزمان الخطأ ، يا سيدي . الرئيس : وهذا الخطأ ينبغي أن يصحح ، إنه خطر على أوروك المقدسة . الكاهن : إنني إنسان . الرئيس : ليس الإنسان الذي أرادته الآلهة . الكاهن : لا أظنّ أن الآلهة أرادت الإنسان الوحش ؟ الرئيس : الإنسان الذي يخضع لمشيئة الآلهة ليس وحشاً . الكاهن : الذئب يأكل الحمل ، إنه وحش ، لكن هذا ما يفعله الإنسان نفسه . الرئيس : " غاضباً " أنت تجدف ، أيها الخرف ، وهذه إهانة للآلهة وللحياة التي خلقتها على الأرض . الكاهن : انظر إلى دلمون .. الرئيس : دلمون من خلق الآلهة . الكاهن : لو كانت الحياة كلها دلمون ، لكانت جديرة بأن تُحي . الرئيس : للآلهة حكمتها ، وأنت أعجز من أن تفهم هذه الحكمة . الكاهن : لا أريد أن أتفهمها . الرئيس : يبدو لي أنك لا تريد أن تشفى .. الكاهن : " يلوذ بالصمت " .... الرئيس : لن تشفى . الكاهن : وحتى لو شفيت ، فلن أبقى في هذا الدير ، سأذهب إلى أعلى جبل من الجبال ، وأعيش في غار من مغاراته .
رئيس الدير يفتح الباب ، يلوح دادو
دادو : سيدي . الرئيس : " بصوت خافت " لا تعطوه حساء أي لحم من اللحوم ، الني وصفها له الطبيب سابقاً . دادو : هو نفسه لم يرضَ أن يأخذ شيئاً منه ، يا سيدي ، رغم حاجته الشديدة إليه . الرئيس : " يحدق فيه غاضباً " ابقَ إلى جانبه ، ولا تسمح لأحد أن يدخل عليه ، أو يقدم له أي شيء . دادو : " يلوذ بالصمت مستغرباً " ....
يخرج رئيس الدير ، دادو يغلق الباب
: " للكاهن ياريم " سيدي .. الكاهن : أتمنى على الآلهة العظام ، يا دادو ، أن تعمل بما يريده رئيس الدير ، لأريح وارتاح أنا أيضاً . دادو : " يقترب منه ، ويحدق فيه صامتاً ".... الكاهن : بيني وبينك ، لو كنت إلهاً خالقا ، لما خلقتُ العالم على هذه الصورة . دادو : " يهزّ رأسه " .... الكاهن : " يصمت " : .... دادوا :سيدي .. الكاهن : لم تطل زيارة رئيس الكهنة لي . دادو : نعم ، يا سيدي . الكاهن : ربما لهذا دلالته . دادو : أنت تعرف ، يا سيدي ، أنّ لرئيس الكهنة مشاغله الكثيرة ، داخل الدير وخارجه ، ورغم هذا ، جاء إلى هنا ، وتحدث إليك . الكاهن : " ينظر إليه " نعم ، تحدث إليّ ، هل تريد أن تعرف ما قاله لي ؟ دادو : أنا كاهن بسيط ، يا سيدي ، ولا يحق لي أن أعرف ما دار بينكما . الكاهن : أنت الكاهن المطلوب هنا ، وإن كنت أخشى عليك ، فالقرب من المار يحرق أحياناً . دادو : " يلوذ بالصمت " .... الكاهن : " يتنهد " آآآآه . دادو : سيدي .. الكاهن : " ينظر إليه " .... دادو : أخشى ، يا سيدي ، أن تكون بحاجة إلى بعض الطعام . الكاهن : سمعتُ ما قاله لكَ رئيس الكهنة في ديرنا هذا . الشاب : مرني ، يا سيدي ، وسآتيك بالحمل نفسه ، إذا أردت . الكاهن : أشكرك ، أنت صادق ، وطيب القلب والنية ، وقد تعاملت معي ، طوال هذه الفترة ، بمنتهى المحبة والتعاطف ، رغم أن هذا قد يكلفك ما لا أريده لكَ . دادو : صحيح أنني ، وعفواً لذلك ، لا أتفق معك فيما تتحدث به أحياناً ، إلا أنني أزداد محبة لك يوماً بعد يوم . الكاهن : للأسف ، يا بنيّ ، لا أظنّ أن بقاءك معي سيطول ، وخاصة بعد زيارة رئيس الدير لي هذا اليوم . دادو : هذا ما قرأته في عينيّ رئيس الدير ، عندما ودعته عند الباب . الكاهن : يا للأسف . دادو : أرجوك ، يا سيدي ، دعني آتيك ببعض الطعام ، وليكن ما يكون . الكاهن : لا ، أشكرك . الشاب : أرجوك .. الكاهن : " يلوذ بالصمت " سآتيك بالطعام ، لعلك تقتنع بتناول شيء منه .
الباب يُطرق ، الكاهن ودادو ينظران إليه
الكاهن : الباب يُطرق .. الشاب : مهما يكن ، يا سيدي ، لا تمتنع عن تناول الطعام ، أنت في خطر ، إن حياتك تهمنا جداً . الكاهن : افتح الباب . الشاب : " يتجه نحو الباب ، ويتوقف أمامه " سيدي .. الكاهن : افتح الباب ، يا بنيّ . الشاب : " يفتح الباب " ....
دادو يفتح الباب ، يدخل كاهن ضخم
الضخم : " يخاطب الكاهن متجهماً " طاب يومكَ ، يا سيدي . دادو : " يحدق فيه " نعم ؟ الضخم : أرسلني سيدي رئيس الدير ، إلى سيدي الكاهن ، لأرعاه في مرضه ، وأقوم بخدمته وحدي . دادو : لكن هذه مهمتي ، منذ .. الضخم : أمرني سيدي رئيس الدير ، أن أطلب منك ، الذهاب إلى غرفتك ، لقد انتهت مهمتك مع سيدي الكاهن هنا . دادو : " ينظر إلى الكاهن " .... الكاهن : أشكرك ، يا بنيّ دادو ، لم تقصر في خدمتك لي ، هذه أوامر الرئيس ، اذهب ولتوفقك الآلهة . دادو : " للكاهن " إذا احتجت لي ، يا سيدي ، في أي وقت ، أرسل في طلبي ، وسأكون في خدمتك . الكاهن : " يهمّ بالكلام " .... الضخم : " يُقاطعه " خدمة سيدي الكاهن ، ستكون من اختصاصي أنا وحدي ، هذه هي أوامر سيدي رئيس الدير .
دادو يخرج متجهماً ، الكاهن والضخم وحدهما إظلام
الفصل الثالث
عند الغروب ، ليم يقف متكئاً إلى الشجرة
ليم : يقول الكاهن العجوز ياريم ، هذه المسافة بين البداية والنهاية ، قدّرت الآلهة علينا أن نمشيها ، مهما كانت طويلة وشاقة " يصمت " أهذا ما قدرته الآلهة ؟ سدوري ، أنتِ امرأة .
تدخل كنكالا حزينة ، وتسير مقتربة من ليم كنكالا : " تتوقف قبالته " ليم .. ليم : " يلتفت وينظر إليها صامتاً " .... كنكالا : منذ يومين وأنا أبحث عنك . ليم : أخبرتني أمي ، أنكِ جئت إلى بيتنا ، وسألتها عني . كنكالا : لكنك لم تستجب لي ، لم تسأل عني ، ولم تأتِ إليّ . ليم : " ينظر إليها صامتاً " .... كنكالا : ليم .. ليم : الكاهن العجوز يا ريم ، يا كنكالا .. كنكالا : هذا ما خمنته ، عرفتُ أنك عنده ، وأنك لم تفارقه . ليم : " يهز رأسه " .... كنكالا : لا تقلق ، إن صحته ستكون على ما يرام ، رغم تقدمه في السن . ليم : لم أستطع الوصول إليه ، يا كنكالا ، ولم يسمحوا لي أن أره منذ ثلاثة أيام . كنكالا : لكنك كنت تزوره كلّ يوم ، دون أن يعترضك أحد ، وإن كان الكاهن الشاب لا يرتاح لزيارتك له . ليم : ليس الكاهن الشاب هذه المرة .. كنكالا : " تحدق فيه " .... ليم : يبدو أن رئيس الدير ، قد وضع حراساً من الكهنة الشداد ، على بوابة المعبد .. كنكالا : حراس ! هذا لم يحدث من قبل ، على ما أعرف ، المعبد بيت الآلهة . ليم : ذهبتُ إلى المعبد ، خلال هذه الأيام الثلاثة ، أكثر من مرة ، وحاولتُ أن أدخل إلى الكاهن العجوز ، لأطمئن على صحته ، لكنهم منعوني من ذلك . كنكالا : هذا أمر غريب ، غير مسبوق . ليم : وسألتُ أكثر من واحد منهم ، عن الكاهن العجوز ، وعن صحته وأحواله ، لكنهم نهروني بشدة ، وحذروني من الاقتراب من المعبد ثانية ، أو السؤال عن الكاهن العجوز ، أو محاولة الوصول إليه ، لأي سبب من الأسباب . كنكالا : ليم .. ليم : " ينظر إليها " .... كنكالا : خذني غداً معك إلى المعبد ، لعلهم يراعون كوني فتاة ، فيسمحون لنا بالدخول ، وزيارة الكاهن العجوز . ليم : لا يا كنكالا ، أنت واهمة ، لن يسمحوا لنا بالدخول . كنكالا : من يدري ، لنحاول يا ليم . ليم : لا .. لا يا كنكالا . كنكالا : قد لا يسمحون لنا بالدخول ، إذا كنّا معاً ، حسناً .. يمكنني أن أذهب إلى المعبد وحدي ، وأزور الكاهن العجوز ، وبذالك نطمئن عليه . ليم : كلا ، لا أريد أن تتعرضي إلى موقف محرج ، مهين ، إنهم ليسوا كهنة ، هؤلاء الحراس ، وإنما وحوش . كنكالا : كما تشاء ، أنت أدرى بهم مني ، أردت فقط أن أخفف عنك ، وأجعلك تطمئن على الكاهن العجوز ، الذي يستحق كلّ المحبة والاحترام . ليم : " يصمت مفكراً " .... كنكالا : لننتظر بعض الوقت ، يا ليم . ليم : ننكالا .. كنكالا : تنظر إليه " نعم . ليم : لابدّ لي أن أرى الكاهن العجوز ، في أسرع وقت ممكن . كنكالا : وكيف يمكن أن تراه ، وهؤلاء الكهنة الحراس ، الذين تقول عنهم إنهم أشداء ، يقفون بالباب ؟ ليم : " ينظر إليها مفكراً " .... كنكالا : إنني أخشى ، يا ليم ، أن يُؤذوك هذه المرة . ليم : إنني قلق ، ولن أرتاح ما لم أرَ الكاهن العجوز ، وأطمئن عليه . كنكالا : لا داعي للقلق ، مادام الطبيب إلى جانبه ، وكذلك الكاهن الشاب . ليم : " يفكر صامتاً " .... كنكالا : ليم .. ليم : " كمن يحدث نفسه " هذه الليلة ، في غياب القمر ، إن لم يكن غداً ، في الليل أيضاً ، سأعبر سياج المعبد خلسة ، وأتسلل إلى غرفة الكاهن العجوز . كنكالا : " خائفة " لكن الكهنة الأشداء .. ليم : لم أعد أحتمل ، لابد أن أرى الكاهن العجوز ، وأعرف مصيره ، في أقرب فرصة ممكنة . كنكالا : لكن هذا خطر ، يا ليم ، خطر جداً . ليم : " ينظر إلى الأفق " .... كنكالا : ليم .. ليم : الشمس تكاد تغرب ، يا كنكالا ، وسيحلّ الليل . كنكالا : أنت تزيد من قلقي ، انتظر بعض الوقت ، وسنسمع عن الكاهن العجوز ما يطمئننا عليه ، ويريحنا . ليم : كنكالا ، لقد غربت الشمس . كنكالا : " تتراجع خطوتين " لا تدعني أقلق عليك أكثر ، يا ليم . ليم : اذهبي الآن إلى البيت ، يا كنكالا ، لابدّ أن أمكِ قلقة عليكِ الآن . كنكالا : ليم .. ليم : اذهبي ، سأتصل بكِ غداً . كنكالا : " تتهيأ للانصراف " أنت ملكي ، يا ليم ، فاحرص على نفسكَ من أجلي . ليم : " يلوح لها " إلى اللقاء . كنكالا : " تسير متراجعة " تعال إليّ غداً صباحاً ، أريد أن أراك ، وأطمئن عليك . ليم : اذهبي ، رافقتكِ السلامة . كنكالا : " تتوقف مترددة ، ثم تخرج " .... ليم : " ينظر إلى الأفق البعيد " هذه المسافة ، بين البداية والنهاية ، لابد أن مشيها مهما كانت عثراتها .
ليم يتلفت حوله ، ثم يمضي إلى الخارج
إظلام
ليم متعب في فراشه ، يُفتح الباب ، وتدخل الأم
الأم : " بصوت خافت " حمداً للآلهة ، لقد نام ليم أخيراً . ليم : " دون أن يفتح عينيه " تعالي ، يا أمي ، لستُ نائماً . الأم : " تسرع إليه متلهفة " بنيّ ليم . ليم : " يفتح عينيه " أمي ، لا تقلقي ، إنني على خير ما يرام . الأم : " تأخذ يده وتقبلها " طبعاً أنت على خير ما يرام ، وستنهض على قدميك قريباً ، وتعدو كالحصان . ليم : " يغالب ابتسامته " أشكرك ، يا أمي ، وإن كان التشبيه غير شاعري . الأم : لستُ شاعرة مثلك ، يا بنيّ ، ولهذا فإنني عشت حتى الآن . ليم : رغم إني شاعر ، فإني سأعيش ، من أجلكِ أنتِ ، يا أمي ، وأريدك أن تعيشي أنتِ أيضاً من أجلي . الأم : أطلب من الآلهة العظيمة ، أن تمدّ في عمري ، حتى أرى أولادك ، وأربيهم ، وأزوجهم أيضاً . ليم : أمي .. الأم : نعم . ليم : كنكالا .. الأم : جاءت البارحة ، وسألت عنك ، وكانت قلقة جداً ، ولو كانت قد سمعت بما جرى لك في المعبد يوم أمس ، لجاءت إليك ، وصاحت كالمجنونة .. كنكالا : " تصيح باكية من الخارج " ليم .. الأم : " تلتفت إلى مصدر الصوت " : ها هي كنكالا ، لقد جاءت . ليم : " يحاول أن يعتدل " أمي ، ساعديني على الجلوس ، فلو رأتني كنكالا متمدداً هكذا ، فإنها ستجن . كنكالا : " تصيح باكية من مكان أقرب " أين أنت ، يا ليم ؟ الأم : " تساعد ليم على الجلوس معتدلاً في فراشه " تماسك ، يا بني ليم ، فعقل الفتاة يطير من رأسها ، في هذه الحالة ، بسرعة طيران العصفور .
يُدفع الباب ، وتدخل كنكالا ، وتحدق في ليم
كنكالا : " بصوت باكٍ " ليم .. ليم : " يمدّ يديه نحوها " تعالي ، يا كنكالا . كنكالا : يا للآلهة ، ماذا فعل بك هؤلاء الأوباش المجرمون ؟ الأم : بنيتي ، لا تجدفي . ليم : وأردتِ أن تأتي معي إلى المعبد ، وتدخلي على الكاهن العجوز . كنكالا : " تقترب منه باكية " لو أعرف أنهم سيفعلون بكً ما فعلوا ، ما تركتك تذهب وحدك ، ولأتيت معكَ ، حتى لو تعرضت منهم للقتل . ليم : " يمسك يديها " إنني بخير ، يا كنكالا " يحاول أن يبتسم لها " وكما تقول أمي ، وأمي شاعرة مثلي ، إنني سأنهض على قدميّ غداً ، وأجري كالحصان . الأم : بنيتي كنكالا ، امسحي دموعك ، أنا أيضاً بكيت ، بكيت بحرقة ، عندما جاءوا البارحة به ، وهو مغطى بالدماء ، ولكنه الآن أفضل ، وغداً سينهض ، وتذهبان معا إلى .. إلى حيث تذهبان . كنكالا : " تمسح دموعها " ماذا جرى ، يا ليم ؟ ماذا فعلت لتتعرض إلى ما تعرضت إليه منهم ، هؤلاء القتلة ؟ الأم : " تنظر إليها معاتبة " جرى ما كان متوقعاً أن يجري له ، لقد تسلق ليلاً سور المعبد ، وأراد أن يتسلل خلسة إلى غرفة الكاهن العجوز . كنكالا : هذه ليست جريمة ، تستحق العقاب ، الذي أنزلوه به . الأم : لقد حذروه من الاقتراب من المعبد ، وهو لم يكتفِ بذلك ، وإنما تسلق السور ليلاً ، كما يفعل اللصوص . ليم : كانوا خمسة كهنة غلاظ ، أمسكوا بي ، وانهالوا عليّ بالضرب المبرح ، دون رحمة ، حتى أغمي عليّ ، وألقوا بي خارج المعبد . الأم : وعند صباح اليوم التالي ، رآه بعض زوار المعبد ، وعرفوه رغم الدماء التي كانت تغطي وجهه ، وجاءوا به إلى البيت ، وهو بين الحياة والموتِ . كنكالا : " تغطي وجهها بكفيها " يا ويلي ,, يا ويلي .. يا ويلي . الأم : كفى بكاء ، يا بنيتي . ليم : كنكالا ، إنني بخير ، وما سمعته من أمي ، هو مشاعر أم " ينظر إلى أمه " قولي لها ، إنني كالحصان ، سأنهض غداً ، وأجري . الأم : " تربت على رأسها " سينهض .. و .. وتجرين معه .. هيا امسحي دموعكِ . كنكالا : " تمسح دموعها " والكاهن العجوز ؟ ما هي أخباره ؟ ليم : هذا ما أردتُ أن أعرفه ، لكن الكهنة الخمسة ، لم يدعوا لي فرصة لأصل إلى غرفته ، أو أعرف أيّ شيء عنه .
الباب الخارجي يُطرق ، ليم ينظر إلى أمه
الأم : سأفتح الباب " تتجه إلى الخارج " وأرى من القادم . كنكالا : دعيني أنا أفتح الباب . الأم : " عند الباب " لا ، أبقي أنتِ مع ليم ، يا كنكالا " تخرج " . كنكالا : " تميل على ليم " ليم .. ليم : " ينظر إليها " نعم . كنكالا : غداً ، عند الضحى ، سأذهب أنا إلى المعبد ، وأحاول التسلل إلى غرفة الكاهن العجوز ، وأطمئن عليه . ليم : ماذا ! كنكالا : إنه مريض ، ويجب أن نعرف ، ما هو عليه الآن . ليم : أنت مجنونة ؟ سيقتلونكِ إذا حاولتِ الاقتراب من غرفة الكاهن العجوز . كنكالا : لكنك لن ترتاح ، مهما كانت الأخطار التي تتعرض لها ، إلا إذا عرفت مصير الكاهن العجوز . ليم : حذار ، يا كنكالا ، حذار ، هؤلاء الكهنة المتوحشون ، لن يتورعوا عن إيذاءك ، إنهم لا يفرقون بين رجل أو امرأة . كنكالا : " تهم بالكلام : .... ليم : " ينظر نحو الخارج مذهولاً " من ! الكاهن دادو ؟
تدخل الأم ، ومعها الكاهن دادو في ثياب عادية
دادو : طاب صباحكما . كنكالا : طاب صباحك . ليم : أهلاً ومرحباً بالكاهن دادو . دادو : عفواً لم أعد كاهناً . ليم : " ينظر إليه مندهشاً " .... دادو : لقد علمت بما فعله بك هؤلاء الكهنة ، إنني أعرفهم جيداً ، إنهم لا يتورعون عن الإقدام على أي شيء ، مهما كان ما يأمرهم به رئيس المعبد . ليم : أنت كنت كاهناً متحمساً ، والآن حتى ثياب الكهنة قد نزعتها . دادو : لقد طردني رئيس المعبد ، واتهمني بأني من أنصار الكاهن ياريم ، وإنني كنت أدعو إلى آرائه ، و .. " يصمت " المهم ، إنني لم أعد كاهناً ، ولستُ نادماً على ذلك . ليم : " ينظر إليه " أيها الأخ دادو .. دادو : أعرف ما تريده ، وهذا ما جعلني أزورك في بيتك . ليم : الكاهن العجوز ياريم .. دادو : " يهز رأسه " .... ليم : كان مريضا جداً ، ولابد أنكَ تعرف عنه الكثير ، فقد كنت إلى جانبه دائماً . دادو : في نفس اليوم ، الذي زرته أنت فيه زيارتك الأخيرة ، زاره رئيس الدير نفسه ، ويبدو أنه لم يرضَ عني ، فاستبدلني بكاهن آخر ، يأتمر بأوامره مباشرة ، ومنذ ذلك اليوم ، وحتى الآن ، لم أره فيها مرة واحدة . ليم : لا أظن ، يا دادو ، أنك جئت لتعودني ، وتقول لي هذا فقط . دادو : نعم ، أنت تريد أن تعرف مصير الكاهن ياريم ، وقد عرّضت نفسك لخطر الموت من أجل ذلك ، إنني لا أعرف الكثير ، وأنا نفسي أريد أن أعرف الحقيقة . ليم : " ينظر إليه صامتاً " .... دادو : ما أعرفه ، أن الكاهن العجوز ياريم ، لم يعد موجوداً .. ليم : " مصدوماً " ماذا ! دادو : يقول البعض ، أنه غادر المعبد ، وذهب إلى الجبال البعيدة ، ليعيش في أحد مغاراتها .. ليم : هذا مستحيل ، فأنت تعرف أنه لم يكن يقوى على السير . دادو : والبعض الآخر يقول ، إنه لم يخرج من المعبد ، وإن كان لم يعد في غرفته ، أو في أية غرفة أخرى . ليم : يا للآلهة . دادو : هذا ما أعرفه . ليم : مسكين الكاهن ياريم ، إنني لا أستبعد أن يكونوا قد فعلوا الأسوأ ، إن رئيس المعبد يعتبره كافراً بالآلهة ، والكافر في رأيه يستحق الموت . ليم : حافظ على نفسك ، يا ليم ، أنت نفسك متهم عندهم ، ويكفي أنك كنت صديقاً للكاهن يا ليم ، وكنت تتردد عليه في المعبد بين حين وآخر . ليم : " يهز رأسه " .... دادو : أستودعك الآلهة ، وأتمنى لك الشفاء العاجل . ليم : أشكرك يا دادو ، أشكرك ، وأنت أيضاً كن على حذر ، وحافظ على نفسك . دادو : طاب صباحكما " يتجه إلى الخارج " . ليم : رافقتك السلامة . كنكالا : مع السلامة .. دادو : " يخرج " .... الأم : " تلحق به " أشكرك على هذه الزيارة ، مهلاً ، سأوصلك إلى الباب الخارجي " يخرجان " . ليم : لم أحب دادو هذا ، حتى عندما مدحه أمامي الكاهن العجوز ياريم ، لكني تأكدت الآن أن الكاهن ياريم كان على حقّ ، إنه حقاً إنسان طيب ومحبّ . كنكالا : فعلا ، يبدو أنّ الكاهن ياريم محق ، إنه إنسان طيب على طريقته . ليم : لقد وقف مع الكاهن العجوز ياريم حتى النهاية ، رغم أفكاره المتطرفة ، التي كان المعبد يرفضها ، ويستنكرها أشدّ الاستنكار . كنكارا : " تحدق فيه " يبدو أنك متعب ، يا ليم ، ولعلك تحتاج إلى النوم والراحة . ليم : نعم ، إنني متعب " يتمدد في فراشه " سأرتاح بعد قليل . كنكالا : " تتهيأ للانصراف " من الأفضل أن أذهب إلى البيت الآن ، مادمت تريد أن ترتاح ، يا ليم . ليم : " يمد يده إليها " لا تذهبي ، وتتركيني وحدي ، يا كنكالا ، إنني بحاجة إليكِ ، اجلسي وأعطني يدكِ . كنكالا : " تجلس وتأخذ يده بين يديها " لن أدعك طول العمر ، يا شاعري ليم . ليم : " يغمض عينيه ، أصغي ، يا كنكالا .. كنكالا : إنني أصغي ، يا ليم . ليم : عيناكِ غابتا نخل وقت السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر يخفت صوت ليم ، وكنكالا تصغي إليه إظلام ستار
4 / 5 / 2020
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|