|
دروس كراكاس في الاستقلال السياسي
ناجي الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 11:02
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
دأب الإصلاحيون و المطالبون بالتغيير في الدول العربية على حث أنظمتهم و حكوماتهم على إيجاد آليات فعالة لتحسين الاقتصاد المحلي بما يحقق نوعا من استقلال القرار السياسي و البعد عن تحالفات الإملاءات و الأوامر التي حولت تلك الأنظمة إلى سفراء فوق العادة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ، و كانت ردود أفعال السلطويين و متمليقهم تأتي دائما على منوال واحد ووتيرة واحدة : " إن الولايات المتحدة هي عصب الحياة على هذه الأرض و البعد عنها يعني الإنتحار المحض " ، و كانوا يستشهدون على منطقهم بأهمية دور المعونات و الإستثمارات الأمريكية في رفع مستوى الاقتصاد المتدهور ، و يصرون على هذا المنطق حتى و إن كان المتأمل لا يرى نتائج فعلية على أرض الواقع كما أنه يعي جيدا الثمن المقابل للإصلاح الشكلي الأمريكي . بيد أن التجربة الفنزويلية أرست العديد من المفاهيم و الحلول البديلة للعيش و النهوض في طل الأحادية القطبية ، و قد يكون اختياري للنموذج الفنزويلي ليس لنجاح تجربته فقط بل أيضا للتشابه الكبير بينه و بين الوضع العربي الراهن ، فقبل العام 1998 كانت فنزويلا لا تزال تعاني مما نعانيه نحن الآن ، ذات الديكتاتوريات الموالية بتطرف للولايات المتحدة و ذات الدورالسياسي المطلق لرجال الأعمال بما يتوافق مع مصالح أعمالهم ، و ذات الخصخصة و توغل رأس المال الأجنبي في المؤسسات الوطنية و ذات الفساد و السلب و النهب من أموال الوطن ، كما تشابهنا في سحق الطبقة الوسطى و ازدياد الجروح النجلاء في جسد الفقير و المهمش ، و كنتيجة منطقية لما سبق فتشابهنا أيضا في محاولة استغلال الأحزاب السياسية الدينية لهذا الواقع من أجل مصالحها الحزبية كما كان الحال مع الحزب المسيحي في فنزويلا و كما هو الحال مع الحركات الإسلامية في الوطن العربي. في عام 1998 إلتف الفقراء و المخلصون و المستغلون – بفتح الغين - من أبناء فنزويلا حول الرجل الذي أتى ليمثل امالهم و طموحاتهم و رغبتهم في العيش الكريم و الجزاء بمقدار العطاء ، فصعد هوجو شافيز إلى سدة الحكم ليبدأ معارك ضارية في الداخل و الخارج حيث واجه الإقطاعيين الجدد و الفاسدين و المنآمرين و سماسرة الوطن في الداخل ، وواجه دناءات الهيمنة الإمبريالية في الخارج ، فرسم منهجية عمل لمواجهة كلا التيارين في آن واحد محددا سياسات إقتصادية تنموية بمعاونة عدد من المستشارين الأكاديمين تقوم على تأميم موارد الدولة و تخصيص عائداتها لرفع مستوى المعيشة المتمثلة قي قطاعات الصحة و التعليم و النقل و المواصلات و المياه و الكهرباء و الإتصالات ، كما شجع شافيز القطاع الخاص العامل ضمن الخطة الإستراتيجية للدولة و سهل له الإقتراض المحدود بعد التأكد من تماشي مشروعاته مع مخطط الدولة في إرساء نتائج تنموية مباشرة على المواطن الفنزويلي . كما عمل على تحرير السيطرة الأجنبية على قطاع التعدين الذي يعد أهم موارد الدولة فأممه مع الحفاظ عى حجم مبيعاته بل و زيادته بفتح أسواق جديدة لتصديره إلى جانب الولايات المتحدة التي تعد فنزويلا رابع مصدر للنفط لها . بيد أن هذه السياسات لم تكن لتعجب الولايات المتحدة و أترابها ، فقامت في نيسان – 2002 بالتحالف مع اليمينيين و رجال الأعمال ليبعدوا شافيز عن سدة الحكم ، و نجح الإنقلاب لمدة ثمان و أربعين ساعة فقط هم عمر تراكم غضب الجماهير على التحايل و التدخل الأمريكي السافر في شوؤنهم و حقهم في ذاتية تقرير المصير ، حملوا رجلهم على الأعناق و عادوا به إلى كرسيه الشرعي لبكمل مشروعه التنموي الوليد . إلا أن الخطر الفنزويلي الأكبر الذي تخشاه الولايات المتحدة لا يتمثل في مشروعها الننموي المحلي فقط ، بل يكمن في مشروعها الأيديولوجي اللاتيني الوحدوي الذي بدأه شافيز بخطى إستراتيجية بعيدة عن الخطب و الشعارات الجوفاء ، و أدرك جيدا أن السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة الإمبريالية المطلقة هو إقامة تكتل جنوب –أمريكي قائم على مصالح إقتصادية مشتركة و رغبة متقاطعة في الاستقلال السياسي و الاقتصادي للإفلات من ضيم القبضة الأمريكية ، فوضع مشاريع لمد أنابيب نفطية إلى كولومبيا و بنما و البرازيل و شرع في تصدير النفط إلى دول أمريكا الوسطى بأسعار تفضيلية و صدر النفط إلى كوبا مقابل خبراء في مجالات الصحة و التعليم ، كما عزز صلاته بالصين و الهند وروسيا و البرازيل كأسواق لمصادر الطاقة الفنزويلية ، و عمل على إقامة ما يقارب من إثنان و ثلالين مشروعا للبنية التحتية لربط أجزاء أمريكا اللاتينية ببعضها البعض . نتائج التجربو الفنزويلية البوليفارية أتت بنتائجها في سبع سنوات فقط :فوصل معدل إنتاج النفط إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا ، و بلغ معدل النمو في قطاع البناء 32% و في المؤسسات المالية 26.6% و في قطاع النقل و التخزين غلى 26.4% و في التجارة إلى 25.5% و في التصنيع إلى 25.4 و في التعدين إلى 11.8 % و في الإتصالات إلى 10.2% و في الكهرباء و الماء إلى 6.9 % ليصل معدل النمو الاقتصادي العام إلى 9.3 % في أيلول 2005 بعد أن كان معدل التضخم في العام 1998 قد بلغ 70% . كما أن ثماني أعوام من حكم شافيز قد آلت الى تعلم مليونا و خمسمائة ألف فنزويلي القراءة و الكتابة و التحاق ثلاثة ملايين فقيرا في التعليم الابتدائي و الثانوي و الجامعي بعد أن كانوا مستثنين من التعليم بسبب الفقر ، و بات سبعة عشر مليونا من الفنزويلين- البالغ مجموع عددهم خمس وعشرين مليونا - يتلقون الرعاية الصحية الشاملة و منها الدواء ، و تم إيصال ما يقارب المليون و سبعمائة ألف طنا من الأغدية المدعومة من الدولة ، و تم خلق ثمانمائة فرصة عمل لتتقلص نسبة البطالة إلى تسع نقاط مئوية . هذا النمو المتسارع على الصعيدين المحلي و الإقليمي مكنت شافيز من حرية اتخاذ قرارات يعلم القاصي قبل الداني أنها تعد تحديا صارخا لرغبات الولايات المتحدة ، و يظهر هذا جليا في موقفه من المجازر الإسرائيلية في فلسطين المحتة و لبنان و الاحتلال الأمريكي للعراق بشكل لم تستطع الأنظمة العربية ذاتها أن تنتهجه ولو ظاهريا . التجربة الفنزويلية المبهرة لم تأت ثمارها بالسحر أو الشعوذة أو الدعاء ، بل نجحت بتكاتف أبناءها و تلاحمهم ووقفهم بحسم خلف ممثلهم الشرعي ، و نجحت بالدراسة و الإرادة و الكد و العمل الدؤوب و الرغبة الحقيقية في التحرر من الإستغلال و الهيمنة ، نجحت بالسعي نحو الحرية لا الإكتفاء بتمنيها لترسخ في أذهاننا مقولة الشابي : اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
#ناجي_الناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|