|
تطور الحركة الوطنية في الجولان
ثائر أبوصالح
الحوار المتمدن-العدد: 7242 - 2022 / 5 / 8 - 13:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد شكل افشال مخطط "الدويلة الدرزية"من جهة، وانخراط عدد كبير من شباب الجولان في العمل الوطني لمناهضة الاحتلال من جهة أخرى اللبنة الأولى في بناء الحركة الوطنية في الجولان، فقد أجرى الكثير من الشباب اتصالات بأجهزة الأمن السورية، بمبادرة شخصية منهم ، وعرضوا عليها أن يتنظموا لمصلحة العمل الوطني، خصوصا أن قسما لا يستهان به من هؤلاء الشباب، كان متأثراً بالحركة الناصرية والبعثية، وكان هناك أيضاً نواة للحزب القومي السوري الاجتماعي، حيث شكل الفكر القومي العربي، الذي حمل شعلته الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من جهة، وألم الهزيمة الذي جرح كبرياء هؤلاء الشباب بالصميم من جهة أخرى، دافعاً لهم على العطاء، والانخراط في العمل الوطني. وهكذا تنظم أكثر من 70 شاباً من مختلف القرى في الجولان في أربع شبكات سرية مختلفة، تعمل مع الأمن السوري. استطاع هؤلاء الشباب تقديم معلومات قيمة جدا، قبل حرب تشرين1973 حول مرصد جبل الشيخ وخط بارليف، حيث عمل قسم منهم كعمال في هذه المواقع واستطاعوا الحصول على مخططاتها وقدموها للأمن السوري، وبدوره قدم الأخير مخططات خط بارليف للمصريين. استطاع الأمن الإسرائيلي اكتشاف أمر هذه الشبكات في مطلع عام 1973 حيث اعتقل عدد كبير من شباب قرى مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنية، وكذلك استشهد في تلك الفترة شابان بالرصاص الإسرائيل عندما كانوا يؤدون مهامهم الوطنية. لا شك، أن هذا الحراك الوطني (إفشال مخطط التقسيم والشبكات السرية ) ترك أثره على السكان السوريين تحت الاحتلال، وبدأت تتشكل نواة الحركة الوطنية في الجولان، التي رفضت الاحتلال وسياسته، والتي تمثلت أمامهم بشخص وسلوك الحاكم العسكري، حيث يمنحه منصبه حق التصرف كيفما يشاء وفقا لمصلحة الاحتلال دون أي مراعاة للمواثيق والقانون والأعراف الدولية. أو حتى القانون المدني الإسرائيلي، وقد كان أول عمل قض مضجع الاحتلال، هو خروج مظاهرة عارمة في الجولان بعد إعلان وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970حيث حصل في هذه المظاهرة مواجهات بين الشباب وجيش الاحتلال. لقد كان لحرب تشرين 1973 ونجاح الجيشين السوري والمصري، في الأيام الأولى من الحرب، في تدمير الدفاعات الإسرائيلية في مرصد جبل الشيخ وخط بارليف قرب قناة السويس واسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية بصواريخ "سام 6" السوفيتية الصنع آنذاك الأثر الكبير على معنويات سكان الجولان، فرغم خسارة العرب للحرب في النهاية لكنهم أسقطوا اسطورة الجيش الذي لا يقهر كما صورته إسرائيل بعد هزيمة حزيران 67، بهدف إحباط الشباب والمعنويات العربية بشكل عام. إن المفاوضات الإسرائيلية المصرية، بعد الحرب، والتي توجت لاحقاً باتفاقية كامب ديفيد والتي أفضت الى إعادة سيناء للسيادة المصرية مقابل اتفاقية سلام مع إسرائيل، أقنعت سكان الجولان أنه في المستقبل سيحصل هكذا تسوية مع سوريا، الأمر الذي أضعف بشكل ملموس الأشخاص الذين تعاملوا مع الاحتلال من جهة، وشد من أزر الحركة الوطنية من جهة ثانية، حيث صممت الأخيرة على رفض سياسة الأسرلة التي بدأت بها حكومة الليكود بقيادة مناحيم بيغين التي وصلت للحكم في عام 1977. بدأت الحكومة الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مستفيدة من الفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه خروج مصر من معادلة الصراع، بخطى حثيثة لضم الجولان للضغط على سوريا من جهة، ولإرضاء الرأي العام الإسرائيلي وخصوصاً جمهور مصوتي الليكود الذين احتجوا على الانسحاب من سيناء وتفكيك المستعمرات الإسرائيلية هناك. وبدأوا التخطيط لتمرير ضم الجولان عبر السكان الأصليين من أجل عدم اثارة الرأي العام العالمي ضدهم، ليقولوا للعالم أن سكان الجولان السوريون يطالبون دولة إسرائيل بضم الجولان اليها، وبالفعل بدأ الحاكم العسكري بالترويج للجنسية الإسرائيلية بين السكان، وخصوصاً جمهور الموظفين والمعلمين لربط قبول الجنسية الاسرائيلية باستمرار العمل في المؤسسات والمدارس. انتبه السكان وعلى رأسهم الحركة الوطنية، التي بدأ يشتد عودها لهذا المخطط، وتنادوا لاجتماع يمثل كافة الفعاليات الاجتماعية وصدر في 25 اذار من عام 1981 الوثيقة الوطنية لأهل الجولان، التي أكدت على أن سكان الجولان المحتل هم عرب سوريون ويرفضون جنسية المحتل، وفرضت هذه الوثيقة المقاطعة الدينية والاجتماعية على كل من تسول له نفسه من سكان الجولان القبول بالجنسية الإسرائيلية. وبالمقابل قامت سلطة الاحتلال باعتقال عدداً من قادة الحركة الوطنية اعتقالاً ادارياً متهمة إياهم بالتحريض على رفض الجنسية الإسرائيلية. أدرك قادة إسرائيل أنه لا يمكن تمرير هذا المشروع عبر السكان، لذلك قدم الائتلاف الحكومي مشروعاً للكنيست يقضي بتطبيق القانون والإدارة الإسرائيلية على الجولان والذي عرف بقانون الجولان والذي صدر في 14.12.1981 ظناً منهم أن هكذا قرار سيسهل على أهل الجولان القبول بالجنسية الإسرائيلية، لكنهم تفاجأوا بردة فعل السكان الذين رفضوا وبقوة قرار الضم الذي أصدرته الكنيست الإسرائيلي. أعلن السكان اضراباً مفتوحاً اعتباراً من 14.2.1982احتجاجاً على قرار الضم، والذي استمر أكثر من خمسة أشهر بقليل، جرى خلاله مواجهات بين السكان والجيش الإسرائيلي الذي طوق القرى وفصلها عن بعضها البعض، وحول المدارس الى مراكز اعتقال، وبدأ الجيش يدخل البيوت بالقوة ينتزع من السكان الهوية العسكرية ويسلمهم الهوية المدنية الإسرائيلية، فعندما رفض السكان استلام الهويات المدنية رمى الجيش الهويات في مداخل البيوت. وبعد انتهاء الحصار جمع السكان الهويات المدنية واحرقوها في ساحات القرى.
التلاحم السوري الفلسطيني تحت الاحتلال: بعد فك الحصار عن قرى الجولان والذي استمر من 14.2.1982 حتى الأسبوع الأول من شهر نيسان من نفس السنة. بدأت الوفود الفلسطينية تتوافد من الدخل الفلسطيني ومن القدس والضفة الغربية وغزة للتضامن مع أهل الجولان المضربين، وقدموا لهم المساعدات على كافة المستويات المعنوية والعينية والإعلامية وتشكلت لجان للتضامن مع أهل الجولان لمتابعة قضيتهم ونظمت المظاهرات والوقفات احتجاجاً على التعامل الوحشي للاحتلال مع السكان، وقد مثل هذا التلاحم النضالي مثالاً ونموذجاً يحتذى على مساحة الوطن العربي. فقد شكل الفلسطينيون بالنسبة لأهل الجولان العمق والرئة التي كانوا يتنفسون من خلالها بعدما أطبق الاحتلال على أنفاسهم. لقد وحدت السجون الإسرائيلية بين مناضلي الجولان وفلسطين ونُسجت العلاقات النضالية التي استمرت بعد التحرر والخروج من السجون. وبالمقابل انخرط طلاب الجولان في الجامعات الإسرائيلية أيضاً في إطار النضال الطلابي الفلسطيني الذي كان محوره الصراع مع الحركة الصهيونية وتبوأ العديد من طلبة الجولان مناصب قيادية في إطار العمل الطلابي الفلسطيني دون أي تفرقة بين الطالب الجولاني السوري والطالب الفلسطيني، وهكذا أعطى هذا التلاحم الذي ما زالت مسيرته مستمرة حتى الآن نموذجاً شبابياً لملامح العمل القومي العربي. لم يقتصر التلاحم السوري الفلسطيني على هذين المجالين فقد امتد الى المرافق الثقافية واندمج أهل الجولان في العمل الثقافي الفلسطيني من خلال المسرح والموسيقى والمعارض الفنية، وأقيمت أعمال مشتركة على مدار عشرات السنين، وما زالت مستمرة في مجالات كثيرة حتى اليوم، كذلك أقيمت المخيمات الصيفية المشتركة لكي تتعرف الأجيال الناشئة على بعضها البعض من أجل توطيد وصياغة علاقات مستقبلية. كذلك شكلت الضفة الغربية متنفساً للرياضيين السوريين من الجولان وانضم عدد من اللاعبين الى النوادي الفلسطينية وجرت العاب ودية كثيرة بين منتخبات سورية من الجولان وأخرى فلسطينية. تعليق الإضراب استفادت إسرائيل، كما ذكر سابقاً، من خروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي فقامت بتدمير المفاعل النووي العراقي في عام 1981 مما فتح الطريق لحزب الليكود للفوز بانتخابات ثانية. وفي حزيران 1982 غزت اسرائيل لبنان بهدف اجتثاث الثورة الفلسطينية والوجود الفلسطيني هناك، وبشكل طبيعي تحول اهتمام الإعلام العالمي الى الحرب وأصبحت قضية الجولان على الهامش، فقرر قادة الحركة الوطنية في الجولان تعليق الإضراب بعد أن توصلوا لاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية على النقاط التالية: 1- إسرائيل لن تفرض الجنسية الإسرائيلية على أهل الجولان بالقوة، ولكن ستقدمها لمن يرغب بالحصول عليها طوعاً. 2- إسرائيل لن تقدم على مصادرة الأراضي والمياه التابعة لقرى الجولان الأربع. 3- إسرائيل لن تستدعي للخدمة العسكرية أي مواطن من الجولان، بحكم القانون الإسرائيلي، الذي يفرض الخدمة الإجبارية على الدروز الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في الجليل والكرمل. على أساس هذه الرسالة، قرر أهل الجولان تعليق إضرابهم الذي استمر أكثر من خمسة أشهر بقليل، وأعلنوا التزامهم بالوثيقة الوطنية، ورفضهم القبول بالجنسية الإسرائيلية وشددوا الحرم الديني والاجتماعي على كل من يقبل بها. وبالمقابل قرروا استلام الهوية المدنية الإسرائيلية، لتسيير أمورهم الحياتية. وهكذا تحول السكان السوريون في الجولان وفقاً للقانون الإسرائيلي إلى "مقيمين دائمين" يدفعون الضرائب، ويتمتعون بالحقوق المنصوص عليها قانونياً للمقيم الدائم، ولكنهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية حيث ينتج عن ذلك قانونياً أنهم لا يتمتعون بحق الترشح أو التصويت لانتخابات الكنيست الإسرائيلي، ولا يحق لهم حمل جواز سفر إسرائيلي وإنما يعطون بطاقة سفر ( Travel Document)مسجل فيها في حقل الجنسية" :.“Undefined " "الجنسية: غير معرف" وهكذا اصبح وضع أهل الجولان القانوني بعد الضم مشابهاً تماماً لوضع السكان العرب في القدس الشرقية.
#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل ومشروع -الدويلة الدرزية-
-
سكان الجولان السوريين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الج
...
-
دروس مستخلصة من الثورة السورية
-
الحرب الروسية على اوكرانيا
-
موجز قصة الثورة السورية الكبرى في الجولان- اقليم البلان
-
مهزلة صفقة التبادل بين سوريا واسرائيل: الدوافع والأهداف
-
تغريبة حاتم علي
-
اللاجئون السوريون وصحوة الضمير الروسي
-
الحلف العلني الجديد
-
ثورات الشعوب العربية وأزمة اليسار العربي
-
المثقف ودوره الاجتماعي: مقاربة نظرية المثقف العربي وتحديات ا
...
-
سيكولوجيا الشر بين النظرية والتطبيق
-
الثورة السورية بين الواقع الموجود والواقع المنشود
-
إسرائيل وافاق التسوية السياسية مع سوريا
-
الأنظمة العربية السياسية بين الدوافع للثورات وسوء إدارة الأز
...
-
الديمقراطية وأهم معوقاتها في العالم العربي
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|