محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7242 - 2022 / 5 / 8 - 06:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس هناك، حتى الآن، إعلان رسمي لقيام ما يُعرف بـ”الديانة الإبراهيمية الجديدة”، إذ لا أسس لها ولا أتباع أو حتى كتاب، وإن كانت هناك محاولات للترويج لها بأشكال مختلفة، وقد صدرت بعض الدراسات والكتب التي تشرح خطورة هذا المشروع. وإنما هذا مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديان إبراهيمية، نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام. الهدف المعلن للمشروع هو “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عن ما يمكن أن يُسبب نزاعات وقتالاً بين الشعوب”. وقد بدأ الترويج للفكرة فعلا في إطار “إقامة السلام بين الشعوب والدول بغض النظر عن الفروقات”، وقد يكون الهدف الأساسي يتلخّص بالترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت عناوين دينية وسياحية وبيئية، واجتماعية، وتنموية، واقتصادية. (1) ومنذ ذلك الحين، أثار المصطلح جدلاً يظهر على السطح ويخبو منذ أكثر من عام. وحسب ما جاء في تقرير الكاتب خالد الفرطوسي , ان فكرة الديانة الإبراهيمية بدأت عام 1990 حيث ولدت في وزارة الخارجية الأمريكية كفكرة سياسية لحل الصراع العربي الإسرائيلي على أساسها، وذلك باستغلال المشترك الروحي بين الأديان السماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية).
ومن خلال البحث عن المقدس المشترك , وجدت الخارجية الأمريكية وبالتعاون مع الاستخبارات المركزية: -
1. إن اليهودية لا تعترف بالإسلام ولا بالمسيحية (كديانات سماوية أنزلها الله)
2. المسيحية تعترف باليهودية ولا تعترف بالإسلام.
3. الإسلام لا يعترف به أحد، لكنه يعترف بالمسيحية واليهودية.
4. إن القاسم المشترك الأعظم بين الديانات الثلاثة هو النبي إبراهيم عليه السلام الذي تعترف به الديانات الثلاثة ولا تختلف في كونه مرسلاً من السماء إلى البشر.
وعلى أساس ما تقدم وفي العام ٢٠٠٤ قامت الخارجية الأمريكية بتكليف جامعة هارفرد وجامعة كاليفورنيا بإعداد مشروع لجمع اتباع الديانات الثلاثة على دين واحد، وفي عام 2013 نضج المشروع ونزل إلى ميدان التطبيق.
وانكشف لهذا المشروع عناصر رئيسية سيكون العمل من خلالها لغرض تحقيق المطلوب: –
• اكتشاف المقدس المشترك في الديانات الثلاثة من خلال البحث في كتبها المقدسة (القرآن، التوراة، الانجيل).
• جمع كل المشتركات بين الأديان الثلاثة وإلغاء غير المشترك (أي جمع المقدس المتفق عليه، واستبعاد المختلف عليه)
• وضع المقدس المتفق عليه في كتاب واحد يصبح هو الكتاب المقدس للديانة الإبراهيمية وتلغى الكتب المقدسة الفعلية (القرآن، التوراة، الانجيل) كخطوة توحيدية ضرورية للقضاء على الاختلافات بين شعوب الأديان الثلاثة، من خلال خطوات تدريجية بعيدة المدى تم العمل عليها منذ سنين مضت.
• يتم إنشاء دار عبادة واحدة اسمها [البيت الإبراهيمي] لتمارَس فيها عبادة إبراهيمية موحدة مأخوذة من المتفق عليه من المقدسات في الأديان الثلاثة، وتلغى دور العبادة الفعلية تدريجياً (المسجد، المعبد، الكنسية) بدءاً من دول الغرب مروراً بالدول الإسلامية التي تتعبد بأوامر أمريكا (2).
ويقول الكانب اياد الامارة , باختصار شديد “الإبراهيمية” دين جديد تم إعداده في مطابخ أمريكية َصهيونية منذ العام (٢٠٠٠) محاولة منهم لأن يكون بديلاً للديانات السماوية “الإسلام، المسيحية، اليهودية” يلغي هذا الدين -الإبراهيمي الجديد- الإسلام بمعنى النصوص والأفكار والتحركات التي تؤمن بالحرية وترفض الإذلال والهيمنة: “المقاومة” التي تقف بوجه الهيمنة الاستعمارية الغربية ومشاريعها المُذلة. تحاول الديانة “الإبراهيمية” الجديدة -بالمعنى الذي يريده دعاتها- أن تؤسس فكرياً وحركياً للإذلال والرضوخ والعبودية للغطرسة الصهيوامريكية في المنطقة. (3)
الدعوة الى المشروع رفض بشدة من قبل جميع الطوائف الإسلامية ومسيحيو مصر. كان اول الرافضين بهذا الدين الجديد هي النجف الاشرف من خلال دعوات تحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني والتعامل حتى مع بضائع المصنوعة في إسرائيل.
ورفض الدعوة الشيخ أحمد الطيب , شيخ الازهر بالقول، إنّه يريد “التنبيه قطعاً للشكوك التي يثيرها البعض بغرض الخلط بين التآخي بين الدينين، الإسلامي والمسيحي، وبين امتزاج الدينين وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما، خاصة في ظل التوجهات والدعوة إلى الإبراهيمية”. وقال: “إنّ هذه الدعوات تطمح في ما يبدو إلى “مزج المسيحية واليهودية والإسلام في دين واحد، يجتمع عليه الناس ويُخلصهم من بوائق الصراعات”. وأعلن الطيب رفض الدعوة إلى “الديانة الإبراهيمية الجديدة” وتساءل في خطابه، عما إذا كان المقصود من الدعوة “تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة، أو المقصود صناعة دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة”، حسب تعبيره. وأضاف الطيب: “إنّ الدعوة لـ”الإبراهيمية” تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار”.ورأى الطيب أنّ الدعوة إلى توحيد الدين هي دعوة “أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها”، لأنّ “اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها”. وختم الطيب: “إنّ احترام عقيدة الآخر شيء والإيمان بها شيء آخر”. (4)
وشدد البابا تواضروس الثاني بابا اقباط مصر في مقابلة له مع القناة المصرية الأولى , رفضه فكرة ما يسمى " الدين الابراهيمي" وقال , ان " هناك أفكارا سبقت فكرة الدين الابراهيمي التي هي فكرة سياسية , مثل ان الأديان كالأوان يمكن تغييرها كما تشاء , وهذا شيء لا يتناسب مع فكر الدين وكلاهما مرفوضة تماما وغير مقبول". وأضاف " من يفكرون بذلك يرون ان الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام حسب تاريخ منشأها إبراهيم (أبو الأنبياء) , فقالوا كما يفكر الغرب ترجع له وتحذف المختلف وهذا امر غير مقبول في الشرق". ولفت البابا الى ان " الشرق الأوسط مهد الأديان , وهذه الفكرة (الدين الابراهيمي) هي نتاج تفكير سياسي الهدف منه كسر ثوابت الدين أي دين , والثوابت هي من تحفظ كيان الانسان والهوية وبالتالي ما ينادي به الغرب شيء مرفوض"(5).
ورفض الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدعوة الى الدين الابراهيمية معتبرتها دعوة الى " تحريف الإسلام وتشويه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ". وأضاف بيان الاتحاد بالقول , ان " أساس تسويق لدين جديد يؤازر التطبيع السياسي هو امر مرفوض شكلا وموضوعا واصلا وفرعا" , معتبرا اطاعة " الدين المبتدع والقبول به والدعوة اليه خروج من ملة الإسلام ". وأوضح البيان , ان , أساس فكرة الدين الابراهيمي يقوم على المشترك بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد وهي فكرة باطلة اذ الإسلام انما يقوم على التوحيد والوحدانية وافراد الله تعالى بالعبادة بينما الشرائع المحرفة قد دخلها الشرك وخالطتها الوثنية والتوحيد والشرك ضدان لا يجتمعان". وطالب البيان وزارات التعليم والاعلام في العالم العربي والإسلامي الكف عن العبث بمناهج تعاليم الإسلام وتقديمه من خلال القران والسنة وتأكيد على ثوابت العقيدة والشريعة وتحصين الناشئة من الانحرافات"(6)
ووصف المؤرخ المصري الكبير د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر , فكرة الديانة الإبراهيمية بأنها لعبة صهيونية القصد منها احتواء المشرق والمغرب العربي بديانته الإسلامية والمسيحية والقول إننا أبناء إبراهيم. وأضاف د. عاصم” أن الفكرة هي إحدى المكائد الصهيونية التي تفننوا فيها. وتابع الدسوقي: انظر إلى آخر ألعابهم التي خالت على إحدى الحكومات العربية، بإرسال عدد من اليهود إليها للتجنس؛ ليعملوا في الحكومة. وقال إن هؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي: النصاب بخير طول ما المغفل موجود!
وقال المؤرخ الفلسطيني الكبير عبد القادر ياسين , إنه مما لا شك فيه أن الصراع المندلع بيننا وبين الامبريالية العالمية- وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية وعدونا المباشر الكيان الصهيوني- أساسه سياسي وليس دينيا. وأضاف ياسين” أن الذين يسيئون استخدام الدين من وقت لآخر، فمرة يقولون: هؤلاء أولاد عمنا وما بين الخيرين حساب، ومرة يقولون إن الديانة الإبراهيمية هي الأصل. ودعا ياسين إلى عدم خلط الحابل بالنابل، مؤكدا أن الموضوع ليس دينيا. وذكّر ياسين بمقولة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله: لو أن مسلمين احتلوا بلادنا، لقاتلناهم! وتابع قائلا: نحن لا نقاتل الإسرائيليين من أجل دينهم، بل لأنهم سرقوا بلادنا، وقتلوا أولادنا وهدموا دورنا وصادروا حقوقنا.
وقال د. محمد الشرقاوي , إن الديانة الإبراهيمية بمعنى: تلفيق أو توحيد تعاليم الديانات التي ينتسب أنبياؤها إلى ذات الأرومة الإبراهيمية؛ وهي: اليهودية والمسيحية والإسلام، في ديانة واحدة، تسمى: (الديانة الإبراهيمية)، هذا أمر مستحيل، ولا يقبل به اليهود ولا المسيحيون ولا المسلمون. وتابع الشرقاوي: “هذا أمر مفروغ منه، ولكن هذا لا ينسينا مسألتين هما: أن استغلال بعض الحكومات الاستعمارية والصهيونية ودول عربية كذلك، ومحاولتهم توظيف هذه الفكرة المستحيل تطبيقها على أرض الواقع، في تمرير مشروعات تطبيعيه مع إسرائيل، عمل قبيح بشع. والمسألة الأخرى تكمن في الدعوات والأنشطة النبيلة لحث أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث على التعايش والتعاون والتعارف، بهدف نزع فتيل مشاكل كثيرة تواجههم”. وخلص إلى أن هذا توجه نبيل وجليل ونحن المسلمين مأمورون به، وبالتالي نحن مرحبون به، وينبغي علينا أن ننخرط في أنشطته بفاعلية وإيجابية. (7)
واعتبر الكاتب اياد الامارة , ان "الصهيونية تريد أن تستخدم نبي الله إبراهيم على نبينا وعليه السلام لابتلاع منطقتنا العربية والإسلامية. الصهيونية التي تعاني من عقدة “الزوال الحتمي” تحاول جاهدة أن تمد في فترة وجودها الزائل من خلال مشروعها الديني هذا الذي بدأ بفعاليات حوار الأديان النخبوي ويستمر “إبراهيمياً”، وهو في الحقيقة مشروع سياسي صرف يهدف إلى تحقيق تطبيع ناعم مع أتباع الدين الإسلامي وابتلاعهم بعد ذلك وهم لا يشعرون (8).
ملاحظة : المصادر تحت الطلب
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟