|
مسرحية الجدار
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7239 - 2022 / 5 / 5 - 22:03
المحور:
الادب والفن
مسرحية من ثلاثة فصول
الجدار
طلال حسن
الفصل الأول
فاطمة امرأة في السبعين ، ترتب أثاث الردهة ، يدخل نبيل ، شاب في الخامسة والعشرين ، فاطمة تنظر إليه ، وتتأمله في حب وفرح
نبيل : صباح الخير ، مازلتِ تستيقظين قبل الديكة ، ماذا تفعلين منذ الآن ؟ فاطمة : صباح النور ، إنني أرتب الردهة ، يبدو أن ماما لم تستيقظ بعد . نبيل : لم أسمع صوتها . فاطمة : إنها تستيقظ عادة في الفجر . نبيل :" يطوقها بذراعيه " فاطمة ، تعال معي. فاطمة : إلى أين ؟ نبيل : نرى الصبح في الشوارع . فاطمة : " في عتاب " نبيل . نبيل : إن شوارع بغداد جميلة في الصباح . فاطمة : تناول فطورك أولاً . نبيل : لستُ جائعاً . فاطمة : لكنك لم تتناول عشاءك أمس . نبيل : تناولت عشائي في النادي . فاطمة : لقد انتظرتك حتى ساعة متأخرة ، نبيل ابقَ معنا . نبيل : إنني مشتاق إلى بغداد ، دعيني أشبع منها أولاً . فاطمة : نحن أيضاً مشتاقون إليك ؟ نبيل : سأمكث بينكم حتى تشبعون مني . فاطمة : لن أشبع منك أبداً " تقبله " إن الغربة قد أنحفتك ، كان جسمك ممتلئاً قبل أن تذهب إلى .. ماذا يُسمونها ؟ إنني أنسى اسمها دائماً . نبيل : لندن . فاطمة : نعم ، لندا ؟؟ نبيل : " يضحك " لند .. ن ؟ فاطمة : لندا .. نبيل : " يضحك " .... فاطمة : لن أتعام اسمها ، لكني أحببتها ، لأنك كنت تعيش فيها ، لو تعلم كم اشتقتُ إليك ، كنت أخشى أن أموت قبل أن أراك ثانية . نبيل : لكنكِ كنت دائماً معي . فاطمة : لم تنسني إذن . نبيل : وكيف أنساك ؟ فاطمة : نبيل ، تناول فطورك اليوم معنا . تبيل : " يبتسم " .... فاطمة : ماذا تقول ؟ نبيل : ماذا تريديني أن أقول ؟ فاطمة : لا تقل لا ، من أجلي . نبيل : لا . فاطمة : " بخوف " نبيل . نبيل : لن أقول لا . فاطمة : " بفرح " ليحفظك الله ، لقد أفرحتني .
يُسمع وقع أقدام ، يفتح الباب ، وتدخل الأم ، امرأة في حوالي الخمسين الأم : " لفاطمة " هل أعددت الفطور ؟ فاطمة : الشاي أوشك أن يغلي ، وقد اشتريت الخبز ، و .. الأم : : تقاطعها بجفاء " من يقول أن الشاي لم يغل ِ ، ويفسد الطباخ ، مادمتِ تثرثرين هنا ، منذ ساعة . فاطمة : لقد دخلتُ منذ لحظة لأرتب الردهة ؟ الأم : اذهبي إلى المطبخ . فاطمة : " تتجه إلى الداخل " حاضر . الأم : والحليب ، هل غليته ؟ فاطمة : سأغليه الآن " تخرج "
الأم تلتفت إلى نبيل ، وتحدق فيه ، يبدو التأثر والانزعاج عليه
الأم : لا تبدو مرتاحاً ، هل نمت جيداً ؟ نبيل : نعم . الأم : إن وجهك شاحب . نبيل : هكذا خلقتُ . الأم : ليس من السهر إذن " صمت " لقد تأخرت البارحة أيضاً . نبيل : كنت مع صديق ، لم أره منذ فترة طويلة . الأم : وقبل البارحة ، وقبلها ، وقبلها , نبيل : ماذا يضيرك تأخري ؟ الأم : إنني أمك ؟ نبيل : لم أعد طفلاً . الأم : نبيل ، أنظر إليّ ، لماذا تبعد عينيك عني دائماً ؟ ماذا جرى ؟ أنظر إليّ . نبيل : " يرفع عينيه إليها " .... الأم : " تنظر في عينيه " .... نبيل : " يرخي عينيه ، ويطرق " .... الأم : لا أدري لماذا أشعر ، أن في عينيك شيئاً لا أفهمه ، ترى ما الذي غيرك ؟ لندن ؟ لا أعتقد " صمت " لم تحدثني عن أبي نزار . نبيل : ذهبتُ إليه البارحة . الأم : حسناً . نبيل : وكالعادة ، قال لي ، انتظر . الأم : سأتلفن له ثانية . نبيل : لا داعي . الأم : لكن الرجل لم يدخر وسعاً . نبيل : هناك وظائف كثيرة في الجزائر . الأم : أعتقد أنك تعرف رأيي في هذا الأمر . نبيل : لقد مللتُ البطالة ، إن الفراغ هنا يقتلني. الأم : لن تغادر العراق ثانية ، ستبقى هنا ، وتعيش معي . نبيل : " يصمت " .... قاطمة : " تدخل " الفطور جاهز . الأم : هل غليتِ الحليب ؟ فاطمة : " تضطرب " يا إلهي ، لقد .. نسيت . الأم : لا أدري ماذا دهى عقلك هذه الأيام . فاطمة : سأغليه حالاً . الأم : رتبي الردهة ، سأعد الفطور بنفسي . فاطمة : لكني أعددته .. الأم : لا تثرثري ، رتبي الردهة .
الأم تخرج ، نبيل ينظر إلى فاطمة ، فاطمة تحاول أن تتشاغل
نبيل : فاطمة . فاطمة : سأرتب الردهة . نبيل : لكنك رتبتها . فاطمة : لم أنتهِ بعد . نبيل : فاطمة " يحتضنها " إنني أحبك . فاطمة : " ترفع عينيها إلى نبيل " نبيل ..نبيل : لا تهتمي لشيء . فاطمة : لن أهتم مادمتُ معك . نبيل : أنتِ أمي ، وحبيبتي . فاطمة : لو تعرف كم عانيتُ في غيابك .. نبيل :إنني معك الآن . فاطمة : لكنني من أجلك صبرت . نبيل : ابتسمي . فاطمة : ليس لي في الدنيا أحد غيرك . نبيل : أرني ابتسامتك الحلوة . فاطمة : أنت ابني ، ابني . نبيل : ابتسمي لابنك إذن .
فاطمة تبتسم ، نبيل يحتضنها ، يدق جرس الباب نبيل : سأفتحه عنك . فاطمة : لا ، هذا وتجبي . نبيل : لكني ابنك . فاطمة : ولهذا يجب أن تطيعني . نبيل : " يبتسم " لقد غلبتني " تخرج "
بعد قليل ، تدخل ليلى ، نبيل ينظر إليها في دهشة وفرح ، ليلى تبتسم وهي تتأمل نبيل نبيل : ليلى ! ليلى : صباح الخير . نبيل : ليلى .. ليلى : " تبتسم " أنت تخيفني . نبيل : ماذا حلّ بليلى ؟ ليلى : المسكينة ، لقد كبرت . نبيل : هكذا بسرعة ؟ ليلى : ست سنوات ، ست سنوات طويلة ، كان عمر ليلى وقتها ثلاث عشرة سنة ، هل تحب عمليات الجمع ؟ نبيل : ليس كثيراً . ليلى : إنها تخيفني . نبيل : أعطني الحقيبة ، هل أنت وحدك ؟ ليلى : لا ، لقد جاءت أمي معي . نبيل : عمتي ؟ لقد شغلتني عنها . ليلى : ليس هذا ذنبي . نبيل : ذنب من إذن ؟ ليلى : ربما كان ذنب السنوات الست . نبيل : : يبتسم " ربما ..
تدخل أم فارس ، فاطمة تدخل وراءها ، حاملة الحقيبة ، نبيل يهرع إلى أم فارس
فارس : عمتي . أم فارس : نبيل ، كيف حالك ؟ أرجو أن تكون بخير . نبيل : أشكرك ، وأنتِ ؟ تبدو صحتك جيدة ؟ أم فارس : الحمد لله . نبيل : لقد مرت فترة طويلة ، منذ أن رأيتك آخر مرة . ليلى : ست سنوات . أم فارس : ربما أكثر . نبيل : كانت أياماً جميلة . ليلى : ستأتي أيام أجمل . أم فارس : من يدري . نبيل : لم تحدثاني عن فارس " صمت حزين " لقد سمعت أنه في .. أم فارس : " تدمع عيناها " نبيل .. نبيل : آسف . أم فارس : إنني أراه فيك ، أرى أخي ، رائحته العذبة تفوح منك ، إن أخي لم يمت ، إنه حيّ يعيش فيك . ليلى : " في تأثر " ماما . أم فارس : أنظري ، يا ليلى ، لقد أصبح نبيل رجلاً ، إنه الآن بطول فارس . ليلى : ماما ، أرجوك . أم فارس : أتعرف إذن أين هو ؟ نبيل : فارس رجل .. أم فارس : نعم ، إنه ابني . نبيل : " بعد فترة صمت " لا أدري قي الحقيقة ، من أعاتب ، كان عليكما أن تشعراني بقدومكما . ليلى : لكني كتبت لك رسالة . نبيل : لم تصلني . ليلى : لقد أرسلتها قبل أكثر من أسبوع . نبيل : " لفاطمة " هل وصلتني رسالة خلال هذه المدة ؟ فاطمة : نعم . نبيل : متى ؟ فاطمة : قبل يومين . نبيل : لم تعطيني إياها . فاطمة : أعطيتها لماما . نبيل : ماما . فاطمة : لم تكن وقتها في البيت .
يُفتح الباب ، وتدخل الأم ، يسود الجميع صمت متوتر
الأم : يدهشني أنكم لم تنسوا بيتنا بعد . ليلى : كيف حالك ، يا أم نبيل ؟ الأم : " تلتفت إليها " ليلى . ليلى : نعم . الأم : لقد كبرتِ ، مازلتِ في المدرسة ؟ ليلى : إنني طالبة في كلية العلوم . الأم : آ . ليلى : في الصف الثاني . الأم : يبدو أنك لست مع فارس " صمت " هل أنت معه ؟
صمت ثقيل ، الأم تلتفت إلى أم فارس ، وتشير إلى نبيل
الأم : نبيل ، ابني ، لقد أرسلته إلى لندن للدراسة " في تهكم " هل مازلت تعرفينه؟ أم فارس : " بحدة " نبيل يعرف أنني عمته . الأم : " بحدة " نبيل ، خذ ليلى إلى الداخل . نبيل : ماما ، أم فارس متعبة الآن .. الأم : ألم تسمعني ؟ نبيل : دعيها ترتح قليلاً . الأم : " بحزم " نبيل . أم فارس : أرجوك ، خذ ليلى ، أريد أن أتحدث إلى أمك على انفراد . ليلى : نبيل ، فلندخل لحظة " صمت " هيا أرجوك .
نبيل يندفع بانزعاج إلى الداخل ، ليلى تحمل حقيبتها ، وتمضي وراءه
الأم : " لفاطمة " اذهبي إلى المطبخ . فاطمة : الحقائب ، هل أحملها إلى الداخل ؟ الأم : دعيها هنا ، اذهبي الآن إلى عملك . فاطمة : " وهي تخرج " حاضر . الأم : يبدو أن الموضوع مهم ، مادمت قد شرفتنا . أم فارس : نعم . الأم : فارس . أم فارس : نعم ، ابني . الأم : لم أكن أعتقد أنك ستأتين إليّ يوماً من أجل ابنك فارس . أم فارس : لكني أتيت . الأم : لماذا ؟ أم فارس : في وسعك أن تفعلي الكثير . الأم : " في تهكم " صحيح . أم فارس : إذا أردتِ . الأم : ومن قال لكِ إني أريد ؟ أم فارس : ابني قد يواجه الحكم بالموت . الأم : إنني أعرفك ، أعرفك جيداً ، فلا تعتقدي إنني لا أعرف أهدافك . أم فارس : ليس لي هدف سوى إنقاذ ابني . الأم : أنت لم تأتي إليّ ، فأنت تعرفين إنني لن أتدخل من أجل فارس ، لقد أتيتِ إلى نبيل ، ولكن هيهات ، لن تلعبي بهذه الورقة ، نبيل ابني ، ولن أسمح له أن يتدخل في هذه القضية ، ولهذا فإني أنصحك أن تبحثي عن شخص آخر ، بعيداً عن هذا البيت .
يدخل نبيل ، فيحس بتوتر الجو ، ينظر إلى أم قيس ، فيلمح دموعاً في عينيها
نبيل : ماذا جرى ؟ " صمت " أخبراني ، ماذا جرى ؟ أم فارس : أرجوك ، نادِ ليلى . نبيل : لكن لماذا ؟ أم فارس : أرجوك ، يا نبيل ، نادها ، يجب أن نذهب . تبيل : لن تذهبا الآن . أم فارس : لدينا مهمة عاجلة . نبيل : تناولا الفطور أولاً ، وسآخذكما بسيارتي حيثما تريدان . أم فارس : لا أرجوك ، لا أريد أن تتعب نفسك معنا ، يمكننا أن نذهب وحدنا إلى المحامي ، الذي وكلناه للدفاع عن فارس . نبيل : لكن المحامي لن يكون في محله الآن ، سآخذكم إليه عصراً . أم فارس : نبيل ، أرجوك . نبيل : لا يمكن ، تفضلي الآن ، الفطور جاهز.
نبيل يأخذ بيد أم فارس ، ويسير بها إلى الداخل
الأم : " بحدة " نبيل . نبيل : " يلتفت إلى أمه " .... الأم : ابقَ لحظة ، أريد أن أكلمك . نبيل : ليس الآن . الأم : بل الآن . نبيل : " لأم فارس " تفضلي ، سألحق بك حالاً . أم فارس : " تخرج " .... الأم : " تحدجه بنظرة طويلة غاضبة " .... نبيل : " يرفع عينيه إلى أمه " قبل يومين وصلتني رسالة . الأم : من عمتك . نبيل : لم تعطني إياها . الأم : أردتُ مفاجأتك . نبيل : يبدو أنك فتحتها . الأم : هذا واجبي . نبيل : واجبكِ ! الأم : لم أفتح رسالة لك من قبل ،أما هذه الرسالة ، فقد رأيت أن من واجبي أن أفتحها ، لأني لا أريد أن تتعامل معك هذه المرأة من وراء ظهري . نبيل : لكن هذه المرأة .. عمتي ، وهي لا تتعامل معي بما يسيء إليك . الأم : بالعكس . نبيل : ولكن هذا .. الأم : " تصيح " إنني لا أريد أن تتعامل معها ، لا أريد أن تكون لها علاقة بنا ، يجب عليها أن تفهم ، أن كل شيء بيننا فد انتهى وإلى الأبد " صمت " نبيل ، أنت لم تعصني من قبل ، وأريد ألا تعصني هذا اليوم . نبيل : " بانزعاج " ماذا تريديني أن أفعل ؟ هل تريديني أن أطردها ؟ الأم : قبل قليل ، قلت لها ، إنك ستأخذها إلى المحامي بسيارتك . نبيل : وماذا في الأمر ؟ الأم : ابقَ بعيداً عن هذه القضية ، لن أسمح لك مطلقاً أن تتخل فيها ، هل سمعت ؟ نبيل : " يحدجها بغضب " .... الأم : " تصيح " قل نعم . نبيل : " يبقى صامتاً " ....
يُفتح الباب ، وتدخل فاطمة ، الأم تحدجها بغضب ، نبيل يمضي إلى الداخل
فاطمة : " تنظر إلى الأم خائفة " الفطور جاهز. الأم : " تبقى صامتة " .... فاطمة : لقد غليتُ الحليب ثانية .. الأم : لن أشربه اليوم .
فاطمة تنتظر لحظة ، ثم تنسحب في هدوء ، وتغلق الباب ، الأم تبقى وحدها بينما يُسدل الستار
الفصل الثاني
نفس منظر الفصل الأول ، الوقت ليل،فاطمة ترتب أثاث الردهة،يأتي نبيل من الداخل ، ويحضن فاطمة
نبيل : قلتُ لك ألف مرة ، لا أريد أن أرى حبيبتي بثوب أسود ، أين قطعة القماش التي جلبتها لكِ .. فاطمة : من لندا ؟ نبيل : " يبتسم " نعم ، من لندا . فاطمة : لم أفصلها بعد ، إن لونها لا يناسبني . نبيل : لا يناسبك ! أنت مازلتِ شابة . فاطمة : شابة في الخامسة والسبعين . نبيل : وماذا يعني ؟ إن المرأة في لندا تتزوج في هذا العمر . فاطمة : تتزوج ! لا يمكن . يفتح الباب بهدوء ، وتخل ليلى
ليلى : هل لي مكان بينكم ؟ فاطمة : ليلى ، أصدقيني . ليلى : " مازحة " لا تأخذي الصدق إلا مني . فاطمة : هل صحيح أن المرأة في لندا .. ليلى : أين ! نبيل : " يضحك " لندن . ليلى : آ . فاطمة : هل صحيح أنها تتزوج في السبعين ؟ ليلى : لابد أن نبيل هو الذي أخبرك بذلك . فاطمة : نعم . ليلى : إذن صحيح . فاطمة : تتزوج في السبعين ؟ ليلى : إذا كنتِ لا تصدقين ، فاذهبي إلى هناك . فاطمة : لكني أريد أن أذهب إلى الحج . ليلى : اذهبي إلى لندا أولاً . فاطمة : " تبتسم " ملعونة ، مثلي لا تذهب إلى لندا . ليلى : ليس هناك حل آخر ، إن المرأة لا تتزوج هنا بعد السبعين . نبيل يكتم ضحكته ، ليلى تطلق ضحكة مرحة عذبة ، فاطمة تبتسم
نبيل : هل تذوقتِ القهوة التي تعدها فاطمة ؟ فاطمة : أتمزح ؟ نبيل : أبداً . فاطمة : سأعد لك إذن فنجاناً من القهوة ، لم تتذوقي مثله من قبل . ليلى : أشكركِ . فاطمة : " وهي تخرج " وسأعدها حلوة مثلك . ليلى : " تبتسم " شكراً . نبيل : يبدو أن عمتي مازالت نائمة . ليلى : البارحة لم تنم لحظة واحدة . نبيل : من الصعب أن ينام المرء في القطار . ليلى : كانت تفكر فيه ، لم تتحدث عنه ، لكني أعرف أنها كانت تفكر فيه ، كنت إلى جانبها ، لكنها لم تحس بوجودي ، وظلت عيناها ثابتتين طوال الليل . نبيل : " يمسك يدها " ليلى . ليلى : إنني خائفة ، يا نبيل . نبيل : لا داعي للخوف ، إنها ظروف طارئة . ليلى : أخشى أن يدينوه . نبيل : بماذا يدينونه ؟ لا تصغي إلى هراء المحامي . ليلى : لقد أدانوا معظم رفاقه . نبيل : لكن ليس ثمة دليل ضده . ليلى : إنهم لا يبحثون عن أدلة لإدانته ، يكفي انتماؤه " تسحب يدها " أسمع وقع أقدام . نبيل : إنها فاطمة . ليلى : " تبتسم " المسكينة . نبيل : لقد استعدت للامتحان . ليلى : سأنجّحها . فاطمة : " تدخل حاملة القهوة " لقد أعددتها حلوة مثلك . نبيل : هذه رشوة . فاطمة : تنسمي رائحتها ، إنه عذبة .. نبيل : دعيها تحكم بنفسها . فاطمة : تذوقي قهوتي ، وادعي لي . ليلى : " تتذوق القهوة " الله . فاطمة : جيدة طبعاً . ليلى : جداً ، عاشت يدكِ . فاطمة : " لنبيل " أرأيت ؟ نبيل : أحس أنها تجاملك . فاطمة : " لليلى " صحيح ؟ أصدقيني . ليلى : إن كلمة جيدة لا تكفي ، إنها رائعة . فاطمة : رائعة " لنبيل " لن أعد القهوة لك ثانية ، إذا لم تقل ، إنها رائعة . نبيل : مهما تكن قهوتك رائعة ، فأنت أروع . فاطمة : لقد غلبتني ، من الأفضل أن أذهب ، هل تريدان شيئاً آخر . ليلى : لا ، شكراً . نبيل : اذهبي إلى فراشك ، فأنت متعبة . فاطمة : نادياني إذا احتجتما إلى شيء . ليلى : تصبحين على خير . فاطمة : أشكرك ، يا ابنتي ، ليسعدك الله " تخرج " . نبيل : " يتأمل ليلى " حدثيني عن نفسك . ليلى : " تبتسم " اسمي ليلى ، عمري .. ، هل هو مهم ؟ نبيل : إنه محرج أحياناً . ليلى : نتركه إذن ، طالبة في كلية العلوم . نبيل : وبعد . ليلى : لا بعد مع الأسف ، وأنت ؟ نبيل : " يبتسم " اسمي .. ليلى : أعرفه . نبيل : عمري .. ليلى : أعرفه . نبيل : درست .. ليلى : هندسة النفط في لندن . نبيل : بعد ؟ ليلى : هناك بعد لا أعرفه ، حدثني عنه . سأنتظر ، ولن أيأس " يتأملها " يبدو أنك تبحث فيّ عن شيء . نبيل : إنني أبحث فيك عن فارس . فاطمة : أرجو أن تكون قد وجدته . نبيل : لقد وجدته فعلاً . ليلى : ماذا وجدت مثلاً ؟ نبيل : لا أدري بالضبط ، ولكن فيك الشيء الكثير منه . ليلى : فارس أخي . نبيل : وأستاذك . لبلى : وأستاذي . نبيل : إنني أحسدك ، أخبريني ، ماذا تعلمت منه ؟ ليلى : أشياء كثيرة . نبيل : مثلاً . ليلى : تعلمت أن أواجه الحياة ، وأعمل على اغنائها . نبيل : هل عرفت الآن لماذا أحسدك ؟ ليلى : ولكنك درست في دولة متقدمة ، ولابد أنك تعلمت أشياء كثيرة هناك . نبيل : لم أتعلم هناك ما علمكِ إياه فارس ؟ ليلى : " تضحك " لا تقل لي ، أنك أضعت وقتك كله في دراسة هندسة النفط . نبيل : للأسف هذا ما فعلته . ليلى : " تضحك ثانية " لن أصدق طالباً درس في لندن . نبيل : " يتأملها " أتعرفين ماذا بقي من ليلى ؟ ليلى : الصغيرة ؟ نبيل : ضحكتها .. ليلى : آ . نبيل إن ضحكتك الطلقة ، المليئة بالحياة ، تذكرني بأيام الصيف التي كنت أقضيها معكم أحياناً . ليلى : لقد مرّ على ذلك وقت طويل . نبيل : نعم ، لكن ضحكتك مازالت هي ، لم تتغير ، يبدو أن هناك أشياء كثيرة ، لا يستطيع المرء أن يتعلمها في جامعات أوربا " يبتسم " مرة ، تذكرتك وأنا في أحد مسارح لندن ، كنت أشاهد مسرحية كوميدية ، فسمعت ورائي فتاة تضحك ، وبصورة لا إرادية التفت إليها ، كانت لندنية شقراء ، لم تكن تشبهك طبعاً . ليلى : " تبتسم بمكر " الحقيقة ، لم أكن أعلم أن فتاة لندنية شقراء ، تذكرك بي . نبيل : " يبتسم " .... ليلى : ترى ألم تذكرك بي فتاة سمراء ؟ نبيل : من الصعب أن يجد المرء في لندن فتاة سمراء تشبهك . ليلى : مع أن شعوب العالم كلها تلتقي هناك ، إنني لا أعتقد أن هندسة النفط تمنع المرء من التعرف على مزايا الشعوب . نبيل : هندسة النفط ، لو تعلمين ، لا تترك للمرء فرصة إلا للتعرف على خصائص التربة ، ومزايا النفط في الشرق الأوسط . ليلى : من الصعب أن يصدق المرء عائداً من لندن ، ولكن مع ذلك سأصدقك إذا أصدقتني ، هل تعدني ؟ نبيل : " يبتسم " نعم . ليلى : لماذا لم تكتب لنا ؟ نبيل : الحقيقة .. آ .. فاطمة : الحقيقة ، ماذا ؟ نبيل : لن تصدقيني إذا قلتُ لك ، إن الدراسة تملأ معظم وقتي . ليلى : والباقي ؟ نبيل : كان يملؤه الضباب والسأم . ليلى : وبعد .. نبيل : ليس هناك بعد . ليلى : ولكن مع هذا كنت تكتب لوالديك . نبيل : " يبتسم متردداً " أحياناً . ليلى : ترى عمّ كنت تكتب إليهما أحياناً . نبيل : عن بك بن وهايدبارك والضباب فوق لندن . ليلى : وفتاتك الشقراء ، ألم تحدثهما عنها ؟ نبيل : " يهز رأسه " .... ليلى : يا للأسف ، كنت أتمنى أن تكتب لي ،وتحدثني على الأقل ، عن فتاتك الشقراء ، التي تشبهني ، ترى آلم تخطىء في موقعها الجغرافي منك ؟ ألا يحتمل أنها كانت عن يسارك ؟ نبيل : كلا ، كانت ورائي ، ولم تكن تشبهك . ليلى : لا أدري لماذا أعتقد أنها كانت عن يمينك . نبيل : " يبتسم " .... ليلى : على كل حال ، كان المسرح مظلماً ، ولابد أنك نسيت ملامحها الآن .
يفتح الباب الداخلي ، وتدخل أم فارس
أم فارس : أرجو أن لا أكون قد قطعت حديثكما . نبيل : أبداً . ليلى : " تصيح " ماما ، آه لو كنت معنا . أم فارس :يبدو أن الحديث كان شيقاً . نبيل : ألا تجلسين ؟ تفضلي هنا , أم فارس : شكراً ، إنني مرتاحة هكذا . ليلى : ماما . أم فارس : ماذا بك ؟ الناس نيام . ليلى : " بصوت خافت " لندن ، يا ماما . أم فارس : لندن ! ما لها ؟ ليلى : لم تعد فقط عاصمة بريطانيا . أم فارس : " لنبيل " احذر هذه الملعونة ، وخاصة عندما تتكلم هكذا . ليلى : تصوري ، يا ماما ، إن نسختي الشقراء ، ترتاد هناك المسرحيات الضاحكة . أم فارس : كفى ، كفى ، لا تتوقعي أن أفهم اليوم نسختك الشقراء . ليلى : قال غاليلو ، إن الأرض كروية ، لكن أحداً لم يصدقه . نبيل : " يبتسم " للأسف . ليلى : ولكن مع ذلك ، إن الأرض كروية .
أم فارس تتأمل الصور المثبتة على الجدران ، وتتوقف عند صورة نبيل
أم فارس : هذه الصورة جميلة ، تبدو هنا فتى ، متى أخذتها ؟ نبيل : قبل أن أسافر إلى لندن . ليلى : ياه ، كم غيرتك لندن هذه . نبيل : صحيح ؟ ليلى : لعل الضباب هو السبب . نبيل : " يبتسم " يمكن . أم فارس : وهذه الصورة لجدك ، كان رجلاً طيباً . نبيل : إنني لا أكاد أذكره ، فقد توفي وأنا صغير . أم فارس : لو تعرف كم كان يحب والدك ، ويحترمه " صمت " وهذه أمك .. نبيل : نعم . أم فارس : تبدو هنا أصغر من عمرها . نبيل : لقد أخذتها منذ فترة قريبة . أم فارس : أتعرف أنها أكبر من أبيك ؟ نبيل : ربما بسنتين أو ثلاثة . أم فارس : بل أكثر بكثير ، إنها في عمري تقريباً " صمت " نبيل ، تأمل هذه الصور ، تأملها جيداً ، هذا الحائط مليء بالصور ، لكني لا أجد صورة واحدة لأبيك ، إنه أبوك ، يا نبيل ، لكنه لم يجد له مكاناً بينكم ، حتى على الحائط " صمت ثقيل " إنني آسفة . نبيل : هذه الصور لم أعلقها أنا .. أم فارس : سامحني ، لم أقصد إيلامك . نبيل : لقد وجدتها هنا ، عند عودتي من لندن ، يبدو أن أمي هي التي علقتها . أم فارس : إنني لا ألومها ، فهذا بيتها . ليلى : ماما . أم فارس : نبيل ، لا تلمني لأني أقمت مأتمه في بيتنا ، فهذا البيت لم يكن بيته ، لقد كان غريباً هنا ، كنت أنتظره ، وكنت أعرف أنه سيعود ، وقد عاد إليّ فعلاً ، لكنه عاد ميتاً .
صمت حزين ، تخل الأم ، يسود الجميع صمت ثقيل متوتر الأم : يبدو أنك لا تشبعين من نهش الآخرين . ليلى : أم نبيل ، نحن لم نكن .. الأم : أخبريني ، متى تكفين عن النهش ؟ أم فارس : ليس هذا من عادتي . الأم : إن من ينهش مرة ومرتين لا يشبع أبداً . نبيل : ماما . الأم : لا يمكن ، بعد هذا العمر ، أن أخطىء فهمك . نبيل : كفى ، يا ماما . الأم : كانت تمضغ لحمي .. نبيل : كلا . الأم : كانت تلطخني .. نبيل : كلا ، كلا . الأم : كانت تمسخني ، وأنت صامت . ليلى : أم نبيل ، ثقي .. الأم : " لأم فارس " لا تتعبي نفسك ، لن تجدي هنا ما تبحثين عنه . ليلى : أم نبيل ، أرجوك . الأم : لم يعد لك هنا أحد ، هل فهمتِ ؟ أم فارس :أنت واهمة ، لي نبيل . الأم : نبيل ابني ، ابني وحدي ، ولن أسمح لأحد ، أياً كان ، أن .. ليلى : أرجوك ، يا أم نبيل .. الأم : " تصيح بليلى " ابتعدي .. ليلى : إن أخي في مأزق . الأم : أصغي إليّ جيداً . ليلى : أم نبيل . الأم : كان لك هنا خال ، لكنه الآن لم يعد موجوداً .. نبيل : ماما . الأم : لقد مات . نبيل : ماذا تقولين ! الأم : " تصيح " لقد مات .. مات .. مات . نبيل : " يمسك يدها " كفى .
الأم تسحب يدها من يد نبيل ، ثم تصفعه بشدة ، ينظر أحدهما إلى الآخر في ذهول ، الأم تخرج وهي تتعثر ، نبيل ينهار على إحدى الأرائك ، ويدفن وجهه بين يديه ، أم فارس تدنو منه ، وتنحني عليه أم فارس : سامحني ، يا نبيل ، سامحني ، سنذهب غداً ، وقد لا أراك ثانية ، تكلم ، يا نبيل ، قل شيئاً ، إن صمتك يقتلني . ليلى : ماما . أم فارس : فارس في السجن ، ليبقَ في السجن ، ليبقَ ، نبيل .. ليلى : ماما رجوك . أم فارس : لقد أخذوا مني ابني ، أخذوا فارس ، أنت يا نبيل فارس ، أنت ابني.. نبيل : " ينشج " .... أم فارس : أتبكي ، يا نبيل ؟ أتبكي ؟ " تقبله وهي تنشج " دع دموعك إذن تختلط بدموعي . ليلى : كفى ، يا ماما ، كفى ، أنت مريضة . أم فارس : دعيني ، يا ليلى . ليلى : يجب أن ترتاحي ، هيا يا ماما . أم فارس : كيف أرتاح ؟ كيف ؟ ليلى : " تأخذ بيد أمها " هيا أرجوك ، هيا . أم فارس : " تنهض " ليلى ، أبقي هنا ، لا تتركي نبيل وحده . ليلى : دعيني أوصلك . أم فارس : كلا ، سأذهب وحدي .
تخرج أم فارس ، ليلى تنظر إلى نبيل ، صمت ، نبيل يرفع عينيه الدامعتين إلى ليلى ، فتجثو أمامه
ليلى : نبيل ، قل شيئاً ، يا نبيل . نبيل : ماذا بقي ليقال . ليلى : نحن لم نقل شيئاً بعد . نبيل : أنظري إليّ ، إنني أمامك الآن على حقيقتي .. ليلى : نبيل . نبيل : فماذا بعد ؟ ليلى : إنني أعرفك ، يا نبيل . نبيل : .... ليلى : أعرفك على حقيقتك .. نبيل : لعلي كنتُ .. ليلى : إنني أعرفك كما أعرف نفسي .. نبيل : أنت لا تقولين الحقيقة . ليلى : أنظر في عينيّ إذن ، واشهد الحقيقة . نبيل : " ينظر في عينيها " ليلى .. ليلى : ماذا رأيت ؟ نبيل : أصدقيني ، أرجوكِ . ليلى : إنني صادقة معك ، لأني صادقة مع نفسي . نبيل : ليلى . ليلى : لم أنسك أبداً ، وعندما التقيتك اليوم ، والتقت عيناي بعينيك ، أدركت أنني كنت معك دائماً ، نبيل نحن لا نستطيع أن نخفي .. نبيل : ليلى ؟ ليلى : ولماذا نخفيه ؟ إن الحياة لنا ، وعلينا أن نكون جديرين بها . فاطمة : " تدخل " نبيل .. نبيل : " يلتفت إليها " .... فاطمة : ماما تريد أن تراك ، إنها في غرفتها تنتظرك . نبيل : " لا يجيب " .... فاطمة : هيا يا نبيل . نبيل : لا أريد أن أراها . فاطمة : " في ذهول " نبيل . نبيل : أخبريها بما قلته لك " لليلى " أعطني يدك .
ليلى تضع يدها في يد نبيل ، ويتجهان إلى الداخل ، نبيل يقف قرب الباب ، ويلتفت إلى فاطمة
نبيل : تصبحين على خير . فاطمة : " تتمتم " نبيل . ليلى : تصبحين على خير . فاطمة : تصبحان على خير .
نبيل يشد على يد ليلى ، ويغادران الردهة ، فاطمة تبقى وحدها ، ثم تتجه إلى الداخل بينما يسدل الستار
الفصل الثالث
نفس المنظر السابق ، مساء اليوم التالي ، نبيل قرب الشباك يحدق في عتمة الحديقة ، تدخل فاطمة تحل بمشقة حقيبة ثقيلة
نبيل : " يلتفت إليها " إنها ثقيلة ، هذه الحقيبة " يهرع إليها " دعيني أحملها عنكِ . فاطمة : لا ، أرجوك . نبيل : دعيني أساعدك إذن . فاطمة : " بصوت تخنقه الدموع " كلا ، إنني مازلت قادرة على حمل حقيبة . نبيل : مالك ؟ فاطمة : لماذا لم تذهب البارحة إلى ماما ؟ ألا تعرفها ؟ " صمت " إنها تريدك الآن . ليلى : " تدخل " فاطمة ، ماما تريك . فاطمة : لحظة ، سأحمل الحقيبة إلى الخارج . ليلى : دعيها هنا الآن . فاطمة : " وهي تخرج " نبيل ، لا تنسَ ، يا عزيزي ، ماما تنتظرك . نبيل : أرجو أن تكونوا قد فرغتم من إعداد الحقائب . ليلى : لم تبقَ سوى حقيبة واحدة . نبيل : لقد أزف الوقت . ليلى : كم بقي على تحرك القطار ؟ نبيل : ساعة تقريباً . ليلى : ستفرغ ماما حالاً . نبيل : " يحمل الحقيبة " من الأفضل أن نضع الحقائب في السيارة . ليلى : نبيل " يقف " لقد استدعيت تاكسي . نبيل : تاكسي ! ليلى : لقد تلفنت إلى محل قريب . نبيل : لكن لماذا ؟ ليلى : ألا يكفي ما جرى ؟ نبيل : ليلى . ليلى : لقد فعلت الكثير من أجلنا ، ونحن ممتنون لك . نبيل : " يطرق بحزن " .... ليلى : نبيل ، ستعود اليوم إلى الموصل ، وقد لا نراك بفترة طويلة ، فلا تودعنا هكذا .
نبيل يرفع عينيه إلى ليلى ، ويتطلع إليها بصمت ، ليلى تشد على يده وهي تبتسم ، تدخل أم فارس ، ثم تدخل فاطمة ، تحمل بين يديها حقيبة ثقيلة
أم فارس : ليلى . ليلى : نعم ماما . أم فارس : " تنظر إلى نبيل " ساعدي فاطمة . ليلى : " تهرع إلى فاطمة " دعيني أساعدك . قاطمة : كلا ، كلا ، ليست ثقيلة . ليلى : دعيها إذن هنا ، ريثما تأتي السيارة . أم فارس : نبيل ، عمت مساء . نبيل : أهلاً عمتي . أم فارس : كيف حالك ؟ نبيل : أشكرك . أم فارس : " صمت " يبدو أننا تأخرنا . ليلى : مازال أمامنا متسع من الوقت . أم فارس : من الأفضل أن نسرع ، تلفني للتاكسي مرة أخرى . ليلى : لقد تلفتن منذ دقائق . أم فارس :أخشى أن يفوتنا القطار . ليلى : لن نستغرق في الطريق أكثر من عشر دقائق . فاطمة : سأنقل الحقائب إلى الخارج . أم فارس : هذا أفضل ، ليلى . ليلى : لتأتِ السيارة أولاً . أم فارس : هيا يا ليلى ، يجب أن لا نتأخر أكثر .
أم فارس تنحني لتحمل الحقيبة ، نبيل يدنو منها ، ويضع يده على الحقيبة ، أم فارس تنظر إليه بصمت
أم فارس : نبيل . نبيل : دعيها لي . أم فارس : لا تكلف نفسك ، أرجوك . نبيل : تبقي أنتِ هنا ريثما تأتي السيارة " لفاطمة " هيا .
نبيل وليلى وفاطمة يتجهون إلى الخارج وهم يحملون الحقائب ، بعد قليل يُسمع صوت السيارة تقف بالباب ، يدخل نبيل
نبيل : لقد وصلت السيارة . أم فارس : " تدنو منه " نبيل ، لا أدري كيف أشكرك . نبيل : تشكرينني ؟ على ماذا ؟ أم فارس : على كل شيء . نبيل : لكني لم أفعل شيئاً . أم فارس : لقد أعدت لي أخي . نبيل : " في تأثر " عمتي .. أم فارس : أهذا قليل ! " تعانقه " نبيل ، نحن وحدنا ، يا نبيل ، فلا تنسنا . نبيل : كيف أنساكم ؟ أم فارس : فارس في السجن ، وقد يبقى هناك فترة طويلة . نبيل : أنا فارس .. أم فارس : " في تأثر " نبيل . نبيل : أنا أيضاً ابنك . أم فارس : " تقبله " استودعك الله . نبيل : مع السلامة .
أم فارس تفتح الباب وتخرج ، تدخل ليلى ، نبيل وليلى ينظر أحدهما إلى الآخر ، نظرة ملؤها الحنان واللهفة ، ليلى تندفع إلى نبيل ليلى : نبيل . نبيل : " يمد يديه نحوها " ليلى . ليلى : عزيزي . نبيل : ليلى . ليلى : لقد انتظرتك طويلاً . نبيل : كنت معي دائماً . ليلى : نبيل ، إنني ..
يرتفع من الخارج صوت منبه السيارة ليلى ترفع وجهها إلى نبيل وتقبله ، ثم تتجه تحو الخارج مسرعة
نبيل : ليلى . ليلى : " تلتفت " .... نبيل : انتظريني ، يا ليلى . ليلى : " تبتسم في فرح " سأنتظرك مدى العمر .
يرتفع صوت منبه السيارة ثانية ، ليلى تلوح بيدها ، ثم تهرع إلى الخارج تدخل فاطمة ، السيارة تتحرك ، ويتلاشى صوتها شيئاً فشيئاً ، يُسمع وقع أقدام ، فاطمة تصغي بخوف
فاطمة : نبيل . نبيل : مالك ؟ فاطمة : " بصوت مرتعش " ماما . نبيل : ولمَ الخوف ؟ فاطمة : يا إلهي ، ستعنفني ثانية . نبيل : لن أسمح لها . فاطمة : كان من الأفضل أن تذهب إليها .
يُفتح الباب ، وتدخل الأم ، فاطمة تسترق النظر إليها بخوف ، الأم تحدجها بنظرة قاسية
الأم : هكذا تنفذين ما أطلبه منك ِ ؟ فاطمة : " في حرج " أم نبيل . الأم : " تقاطعها " ماذا قلت لك ؟ فاطمة : " تنظر إلى نبيل " .... نبيل : لقد أخبرتني . فاطمة : والله .. الأم : أخبرتك ! نبيل : نعم . الأم : ولم تأتِ " صمت " فاطمة ، اذهبي إلى الداخل . فاطمة : " حاضر " تخرج . الأم : يبدو أنها ذهبت . نبيل : ..... الأم : أتعرف لماذا جاءت ؟ نبيل : لقد قالت ذلك . الأم : وطبعاً صدقتها . نبيل : من الواضح أنك لم تصدقيها . الأم : هل صدقت أنها جاءت من أجل ابنها ؟ نبيل : لماذا جاءت إذن ؟ الأم : جاءت لتدوسني ، وقد داستني فعلاً ، ولكن بقدمك ، إنني لا ألومها ، فأنا أعرف موقفها مني منذ البداية ، لكني ألومك أنت ، فأنت ابني " صمت " قبل قليل أرسلت فاطمة إليك ، فلم تأتِ أيضاً ، لماذا ؟ نبيل : كنتُ متعباً . الأم : متعباً ! لم تكن مشغولاً بعمتك وابنتها إذن ؟ " بحدة " كنت تسهر معهما هنا ، بينما كنت وحيدة في غرفتي ، أنتظرك . نبيل : لتصفعيني ثانية ؟ الأم : نبيل . نبيل : تصبحين على خير .
نبيل يتجه إلى الداخل ، فتصيح به الأم في التياع
الأم : نبيل . نبيل : " لا يجيب " .... الأم : " بصوت أعلى " نبيل . نبيل : " يتوقف " .... الأم : لحظة . نبيل : ماذا ؟ الأم : أريد أن أتحدث إليك . نبيل : إنني متعب . الأم : يجب أن أتحدث إليك . نبيل : ليس الآن . الأم : بل الآن ، فمنذ أيام وأنا أنتظر فرصة لأحدثك . نبيل : سنتحدث غداً . الأم : كلا ، الآن . نبيل : " صامتاً ينتظر " .... الأم : منذ أن عدت من لندن ، وأنت تتهرب مني ، أصدقني ، ماذا جرى ؟ نبيل : " لا يجيب " .... الأم : عندما كنت معي ، لم تكن هكذا أبداً ، إن أقوالك وتصرفاتك تحيرني ، لم تعد نبيل الذي أعرفه ، إنني لم أعد أفهمك ، فماذا جرى ؟ أخبرني ، ماذا جرى ؟ نبيل : " لا يجيب " ... الأم : في رسائلك التي كانت تصلني من لندن ، أنغام لم أفهمها في حينها ، لكنها بعثت في قلبي الخوف والقلق ، وقد عزيت ذلك إلى الغربة والوحدة ، كنت أنتظرك بلهفة ، لنحيا كما في الماضي ، لكنك عدت نبيل آخر ، فماذا جرى ؟ أخبرني . نبيل : لقد وصلتني رسالة من أبي . الأم : " بعد صمت " متى ؟ نبيل : قبل وفاته بأسابيع قليلة . الأم : لم تخبرني بأنه كان يكتب إليك . نبيل : لقد كتب لي رسالة واحدة . الأم : يبدو أن أباك لم يكتفِ بالحديث عن حبه لك . نبيل : لقد قتلناه . الأم : نبيل ! نبيل : أنا وأنت ، قتلناه . الأم : هل جننت ؟ نبيل : لقد قتلتِه بالحقد والكره والإهمال . الأم : كفى . نبيل : إن القتل لا يحتاج دائماً إلى خنجر أو مسدس . الأم : أنت تهذي . نبيل : لقد تركته يحترق في عزلته ، وجرعته الموت قطرة قطرة . الأم " كفى ، كفى . نبيل : " بعد صمت " لم أفهم أبي هنا ، لم أفهمه إلا في لندن ، من خلال رسالته الأولى والأخيرة لي ، كان ظلك هنا يحاصرني ، ويعميني ، لقد أقفلتِ عالمي في وجهه ، وتركته يحترق في غربته بيننا ، حين أفكر في موقفك منه ، تمزقني الحيرة ، فما هو خطؤه ؟ ما هي جريمته ؟ لقد قتلته بلا مبرر ، ولوثت يديّ إلى الأبد بدمائه . الأم : نبيل ، أنت ابني ، وينبغي أن تفهمني ، لقد حرصت منذ البداية على أن أبعدك عن هذا الموضوع ، لكن مادامت الأمور قد تطورت بهذا الاتجاه ، فأود أن أصارحك بالحقيقة . نبيل : أية حقيقة ؟ الأم : إنني لم أقتنع لحظة واحدة بأبيك . نبيل : لكنك تعرفينه . الأم : نعم ، أعرفه . نبيل : كان عليك أن لا توافقي على الزواج منه . الأم : هذا خطئي ، وقد دفعت ثمنه غالياً ، ولكن مع ذلك كانت لي ظروفي ، كنت وحيدة عندما تقدم أبوك لخطبتي ، كان أبي ضابطاً متقاعداً ، وكان أبوك يمت بقرابة بعيدة إليه ، فرفضت أول الأمر ، لكن أبي أقنعني بالزواج منه ، فقد توفيت أمي منذ فترة ، وكان أبي نفسه على شفا الموت ، وبعد الزواج حاولت جهدي أن أقتنع به ، لكني لم أستطع . نبيل : كان بإمكانك أن تطلبي الطلاق منه . الأم : لقد فكرت في ذلك ، لكن أبي كان قد مات ، وكنت حاملاً بك ، لقد أسقط في يدي ، فماذا أفعل ؟ وحين ولدت وجدت خلاصي فيك " صمت " نبيل أنت ابني ، وأنت تكفيني ، لم أكن بحاجة إلى أحد ، ولست بحاجة إلى أحد غيرك . نبيل : وأبي ؟ الأم : " بامتعاض " لقد مات . نبيل : إن أبي لم يمت منذ سنتين ، بل كان ميتاً بالنسبة إليك منذ البداية ، وكان جسده يتعذب وحيداً بيننا ، ولكن يبدو أن أبي سيبقى بيني وبينك ، وستبقى أشلاؤه المعذبة كالجدار تفصلني عنك . الأم : " بالتياع " نبيل . نبيل : إن أحدنا لن يستطيع العبور إلى الآخر بعد الآن . يُسمع صوت قطار يتحرك في البعيد ، الأم تنظر مشدوهة إلى نبيل
نبيل : " ينظر إلى أمه " لقد ذهبت اليوم إلى السفارة الجزائرية . الأم : " تصيح " نبيل . نبيل : سأذهب قريباً . الأم : " بصوت متحشرج " وأنا ؟ نبيل : " وهو يخرج " تصبحين على خير . الأم : " بصوت ملتاع " نبيل .
نبيل يغلق الباب وراءه ، يرتفع صوت القطار ، وهو يمرّ بسرعة ، الأم تبقى جامدة في مكانها ،يخفت صوت القطار بالتدريج ، بينما يُسدل
الستار
نشرت هذه المسرحية في مجلة الأقلام ، في العدد الخاص بالمسرح العربي عام " 1980"
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|