|
الخلفية الايديولوجية الجيوبوليتيكية للتدخل الروسي في اوكرانيا وكازاخستان
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 09:48
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
إعداد: جورج حداد*
تشن آلة البروباغاندا الجهنمية الاميركية والغربية حملة شعواء ضد القيادة الروسية، وبالاخص فلاديمير بوتين، وتتهمخ بأنه قيصر جديد ومريض بجنون العظمة وبالوحشية والعدوان على الشعب الاوكراني وغيره. ولكن خلافا لاي مظهر مغاير فإن الدولة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين تنطلق في سياستها العامة الداخلية والخارجية، وفي جميع الحقول: الثقافية والاجتماعية والدينية والتربوية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، من منطلقات أيديولوجية وفكرية ثابتة، حية ومتفاعلة، تشكل الأساس الفكري لوجود وحراك الدولة. وفلاديمير بوتين ليس سوى منفذ امين لمقتضيات هذه المنطلقات، صادق، وشجاع، وحكيم. ثلاثية: الوطنية الروسية ــ الاورثوذوكسية ــ الاوراسية وفي مقدمة الأيديولوجية المعتمدة للدولة الروسية، في ما بعد المرحلة الخيانية الغورباتشوفية ــ اليلتسينية، هي المنطلقات التالية: ـ1ـ الأيديولوجية الوطنية الروسية المعتدلة والمنفتحة، التي تؤمن ان روسيا هي وطن ذو أديان وقوميات واتنيات ولغات وثقافات اتنية متعددة، ومنها كلها يتشكل الشعب الروسي والوطنية الروسية. ـ2ـ الاعتراف والممارسة الواقعيان بأن الانتماء التاريخي لغالبية الشعب الروسي هو الى: العنصر القومي والحضاري السلافياني؛ والديانة المسيحية الشرقية (الاورثوذوكسية). وهذا الانتماء هو الأساس الذي ينبني عليه التكوين الوطني لروسيا، كثقافة وشعب ودولة. ويتجلى ذلك اليوم في اعادة الاعتبار للمؤسسة الكنسية وللطقوس الاورثوذوكسية الروسية التي يشارك فيها الرئيس بوتين نفسه، كتعبير عن الوحدة الجسدية، وقوة الروح، والارادة الموحدة للمكونات الدينية والاتنية والاقوامية للشعب الروسي العظيم. ـ3ـ تبني الفكرة "الاوراسية"، كمفهوم حضاري تاريخي تمتد جذوره الى الفلسفة الاغريقية القديمة، وبالأخص فكرة الدولة العالمية، التي تتآخى فيها وتتفاعل وتتدامج بحرية جميع الشعوب والاتنيات والحضارات والثقافات والديانات والمذاهب، الكبيرة والصغيرة؛ وهي الفكرة التي طرحها ارسطو، وحارب لاجلها، وقـُـتل بالسم بسببها، الاسكندر الكبير (المقدوني ـ الاغريقي)، تلميذ المعلم ارسطو. وقد أسست فتوحات الاسكندر في حينه لظهور الفضاء الحضاري للهيلينستية، التي هي مزيج من الحضارات القديمة: الاغريقية، و"المصرية" الاجيبتية ــ القبطية (المسماة زورا فرعونية)، والسورية (الارامية ــ الكنعانية ــ الفينيقية ــ الاشورية)، والايرانية ــ الفارسية، والهندية. وبدورها اسست الهيلينستية لظهور المسيحية الشرقية التي نادت بطهرانية وتأليهية الانسان، وسمّت المسيح "ابن الله" و"ابن الانسان"، ودعت الى تآخي كل البشر، في تضاد تام مع المنظومة المفاهيمية ــ الاخلاقية اللاانسانية للامبراطورية الرومانية القديمة (التي ورثتها في الازمنة الحديثة اوروبا الغربية واميركا الشمالية) والتي قامت على تأليه السلطان والسادة الرومان وحَيْوَنَة واستعباد سائر البشر. ومنظـّر الفكرة "الاوراسية" الروسية الحالي هو الكاتب الفيلسوف وعالم الاجتماع الروسي الكسندر دوغين، مؤسس "الحركة الاوراسية العالمية" في روسيا. ويعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من انصار الكسندر دوغين، بالرغم من اختلافهما في بعض المواقف السياسية، ومنها ان دوغين انتقد بشدة سياسة بوتين لدى انفجار الازمة الأوكرانية في 2014، واتهمه بالتساهل واللين في معالجة تلك الازمة، وانه كان ولا يزال ينبغي حسم المسألة الاوكرانية عسكريا وإعادة ضم أوكرانيا بالقوة كجزء من اراضي الدولة الروسية كما كانت تاريخيا بالاصل حتى الحرب العالمية الأولى. والعملية العسكرية الخاصة التي بدأتها روسيا في اوكرانيا في 2022 هي تبنٍ متأخر لموقف الكسندر دوغين في 2014. ان مركـّب الكيمياء السياسي لهذه المنطلقات هو الذي يكمن في صلب السياسة العامة، الداخلية والخارجية، للدولة الروسية، بما في ذلك الخطوط العريضة لميزانية الدولة، وأفق التوجه الاقتصادي، وتحديد الأصدقاء والاعداء، وقرارات التسلح والحرب والسلم التي ــ تبعا لحجم روسيا ومكانتها الدولية ــ يتعلق بها المصير العالمي برمته. الاوراسية الروسية بمواجهة العولمة الاطلسية الاميركية ويمكن، في اختزال افتراضي وقسري جدا، ان نلخص الوجه الخارجي للمنطلقات الأيديولوجية ــ الجيوبوليتيكية للدولة الروسية بـ"الاوراسية" (القائمة على التعددية الحضارية)، التي تتعارض على خط مستقيم مع الايديولوجية ــ الجيوستراتيجية الاطلسية الاميركية، التي ترى ان اميركا الشمالية هي "قلب العالم" او "مركز العالم"، وان كل ما هو خلف المحيط الاطلسي ليس سوى "اطراف" و"مدى حيوي" و"حوش خلفي" لا خصوصية ولا قيمة ولا اعتبار ولا اهمية له الا بمقدار ما يكون تابعا وخاضعا لـ"المركز" الاميركي. وبناء على هذه الايديولوجية تطبق الدولة الاميركية (الشمالية) ستراتيجيتها لـ"عولمة" العالم، التي لا تعني في نهاية المطاف سوى "الأمركة" او الاصح فرض "السيادة الأميركية" على جميع الشعوب والأمم والأديان والحضارات والثقافات، ووضعها تحت جزمة ارباب الاحتكارات والكاوبويات والغانغسترات الاميركيين المعتوهين، وخصوصا اليهود المتسلطين في اميركا وعليها، والذين يجدون في "العولمة الاميركية" تطبيقا للمشيئة "الالهية" في سيادة "شعب الله المختار!". وهذا التضاد التأسيسي بين اوراسية "العالم القديم" الروسية، واطلسية "العالم الجديد" الاميركية، هو ما يفسر العداء الجذري لاميركا ضد روسيا، الى درجة رفض انضمام روسيا الى الحلف الاطلسي (الناتو)، كما اقترح بوتين سنة 2004. الاوراسية أساس وحدة الدولة والشعب الروسيين ولا يقتصر تبني الأيديولوجية او المفاهيم "الاوراسية" على الأحزاب المؤيدة للسلطة الروسية، بل يتعداها الى أحزاب المعارضة أيضا وعامة الشعب الروسي. ومن هذه الزاوية نظر فإن المفاهيم الاوراسية تضطلع بدور اساسي في تأمين الوحدة الوطنية الروسية، ان بمعنى وحدة الدولة والشعب، او بمعنى الوحدة الدينية والقومية والاتنية ــ الثقافية، او بمعنى وحدة السلطة والمعارضة الوطنية الروسيتين. وحينما حركت اميركا في 2014 عملاءها من الفاشيين القدماء ـ الجدد لتعطيل اتفاق السلطة والمعارضة في أوكرانيا، ونظمت الانقلاب ضد السلطة الشرعية، وبدأ الفاشست والانقلابيون الموالون لاميركا حملة المطاردة والقتل والتنكيل والطرد ضد المواطنين الاوكرانيين الروس والناطقين باللغة الروسية، لم يكن ذك يهدف فقط الى ضم أوكرانيا الى الكتلة الغربية وإقامة قواعد عسكرية نووية في أوكرانيا على الحدود مع روسيا، بل ــ بالاضافة الى ذلك ــ كانت اميركا ومخابراتها تهدف الى تفكيك او على الأقل اضعاف الوحدة الوطنية الروسية داخل روسيا بالذات عن طريق اضعاف المفاهيم والمشاريع الوحدوية الاوراسية.
درب الحرير الجديد وعلينا ان ننظر الى هذه النقطة الهامة عن قرب: قلنا فيما سبق ان المفاهيم الاوراسية هي التي تحكم الخطوط العريضة والمشاريع الكبرى لروسيا. ومن ضمن ذلك كانت روسيا قد طرحت مشروع انشاء اتحاد جمركي اوراسي كبير تنضم اليه الدول الأوروبية والاسيوية، مما يزيل الكثير من العقبات امام الحركة التجارية والسكانية ويشجع الاقتصاد عامة والانتاج خاصة، لمختلف الدول الأعضاء، ومن ثم رفع معدلات الانتاج العالمي ورفع مستوى المعيشة عالميا والتوجه نحو العناية الجذرية بالبيئة الطبيعية وتكييف المجتمع البشري معها. ولعدم وجود عراقيل فيما بينها ولعلاقاتها الإيجابية القديمة منذ العهد السوفياتي، تشكلت النواة الأولى لهذا الاتحاد العتيد من ثلاث دول هي: روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. أوكرانيا حكمت على نفسها بالزوال كدولة وكانت روسيا تأمل في التوصل الى حلول مقبولة للمشاكل مع أوكرانيا، خصوصا حول ترانزيت الغاز الروسي الى أوروبا، وان يتغلب المنطق المعتدل، العقلاني والبراغماتي في السلطة الأوكرانية، وان تكون أوكرانيا هي الدولة الرابعة التي تنضم الى الاتحاد الجمركي الاوراسي. ونظرا للعلاقات السكانية والاقتصادية المميزة بين روسيا واوكرانيا، ورغبة أوكرانيا في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، كانت روسيا تأمل ان تضطلع أوكرانيا بدور جسر تعاون ثلاثي بنـّاء بين الأطراف الثلاثة: روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي؛ وليس الى نفق تهريب وتخريب ضد روسيا كما صارت بعد استقلالها سنة 1991. وكانت حكومة فكتور يانوكوفيتش حينذاك، وبالرغم من ترددها، تميل الى تبني الموقف الروسي. ولكن الانقلاب الفاشستي ـ الأميركي المعادي لروسيا والاوكرانيين الروس، في كييف في 19 شباط 2014، اسقط إمكانية قيام أوكرانيا بهذا الدور التاريخي، وفي الوقت ذاته اسقط وحدة الدولة الأوكرانية، حيث انتفض السكان الروس والناطقون باللغة الروسية في شبه جزيرة القرم، واجروا استفتاء شعبيا طلبوا فيه العودة للانضمام الى روسيا كما كانت شبه جزيرة القرم تاريخيا حتى عام 1954، حينما قام في حينه خروشوف بـ"إهداء" شبه جزيرة القرم لاوكرانيا. وقد وافقت روسيا على اعادة انضمام شبه جزيرة القرم بناء للاستفتاء الشعبي فيها. وفي الوقت ذاته انفصلت مقاطعتا غدانسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، حيث الاغلبية الساحقة من السكان هي من الروس والناطقين باللغة الروسية، واعلنتا نفسيهما جمهوريتين شعبيتين مستقلتين. وطوال السنوات التالية حاولت السلطات الانقلابية في كييف والعصابات الفاشية في غرب أوكرانيا اخضاع و"استرجاع" هاتين الجمهوريتين بالقوة، ولكنها عجزت تماما عن ذلك، لان "الجمهوريتين" اعلنتا التعبئة العامة، وشكلتا "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" التي قاتل جنودها المتطوعون ببسالة دفاعا عن بيوتهم واهاليهم. وتحت الضغط الشديد للرأي العام في روسيا، كان تجاوب السلطات الروسية التي قدمت المساعدات الإنسانية الضرورية للسكان المدنيين لجمهوريتيْ غدانسك ولوغانسك، وسمحت لهم بالعمل داخل الأراضي الروسية والحصول على اجورهم للقيام بأود عائلاتهم، وقدمت الذخائر والأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبعض الاليات الحربية الضرورية لـ"قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في الجمهوريتين. كما بدأ عشرات الآلاف من المتطوعين القوزاق يتدفقون من مناطقهم في جنوب شرق روسيا الى منطقة الدونباس الأوكرانية المنفصلة (غدانسك ولوغانسك)، التي يقطنها القوزاق ايضا، للقتال الى جانب إخوانهم وأبناء جلدتهم، ضد الفاشست والانقلابيين في اوكرانيا. ولم يكن في مقدور السلطات الروسية وليس في صالحها منع اولئك المتطوعين القوزاق من داخل روسيا، بل على العكس. ولما لم يتم التوصل الى حل مقبول من جميع الأطراف ذات الصلة حول البنية الجديدة لبقية أجزاء أوكرانيا، فان "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في جمهوريتيْ غدانسك ولوغانسك، بالتعاون مع المتطوعين القوزاق القادمين من المناطق الاخرى لروسيا، أمسكت زمام المبادرة وشنت هجوما مضادا واسع النطاق على السلطات الانقلابية والعصابات الفاشستية في كييف وغرب أوكرانيا بهدف تحرير كامل الاراضي الاوكرانية من الفاشست وعملاء المخابرات الاميركية والحلف الاطلسي، كي يتم في نهاية المطاف اجراء استفتاء عام في أوكرانيا للانضمام الى روسيا. وهذا ما يطالب به الان انصار الاوراسية واعداء العولمة الأميركية في روسيا. ولكن هذا الهدف لم يتحقق بسبب المساعدات العسكرية الكبرى والاسلحة المتطورة التي قدمتها اميركا ودول حلف الناتو للجيش الانقلابي والفاشست الاوكرانيين. وهذا ما دفع روسيا للقيام بالعملية العسكرية الخاصة الحالية في اوكرانيا، لاستكمال تحرير كامل منطقة الدونباس، واستئصال الفاشست الاوكرانيين، وفرض الحياد على اوكرانيا. دور اوراسي خاص لكازاخستان وفي مقابل الدور الهام الذي كانت القيادة الروسية مصممة على إعطائه لاوكرانيا فيما لو كانت انتسبت الى الاتحاد الجمركي الاوراسي والاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه... في مقابل تلك الفرصة الأوكرانية الضائعة، فإن القيادة الروسية تخطط لاعطاء دور مماثل لجمهورية كازاخستان (السوفياتية السابقة). وقد ظهر ذلك بوضوح في الاحتفال والعرض العسكري الروسي في عيد النصر في 9 أيار 2019، حيث جلس الرئيس الكازاكي السابق نورسلطان نزارباييف على المنصة الرئيسية جنبا الى جنب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم رافقه وشاركه في وضع الزهور على قبر الجندي المجهول وقبور كبار القادة العسكريين الذين قادوا القوات السوفياتية الى النصر في "الحرب الوطنية الكبرى" (الحرب العالمية الثانية). ويبلغ تعداد سكان كازاخستان اكثر من 19 مليون نسمة حوالى 65% منهم كازاخستانيون وحوالى 20% روس (حوالى 4 ملايين) والباقون من قوميات واتنيات مختلفة من الجمهوريات السوفياتية السابقة و2% من الاوْيْغور المسلمين الصينيين. وحوالى 70% من اهالي وسكان كازاخستان هم من المسلمين. والكازاخستانيون يعودون باصولهم القومية الى الاتراك الطورانيين القدماء والى المغول والتتار. ولغتهم الوطنية قريبة جدا من اللغة التركية القديمة ومشتقة منها. وتقيم روسيا علاقات ممتازة مع الكازاخستانيين افضل مما كان في العهد السوفياتي ذاته، وهي تأمل ان تكون هذه العلاقات مثالا يحتذى للعبور الى تشجيع الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة لاقامة افضل العلاقات مع روسيا، وكذلك الى تحسين العلاقات مع تركيا والبلدان الإسلامية بشكل عام، جنبا الى جنب التحسين والتطوير المتواصل للعلاقات الأخوية مع الجناح الإسلامي الشيعي وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية والشيعة العراقيين والطائفة العلوية الكريمة في سوريا وحزب الله في لبنان. اميركا محشورة في الزاوية ولا تجد مخرجا سوى في التخريب والارهاب والولايات المتحدة الأميركية، هي الخاسر الأكبر فيما لو نجحت خطة إقامة الاتحاد الجمركي الاوراسي، وهي متضايقة جدا من إمكانية قيام كازاخستان بدور خاص على هذا الصعيد. وللخروج من هذا الوضع تعمل الان الأجهزة الأميركية على عدة خطوط: ـ1ـ من اجل كسر هيبة النظام وتشجيع "المعارضة" على التحرك، جرى إعداد المجموعات الاجرامية من الدواعش الذين سبق وقدموا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، والذين يفرون الان من سوريا والعراق، وتوجيه بعض تلك المجموعات الى كازاخستان للقيام بالعمليات الإرهابية ضد الأهداف المدنية بصورة خاصة. ـ2ـ استغلت البروباغندا الغربية وابواقها المأجورة مظاهر الفساد وبعض السياسات الخاطئة للدولة، وخصوصا التردي النسبي لمستوى المعيشة، لاجل تحريك الاحتجاجات ونشر الفوضى، واستغلال ذلك لاجل "تشغيل" المجموعات الارهابية ضمن مخططات المخابرات الاميركية. وقد "تصيدت" القرار الخاطئ للحكومة الكازاخستانية برفع اسعار الغاز المسال، وحركت وركبت موجة الاحتجاجات على القرار في 2 كانون الثاني الماضي. ولكن المخابرات الاميركية كانت على عجلة جدا من امرها وزجت في اليوم التالي للاحتجاجات "السلمية" بالمجموعات الارهابية المسلحة في الميدان، وتم احراق عدة مقرات بلدية وحكومية والسيطرة على مطار ألماآتي، العاصمة القديمة واكبر المدن الكازاخستانية، وقتل اكثر من 20 رجل امن وقطع رأس اثنين منهم على الطريقة الداعشية. وهذا ما اعطى الحافز والمبرر للرئيس الكازاخستاني قاسم توكايف لطلب المساعدة العسكرية من "منظمة الامن الجماعي" التي تقودها روسيا وتشارك فيها كازاخستان وارمينيا وعدد من جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة. وقد لبت المنظمة الطلب بسرعة قصوى، وتولت حماية المؤسسلت والمرافق العامة، مما ساعد الجيش والقوى الامنية الكازاخستانية للتفرغ لمواجهة المخربين والسيطرة على الوضع في 48 ساعة، واعطى الرئيس توكايف الامر باطلاق النار على المخربين والارهابيين بهدف القتل وبدون انذار، وتحدثت الانباء عن سقوط اكثر من 150 قتيلا واعتقال اكثر من 10 آلاف شخص للتحقيق معهم. وكان المخربون، بتوجيه من المخابرات الاميركية، ينوون انشاء "ميدان" لتجمع المخربين والارهابيين، على غرار "الميدان" الذي أنشئ للفاشست والانقلابيين في كييف خلال انقلاب شباط 2014 في اوكرانيا. ولكن هذه المهمة باءت بالفشل وأجهضت قبل ان ترى النور. ـ3ـ بدأت حملة تشويه للتاريخ الكازاخستاني وزعزعة الاخوة الروسية ـ الكازاكية والتشكيك بوطنية المواطنين الروس الكازاخستانيين، بالافتراءات القائلة ان الوجود الروسي العريق في كازاخستان هو وجود كولونيالي في العهدين القيصري والسوفياتي على السواء، وحتى الان. واستنادا الى هذه الافتراءات بدأت بعض الأصوات الشوفينية تطالب بوقف اعتبار اللغة الروسية لغة رسمية للدولة الى جانب الكازاخية، وقصرها على المناطق ذات الأغلبية الروسية. ـ4ـ ولم تكن المعارضة المأجورة والعميلة تترك فرصة تفوتها للتشكيك وزعزعة الاستقرار في الدولة. وقد أثيرت الضجة قبل اكثر من سنتين ضد الاقتراحات التي قدمها وزير الاقتصاد في حينه في مجلس النواب لادخال تعديلات في قانون الأراضي تقضي بالسماح للأجانب باستئجار الأراضي في كازاخستان لمدة 25 سنة، من اجل جذب الاستثمارات الاجنبية. وقال المعارضون ان تصديق هذه التعديلات هو في صالح المستثمرين الصينيين. وقد تم تجميد مناقشة التعديلات في البرلمان وقبول استقالة وزير الاقتصاد، وتشكيل لجنة برلمانية جديدة للبحث في اصلاح قانون الأراضي. وفي الوقت ذاته صرحت المراجع العليا للدولة: اننا نمر بأوقات صعبة. ولكننا لن نسمح بنقل "سيناريو أوكرانيا" الى بلادنا. واي محاولة من هذا النوع سنرد عليها بقسوة شديدة. تفكيك الاتحاد السوفياتي عملية غير دستورية ومنذ بضع سنوات صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق كان خطأ تاريخيا جسيما. ويقول بعض المراقبين ان التجربة المريرة في أوكرانيا وسوريا والعراق، قبل التدخل الروسي للمساعدة الفعلية لشعوب تلك البلدان، دفعت روسيا لان تكون على استعداد للتدخل الفوري في كازاخستان، في حالة ما جرى من التغلغل الإرهابي وخرق للقوانين الدولية من قبل المخابرات والدوائر السياسية والعسكرية الاميركية والناتوية. ويطرح بعض الاوراسيين الروس اقتراح إجراء استفتاء شعبي في كازاخستان كي تنضم الى الفيديرالية الروسية كجمهورية ذات استقلال ذاتي. ويقولون إن الاتحاد السوفياتي السابق كان دولة موحدة، يجمع جمهورياتها المختلفة دستور واحد ذي صفة تعاقدية ملزمة لكل جمهورية اتحادية سوفياتية سابقة. واذا اجرى الخبراء تحليلا محاسبيا اقتصاديا يظهر بوضوح ان كل الجمهوريات "السوفياتية" غير روسيا كانت، لدى تفكيك الاتحاد، مديونة للميزانية الاتحادية السوفياتية بآلاف مليارات الدولارات؛ في حين ان الجمهورية الروسية السوفياتية السابقة كانت دائنة بنفس المقدار للميزانية الاتحادية السوفياتية السابقة. وهذا يعني عمليا ان الجمهوريات السوفياتية السابقة، المستقلة حاليا، هي مديونة فعليا للجمهورية الاتحادية الروسية، المستقلة حاليا، ووريثة الاتحاد السوفياتي السابق. وقد جرى حل الاتحاد السوفياتي بطريقة لاشرعية مخالفة للدستور التعاقدي السوفياتي ومخالفة للقوانين الدولية. واذا تجردنا عن أي مسألة أخرى، واخذنا الجانب الحسابي المالي والاقتصادي فقط، فإن فك "الشراكة السوفياتية" بهذه الطريقة اللاشرعية يمثل عملية نصب واحتيال ونهب لا مثيل لها للشعب الروسي الكادح والدولة الروسية. وعليه فإن القيادة الروسية ينبغي ان تذهب الى حد اعلان عدم شرعية فك الاتحاد السوفياتي والمطالبة بإجراء استفتاء شعبي عام، تحت اشراف الأمم المتحدة، حول شرعية فك الاتحاد السوفياتي، في جميع الجمهوريات السوفياتية السابقة، بما فيها روسيا. والجمهورية التي يقرر ناخبوها الخروج من الاتحاد السوفياتي عليها ان تدخل في مفاوضات ثنائية مع روسيا لرد ديونها بالتي هي احسن، والا سوف تحلق طائرات الهليكوبتر وغيرها الحربية الروسية وينزل منها رجال الكوماندوس الروس وينصبون خيمهم فوق سطح مقر رئيس تلك الجمهورية ورئيس وزرائها، ويرفعون فوقه علم الاتحاد السوفياتي السابق وعلم الدولة الاتحادية الروسية الحالية، ويطالبون بتسديد ديون تلك الدولة لروسيا؛ ولتدفع حينذاك اميركا ديون تلك الدولة لروسيا، او ليأتِ المارينز الاميركيون ليطردوا منها الكوماندوس الروسي!!! ــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اميركا والسعودية تخسران مشروعهما لحرب اهلية لبنانية جديدة قب
...
-
الانفصالية الكردية وحق تقرير المصير للشعوب
-
الكيانية اللبنانية الطائفية العميلة تتفسخ وتنقلب الى نقيضها
-
صلاة الرئيس الايراني في الكرملين والمفاوضات الصعبة في فيينا
-
التفوق الاقتصادي الصيني سيدخل تحولا جذريا في الجيوستراتيجيا
...
-
لبنان الكرامة والشعب العنيد لن يكون مزرعة دواجن بشرية خاضعة
...
-
قتلوا فرج الله الحلو وساروا في الجنازة
-
الصين الشعبية تتقدم لاستعادة القيادة الشرقية للنظام العالمي
-
في البعد الطائفي لازمة النظام اللبناني
-
الى حكام السعودية: لا تستهينوا بلبنان المقاوم الذي انتصر على
...
-
لبنان: حرب التحرير الوطنية ضد الحرب الاهلية الطائفية
-
التفوق العسكري لروسيا وحلفائها على الامبريالية الاميركية وات
...
-
الصين: شعب المسيرة الثورية الكبرى ضد النظام الامبريالي العال
...
-
حرب التجويع الاميركية ضد لبنان ...على عتبة الفشل
-
روسيا: طليعة شعوب العالم في النضال التاريخي ضد العبودية واله
...
-
هل العرب والمسلمون والروس الاورثوذوكس معادون للسامية والدمقر
...
-
الاحداث القٌرُوسطية الدراماتيكية الكبرى وبداية النهاية لعصر
...
-
الجذور الحضارية التاريخية للثورة الايرانية
-
سوريا امام مرحلة تاريخية جديدة
-
لبنان على مفترق الخروج من دائرة الهيمنة الاميركية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|