|
شذرات في رسم خواطر في الثقافة السياسية ، كتبناها على ورق دفتر خلال مراحل متفرقة .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7235 - 2022 / 5 / 1 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شذرات في رسم خواطر في الثقافة السياسية ، كتبناها على ورق دفتر خلال مراحل متفرقة – تستحق قراءة تحليلية عميقة – " قل كلمتك وامشي " 1 ) قصيدة شعرية في الشعر الملتزم . الخليفة عثمان بن عفان العصري ، يتقيأ الدولار، واليورو تخمة ، والناس تتصبب عرقا بشدة الفقر الجوع . عجبت للكُفْر أبو الكفار كيف يحكم في الفقراء . وأنا استحيي واتصبب عرقا ، حين ألمح عين الوزير ابن هذاك ، تأكل ساق جارية ، ويرفع عقيرته بالغناء ، حين يقطع عنق خماسٍ . وأنا لا اتشدق باللغة حين يسقط خطاب عثمان المتخم بالدرهم ، واليورو ، والدولار ، قذيفة على رأس من يتدور جوعا ، ويجوب السلطنة غريبا ، لعله يتصيد اصبع طفل مقتول في رزمة القمامة فيقضمه بالقسطاس . وحين المح جلطات جرائد ابن النعمان ، تتفتق حيّات سامة تسعى بين احذية الفقراء ، وتلسعني بالمصطلحات . عجبت للكفر ابو الكفار كيف يحكم ظلما في الفقراء . وأنا حين بلغت الرشد قال ابي : ألق محفظتك في البحر ، تشق البحر نصفين ، فألقيتها ، فشقت المملكة نصفين . فخرج الناس على طبقتين . طبقة تلحس نعل عثمان المتخم باليورو ، والدولار فيشرق . وطبقة حين دخلت المسجد الحرام دخلته من اليسار . وأنا استحيي و اتصبب عرقا . وأنا حين قالوا لي اقرأ . قرأت في صلعة الأمير بن اللّفاق : عجبت لمن دوخه الجوع ، وعام السّبكة ، والبُونْ ، وأكْل گرْننْشْ ، والطاعون ، فلا يخرج على الناس شاهرا سيفا . عجبت للكفر أبو الكفار كيف يحكم في الفقراء . --------------------------------------- أنا عجبت حين ولدتني امي . علقت بجبهتي صرة بارود . واوقفتني على عود مُكحْلة . ورسمت لي خطان بالقطران الاسود . وقالت لي اقفز . فقفزت على صهوة حصان . أنا عجبت حين رأيت عثمان المتخم بالدولار يناصر خيبر ، ويطبع مع صهاينة تل ابيب . ويزودها بخمسمائة نهد جارية .. من فقيرات دروب المدينة الحمراء .. وعقيق أصفهان . فقفزت على صهوة حصان . وأنا استحيي . و اتصبب عرقا . حين أرى قريش تدفع الجزية مرغمة . وتبيت طاوية البطن من شدة الفقر والجوع . وأنا استحيي . أنا فقط أقول لعثمان المثخن باليورو ، والدرهم ، والدولار . من سرق مال الفقراء . من نهب ثروة الفقراء . من افقر الفقراء . من هرب أموال الفقراء لمصاريف الافرنج الكفار . أنا فقط أقول لعثمان المثخن باعتداءاته على الناس . فداني جعلوه مرحاضا في الخضراء . أنا فقط أقول لعثمان الكافر أبو الكفار . لماذا لا يدخل سجن مكة الاّ الفقراء ؟ ------------------------------------------ وأنا حين اصيح بأعلى صوتي وأقول . العدل للفقراء . الحق للفقراء . الماء للفقراء . الكهرباء للفقراء . الشغل للفقراء . الأرض للفقراء . السيف للفقراء . تستنطقني خيل الجند ، وتأخذني شرطة مكة السياسية ، وتشد وِثاقي ، وتعصب عيني ، واوصم بالكفر ، والخروج عن طاعة أولياء الامر ، فحق للسيف جز رقبتي .. وانا عجبت للكفر ابو الكفار كيف يحكم في الفقراء . -------------------------------- فيقول لي الخليفة . من يقول القرآن مخلوق . من يقول الخليفة المثخن باليورو ، والدرهم ، والدولار مخلوق . وأنا أقول : الجوع مخلوق . السجن مخلوق . المرض مخلوق . البوليس السياسي مخلوق . المحاضر البوليسية المزورة مخلوق . القتل والاغتيال مخلوق . سرقة ثروة شعب مخلوق . ويساومني بالسياط والكرْباج . فأوصم بالكفر والخروج عن طاعة أولياء الامر . وأنا عجبت كيف للكفر أبو الكفار يحكم في الفقراء . ------------------------------------- وأنا كفرت بالجوع ، والجزية ، ورحلة الشتاء والصيف . وأنا حين اصيح بأعلى صوتي وأقول : الحق للفقراء . العدل للفقراء . الكهرباء للفقراء . الأرض للفقراء . السيف للفقراء . أرى الخليفة عثمان العصري ، المثخن بثروات الرعايا المفقرين مدججا بالحرير والدمسقي . أرى عيون عثمان العصري تلعق بسمة الجواري . أرى الخليفة عثمان العصري يقتل في المساجد كما في الشوارع . وأوصم بالكفر . وأنا عجبت للكفر أبو الكفار كيف يحكم في الفقراء . ولعثمان ومن حوله من الأصدقاء ، جنان تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابداً، وقصر الخضراء في بلاد الكفار ، ودمشق والعذراء وشعر مائة وخمسمائة الف قران جنوب الشام . ويجلدني ويقول لي : من يقول القرآن مخلوق . من يقول الخليفة العصري مخلوق . وأنا عجبت لمن دوخه الجوع فلا يخرج على الناس شاهرا سيفا . فأنا لا استحيي . او اخفي وجهي بالعمامة . فأنا عجبت للدراويش لا تخرج على الخليفة عثمان العصري في حلة الصعاليك . فتأخذه من جنته ، وقصوره ، وتجرده من ثرواتها التي سرقها ، فتحيله على النار . فتقتل الكفر . والجوع كفر . والفقر والتفقير كفر . وسجون الخليفة العصري كفر . وبوليس مكة السياسي كفر . ومحاضر البوليس السياسي المزورة كفر . والقتل كفر . وعثمان العصري أبو اللحية الصفراء أبو الكفار . -------------------------------- وأنا فقط . عجبت لمال الفقراء يهرب ، ويصرف في شراء ما طاب من النعم و الكماليات .. ويصرف حتى في شراء جلد السياط ، الذي يجلد به من رفض ضنك عيش العبودية . ويصرف في بناء بركة المتوكل . واطعام الحراس . عجبت للكفر أبو الكفار كيف يحكم في الناس . ويدفن بنات العرب احياء . سعيدة العلمي . عجبت للكفر أبو الكفار كيف يحكم في الناس ، والناس الناس لا تخرج شاهرة سيفا . ----------------------------------- عجبت للكفر . كيف يتربع . حوله اشداء غلاظ يذيقون الناس الزّقّوم ، والناس الناس لا تخرج على الناس حاملة سيفا . والكفر يوهم الناس . عجبت كيف للكفر أبو الكفار ان يحكم في الفقراء . بلغني ان سليمان بن صهيون . ذبح اربعمائة الف ناقة . عفوا رؤوسا عربية ، عفوا سليمان العبقري . كيف يتذوق مال العرب الفقراء . والفقراء الفقراء لا تخرج على الكفر أبو الكفار ، شاهرة سيفا لقتل الكفر ، وقتل الفقر ، وقتل الجزية وكفر أبو الكفار المفقر للفقراء . عجبت للكفر أبو الكفار .. كيف يحمل السبحة ، والسجاد ، ويحفر جبهته بالضحمة ، ويصلي خمس ركعات في البيت الأبيض ، وجادة الاليزيه Les Champs-Elysées .. وحوله الجواري ، والخمرة ، والغلمان ، وما ملكت الايمان ، ورؤوس الفقراء . والفقراء الفقراء . لا تخرج على الكفر او الكفار ، شاهرة سيفا .. عجبت للكفر أبو الكفار حين يحكم في الفقراء .. كيف يحكم في الْ فُ قَ رَ ا ءِ ..
2 ) شعارات المرحلة وشعارات الثورة : ان القيادة التكتيكية الصحيحة هي التي ترفع شعارات ، وتعتمد أشكالا نضالية تتفق والمرحلة التاريخية الراهنة ، مما يمكن القيادة الثورية من كسب الفقراء ، والكادحين ، وعموم الشعب المستضعف الى صفها ، ومن ثم حشدهم في صف الثورة . ان الشعارات السياسية لا تسير ببطء وراء الأحداث . بل يتم تكييفها وفقا للأحداث بمجرد وقوعها . ومن اجل تفجير الطاقات الثورية للجماهير وللشعب الكادح ، ومن اجل تمكينها من إعداد نفسها للكفاح السياسي .. فإنه لابد من تقديم شعارات سياسية ، وتوجيهات يسهل عليها فهمها ، وهي شعارات خاصة بالمهام النضالية العاجلة والراهنة . ويولد جيش الثورة السياسي الجماهيري في خضم النضال ، بمجرد ان تقتنع الجماهير بسلامة شعارات القوى الثورية ، وخطها السياسي . أما فتح نار معركة سياسية قبل اقتناع الجماهير بضرورة هذه المعركة ، وقبل استعداد الجماهير لخوض غمار هذه المعركة ، والتضحية في سبيلها .. فإن ذلك يؤدي الى عزلة القوى الثورية عن الجماهير ، مما يفضي الى هزيمتها المؤكدة . ومن هنا ، فإن إقناع الجماهير بسلامة سياسة القوى الثورية ، يقف بين أهم تكتيكات الثورة . ويتم اقتناع الجماهير بهذه السياسة ، بقدر صدق تعبيرها عن مصالح الشعب والجماهير . ان مراعاة ضرورة الاقتناع الجماهيري هذه ، هو الضمان لقيادة سياسية صحيحة ، لا تلهث وراء الجماهير ، ولا تجري أمامها . بل تتقدم معها خطوة بخطوة . وعَلَمُ الشعار السياسي ، هو علم الأحداث الجارية . والشعار الذي كان بالأمس صحيحا ، قد يغدو اليوم خاطئا ، ويتم هذا التمييز بملاحظة ما في اللحظة الراهنة من جديد ، وحصر ملامحه الأصلية . وكل حقبة تكون متجانسة نسبيا ، وتمثل سمة مميزة أساسية ، تجعلها مختلفة اختلافا نوعيا عن الحقبة السابقة . ان الاستجابة للجديد ، تتطلب نبض الأحداث ، مما يتطلب كفاءات فائقة الحساسية ، بما يمكنها من تغيير التكتيك ، توافقا مع ما استجد من ظروف ، وبدون تأخير . لأنه إذا لم تتغذى الثورة بالثورة المضادة ، فإنها ستفاجأ بأنها ضمن أطباق مائدة غداء الثورة المضادة . 3 ) التكتيك ليس مراوغة ولا ديماغوجية : التكتيك ليس مرادفا للمراوغة والديماغوجية كما يحلو للبعض ان يستخدمه ابتذالا . بل هو تعيين خطة سلوك القوى الثورية خلال مرحلة قصيرة نسبيا . مرحلة مد الحركة او جزرها ، نهوض الثورة او هبوطها . والنضال من اجل تطبيق هذه الخطة ، بإبدال أشكال النضال والتنظيم القديمة ، بأشكال جديدة ، وبالتوفيق بين هذه الأشكال ... الخ . فإن كان الهدف الاستراتيجي هو كسب الحرب مثلا ، فان التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافا اقل شأنا . إذ انه يسعى لا لكسب الحرب بمجموعها . بل لكسب هذه او تلك من المناوشات ، او المعارك ، او الحملات . ان التكتيك هو جزء من الاستراتيجية ، جزء خاضع لها ، ووظيفته ان يخدمها . ويقصد بالتكتيك عادة ، سياسة القوى الثورية التي تُفصّل بنود خطتها العامة ، وتُعنى بحل المشاكل الملحة ، وتطرح أشكال وأساليب النضال المختلفة ، عبر المراحل والزمن المنظور . والتكتيك لكي يكون مبنياً على أصول علمية ، عليه مراعاة ميزان القوى بين الطبقات كافة . وبالتالي مراعاة الدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع ، والعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات . فلابد من النظر إذن الى الطبقات كافة ، والبلدان جميعا ، لا في حالة الجمود . بل في حالة الحركة ، ماضيها ، وحاضرها ، ومستقبلها .
4 ) التكتيك بين اليميني الانتهازي ، واليساري المتطرف : التكتيك هو تنظيم قيادة الصراع الثوري ، في المرحلة الثورية ، بين مد وجزر ، تقدم وتراجع ، نصر وهزيمة .. انه الاساليب . انه الاهداف القريبة . انه المتغير . انه سياسة المدى القصير . ترتبط التكتيكات بالهدف الاستراتيجي ، وتعمل في خدمته . ويجب الاّ يجري الاعلان الصاخب عن الهدف الاستراتيجي ، لتبرير وتغطية تكتيك خاطئ . وتملي الرابطة بين الاهداف التكتيكية ، والهدف الاستراتيجي ، واجبات كل معركة . تمارس التكتيكات بمرونة ، بينما يبقى الحسم مقترنا بالاستراتيجية . فالمرونة في مجال الاستراتيجية ، ليست الاّ التفريط بعينه . يُقْصر الانتهازي اليميني عمله على التكتيك ، ويسقط الاستراتيجية من حسابه ، ليبرر بذلك تراجعاته ، والتنازلات التي يقدمها لعدو الشعب والجماهير . بينما يقفز المتطرف اليساري الى الاستراتيجية متخطيا التكتيك ضجرا ، متعجلا الوصول الى الثورة . فهو يريد ان يجني الثمرة حتى قبل ان يزرع البذرة والنواة . 5 ) التكتيك والمرونة : ان على القوى الثورية ان تراعي اكثر المرونة ، من خلال اختيارها ، وتطبيقها لتكتيكاتها . وانْ تتفنن في استخدام هذه التكتيكات ، وان تكون متهيئة لاستبدالها بسرعة قصوى وفجائية . وانْ تجمع بين اشكال النضال العلنية والسرية . وان تعمل حيث توجد الجماهير . كما ان عليها استغلال التناقضات ، ومواطن الضعف في معسكر الاعداء . ان الستاتيكو والميل للاستسلام ، مرفوضان في العمل السياسي الثوري . لذا فالمرونة الضرورية في المعركة ، هي القدرة على التكيف السريع ، مع شروط المعركة السريعة للتغيير . وتجنب مواجهة عدو ، ارقى ، وامتن ، واقوى تجهيزا ، واكبر حجما . والافادة من عجزه عن المناورة ، لمهاجمته في المكان والزمان الاقل توقعا من جانبه . انه من الخطأ ان تعتمد القوى الثورية على الصدام وحده . انّ عليها الاستعداد لكافة الحالات ، والتقلبات ، والمفاجئات . فلا يمكن تصور الثورة نفسها ، بشكل عمل وحيد . إذ ان الثورة ستكون تعاقبا سريعا من الانفجارات ، اكثر او اقل عنفا ، تتناوب مع فترات من الهدوء الاكثر او الاقل عمقا . وبعبارة اخرى . فان صراع الطبقات يتجلى كحرب ، حرب طويلة ، يتناوب فيها العنف الكامن المخفف ، مع العنف المكشوف . وتختلف هذه الحرب عن الحروب العادية فقط ، في كونها اصعب ، واشرس بمئة ضعف ، واطول واكثر تعقيدا ، من اشرس الحروب بين الدول . 6 ) انحصار الحركة الثورية : ان انحصار الحركة الثورية يعني ان هناك ازمة ثورية . فماذا تعني الازمة الثورية ؟ هل الفشل ؟ هل الافلاس ؟ ام تعني ماذا ؟ . في هذا التثقيف الايديولوجي والسياسي الذي درجنا على تحريره في أوراق دفتر ، نعتبر الازمة الثورية الناتجة عن الانحصار الحركي الثوري ، خلال مرحلة معينة ، ومدة معينة ، انها ليست فشلا ولا افلاسا . لكنها مرحلة عابرة تتغير بتغير الظروف ، وتغير الموازين التي تتحول مع مرور الزمن والصراع ، من القوة الى الضعف ، ومن الضعف الى القوة . 7 ) في الازمة الثورية : ان الازمة الثورية هي قبل كل شيء ، حركة شعبية عميقة وقوية ، لأنها تهز المجتمع من تحته الى رأسه ، من علاقاته الانتاجية ، الى افكاره ، ومؤسساته التنفيذية ، والتشريعية ، والقضائية . انها تحدد نهاية حقبة ، وبداية اخرى . وعندما تصبح العودة الى توازن ما قبل الازمة ، مستحيلة . . فبهزيمة الثورة ، يحل توازن اشد ميلا لصالح الثورة المضادة ، والعكس صحيح . فعندما ينْسد طريق الازمة الثورية الظرفي ، فإنه يفسح المجال اوتوماتيكيا للجديد ، كي يشق طريقه عبر القديم . في حصول الازمة الثورية ، يلعب الفكر والوعي السياسي دورا حاسما ، وينمو دورهما باضطراد . كما ان اسلوب التعامل ، يكون بالحسم ، فيلتحم الاستراتيجي بالتكتيكي ، ويترادفان ، وتتم رؤية القريب من خلال المنظور البعيد . هنا على القوى الثورية المرتبطة عضويا بالجماهير، وبالشعب المقموع ، المبنج ، والمخدر، بدعايات الاجهزة الايديولوجية للدولة ، ان ترتقي الى مستوى المرحلة . فعوض الاطناب في الاستعراض الفلسفي للمصطلحات السياسية ، التي يجهلها الشعب بفعل الامية ، على التنظيمات الثورية ان تستلهم خطاب الاسلاميين البسيط ، الذي جلب لهم المئات . بل الآلاف من المنتسبين الجدد . فعلى الاحزاب الثورية اللجوء الى الشعارات البسيطة المؤثرة ، من قبيل الاسلام ، الارض ، الخبز ، العيش ، الكرامة ، الشغل ، التطبيب ، السكن ، الرعاية .. وكل الحقوق المادية والمعنوية ، والارتباط بالقضايا القومية التي تثير احاسيس الشعب ، من قبيل القدس ، فلسطين ، سبتة ومليلية ، والجزر الجعفرية .. الخ . في الأزمة الثورية كذلك ، تكمن اللحظة الثورية ( التصرف في الزّمكان ) ، تلك التي يتحتم على الأحزاب الثورية أن تعيها وتتحرك على ضوئها بالسرعة القصوى ، بلا تأخير او تقديم ، لاستغلالها والاستفادة منها . وبالرغم من ان اللحظة الثورية هي أزمة ثورية ، فإن الأزمة الثورية ليست بالضرورة ، لحظة ثورية ، إذ يفتقر ظرف الأزمة أحيانا ، الى العامل الذاتي المؤهل ، إلى الأحزاب الثورية ، والطبقات الثورية ، والجماهير المهيأة للثورة . كما ان في ظروف الأزمة الثورية ، يستطيع النظام السياسي المعادي للديمقراطية الكونية ، أن يجد دائما ، بدائل للحفاظ على الوضع القائم . ولتفادي التغيير ، او يتظاهر هو بتغيير جلده ، بغية الاحتفاظ بالحكم ، والجاه ، والمال ، والنفوذ ، وتفويت الفرصة على قوى التغيير الثوري . لقد حصل مقلب التغيير السطحي ، بعد انفجار حركة 20 فبراير ، فتم التظاهر بتعديل الدستور، الذي فتّت النصوص والفصول على عدة أبواب ، ودون إلغاءها . ان اكبر خطأ ، هو حين استكان الجميع لهذا المقلب ، مع العلم ان الخطة الثورية ، لا تقبل بديلا عن الحسم الثوري ، وبانتصار احد المتصارعين انتصارا ساحقا ، وهزيمة المعسكر الآخر هزيمة ماحقة . وهذا لم يحصل إبّان حركة 20 فبراير ، ولم يحصل أثناء ما سمي جوراً ب " الربيع العربي " ، الذي مهد الطريق لأعداء الديمقراطية ، قنّاصو الفرص ، لاحتلال الشارع ، وسرقة الانتخابات ، بعد ان وقفوا حربائيا ضد " الربيع " ، الذي كان في الحقيقة شتاء كاحلا . ان على الأحزاب الثورية ، الاستفادة ممّا حصل ، وعلى الطبقة الثورية ان تستجيب بسرعة فائقة ، للحظة الثورية حين يكون العدو الطبقي في أسوء حالاته ، ضعيفا ومفككا ، وحين يكون نشاط القوى الثورية في أوجهه .. 8 ) الأحزاب الثورية في الأزمة الثورية : في الأزمة الثورية ، يتحدد نشاط الأحزاب الثورية ، باعتباره عاملا ذاتيا . فيغدو واقعا موضوعيا . ويغير مجرى الأحداث السياسية . ومن الناحية الاستراتيجية ، فان الأحزاب الثورية تستعد لمواجهة الأزمة الثورية . أما من الناحية التكتيكية ، فان الأحزاب الثورية تُعنى بكل لحظة ، بكل تفاعل ، بالنجاح والفشل ، بوثبات وانتكاسات الحركة الظاهرة او الواقعة ، وبالانتصارات الوطنية ، او الإقليمية ، او المحلية ، بالهزائم وسواها . وتتجه الشعارات على أساس الوضع الراهن ، إلى إنضاج الأزمة . وتقدم حلولا ثورية في جميع المجالات ، الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والفكرية ، وسواها . بيد ان الشعارات وحدها لا تكفي ، وتنظيم النضال في جميع الاتجاهات ، وفي جميع المجالات ، هو وحده الذي يحسم الأمر . وإذا كان للازمة الثورية ثمة دياليكتكيا ، فان الأحزاب الثورية تندمج اوتوماتيكيا في هذا الدياليكتيك ، باعتباره عنصرا جوهريا . فكلما ازداد الوضع تفاقما ، كلما ازدادت الاحداث وحركتها ، ارتباطا بالأحزاب الثورية . ففي هذا وعبره ، يصبح الوعي ، والمعرفة ، والفكرة ، أفعالا ، وثمرة علمية . وعلى تحليل الوضع ، يتوقف تحديد الحلقة الرئيسية من السلسلة التي ينبغي شدها ، كما نحسب مجموع الحلقات ، وذلك في عقد الأحداث والأشكال .
9 ) أسباب الثورة : لا يمكن تصور حدوث ثورة شعبية ، بدون حدوث أزمة بنيوية . ودلالاتها اليوم جد متوفرة ، وما ينقصها غير منْ يرفع المشعل لإنارة الطريق ، وتوضيح المسالك . إن نفس الأسباب التي أدت إلى هزات شعبية مختلف ، وعبر التاريخ ، متوافرة الآن وبالجملة . بل متوافرة أكثر من الجملة . ان الوضع اليوم لا يختلف عن الوضع الذي كان ابّان انتفاضة 23 مارس 1965 ، وانتفاضة يونيو 1981 ، وانتفاضة يناير 1984 ، وانتفاضة فاس في 1990 ، وانتفاضة حركة 20 فبراير في 2011 ، وانتفاضة صفرو ، وإمضير ، وأقاليمنا الجنوبية التي تغلي ، والريف الذي يتماوج مثل أمواج البحر العاتية . ان من أهم الدلالات التي قد تشعل الثورة ، او انتفاضات شعبية عارمة ، للمطالبة بالدولة الديمقراطية الكونية : 1 ) إفلاس النظام . والإفلاس يشمل ، إفلاس النموذج المتبع في الحكم ، وتسيير أمور الدولة . وإفلاس . اي خسران الدفاع عن قضية الصحراء . اي إفلاس مسلسل ما يسمى بالتحرير ، وإفلاس ما يسمى بمسلسل الديمقراطية . لقد أفلس مسلسل ما يسمى بالديمقراطية ، لان نفس البنيات ، ونفس النماذج المؤسسة للستاتيكو ، المؤسس للاستبداد والفساد ، لا تزال تتمثل بمشاهد مقززة أكثر من سابقاتها . واصل الإفلاس هنا ، تعبر عنه نسبة الشعب التي تقاطع كل المسرحيات المقدمة . لقد بلغت نسبة مقاطعة بعض الانتخابات التشريعية بين 75 و 77 في المائة . ولنا ان نتساءل عن مدى مشروعية المؤسسات التي تتحدث باسم الشعب ، من برلمان وحكومة . كما لنا ان نتساءل عن مدى مشروعية القرارات التي ستصدر باسم الشعب الذي قاطع الانتخابات ، والمفروض ان هذه المؤسسات تنطق باسمه . فهل تم اختزال الشعب في 75 او 77 في المائة المقاطعة ، ام في 23 في المائة المشاركة ؟ . وهل ستتحمل نسبة 75 او 77 في المائة المقاطعة ، النتائج السلبية والخطيرة التي ستترتب . بل ترتبت الآن عن اعتراف النظام ، من خلال برلمان السلطان ، ومنه حكومة السلطان ، بجمهورية تندوف التي أنشأها الهواري بومدين ومعمر القدافي ، ولم ينشئها الصحراويون ، ولا قرروا بشأنها مصيرهم ؟ . أما عن إفلاس ما يسمى بمسلسل التحرير ، فلا أدل على أن الأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونو غيتريس ، في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن ، ركز على الاستفتاء وتقرير المصير فقط ، ولا إشارة ولو خجولة لمقترح الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، وتنازل عنه النظام باعترافه الواضح ، بجمهورية تندوف ( الجريدة الرسمية عدد . 6539 ) . ان عجز الطبقات السائدة ومنها النظام ، عن الاحتفاظ بالسلطة ، يكون مؤشرا دالا على حدوث الأزمة الثورية المؤدية الى الثورة . 2 ) التدهور الخطير للأوضاع الاجتماعية ، والاقتصادية ، والمعيشية للطبقات المسحوقة ، بالرفع الصاروخي من الأسعار الذي شمل المواد الأساسية لعيش الفقراء ، وجمود الأجور ، وتدني الدخل ، وانتشار البطالة بشكل مروع ومخيف بين كل الشعب ، وبين الأطر من مهندسين ، وأطباء ، وحملة الشواهد العليا ، وانتشار المرض ، والجهل ، والجريمة بمختلف أشكالها . 3 ) انتشار الوعي السياسي الجذري بين الطبقات المسحوقة والمضطهدة ، التي ليس لها ما تفقده غير أغلالها ، بعد ان أزالت الخوف عنها . اي تعاظم حركة الجماهير ، ورفضها الاستمرار تحت سلطة الطبقة الحاكمة المتخصصة فقط في الافتراس ، والفساد ، والإفساد ، والظلم ، والعدوانية ، وتهريب الثروة الى خارج المغرب . وما يجري بالريف وبأقاليمنا الجنوبية ، وبإمضير ، وفي كل المغرب الذي يتماوج ، لهو دليل على ان مغرب اليوم ، ليس هو مغرب الستينات ، والسبعينات ، والثمانينات . وان نظرية ريمي لوفو " الفلاح المدافع عن العرش " لم تعد صالحة . فعند ما انتقل ( الفلاح ) القروي الى المدينة هروبا من الفقر الذي فرضه النظام عليه ، تعرى كتف العرش من دفاع ( الفلاح ) القروي ، الذي انتقل للدفاع عن مطالب مدينية ، لا علاقة لها بالقضايا القروية . لكن ورغم ذلك ، فان انفجار الثورة لا يحصل ، ولا يمكنه ان يحصل ، الاّ إذا أضيف الى العوامل الثلاثة السابقة ، العامل الذاتي . اي الطبقات الثورية ، الموحدة والقوية ، في ظل كتلة تاريخية جماهيرية ، تقودها أحزاب ثورية ، تنجح في لف جماهير الشعب العريضة حولها . 10 ) هل هناك طريق واحد للثورة ؟ : ان الجواب يتوقف على الظروف الموضوعية ، والذاتية ، والبلد الذي ستحصل فيه الثورة . لهذا فهي تختلف من بلد الى آخر ، ومن مجتمع الى آخر . مثلا يمكن حصول أزمة سياسية ، تكون مصحوبة باجتماعات لقوى ثورية ، مرافقة لمظاهرات ، ومسيرات شعبية ، وجماهيرية ، تتلوها إضرابات ، تكون مصحوبة بمسيرات ، ووقفات ، واعتصام بالساحات العمومية ، مع ترديد الشعارات المطالبة بالحقوق والمساواة . وقد تتحول بفعل خطأ للأجهزة القمعية إلى عصيان مدني ، يرفع الشعارات ضد الحاكم ، وضد نظام حكمه . مثل هذه الحالة لاحظناها في رومانيا ( نيكولاي تشاوسيسكو ) ، وفي ألمانيا الديمقراطية ( هونيكر ) . كما قد تحصل عند انفصال إقليم عن الدولة الأم ، بعد سنوات طوال من المجابهة من اجل وحدة الأرض ، ووحدة التراب ، والشعب . ان النتائج السلبية للانفصال ، تسقط مباشرة على رؤوس من تسببوا في الانفصال ، وفشلوا في الدفاع عن الوحدة الترابية للدولة . ان الانفصال يعني نزول الشعب الى الشارع ، كما ان الجيش الذي دافع عن الإقليم لعقود ، لن يتحمل الفشل الذي سينعكس على معنوياته ، وقد يؤثر هذا باتجاهات مختلفة ، من بينها الانقسام بسبب الاختلاف من الموقف من الشعب الذي نزل بالملاين إلى الشارع ، ومن النظام الذي تسبب في الانفصال . كما قد تحصل الثورة ، عند حصول حرب عصابات مستقلة وطنية ، كما حصل بكوبا ، وبالفتنام ، وبنيكاراغوا ، وكما حدث في 16 يوليوز 1963 ، وفي 3 مارس 1973 ... الخ . هذا وتُحدّدُ طبيعة هذه التغييرات الثورية ، حسب طبيعة التحالفات الطبقية ، وهوية القوة الاجتماعية التي تلعب فعليا دور الطليعة ، وتحدد الدور المهيمن للجيش ، او الأحزاب الثورية ، أكانت تشتغل ضمن جبهة وطنية ، او ضمن كتلة تاريخية ثورية .. 11 ) الثورة والهدف : من المسلم به أن أية ثورة تحصل في التاريخ ، إلاّ وتكون قد وضعت نصب أعينها هدفا استراتيجيا ، هو الاستيلاء على الحكم . وغني عن القول هنا انّ امتلاك الحكم لا يكون لذاته ، بل يكون من اجل تنفيذ برنامج الأحزاب الثورية المكونة للجبهة الوطنية التقدمية ، او المكونة للكتلة التاريخية الجماهيرية . لذا فإن انتصار الثورة ، يكون دائما مرهونا بمستوى حركة الشعب التنظيمي ، والكفاحي ، والنضالي ، وبموقف الطبقات الأخرى من الطبقات الثورية ، وبالموقف السياسي في داخل الوطن وفي خارجه . وعند دراسة قضية الاستيلاء على الحكم ، فإن على الأحزاب الثورية ، ان تحتل مواقع القوة والصدارة ، كقائدة مبدعة ، قادرة وحدها على قيادة الجماهير، نحو الهدف المرسوم الذي هو الاستيلاء على السلطة . هنا بالوصول الى هذه المرحلة الثورية ، فان الاحتفاظ بالسلطة ، يتطلب عملا إيديولوجيا ، ودعائيا ، وتنظيميا نشطا ، ودؤوبا ، من جعل الجماهير الشعبية واعية تماما ، بالأهمية التاريخية للثورة الملقاة على عاتقها ، ومنجزاتها ، والمكاسب التي تحققها للطبقات الكادحة والفقيرة . وبقدر ما تقترب طبقة ، او طبقات مضطهدة من امتلاك السلطة ، ومنها الحكم ، بقدر ما تزداد عقبات استلام السلطة أمام طلائع هذه الطبقة . ان حشد الجماهير الشعبية في كتلة متحدة ، سيعقبه في الجانب الآخر ، تجمع القوى الرجعية ، الأسرع غالبا ، والأفضل تسليحا ، خاصة وأنها تمتلك آلية الدولة ، من جيش ، وبوليس سياسي ، ودرك ، ومخابرات مختلقة ، ومليشيات أحزاب عميلة . ان هذا التجميع والتجمع حتمي الوقوع ، لأنه ليس من المنطقي تصور الفعل دون رد الفعل . ان الانتصار لا ينتج ، إلاّ عن عمل سياسي متراكم ، في شكل خبرات الأحزاب الثورية ، ونمو منظماتها ، واتساع دائرة جماهيريتها .
12 ) الثورة بين السلم والعنف : الثورة لا تعني دائما العنف ، كما أن العنف ، لا يعني دائما الثورة . هناك من يعتبر العنف هو الثورة ، وهناك من يعتبر أن من لا يمارس العنف ، هو إصلاحي وليس بثوري . لكن أليس الثورة إصلاحا ؟ . و الجواب سنحاول الإجابة عنه عندنا في المغرب . الكل يدرك ان حركة 20 فبراير ، لم تكن حركة ثورية بالمفهوم اللينيني للثورة ، لأنها كانت من جهة ، ضد العنف رغم انه قابلة للتاريخ ، ومن جهة ، لكون مطالبها لم تكن تتجاوز إصلاح النظام القائم ، لصالح نظام آخر من نفس الشكل ، مع التغيير في الدستور شكلا ومضمونا . فهي بذلك كذلك ، لم تكن حركة انقلابية تتوق للاستيلاء على الحكم من اجل الحكم . بل كانت تتبنى المنهجية الكونية في الديمقراطية ، التي تتعارض مع المنهجية الخصوصية للنظام ، المتعارضة أصلا مع الديمقراطية الأصيلة . فلو نجحت حركة 20 فبراير في فرض دستور الشعب الديمقراطي ، مع الحفاظ على النظام ( الملكية ) ، بتحويله من نظام ملكية تنفيذية مطلقة ، الى ملكية برلمانية شبيهة بالملكيات الأوربية ، لجاز القول ، ان نجاح حركة 20 فبراير في فرض الدستور الديمقراطي ، هو ثورة دستورية تؤسس للجديد ، وتقطع مع القديم ، وفي ظل نفس النظام الذي هو الملكية . فالتغيير هنا ليس إسقاط النظام . بل إسقاط دستوره المؤسس للاستبداد والفردانية ، مع استمرار الدولة كما هي منذ 350 سنة خلت . وهذا مشروع هشام بن عبدالله العلوي الذي لاقى بسببه الذم والقدح ، رغم ان هشام ملكي وليس بجمهوري . ان هذا الشكل من النضال الإصلاحي ، هو بحد ذاته يعتبر ثورة ، بالمقارنة مع القيم البالية القروسطوية التي تتعارض مع الديمقراطية . وهنا فان كل إصلاح ، هو ثورة ، وكل ثورة ، هي إصلاح . وهذا يفند المزاعم التي تقول ، بان كل ثورة لكي تكون كذلك ، يجب ان تبنى على الدم . فغاندي قام بثورته ضد الاحتلال الانجليزي سلميا ، وليس بالعنف ، ونجحت الثورة الهندية في طرد المستعمر الذي خرج في الفجر قبل طلوع النهار . ان هذه الحقيقة الساطعة ، تبقى كنموذج في تفسير الثورة ، وفي تفسير الإصلاح ، لأنهما متداخلان ولا يختلفان ، إلاّ عندما يكون جواب النظام البوليسي ، عنيفا ، ودمويا وبشعا . هنا وكمثقفين سياسيين مهتمين بالشأن العام ، نتساءل في هذه الحالة عن كيفية حصول الثورة او الإصلاح . هل ستحصل بالسلمية ، ام أنها ستحصل بالعنف كقابلة للتاريخ . اي عنف ضد عنف في إطار الدفاع عن النفس . ان الجواب يتوقف وكما قلت أعلاه ، على رد فعل أي نظام سياسي من الثورة او الإصلاح . ونظرا للتغيير الذي حدث في العالم ، والذي يركز على حقوق الإنسان ، وحق الشعوب في تقرير مصيرها .. قد يكون للثورة ، او لحركة الإصلاح في بدايتها الأولى ، طابعا سلميا من خلال مثلا ، الإعلان عن إضراب عام ، ثم إضرابات عامة متصاعدة ، ثم وقفات تنتقل الى مسيرات احتجاجية ، وقد تصل وفي ظل تأزم الوضع السياسي ، الى عصيان مدني باحتلال الساحات ، والمدن ، والجهات . هنا فان العالم المتحضر ، سيدعم هذا النوع من رد الفعل الشعبي ، الذي يطمح للوصول سلميا الى الديمقراطية الكونية ، لا الخصوصية ، ديمقراطية النظام . لكن قد يحصل ان يكون رد فعل النظام السياسي البوليسي دمويا وعنيفا ، وقد يسقط شهداء برصاص مختلف القوات العمومية . هنا فان الجواب يصبح هو : لا ثورة ، ولا إصلاح في ظل حكم نظام متحجر، بدون عنف مقابل ، لمواجهة عنف بعنف . 13 ) عنف النظام مقابل عنف الجماهير : كقاعدة عامة ، ومن وجهة النظر التطبيقية ، فان أي ثورة ثورة ، تتضمن استخدام القوة خلال فترة معينة ، ومحددة من سلسلة الثورة . وبما ان مسلسل أي ثورة ، هو عبارة عن حلقات متواصلة وغير منقطعة ، فان استعمال القوة من قبل الأحزاب الثورية ، هو لتحصين الذات ، وتحصين الطبقات الثورية بهذه الروح النضالية ، التي هي أسمى درجات النضال الثوري . لأنه من الطبيعي ألاّ تتخلى البرجوازية عن سلطتها طواعية . بل وحتى بعد أن تُمْنى بالهزيمة ، فإن تآمرها على السلطة الوليدة الفتية لن يتوقف ، حيث يتسم تآمرها بالدموية والشراسة . أي الثورة المضادة ، التي قاعدتها تكون من البلطجية ، والشمكارة ، والمجرمين ، والخارجين على القانون . مع العلم ان التعامل مع هؤلاء عند نجاح الثورة ، سيكون على طريقة الثورة الثقافية الصينية ، او على الطريقة الكمبودجية البولبوطية ( بولبوط ) Pol pote . وخلال مواصلة النضال الثوري اليومي وسط الجماهير ، لأن التوعية والدعاية هي سلاح الثورة ، فان العنصر السياسي لا يجب ان ينعزل أبدا عن العنصر الاقتصادي والاجتماعي . وفي الفترات الهادئة نسبيا ، يسيطر الاقتصادي على الاجتماعي والسياسي ، لأنه يحددهما بشكل دقيق . ثم تأت فترة أزمة قد تكون طويلة ، كما قد تكون قصيرة . وعندئذ يحدث العكس ، لأن العمل السياسي الذي حددته الأزمة على انه هزة ، او أزمة في الأساس ، يُحدّد بدوره ، العامل الاقتصادي ، ويصبح آنئذ أساسيا في الشكل الاقتصادي والاجتماعي . إذ يندمج في تاريخه ، سواء حُلّتْ الأزمة حلا ثوريا ، او حدثت نكسة .
14 ) مقابل عدوانية النظام ، الثقة في النفس : ان أية هبّة او انتفاضة جماهيرية شعبية ، من السهولة ان تتحول اليوم إلى ثورة . يتوقف كل هذا على رد فعل النظام البوليسي ، من الهبّة او الانتفاضة ، كأن يغرقها في بحر من الدماء . لذا فعندما يلح قرار تفجير الثورة ، التي ستبدأ في شكل هبّة ، او انتفاضة شعبية عامة او جهوية ، فانه لمسايرة الحملة والتقلبات الطارئة .. وحتى لا تفاجئ الثوريين الاحترافيين ، فإن على قيادات الأحزاب الثورية المكونة للكتلة التاريخية الجماهيرية ، ان تبادر باتخاذ القرار الصائب ، دون تبكير او تأخير . وتبقى بعد ذلك خطة الانتفاضة الشعبية الجماهيرية ، الخطة الأصلح للتعامل مع الانتفاضة الشعبية باعتبارها فناً ، ككل الفنون له قوانينه وأصوله . فكلما اتسمت خطوات الأحزاب الثورية بالثقة والشجاعة ، كلما أمكن شل ذبذبة القوى الوسيطة اليمينية ، والرجعية لصالح الثورة ، وكلما ازدادت طبقات النظام ارتباكا وفزعا . لا يمكن ان تتوفر الثقة بالنفس ، وبالشجاعة للأحزاب الثورية المكونة للكتلة التاريخية الجماهيرية ، بدون اتسامها بالتجانس الفكري ، والصلابة ، وبدون ميل ميزان القوى لصالح الثورة الشعبية الجماهيرية ، وامتلاك الكتلة لقيادة ثورية صلبة وجريئة . ان بداية إشعال أية انتفاضة او هبّة ، لكي تتحول الى ثورة شعبية عارمة ، تتطلب قيادة ثورية مخلصة ، شجاعة ، سليمة ومرنة للجماهير ، وخطة محكمة ، ويقظة ، واندفاعا ثوريا . وبعد اتخاذ القرار بتحويل الهبّة او الانتفاضة الى ثورة ، يبقى على الأحزاب الثورية ان تقاتل بالجماهير ، معها كمناضلين وكقيادة . فلا يجب أبدا اللعب بالانتفاضة ، قبل ان يكون الجميع على أتم الاستعداد لمواجهة عواقبها . لأنها معادلة أرقامها غير محدودة إطلاقا ، وقد تتغير كل يوم . بل قد تتغير كل ساعة ودقيقة . ان التلاعب بالانتفاضة ، هو مضر بالثورة ، اذا فكرت فيها القيادة الثورية . لذا فمتى بدأت الانتفاضة الشعبية الجماهيرية ، يجب العمل بأشد الحزم ، وبالمبادرة الى الهجوم ، وعدم التردد . لان الاكتفاء فقط بالدفاع ، هو موت محقق لكل ثورة شعبية جماهيرية . لذا يجب مباغتة العدو الطبقي ، حين تكون قوته منهارة ، ومشتتة ، ومبعثرة ، من الانتصار للثورة ، على ان تكون تلك الانتصارات يومية ، مع الحفاظ على التفوق المعنوي الذي سيكسب الثوار والشعب ، حتمية نجاح الثورة . 15 ) استقراء التاريخ : علمنا التاريخ ، أن الشعب ، وأي شعب ، لا يمكنه أن يحقق أهدافه التحررية والتقدمية ، إلاّ إذا تراصت صفوفه في خندق واحد ، يقابله خندق أعداءه الطبقيين ، محليين ، وأجانب إمبرياليين استعماريين . ولا وسط ولا منزل بينهما ، سوى لمن اختار لنفسه طريق الارتداد ، والانتهازية ، والوصولية ، والتعويض عن السنوات العجاف ، وخاصة بالنسبة لبلاد تعاني من مخلفات الاحتلال المباشر وغير المباشر ، ووقع الهيمنة الامبريالية . إن بلوغ الأهداف الشعبية المسطرة للشعب المُسْتلب ، والمُفقر، والفقير ، لن يتأتى إلاّ بأسلوب النضال الجماهيري الواسع النطاق ، والشامل لكافة المستويات الاجتماعية والسياسية . من هنا ، وفي إطار خوض هذا الصراع الطويل النفس ، لا شيء يحمل القوى الوطنية والتقدمية الحقيقية ، وهي تخوض نضالها هذا ، على السقوط في شرك تكتيك النظام العدواني ، الدكتاتوري ، البوليسي ، والسقوط في لعبته القدرة ، التي تشوه المقبلين إليها ، ولا تخدمهم في شيء ، أمام الجماهير التواقة إلى الحرية ، والتغيير ، والمساواة ، والديمقراطية الكونية ، لا الخصوصية الاستبدادية ، واقتسام المسؤولية في مناوراته ومساوماته ، التي يوجه من خلالها الطعنة تلو الطعنة ، للأهداف الوطنية والديمقراطية على حد سواء . ان منطق النضال الديمقراطي نفسه بمعناه الأصيل ، وليس بما أُلصق به تشويهات ، وتحريفات انتخابية ضيقة ، يفترض فرز العدو الأساسي ، والحيلولة دون تلغيمه للصف الديمقراطي الوطني الحقيقي ، والتصدي لتكتيكه السياسي بتكتيك مستقل . فليس هناك من مصلحة كبيرة ولا صغيرة ، تجمع بينه وبين أوسع الجماهير الشعبية الكادحة .
16 ) حلقات النضال الديمقراطي : ان القوى التقدمية والوطنية الحقيقية ، المرتبطة بالشأن العام ، وبهموم الشعب والجماهير ، والمرتبطة بالأرض ، وبالتاريخ ، و ضد كل مناورات التقسيم والتجزئة التي تحاك منذ القرن الماضي بالمغرب ، وترفض كل خرجات النظام البوليسي التي انكشفت ، وافتضحت من اجل تأبيد الاستبداد ، والظلم ، والعدوانية ، والعبودية ، والسيطرة ، من اجل المزيد من الافتراس ، والنهب ، والنهم ، والجشع ، وتهريب ثروة الشعب الى خارج المغرب .. والعمل الجماهيري في مختلف القطاعات والإطارات ، وهو ما نسميه بحلقات النضال الديمقراطي .. هي التي تكتمل كلها في سياق النضال الديمقراطي الحق ، وفق البرنامج الوطني الأدنى ، الذي يضمن الانتقال من موقع ، إلى موقع آخر أفضل وسليم على طريق الثورة الوطنية ، الثورة التي ستقطع دابر الهيمنة الأجنبية ، وحلفاءها المحليين والطبقيين ، الذين يمثلهم النظام المنتمي إلى الزمن الميت . فطقوس العبودية والإذلال التي يتعرض لها الشعب المغربي ، والتي تعرف استهجانا ورفضا ، من قبل الغربيين ، وكل العالم الحر المتحضر ، والمتقدم ، تجعل العالم الحر كله مع الشعب في مطالبه المشروعة ، والسلمية من اجل بناء دولته الديمقراطية التي ترتكز على المؤسسات ، لا على الأشخاص ، ترتكز على القوانين العصرية ، لا على التقاليد المرعية . هكذا نفهم النضال الديمقراطي الحقيقي ، لا نضال الواجهات والتزْليج ، ونرى ان لا علاقة لهذا النضال بالتورط في سياسات النظام المحلية ( الانتخابات ) ، والخارجية ( الصحراء ) ، والتبرير والتنظير لمّا يلحق الضرر المبين بمصالح الشعب والوطن ، وممارسة الخلط والغموض .. والى غير ذلك من الخطط والممارسات السلبية التي جسدها الشعار الأكذوبة " الإجماع " ، الذي هو إجماع ( وطني ) فاسد أحسن تجسيد . إذن ليس هناك من شرط في العمل الوطني المشترك ، بين كل القوى الوطنية ، والتقدمية ، والديمقراطية المغربية ، سوى الخط الفاصل مع أعداء الشعب المحليين والأجانب . وانه حان الوقت لانتزاع المبادرة من قبل هذه القوى المعادية للشعب ، وللديمقراطية في صيغتها الكونية ، لا الخصوصية ، ديمقراطية التقاليد المرعية ، وهي توحد صفوفها ، وتسترجع حرية حركتها ضمن خط وطني ديمقراطي أصيل ، وفي أطار كتلة تاريخية جماهيرية ، او جبهة تقدمية ، تنفض من صفوفها المرتدين ، والرجعيين ، والمغامرين ، والمنتفعين الذين تستهويهم لعبة الاصطياد في المياه العكرة . فلا مناص إذن ، للوطنيين الحقيقيين والمخلصين ، من النضال من اجل تحقيق الوحدة النضالية ، لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية ، التي وحدها قادرة على إيجاد الحل الديمقراطي ، في الإطار الوطني لقضية وحدتنا الترابية . ان تمسك الصحراويين بالاستفتاء وبالانفصال ، ليس رفضهم الانتماء الى المغرب بلدهم التاريخي الأصيل . بل رفضهم الخضوع للدكتاتورية والاستبداد ، خاصة وهم يدركون أكثر من غيرهم ، ان مصيرهم اليوم ، ان تمكن النظام من حسم صراع الصحراء ، لصالح أطروحته التي تجعل الصحراء كصمام أمان لنظامه ، وليس كتاريخ وجغرافية وبشر ، لا ولن يختلف في شيء ، عن المصير الذي آلت إليه أسرة المقاومة وجيش التحرير ، والمصير الذي آل إليه آلاف الجنود الذين ماتوا في الصحراء ، ودفنوا في حفر جماعية ، وبدون قبر ، وتركوا عوائلهم يتدوّرون الجوع ، والفقر ، والمذلة . .. 18 ) القوى الوطنية التقدمية الديمقراطية : ويسألونك عن مناضلي الصف الوطني التقدمي الحر : قل هم هؤلاء .. ان العديد من التقدميين والوطنيين الأحرار ، شرفاء هذا الوطن ، طرحوا بعض الاستفسارات ، بخصوص القوى الوطنية التقدمية ، الديمقراطية ، الحرة ، المؤهلة لتكون العمود الفقري للتجمع الديمقراطي ، في صورة جبهة وطنية تقدمية ديمقراطية ، او كتلة تاريخية جماهيرية ، تضم القوى الرافضة للمسرحيات ، والعفيفة من تناول فتاة مائدة النظام ، والمشاركة عن سبق إصرار في المؤامرة المدبرة في حق الشعب المغربي ، وفي حق القضية الوطنية . إن هذه التساؤلات المشروعة ونحن نقدرها ، جاءت بعد كل الانتكاسات التي طبعت التاريخ النضالي لقوى التقدم ، بخصوص الارتباط المفصلي ، بين الشعب ، وبين القوى المؤهلة للتكلم باسمه ، في كل القضايا التي تخصه ، لان هو جزء منها ، وهي جزء منه ، فكلاهما لا يمكنه ان يعيش بدون الآخر ، إلاّ من رضي لنفسه الخضوع ، والانبطاح ، للنظام ، ولتقاليده المرعية . قد يعتقد الكثير، ان المقصود من تحليلنا للقوى الوطنية ، الثورية ، والديمقراطية ، والتقدمية ، هو الكائنات الزئبقية التي ترقص في الساحة على نغمات سمفونية النظام . وتهرول استجابة لكل خرجاته الملتوية ، التي تهدف الى تأبيد الوضع الجامد أكثر من الجمود ، ولتُمكن التحالف الطبقي المعادي للشعب ، من الكثير من الاستئثار بالحكم ، والسلطة ، للمزيد من الافتراس ، والمزيد من النهم ، والنهب ، وتهريب الأموال بالعملة الصعبة . لكننا من جانبنا نوضح انّ المقصود من تحالف القوى الوطنية ، والتقدمية ، والثورية ، والديمقراطية ، العمود الفقري لكل جبهة او كتلة ، ونقول وبالفم المليان ، انه من العبث والمغالطة الحديث عن العمل الوطني المشترك ، والجبهة الوطنية ، او الكتلة التاريخية الجماهيرية الديمقراطية ، بالنسبة لمن لا تزال علاقته قائمة بشكل او بآخر مع نظام عدواني مفترس ، وطبقي ، وحگار ، لا يعير أدنى قيمة او اهتمام للشعب ، وللجماهير الفقيرة والمفقرة ، سواء الأحزاب المخزنية الجديدة التي تمخزنت أكثر من المخزن ، وأضحت ملكية أكثر من الملك ، وهي منها من تلاشى ، ومنها من هو في طريق التلاشي ، حيث لا تتحرك اليوم إلاّ بفضل جرعات النظام التي تؤجل موتها المحقق ، والحتمي ، والقريب الأجل ، و سواء أحزاب النيو – مخزن ، او المخزن الجديد التي عوضت الأحزاب المخزنية الجديدة / القديمة ، وتحت اي مبرر او تبرير كان " وطني " او " ديمقراطي " ، فلن يكون ذلك سوى من باب المغالطة ، مغالطة " التحالف مع الشعب ، ومع عدوه في آن واحد " ، وهي السياسة المسماة ب ّ السكيزوفرينيا " ، وهو مرض خطير ، يأتي على الأخضر واليابس في الحقل السياسي ، وأثناء الظهور بممارسة الشأن العام ، لان الذي يمارس السياسة من بابها الواسع ، هو النظام ، وليس أحزابه التي تلعب دور المِعْول . ان " الاجماع الوطني الفاسد " ، قد فسخ نفسه بنفسه ، سواء على صعيد القضية الوطنية التي نهجت فيها الطبقة الحاكمة ، نهجا طبقيا منفردا ، يراعي أولا وأخيرا مصلحتها ( استعمال وتوظيف الصحراء للدفاع عن النظام ، وليس العكس ) ، وهنا ستتجلى التناقضات التي اتخذها النظام عند معالجته القضية الوطنية ، لأنه استعملها كصمام أمان لنظامه الذي كان معرضا للسقوط ، ولم يستعملها كتاريخ ، وجغرافية ، وشعب ( اتفاقية مدريد التي قسمت الصحراء كغنيمة ) . او على صعيد ما يسمى بالعهد الديمقراطي الجديد ، الذي لن تنخدع به الجماهير الشعبية ، وقد أصبحت تدرك وتعي تمام الإدراك والوعي ، ان ما يسمى بالديمقراطية المحمدية ، هي امتداد للديمقراطية الحسنية ، التي ملخصها الاحتكار . أي احتكار طبقة النظام ، ومن لف لفه من المنتفعين ، والانتهازيين ، والوصوليين ، والحربائيين ، للمغرب ، والدولة ، والكائن البشري ، واستعمال القمع ، والعدوانية ، وممارسة الاعتداء ، وإرهاب الناس المواطنين ، من اجل التخويف ، وإدامة وضع لا يختلف عن سابقه ، وهو ما يعتبر دليلا ساطعا على أكذوبة ، المفهوم الجديد للسلطة ، ملك الفقراء ، العهد الجديد وهلمجرا . لذا وأمام هذه الحقيقة الساطعة ، فان اي محاولة للمّ حطام مسلسل الدفاع عن القضية الوطنية المزعوم ، حيث دخلت القضية الوطنية نفقا مظلما ، وحطام العهد الجديد الذي أفلس بالتمام والكمال ، ومحاولة إحياء " الإجماع " الوطني بالرخويات والصدفيات الفارغة .. لن تقود أصحابها سوى الى الخدمة الموضوعية والمجانية لأعداء الشعب المغربي ، وأعداء القضية الوطنية ، ولمُكبّلي إرادته ومستغلي عرق جبينه . ان هذا تحالف الشعب ، وقواه الحية الديمقراطية ، والتقدمية ، والوطنية التي ستنبثق من قلبه في كل ربوع المغرب ، وما عداه من الأحزاب المخزنية القديمة / الجديدة التي أضحت ملكية أكثر من الملك ، رغم فراغها وقربها من التلاشي النهائي ، وأحزاب النيو – مخزن التي أضحت تلعب دور أحزاب المخزن القديمة / الجديدة .. فهي غير معنية بالتحالف الشعبي الوطني ، لأنه لا يمكن ان تكون في نفس الوقت حليفا للطبقة الحاكمة عدوة الشعب ، وحليفا للشعب ضحية هذه السكيزوفرينا المقيتة . ففرق بين الأحزاب التي تلوثت بمسلك الارتزاق المخزني ، تقتات من فتاته ، وتأتمر بأوامره ، وبين القوى الديمقراطية الحية المرتبطة بالشعب وبالجماهير . هذه تحالفاتهم . وهذه تحالفاتنا . والشعب هو الفصل .
) الإيديولوجية والحزب : 19 إن الإيديولوجية كمصطلح حديث ، أنّما يمهد لظهور مفهوم الحزب بالمعنى الحديث للكلمة . فمع مطلع القرن التاسع عشر ، تبلور مفهوم الإيديولوجية ، وبعده بخمسين سنة بالذات ، بدأت مرحلة نشأة الأحزاب التي عرفت تطورا ملحوظا . ظهرت أحزاب ذات جذور طبقية اجتماعية ، واتجاهات إيديولوجية وسياسية مختلفة . أحزاب تقدمية ورجعية ، برجوازية واشتراكية ، شيوعية أممية ، او اشتراكية ديمقراطية . وأضحت قضية الحزب في الوقت الحالي ، ذات دلالة سياسية ، واجتماعية ، وعلمية بالغة ، كما أصبحت احد الميادين خصبة للصراع الإيديولوجي . إذن واضح الآن ، أن الإيديولوجية تتمحور غالبا حول السلطة والحكم ، وتأخذ بالتالي صبغة سياسية . يمكن التمييز بين : إيديولوجية جماعية متحكمة في السلطة ، مثلا إيديولوجية الطبقة المسيطرة ، او التكنوقراط ، ثم إيديولوجية جماعة تتطلع الى التحكم في السلطة ، مثلا الأحزاب السياسية للأقلية او المعارضة ، وأخيرا إيديولوجية جماعة تحاول التأثير في السلطة دون التحكم فيها ، كما هو الحال بالنسبة لجماعات الضغط . والواقع أن الإيديولوجية إذا كانت فاعلة في التغيير الاجتماعي ، فإنها تتطلب ان يُعبّرُ عنها ، وتتجسد من طرف عوامل التغيير ، وخاصة الانتخابات ، جماعات الضغط ، الأحزاب والحركات الاجتماعية . هكذا فالأحزاب السياسية لا تكون ، إلاّ جزءا خاصا من القوى السياسية التي تتصارع ، او تتحالف بشكل او بآخر . ويُعرّفُ الحزب بالمفهوم الحديث ، بأنه جماعة اجتماعية ، يعمل كنسق داخل نظام سياسي واجتماعي معين . ولكي يكون كذلك ، لابد من توفره على ثلاثة محددات ، كما حددها أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية الراحل موريس دفرجيه . ان هذه المحددات هي : 1 ) الإيديولوجية الحزبية .أي الدليل النظري للعمل السياسي . 2 ) الإطار التنظيمي ، اي بنية الحزب الداخلية . 3 ) الأعضاء الحزبيون . اي الشريحة المناضلة التي يستند عليها الحزب ، إضافة إلى الجماهير التي يكتسب منها مبررات وجوده . إن هذه الشروط هي في الحقيقة مرتبطة ارتباطا جدليا ، والإلحاح على هذا الارتباط ، يهم الأحزاب الثورية بالأساس ، لأنها تطمح إلى بناء الأداة الثورية ، للاستيلاء على الحكم .
20 ) في مسألة الثقافة البرجوازية والمثقف البرجوازي : أول ما طُرحتْ مسألة الثقافة البرجوازية ، والمثقف البرجوازي مع ظهور البرجوازية ، طُرحتْ بمفهوم ليبرالي . ان هذا الطرح جعل ماركس يتصدى الى نقد الايدولوجيا البرجوازية ، وبالتالي نقد المثقف الإيديولوجي البرجوازي ، واعتبر هذه الإيديولوجية أداة استلاب ، وحاملها مثقف مستلب . أما انطونيو غرامشي ، فقد اهتم اهتماما بالغا بالدور الذي تلعبه الثقافة والمثقف ، بوصفه منشئ وناشر للأفكار ، وللثقافة الإيديولوجية . لقد كان يهدف الى إلغاء ممارسة ثقافية فردانية برجوازية ، من اجل ممارسة جماعية ، من اجل الحزب كمثقف عضوي جماعي للبروليتارية . ان تاريخ الإنسانية الثقافي ، هو تاريخ الصراع الإيديولوجي بين الطبقة السائدة ، والطبقة المناوئة لها . وفي هذا المجال سيكون للأحزاب الثورية ، والتقدمية ، والديمقراطية ، وظيفة هامة في إنتاج الإيديولوجية ونشرها . 21 ) مكانة الحزب في التراث الماركسي : بالرجوع إلى التراث الماركسي ، سنجد أن مسألة الحزب احتلت مكانة خاصة وأساسية ، لأنه هو الأداة الثورية الوحيدة القادرة على تنظيم الجماهير ، وكل القطاعات ، من عمالية ، وفلاحية ، وطلابية ، وما إلى ذلك من القطاعات المكونة للشعب . فمن وجهة التفسير الماركسي اللينيني ، لا بد من نضال سياسي يستلزم تشكيل حزب سياسي ، باعتبار ان الحزب الشيوعي ، هو الحزب الطبقي للبروليتارية . أما لينين ، فقد كانت إسهاماته ، نظريا وعمليا ، في تحديد مفهوم الحزب ذي الطراز الجديد ، تطويرا وإغناء للنظرية الماركسية عن الحزب ، اعتمادا على خبرة الحركة العمالية في روسيا . وقد أكد لينين ان الحزب الشيوعي هو الطليعة الثورية للبروليتارية ، وهو الفصيلة الواعية والمنظمة ، إذ لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية . كما أكد على أهمية التنظيم ، فالحزب هو أعلى ، وارقي أشكال التنظيم الطبقي للبروليتارية ، وهو يقوم على مبدأ المركزية الديمقراطية ، كما انه أممي في طابعه ، وجزء من الحركة الشيوعية العالمية . أما ستالين فقد قال بخصوص الحزب ، انه لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسألة التنظيم . وانطلاقا من الخصوصية الايطالية ، سنجد انطونيو غرامشي يصف الحزب بالمثقف العضوي الجماعي . انه الجهاز الأمثل الذي يجسد عمليا مفهوم المثقف العضوي ، والذي يربط المثقف أكثر من أي تنظيم آخر ، وبصفة عضوية ، بطبقة اجتماعية معينة . وهو التنظيم الطبقي الذي يسعى الى ممارسة الهيمنة الثقافية والإيديولوجية ، وبالتالي للاستيلاء على السلطة . فالحزب إذن ، هو المنظم لطبقة اجتماعية ما ، والمعبر عنها . انه الممثل الحقيقي لها ، وهنا يميز غرامشي بين ، ما يسميه بالحزب السياسي ، والحزب الإيديولوجي . إن الأول يعني به الحزب كتنظيم عملي ، او أداة لحل مشكلة الحياة الاجتماعية ، والثاني يقصد به الحزب كأيديولوجيا عامة . اي مُجْمل التنظيمات الفكرية الإيديولوجية التي لا تكون تابعة لحزب سياسي خاص ، ولكنها مرتبطة بطبقة اجتماعية ما . وفي نظر غرامشي ، لا بد من توفير ثلاثة شروط لتشكيل حزب نموذجي : أولا – التجانس الإيديولوجي بين فصائل الحزب الثلاثة ( القادة المناضلون ، المتوسطون ، والقواعد ) . ثانيا – التعبير عن مطامح البروليتارية . ثالثا – انصهار مختلف الفصائل التي تكون الحزب ، في كتلة واحدة ذات طابع مونوليتي .اي مقدود من صخر واحد . وقد ألح غرامشي أيضا على مفهوم المركزية الديمقراطية . 22 ) في الاستراتيجية الثورية لقيادة الصراع في المجتمع : ما ان تتكون القوى الثورية من وسط الشعب المنتفض الثائر ضد النظام القائم ، حتى تبادر الى تحديد استراتيجيتها ، التي تعني تحديد مسار مرحلة ثورية كاملة . كما تعتمد الى صياغة برنامجها السياسي ، الذي يحدد البعيد ، والاهداف المرحلية القريبة ، إضافة الى معسكر الثورة التي تكون قد اندلعت وشقت طريقها بإصرار، ومن دون رجعة حتى تمكن الشعب من الحكم ، ومعسكر أعداء الثورة الذين هم أعداء الشعب .. وفيما يخص البرنامج السياسي الصحيح ، فانه يوفر الوضوح الفكري للقوى الثورية المنتفضة ، ويسير بها في الطريق السليم نحو تحقيق اهداف الثورة . تُعرّف الاستراتيجية الثورية الخط السياسي العام ، واتجاه الضربة الرئيسية للطبقات الثورية المنتفضة ، في مرحلة ثورية معينة ، وتحدد موقع الطبقات الثورية للتمييز بينها ، وبين الطبقات الرجعية الارتدادية في الوسط الاجتماعي ، الذي يغلي شوقا وحبا في الثورة . وتجري ترتيبا سليما للقوى الاحتياط الرئيسية والثانوية ، والنضال في سبيل تحقيق البرنامج طوال تلك المرحلة الثورية . وتركز استراتيجية الثورة للوصول الى السلطة التي لا بد ان تكون سلطة ثورية ، على دراسة مهام الحركة الثورية في مجملها ، ومعالجتها ، مع توجيه الضربة الرئيسية للثورة المضادة ، ضد أسس المجتمع القديم وبنيته العليا .. والمسألة الاستراتيجية الأكثر أهمية ، هي جذب الجماهير وطلائع الشعب المطحون العريض الى الكفاح ، أولا ، بكسب الأغلبية الى صف الثوار المنتفضين ضد النظام الدكتاتوري . وثانيا ، بحشد الجماهير العاملة غير البروليتارية ، حول الطبقة الثورية . فأحزاب الكتلة التاريخية الثورية تمر في تاريخ تطورها بمرحلتين : الأولى تكوين التنظيمات من قلب الانتفاضة ، وكسب الطبقة المنتجة لتعطيل الاقتصاد . والثانية ، تتضمن كسب جماهير العمال ، والفلاحين ، والحرفيين ، والطلبة ، والفقراء المتنورين ، وليس البلطجية والشمكارة ، الى صف كتلة التنظيمات الثورية التي تكون تقود الانتفاضة . وفي الوقت الذي يضمن الوعي بالاتجاه الاستراتيجي تحقيق الهدف الثوري بمعاناة اقل ، ومدى زمني اقصر .. فان عدم الوعي بالاتجاه الاستراتيجي يورث البلبلة ، ويلحق خسائر فادحة بمعسكر الثورة الخارج من قلب الانتفاضة ، بسبب سقوط هذا المعسكر في أي من الانحرافين : اليميني او اليساري . والنضال الثوري عمل دائب ، بعيد النظر ، واسع الأفق ، طويل النفس ، يضع التكتيك في خدمة الاستراتيجية . أما ثوريو البرجوازية الصغيرة ، فنظرهم جد قصير ، افقهم ضيق ، متبرمون ، ساخطون ، وغالبا ما تكون مواقفهم مجرد ردود فعل لمواقف العدو ، وليست افعالا اصلية . اما حماستهم فسطحية ، اقرب الى الغضب والحمق . لذلك فهم يلجئون الى الاعمال الانتحارية ، دون مراعاة الظروف الموضوعية والذاتية معا . متوهمين ، بان هذه الاعمال قادرة على تغيير النظام الدكتاتوري بالضربة القاضية .. والملاحظ ان هؤلاء ( الثوريون ) شديدو الولع باللغط الثوري ، الذي لا يضع للظروف أي اعتبار ، ولا للتغييرات التي تستجد كل لحظة . ان النضال يمكن ان يأخذ مجرى ثوريا ، ويكسب طابعا جماهيريا ، فقط اذا ما حافظت القوى الثورية على دورها القيادي ، واستقلالها الطبقي ، وتحالفاتها العريضة الصحيحة . وعلى القوى الثورية ان تخوض نضالا أيديولوجيا ، بلا هوادة ، ضد الفوضوية ، والتطرف اليساري ، والانتهازية اليمينية في آن . ان القيادة الثورية هي قيادة استراتيجية ، ومهمة القيادة الاستراتيجية ، هي استخدام جميع القوى الاحتياطية ، المباشرة وغير المباشرة ، بشكل صحيح ، لتحقيق الهدف الأساسي من الثورة في المرحلة المعينة من تطورها . وتنحصر شروط الاستخدام الصحيح للقوى الاحتياطية فيما يلي : أولا . مركزة القوى الرئيسية للثورة ، في اللحظة الحاسمة ، على اضعف نقطة لدى العدو ، عندما تكون الثورة قد نضجت ، والهجوم يسير على اشده ، والانتفاضة تدق الأبواب . ثانيا .اختيار اللحظة الحاسمة للضربة الحاسمة ، اللحظة المناسبة للثورة التي قد تصبح مسلحة ، في المرحلة النهائية من الثورة للقضاء على جيوب مقاومة النظام . وهذه تحصل في اللحظة التي تكون فيها الازمة قد بلغت ذروتها ، وتكون الطليعة مستعدة للقتال حتى النهاية ، وتكون القوى الاحتياطية مستعدة لتأييد الطليعة ، ويكون الارتباك على اشده واقصاه في صفوف الخصم العدو . ثالثا . بعد اتخاد الاتجاه ، والسير فيه بلا وهن ، رغم الصعوبات ، والتعقيدات التي تبرز على الطريق المؤدية الى الهدف ، وذلك لكي لا تضيع الطليعة الهدف الأساسي للنضال ، ولا يغيب هذا الهدف عن ناظريها ، ولكي لا تتوه الجماهير على الطريق في سيرها نحو الهدف ، وفي سعيها للمجتمع حول الطليعة . واغفال هذا الشرط يؤدي الى خطأ خطير يعرفه البحارة باسم فقدان الاتجاه . La perte de la boussole . رابعا . المناورة مع القوى الاحتياطية ، بشكل يمكن معه التراجع بنظام ، عندما يكون العدو قويا ، وعندما يكون التراجع امرا لا مفر منه ، وعندما يكون من غير المفيد ، بشكل واضح ، قبول المعركة التي يريد النظام ان يفرضها ، ويصبح التراجع ، نظرا لميزان القوى ، الوسيلة الوحيدة لتجنيب الطليعة الضربة التي تهددها ، وللاحتفاظ بالقوى الاحتياطية ، وابقاءها الى جانب الطليعة . ان الغاية من استراتيجية كهذه هي كسب الوقت ، واضعاف معنويات العدو ، وحشد القوى للانتقال بعد ذلك الى الهجوم . أمّا القيادة التكتيكية ، فهي جزء من القيادة الاستراتيجية ، خاضعة لمهماتها ومقتضياتها . ومهمة القيادة التكتيكية ، هي هضم جميع اشكال نضال الطبقات الثورية في المجتمع ، ابان الانتفاضة الثورية ، وتأمين استخدامها الصحيح للحصول ، ضمن توازن معين للقوى ، على الحد الأقصى من النتائج ، الضروري لتهيئة النجاح الاستراتيجي . اما شروط الاستخدام الصحيح لأشكال نضال القوى الثورية العاملة ، واشكال تنظيمها . فهي : ا – ان توضع في المقام الأول ، اشكال النضال والتنظيم التي من شأنها – لكونها ملائمة اكثر من غيرها لشروط المد والجزر في الحركة – ، ان تسهل ، وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية ، تسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة ، وتوزيعها على هذه الجبهة الثورية . فليست القضية انْ تدرك الطليعة ، استحالة الاحتفاظ بالنظم القديمة ، وضرورة قلبها والقضاء عليها . بل القضية انْ تدرك الجماهير العريضة هذه الضرورة ، وان تبدي استعدادها لتأييد الطليعة في هذا المضمار . لكن ذلك لا يمكن ان تدركه الجماهير الا بتجربتها الخاصة . ان القضاء على النظام الدكتاتوري المفقر للجماهير، امر لا مفر منه اذا توافرت بعض الأسباب الاستراتيجية ، المهددة لوحدة التراب مثلا .. وتقديم أساليب نضال تسمح للجماهير بان تدرك ، بصورة اسهل ، وبالتجربة ، صحة الشعارات الثورية . وتلك هي القضية الأساسية في العملية الثورية . 2 – الوعي ، وفي كل لحظة ، بأهمية العثور على سلسلة التطورات ، على الحلقة الرئيسية التي انْ شددناها ، نشد السلسلة كلها ، ونقرب ساعة الصفر . فالمهم هو ان نجد بين مهام الحركة الثورية القائدة للجماهير المنتفضة ضد الدولة الظالمة ، تلك المهمة الملحة التي يشكل حلها النقطة المركزية ، والتي يضمن إنجازها حل المهام المباشرة الأخرى ، حلا ناجحا . ومعروف ان الاستراتيجية تتغير كلما انتقلت الثورة من مرحلة استراتيجية الى أخرى ، ومع ثباتها طوال كل مرحلة من هذه المراحل . ويمر الكفاح الثوري المجتمعي المعاصر ، بثلاث مراحل استراتيجية ، لا بد من مراعاة الخطوط الفاصلة بينها ، لتجنب مخاطر القفز ، بالمغامرة ، من مراحل حتمية . وهذه المراحل هي : الأولى ، وفيها يجري الكفاح ضد الاقطاع ، والقهر المسلط من قبل النظام ، من اجل إقامة الدولة الديمقراطية الشعبية . والثورة هنا تكون ثورة وطنية ديمقراطية ، معادية للإقطاع وللإمبريالية ، وتتطلب إقامة كتلة تاريخية ثورية ، او جبهة وطنية ثورية ديمقراطية .. اثناء سريان الانتفاضة الشعبية .. والثانية ، وتبدأ مع تطور الطبقات الثورية ، ونمو قوتها وازدياد نفوذها ، وبعد ان تكسب الى صفها الجماهير شبه البروليتارية في المدن ، والمداشر ، والبوادي . عندها يبدأ الكفاح من اجل تحقيق الثورة من اجل الدولة الديمقراطية ، بضرب الاحتكارات ، عن طريق تحقيق تحالفات عريضة معادية للاحتكار . والثالثة ، تبدأ مع انتصار الثورة الديمقراطية ، وتتضمن تطوير سريع للاقتصاد ، والتفوق على الرأسمالية العالمية في المنافسة الاقتصادية . وهو امر من شأنه التعجيل في نهاية الرأسمالية في الأقطار المختلفة . وتتميز كل مرحلة من المراحل الاستراتيجية بمحتواها السياسي ، وبتوازن خاص للقوى ، وبتطور معين لمستوى نضوج الوضع الثوري . ولا بد ان نشد هنا على ضرورة تعريف المراحل الاستراتيجية ، كل على حدة ، وبوضوح . مع تمييز الأهداف المحددة لكل مرحلة ، وتحديد ايّ الطبقات مؤهلة للنضال الثوري من اجل هذه الأهداف ، وانتقاء الأساليب والاشكال النضالية التي يمكن ان توصل الى الأهداف العاجلة والآجلة للمرحلة . وبمعنى اخر ، فان القوى الثورية مطالبة بتعريف خطها السياسي لمرحلة استراتيجية كاملة ، والذي تؤسسه على تحليل علاقات القوى الطبقية المحلية ، وتعنى بحل المسائل الرئيسية لتلك المرحلة . وفما يلي نقدم المسائل الأساسية التي لا بد من معالجتها ، في برنامج سياسي ، لتحقيق الأهداف السياسية للنضال : = تحديد طبيعة المرحلة الاستراتيجية . = تعريف الهدف الاستراتيجي ، الذي يتم السعي لتحقيقه . = ترتيب الأهداف المرحلية والعاجلة ، والتي من شأنها حشد المزيد من الجماهير حول البرنامج الثوري لقوى الكتلة التاريخية الثورية ، او الجبهة التقدمية الديمقراطية الثورية ، وبرنامجها قبل الوصول الى الهدف الاستراتيجي النهائي . كما ان تحقيق تلك الأهداف المرحلية من شأنه تقريب المسافة الى الهدف الاستراتيجي الاسمى . = تحديد قوى معسكر الثورة والقوى الحليفة ، وأسلوب حشدها حول الجبهة ، او الكتلة التاريخية الثورية .. Le bloc révolutionnaire . ويستحيل التحديد الصحيح للبرنامج السياسي الثوري للجبهة او الكتلة ، وكذا توجيه النضال الجماهيري بنجاح ، دون استيعاب كامل ، وفهم واضح لأسس ومبادئ النظرية الثورية ، ودون معرفة صحيحة بالقوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي ، ودون استيعاب اتجاهات التطور . وسيسهل استيعاب وتمثل قوانين التطور الاجتماعي ، على الجماهير والشعب المنتفض ، والذي يغلي ، والجبهة او الكتلة ، إدارة الكفاح بفعالية اشد ، والتبوّء باحتمالات المستقبل ، وامتلاك الرؤية الواضحة . ومن دون هذا الاستيعاب ، فان القوى الثورية التي ستنبثق من وسط الحشود المنتفضة ، ستنزلق الى المغامرة السياسية الفوقية ، وتنعزل عن الشعب والجماهير . ب – القوى الثورية في البلدان المجاورة . ج – الحركة الثورية في دول المحور . + التطرف اليساري والانتهازية اليمينية : بالرجوع الى التاريخ ، وبالضبط الى تاريخ التنظيمات اليسارية المتطرفة بعناوين مختلفة ، سنجدهم يولون أهمية كبرى للعامل الذاتي . اذ بمجرد النجاح في بلورة وتكوين التنظيمات الثورية ، يبادر هؤلاء المتطرفون الذين تتحكم في سلوكياتهم النزوات الاندفاعية والمغامرة ، الى تبني خططا هجومية ، دون مراعاة لعنصر استعداد الجماهير للنضال والتضحية . كما ينكرون الحاجة الى العمل السياسي الرزين المنظم ، والدؤوب . ويستصغرون شأن النضالات المطلبية البسيطة للعاملين جميعا ، ويكتفون أحيانا ، بممارسة الدعاية ، بينما لا يقدرون حاجة الجماهير الى الخبرة السياسية ، لتتحرك وتنتقل الى المواجهة ، وتكشف عن قدراتها الذاتية المبدعة والهائلة . ويكتفون في أحيان أخرى ، بترديد ورفع الشعارات الثورية ، ويرفضون التراجع المؤقت ، او حتى الموقف الدفاعي ، او المواقف التوفيقية الاضطرارية ، حين تكون الثورة في انحصار . كما يعتمدون في أحيان ثالثة ، أسلوب تخطي مرحلة تاريخية ، والقفز عليها ، وتحقيق الثورة بالقرارات الإدارية والمسطرية . ويقسمون الاشكال المتعددة للنضال بين أنماط ثورية وأخرى غير ثورية . ويبخس ويزدري هؤلاء المتطرفون اليساريون التحالفات ، ويريدون في الحال مجتمعا ليس فيه غير الثوار اليساريين دون غيرهم . أي مجتمعا يسمونه نقيا ، وخاليا تماما من البرجوازية . أي يريدون مجتمعا حسب الطلب . أمّا الانتهازيون اليمينيون ، فبخلاف اليساريين المتطرفين ، فهم يتجاهلون الوضع الثوري ، واللحظة الثورية التي يكون فيها المجتمع خلال فترة من تاريخ المواجهة ، ويتنكرون للأهداف الاستراتيجية للقوى الثورية ، في الوقت الذي يكرسون جهودهم للتكتيك وحسب ، وللتنازلات المتوالية ، للتفريط في المكتسبات . وباختصار تعمل الانتهازية اليمينية للإصلاح وليس للثورة ، لترميم النظام السياسي ، لا لتغييره تغييرا جذريا . ان الانحراف اليساري هو ظل الانتهازية اليمينية مقلوبا . وجوهر الانعزالية اليسارية هو عدم الثقة في الجماهير ، والعجز عن الاندماج وسطها . والفروق والتباينات بين التطرف اليساري ، والانتهازية اليمينية ، شكلية . فتوافقهما يأتي من كونهما يخطئان الحل السليم . انهما يتوالدان ، اذن ، من بعضهما ، وكل منهما يؤدي الى الآخر ، ويسنده ، ويرعاه .وتحالفهما يفرض نفسه ، بسبب طبيعتهما العميقة . وهكذا من الناحية السياسية تتماس الأطراف . وهنا ينطبق تشبيه الزعيم الوطني الديمقراطي الصيني ، صنْ ياتْ صنْ ، الذي يرى في المواقف السياسية دائرة وليست خطاً مستقيما ، مما يجعل نقطة اقصى اليسار فيها تقع فوق اقصى اليمين . وهكذا ، بينما ينطلق الاتجاه الثوري ، دائما ، من المنهجية والنظرية ، من اكثر المفاهيم نضجا ليعود الى التطبيق ، نرى الانتهازية اليمينية تنزلق الى الانتقائية ، في حين يميل المتطرفون اليساريون الى التقريرية . إذن الخلاصة : -- توفر الاستراتيجية والبرنامج السياسي الصحيحين ، والوضوح الفكري للقوى الثورية المكونة للجبهة الوطنية التقدمية الثورية ، او المكون للكتلة التاريخية الثورية ، وللجماهير الثورية المنتفضة عامة .. وهذه القوى ستنبع من قلب الجماهير عندما تكون تنتفض انتفاضاتها للمطالبة بحقوقها ، وهي الانتفاضة المنتظرة التي قد تتحول الى اتجاهات مختلفة في بناء الدولة الديمقراطية ، دولة العدالة ، والحق ، والقانون ، والحرية ، والمساواة " حرية ، عدالة ، مساواة " . -- الاستراتيجية هي تحديد مسار مرحلة ثورية كاملة ، هي الخطة ، هي الهدف البعيد ، هي الثابت والمتحرك ، هي لسياسة المدى الطويل . -- ومن اجل امتلاك الجبهة القدمية ، او الكتلة التاريخية الثورية برنامجا سياسيا صحيحا ، فان عليها وضع الأهداف المحددة نصب اعينها ، على أساس المرحلة الاستراتيجية التي تمر منها البلاد ، ومستوى تطورها الاقتصادي ، ومدى النضج الاجتماعي ، والسياسي ، والثقافي للشعب وللجماهير المدفوعة للثورة من اجل حقوقها ، وميزان القوى الطبقي ، والتقاليد الوطنية .. وما الى ذلك .. -- لابد ان يسبق تحديد الاستراتيجية ، وصياغة البرنامج السياسي ، جمع المزيد من المعلومات الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية في البلد ، وتعزيزها بأكبر قدر ممكن من الأرقام والإحصاءات ، واستقراء هذه المعلومات والأرقام ، لاستخلاص النتائج التي تمكن الكتلة التاريخية ، او الجبهة التقدمية من تحديد استراتيجية صحيحة ، وصياغة برنامج سياسي سليم . -- اذا كانت المرونة مطلوبة في مجال التكتيك ، فان الحسم هو السلوك الثوري الوحيد ، ازاء الأمور الاستراتيجية . والمرونة فيما يخص الأهداف الاستراتيجية ، هي التفريط بعينه . -- يكتفي الانتهازي اليميني بتحقيق الأهداف التكتيكية ، ويسقط الهدف الاستراتيجي من حسابه تماما ، في حين يستهين المتطرف اليساري بالأهداف المرحلية ، ويعمل لتخطيها والقفز فوقها ، مما يفقد الجبهة التقدمية الثورية ، او الكتلة التاريخية الثورية اية فرصة في التقدم ، ويسقطه شهيد شعار كل شيء او لا شيء . اما المناضل الثوري الحقيقي الذي يوازن بين الاستراتيجية والتكتيك ، فيرى في تحقيق الأهداف التكتيكية ، مجرد خطوات ضرورية ، تقربه من الهدف الاستراتيجي ، الذي لا يجب ان تغفو عنه العين لحظة واحدة . أي السيطرة على الحكم لبناء الدولة الديمقراطية التي هي دولة الشعب المفقر ، المبنج ، والضائع التائه . كانت هذه شذرات سياسية ، في رسم خواطر سياسية ، في الثقافة السياسية ، كتبناها كمثقفين سياسيين ، على أوراق دفتر خلال مراحل متعاقبة ، وتستحق قراءة تحليلية عميقة ومتأنية .. خاصة بعد خطاب الأمير ، الامام ، السلطان ، التاريخي الذي اعترف فيه بفشل نموذجه التنموي ، الذي هو اعتراف وبفمه المليان ، وبعظمة لسانه ، بفشل نظام حكمه ، لان كل تنمية هي سياسة .. ومنذ ذاك الخطاب التاريخي ، والوضع الاقتصادي والاجتماعي في السلطنة ، نحو الافول . فهل المغرب مغربنا نحن الشعب ، ام ان المغرب مغربهم ، وهم المعادين الكارهين للشعب .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستستعمل روسيا السلاح النووي للتغطية على الهزيمة في اكراني
...
-
هل رفضت الامم المتحدة اعتراف الدولة الاسبانية بمغربية الصحرا
...
-
حرية ، عدالة ، مساواة .
-
تفكيك مراحل تطور الدولة السلطانية البتريركية .
-
البرلمان الاسباني .
-
الى الضابط السابق في الجيش الملكي ، المعارض لمغربية الصحراء
...
-
11 ابريل 2007 - الحكم الذاتي - .
-
المعارضة في الاسلام
-
هل سيكون للرسالة الشخصية - لبيدرو سانشيز - رئيس الحكومة الاس
...
-
اهم مصطلح ساد في السبعينات اسمه - الانفتاح والاجماع -
-
زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى الرباط ، والى الجزائر العاص
...
-
هل يجري اعداد حلف ضد ايران ؟
-
الحكم الذاتي
-
رسالة رئيس الوزراء الاسباني ، الى السلطان العلوي محمد بن الح
...
-
رعايا السلطان المعظم ، يتدورون الفقر ، والفاقة ، والجوع ، بس
...
-
لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود
...
-
ذكرى ثورة فشلت حتى قبل اطلاق الرصاصة الاولى مع برنامج الحركة
...
-
التحالف الطبقي السلطاني
-
الاحكام البولسية للدولة السلطانية .
-
رئيس الحكومة الاسبانية السيد - بيدرو سانشيز - يستقبل ابراهيم
...
المزيد.....
-
هل يضغط ترامب على مصر والأردن لتنفيذ خطته بشأن غزة؟ حسام زمل
...
-
نتنياهو يجيب على سؤال -هل وجود الجيش الأمريكي ضروري- لتطبيق
...
-
زملط معلقًا على مقطع لترامب حول ضم الضفة الغربية: يتعين علين
...
-
السجن لجندي إسرائيلي أساء معاملة فلسطينيين في سجن -سدي تيمان
...
-
شاهد.. هدية نتنياهو لترامب تخليدا لذكرى هجوم إسرائيل على لبن
...
-
بعد خطاب ألقته من المنفى.. متظاهرون يهدمون منزل رئيسة وزراء
...
-
-غزة أرضنا ولن نرحل-.. فلسطينيون في دير البلح يحتجون على تص
...
-
ضربة موجعة للصين: بنما تتخلى عن -طريق الحرير- لإرضاء ترامب
-
سلسلة زلازل تضرب جزيرة سانتوريني في بحر إيجة
-
مسؤول عربي كبير يحدد طريقة إفشال مخطط تهجير سكان غزة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|