أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام علي - دقيقة صمت.. رجاء














المزيد.....


دقيقة صمت.. رجاء


حسام علي

الحوار المتمدن-العدد: 7232 - 2022 / 4 / 28 - 08:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فوق ركام تلك المنازل، كان الاطفال يقفزون مرة هنا ومرة هناك. ولما كانوا يريدون اللعب، لم يكن أمامهم غير ان يلعبوا بما خلفته تلك الغارات الوحشية الهمجية من حطام أو أجسام غريبة لم يشاهدها هؤلاء الأطفال المساكين، من قبل. فحتى لعبهم الحقيقية قد دمرتها قنابل العدو.
في ذلك اليوم، بعد أن ارتفع صوت الغارة الجوية التي أرعبت الكل إيذاناً باقتراب طائرات العدو نحو سماء المدينة. راح الجميع يسابقون الخطى للوصول الى الملجأ قبل أن تصل الطائرات، تلك الطائرات التي عودتهم أن تقصف بعشوائية ودون تمييز بين هدف مدني أو عسكري. حتى المدارس والمستشفيات لا تنجوا من هجماتها.
انتبه في تلك اللحظة، عماد، الى صوت أبيه المرتعب وهو يناديه، أسرع يا عماد أسرع، أترك اللعب الآن وهلم معي الى الملجأ. ألا تسمع صوت الغارة الجوية. وفعلاً ترك عماد وباقي رفاقه اللعب وتوجهوا مسرعين الى الملجأ بصحبة ذويهم الذين لحقوا بهم أيضاً.
كان عماد في كل لحظة يتأخر فيها قليلاً عن أبيه، يصرخ أبوه به لكي يعجل في خطواته لئلا يبدأ القصف. فيقول له: هيا يا عماد، هيا يا بني، أسرع في خطواتك أكثر. لكن عماد .. الطفل المسكين لم يكن بيده حيلة، إلا أن يجبر نفسه على الركض أسرع تلبية لطلب ابيه.
في ذلك اليوم، لم يشأ القدر أن يبتسم مرة أخرى للاثنين، بعد ان تعود عماد وأبوه الوصول الى الملجأ والاختباء فيه في الوقت المناسب. لأن القصف العشوائي قد بدأ، وهذه المرة، سقطت قنبلة قرب عماد وأبيه، وماهي إلا لحظات حتى انتشرت الشظايا هنا وهناك، بلمح البصر.
لم يدرك عماد ما حصل بالضبط، سوى أنه لا يزال يتذكر أن أبيه قد احتضنه بأسرع من لحظة انتشار الشظايا، لقد كانت كلتا يدي أبيه تلتفان حوله ورأس أبيه يغطي رأسه، استمر القصف العشوائي فترة تحليق طائرات العدو طويلاً في سماء المدينة، كانت الاجواء مخيفة ومرعبة، لم يدر بخلد أحد ماذا سيجري له أو ما سيجري للآخرين، الكل كان ضحية لتلك الغارة اللئيمة، والكل كان متهيئا ومستبسلاً لأن يكون هو الشهيد المنتظر، فليس باليد حيلة سوى ذلك ولم يتبق من مفردات الكلمات لهم سوى بعض منها، قليلات. طائرات تقصف وأحياء تنتظر المصير، وبعد أن نفذت تلك الطائرات فعلتها الوحشية، ساد بعدها صمت طويل، كانت المدينة بحاجة إليه، وظل الناس الذين لم يسعفهم الحظ لدخول الملجأ، ظلوا بانتظار أن يتأكد لهم خلو السماء من تلك الطائرات تماماً، مثلما كانوا يتأكدون بعد حين خلو أجسادهم من شظايا الانفجارات.
وبعد برهة، فتح عماد عينيه، فوجد أباه وقد تراكمت فوقه الأتربة وبعض الاحجار الصغيرة. همس باذنه وقال بصوت الخائف المرتبك: أبي، أبي، ممكن أن تنهض، فجسمك ثقيل، وأنا لا أكاد أتنفس. ولكن عماد لم يسمع جواب أبيه، فأعاد عليه رجاءه وطلب منه أن يتركه ينهض هو على الاقل، لكن الجثة بقيت هامدة على صدر عماد، أدرك عماد شيئاً، فحاول أن يبعث في نفسه الثقة والطمأنينة من جديد، فقال: يا ابتاه .. ألا تنهض، فصدري لا يحتمل وزنك، أيضاً لم يأت لعماد جواباً. وبعد أن فهم عماد وأدرك معنى صيحات نسوة كنّ على مقربة، استسلم للأمر الواقع، بدأت دموعه تنهمر وتتساقط شيئا فشيئا، حين وعده القدر، أن يبقى وحيداً في الحياة، هذه المرة !!
وهو يذرف الدموع، جالت عينا عماد يمينا ويسارا، صوب الابنية الأخرى التي دمرتها قنابل العدو، فشاهد الجثث الاخرى وقد غص بها الشارع، فتناول قبعته الصغيرة الزرقاء وحمل نفسه لينهض، لكنه وجد في ذلك صعوبة، لكن العزيمة والاصرار لدى عماد، جعلاه يقف على قدميه بعد أن حمل أبوه عنه ودفع به جانباً. وما هي إلا لحظات حتى طافت كل اطراف المدينة سيارات الاسعاف وسيارات الشرطة والاطفاء، وراح الرجال الشجعان، ينتشلون الجرحى الذين أصابتهم شظايا القنابل أولا، ثم الجثث التي انتشرت هنا وهناك. ولما جاء الدور لابيه، أذرف عماد دموعه كثيراً، لانها كانت اللحظة الاخيرة التي يشاهد فيها ابيه .. الشهيد.



#حسام_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تغير في الواقع دون تغيير في الوعي
- هذا ما يجري في العراق كل يوم !!


المزيد.....




- بأكثر من 53 مليون دولار.. مرسيدس تعرض سيارة سباق نادرة للبيع ...
- -مخطط لتهجير المواطنين-.. السلطة الفلسطينية تتهم إسرائيل بتو ...
- دور الصحافة بمكافحة -التضليل الإعلامي- في سوريا.. مسؤول في م ...
- مرتديا -ملابس الإحرام-.. أحمد الشرع يصل إلى جدة لأداء العمرة ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مستودعات أسلحة لـ-حزب الله- في ج ...
- هل يشهد لبنان أزمة مياه هذا العام؟
- نتنياهو في واشنطن لعقد -اجتماع بالغ الأهمية- يبحث المرحلة ال ...
- انفجار يستهدف مجمعا سكنيا فاخرا في موسكو ويوقع قتيلا وأربعة ...
- هجوم من ماسك وترامب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: - ...
- أكثر من 200 هزة أرضية تضرب -إنستغرام-.. اليونان تغلق المدارس ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام علي - دقيقة صمت.. رجاء