أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - المفتش يشرفنا















المزيد.....

المفتش يشرفنا


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7229 - 2022 / 4 / 25 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


موجة برد حادة تغشى دوار السبت هذا الصباح ، و المدرسة بلونها الكالح تبدو غارقة في الكآبة كالعادة ، كانت قطرات ندى الصباح تبلل وجهي وأنا أستحث الخطى نحو بنايتها التي تعبق بأريج الماضي المحيل على فترة الاستعمار الفرنسي فقد كانت هذه البناية مقرا إداريا للمستعمر، عندما ولجت بوابة المدرسة أسرع نحوي "با ميلود" مبتسما
وهو يقول:
-دعني أحمل عنك هذه القفة الثقيلة. سي عبد السلام ينتظرك
نظرت إليه بامتعاض وسلمته القُفة ، ثم اتجهت نحو مكتب المدير، استقبلني ضاحكا ، وعيناه الثعلبيتان تشعان ببريق ماكر ،طلب مني الجلوس بأدب مصطنع ثم قال :
-سي بشار شكرا لك على دعمك ، ستمر الأمور بخير والمفتش سيكون سعيدا خلال زيارته لنا.
لم أعلق ، اكتفيت بالنظر إليه ، وأنا ابتسم ،وتابع :
-حادةوطامو سَتُحضِران معهما لوازم الطّبخ ،وسَتُهيئان وجبة شهية تنال الرضى.
بدا لي المدير أشبه بشخصية خرافية ،في مسرحية عبثية ،يؤدي دوره بحرفية كبيرة ،دون أدنى هفوة ،جاء الزّملاء ،وقام المدير من مكانه مُحَيّياً وهتف بصوت جهوري:
-مرحبا بكم أتمنى أن نكون في مستوى الحدث صديقنا بشار كان موفقا في شراء ما يلزم..
وتدخلت حادة بصوتها ذي الرنة الأمازيغية قائلة :
-سيَمُر كل شيء على أحسن ما يرام وسنربح الرهان
وقال المدير معلقا :
-هذا ما فيه شك ، يمكنك الآن أنتِ وطامو الذهاب لإعداد وجبة الغذاء ببيتي ، زوجة الحارس وابنته ستقومان بمساعدتكما ، أما أنا وميلود فسنقوم بحراسة تلاميذكما.
على هذا انفض الجَمع ،وقمنا نحن بإدخال المتعلمين إلى قاعات الدرس ، وانصرفت حادة وطامو إلى مُهمتهما وهما سعيدتان، كان التلاميذ بِحسّهم الطُّفولي يستشعرون الحالة الغير العادية التي كانت تعيشها المدرسة ،لهذا لم تَتردد إحْدى التلميذات في توجيه السؤِال إليّ وأنا ألج القسم :.
-هل سيحضر المفتش اليوم يا أستاذ؟
رددت عليها وأنا أبتسم :
-نعم ولكن هذا أمر عادي وسنتابع حصصنا الدراسية كالمعتاد وقال تلميذ يجلس بالخلف:
-أستاذ هل المفتش رجل مثلك ؟
ضحك التلاميذ وقلت أنا:
-نعم إنه رجل وليس غولا
في الساعة العاشرة والنصف توقّفَتْ ببابِ المدرسة سَيّارة من نوع فيات 124،ورأيت الحارس "بّا ميلود" يهرول نحو السيارة ، يَتبعه المُدير ، ترجّل من السيارة رجل متوسط القامة يميل لون بشرته إلى السمرة يحمل محفظة جلدية سوداء اللون تبادل التحية مع المدير ثم اتجها نحو الإدارة ، مكثا لحظة ،- وكان هذا الوقت كافيا لتمر حادة وطامو إلى قسميهما ، وتَتَكَفّل زوجة الحَارس وابنتهُ ، بإتمام إعداد وجبة الغداء-
ثم غادرا الإدارةَ ، رأيتهمُا يَتَّجهان صوب قسمي ،بعد حين وجدتهما ، أمام باب القسم ، تقدمت نحوهما مبتسما ، قال المدير :
-سي الحسين مفتش المقاطعة لمادة اللغة العربية، السيد بشّار مدرس القسم الأول
مد المفتش يده مصافحا إيَّاي ،ثم دخل إلى حُجْرة الدَّرس ،قام التلاميذ ،رددوا بصوت واحد :" مرحبا بالزَّائر الكريم "
أشار إليهم بالجلوس ، ثم اِتجه نحو المكتب المهترئ ، جَرّ الكُرسي وجلس ، قدمتُ له المذكرة اليومية ، وسِجّل الحُضُور والغِيّاب ، ثم أشْرتُ إلى الإطَار الخَشَبِيّ المُعَلّق بالجِدَار ، وقلتُ:
-باقي الوثائق معلقة هناك أستاذ ، التَّوزيع السَّنوي ، التَّوْزِيع الشَّهري ، جدول الدِّراسة ، تَعَاوُنية القِسم ..
قاطعني مبتسما :
-نعم سأطلع عليها ، أين تحاضير اليوم ، دفعتُ أمامه ملفا أخضر اللّون
وقلت :
_هاهي أستاذ ، أما تحاضير الأسبوع فموجودة أيضا بالخزانة
فتح محفظته ، وأخرج مجموعة أوراقٍ ، وضعها على المكتب ، أخد قلما ، ثم فتح المُذكرة اليومية ،وقال وهو يشير إلى صفحة المعلومات :
- هل هذه المعلومات مُحَيّنة .
-نعم أستاذ

نقل المعلومات ، ثم نظر إلى جدول الحصص ،وسألني :
-ماهي الحصة المقبلة؟
رددت وأنا أفتح ملف التحاضير :
-الحصة الموالية هي حصة القرآن الكريم وبعدها حصة الفنون التشكيلية
رفع رأسه نحوي ثم أشار لي بيده وقال:
-تَفَضّل بإلقاء الدرس
فتحت السبورة ،على سورة الإخلاص ، نظرت إلى المتعلمين ، ثم بدأت بقراءة آيات السورة بصوت خاشع ، أحسست ببعض الاضطراب ، لكنني تابعت القراءة حتى آخِر آية ،اقتربت من أحد التلاميذ وأشرت له بالمسطرة التي كنت أحمل في يدي حتى ينتقل إلى السبورة ليقرأ الآيات المقررة ، لكنه قام بحركة مفاجئة ورفع يديه إلى أعلى كملاكم يريد أن يحميَ وجهه ،أسقطتُ في يدي ،وأصابني شبه غثيان ،لكنني تماسكت ، وأشرت إلى تلميذ أخر حتى يقوم بالقراءة ، لكن المفتش كان قد قام من مكانه وهَرول نحو الإدارة تحت أنظاري ، رميت المسطرة جانبا ولعنت الشيطان والتعليم والقسم والتلاميذ وقلت لنفسي بصوت مسموع " إنه زمن الإهانات فتحمّل يا بشار واكتم في نفسك الجريحة ، ذهب الامتياز أدراج الريح ، لكن لا يَهُم ، الخير فيما اختاره الله" .
عاد المفتش صحبة المدير ، وقفا أمام الباب ، قال المدير موجها كلامه إليّ :
-لحظة من فضلك سيد بشار نريد أن نتحدث إليك
غادرت القسم ملتحقا بهما قال المفتش بصوت غاضب :
-التلاميذ مَقموعون ، يسيطر عليهم الخوف والرعب ، الظاهر أنك تعاملهم بقسوة زائدة ، وهذا ستكون له نتائج وخيمة على نفسيتهم ،وكذلك نتائجهم الدراسية
تدخل المدير وهو ينظر إليّ مبتسما :
-أتعلم أن أحسن معلم عندنا في المدرسة سيدي المفتش هو السيد بشار قاطعه المفتش متهكما وتقاطيع وجهه تشي بتجهم واضح:
-يبدو أنك تسخر مني ،سيدي المدير
رد المدير بصوت جازم ، وهو يشير إليّ بيده حتى أبقى صامتا:
-حاشا سيدي المفتش أن أسخر منك ، فعلا السيد بشار يستحق هذه الصفة فلديه ثلاثة تلاميذ متخلفون ذهنيا ، وتلميذان مصابان بالتأتأة ويجدان صعوبة في النطق ، أما التلميذ الذي رفع يديه مغطيا وجهه ، فهو مصاب بمرض التوحد ، فهل هناك معلم يقبل بهذا الوضع ولا يستحق الشكر
كان كلام المدير يحمل الكثير من الصدق ، فرغم اختلافي معه في بعض التوجهات والرؤى فقد أنصفني .
نظر إليّ المفتش وقد انفرجت أساريره ثم مد يده لي مصافحا وهو يقول:
-تستحق الامْتياز إذن .
محمد محضار دجنبر 2016



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في انتظار الزائر الكريم
- قصة يمامة
- ليلة صيف ساخن
- طفل الأمس
- القمر الأسود
- كينكو
- سيدة الياسمين
- جراح الماضي
- رماد من نوع خاص
- خروج غير موفق
- رحلة حزن
- لحظة شرود
- لحظة تأمل
- المتشردة
- حكايات الطفولة
- قناديل الحلم
- سدّ االرمق
- تحت المطر
- صالح
- زمن الإشراق ..زمني


المزيد.....




- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - المفتش يشرفنا