أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - حرية ، عدالة ، مساواة .















المزيد.....



حرية ، عدالة ، مساواة .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7224 - 2022 / 4 / 20 - 17:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


امام توالي الانتكاسات والهزائم المدوية المتتالية ، وكأنّ عنوان تاريخنا الحديث هو الهزيمة ، بعد ان ضاعت وخان العرب فلسطين ، وبارك الحكام العرب القدس عاصمة ابدية للدولة الصهيونية ، وارتموا بدون مقدمات ، يطبعون ويباركون لآل صهيون ، هضمهم لكل فلسطين ، واراضي عربية لا تزال تحت الاحتلال منذ عام النكسة ، وعلى رأسها الجولان ..
وامام فشل جميع المشاريع الأيديولوجية التي تم تجريبها ، من قومية ، وقطرية ، ووطنية ، في تقريب الفجوة والمسافة مع الآخر المسيحي اليهودي ، الذي وظف الحداثة ، والتكنولوجية المغلفتين بتعاليم الكنسية الكاثوليكية ، والبروتستانية ، والدير اليهودي ....
اصبح الحديث يدور عن مشروع بديل ، يجمع بين العصرنة ، وبين التقليد ، بين الماضي وبين الحاضر ، بين ( القيم ) وبين التغريب ، بين التمايز والحق في الاختلاف ، وبين الانبطاح والاذعان لكل ما يأتي متناقضا من هذه الغرب ، الذي استعمرنا ، وتآمر علينا ، واذلنا ، ولا يزال يفعل افعاله اللعينة ، وما بدل تبديلا .. فمخططات احفاد سايكس و بيكو ، لا تزال تهدد اكثر من قطر وبلد ، في وحدته ، وفي هويته ، لمسخها وتشويهها باسم المدنية الغربية المفترى عليها .. فما يصلنا من المدنية الغربية مجرد القشور ، ولا تصلنا العلوم ..
ان هذا المشروع الذي لا يزال يراوح مكانه ، امام تغول مشروع الدولة السلطانية التي يجري تطبيقه بكل تروي ، وفي كل مرحلية ، ومن دون سرعة . لأنه مشروع ، وليس ببرنامج .. هو ما نطلق عليه وفي ظل الظروف الذاتية المتأزمة ، بمشروع النهوض العربي الإسلامي ، كبديل عن المشاريع التاريخية التي فشلت وأعلنت الهزيمة .. و كمشروع مواجه لمشروع السلطنة الذي يستهدف القيم ، والأخلاق ، والتربية . ويستهدف اصل المجتمع الذي هو المدرسة ، والاسرة الصغيرة . أي مشروع يستهدف كل ما هو اصيل .. وهذا مشاهد على الأرض ، ومن دون خشية من انتفاضة قد تندلع من اجل المجتمع ، والاسرة ، والقيم ، والمدرسة .. ناهيك عن السياسة الصحية التي تنخر اجسام الناس ، حتى تصبح عاجزة عن التحرك والحركة .. أي اجسام ميتة ..
إذن ماذا نقصد بالمشروع العربي الإسلامي كبديل عن المشاريع التي افلست ، وكواجهة لمشروع الدولة السلطانية الذي يجري تطبيقه في أرضية ، ومجتمع يرفضانه .
نعني بالمشروع الأيديولوجي العربي الإسلامي البديل ، نهوض العرب والمسلمين في مرحلة يمكن ان نعرفها ، بانها مرحلة الخروج من السيطرة الكلونيالية الخارجية ، التي استغرقت سنينا وسنينا .. ومن الجمود التاريخي الذاتي ، للدخول الى عصر تشكلت قسماته العالمية الأساسية ، في سياق الاحداث الاجتماعية والسياسية ، التي حصلت في الغرب المسيحي ( العصرنة ) ، ثم التغييرات التي عرفها الشرق ، على اثر الهبات ، والثورات التي قادتها شعوب تلك المنطقة من العالم ( المبادئ الإنسانية والكونية ) ، الى تفجر بلدان العالم الإسلامي بحركات الرفض ، والثورة ، والإصلاح .. مستفيدين من جميع الاختيارات ، ليبرالية ، اشتراكية ، قومية ، وطنية ، وإسلامية .
اعتقد الآن ان عنوان دراستنا هذه ، وفي ظل الأوضاع المتأزمة سياسيا واجتماعيا " حرية ، عدالة ، مساواة " ، تشكل القسمات الحضارية المشتركة ، لبناء اية دولة تجمع بين الجديد والتجديد ، وبين التقليدي والقديم ، وتجمع بين الحداثة ، وبين الاصالة الراعية للقيم ولنواميس المجتمع ، والتي تحترم خصوصياته في جانبها التقدمي ، وليس في الجانب الماضوي الرجعي .
اذن انطلاقا من هذه المسلمة التي تولدت لدينا بعد طول دراسة وبحث ، تكون قد تولدت لنا ملامح وتوجهات المشروع الذي نطمح اليه ، ونتركه للأجيال الحالية ، وللجيل القادم للتحضير والاستعداد لتنزيله ، طبعا اذا اقتنع به . لان الأجهزة الأيديولوجية للحاكم العربي تشتغل ليل نهار ، لطمس الخصوصية ، وتسفيه القيم والأصول ، والارتماء التام في المشاريع الإيديولوجية الهدامة ، التي ستتسبب في موجة لن تنتهي الاّ بالغرق في المشاريع الفاششية التي يُنظّر ويحظر لها ، باسم اسلام سياسي تجاري ، سيدفع الى الواجهة حكاما جددا ، وأصحاب نفود جدد ، وسارقون لثروة الشعب جدد ، ومهربين لتلك الثروة ، وبطرق احتيالية ماكرة الى خارج البلد .. ناهيك عن الجاه ، والنفود ، والطغيان ..
وبالرجوع الى التاريخ الحديث ، سنجد ان المشروع العربي الإسلامي ، مر بثلاثة ازمنة متناقضة ، ومبتذلة نلخصها كالآتي :
1 ) زمن المصالحة بين الليبرالية والاصلاحية الإسلامية .
2 ) زمن المد القومي العنصري ، والوطني الشوفيني .
3 ) زمن الصحوة الإسلامية التي لم تكن مباركة ، لان مخلفاتها تسببت في مآسي إنسانية فضيعة ، ودائما باسم الإسلام الحركي .
يلاحظ انّ أياً من هذه المشاريع الثلاثة ، لم يحمل في زمنه الخاص ، كل هذه التوجهات والقسمات الحضارية مجتمعة . بل لقد انفرد كل مشروع في التركيز الأحادي ، على جزء من هذه التوجهات ، واغفل الأجزاء الأخرى ، واعتبرها ثانوية وسلبية ، فكان الإهمال سببا في الفشل ، وفي الهزيمة .
يلاحظ في زمن الليبرالية والاصلاحية ، جرى التركيز على البرلمانية والدستورانية ، حتى أصبحت البرلمانية وليس البرلمان في نظر المقابلين ، مرجعية رجعية ، تركز على البرلمانية من اجل البرلمانية ، لتصريف الكلام ، والهاء العامة الجاهلة ، وتفويت الوقت ، وتعطيل النهوض ، او الاحتجاجات التي قد تنتهي بثورة تسقط أنظمة الحكم الدكتاتورية ، كما هو الشأن في الدولة السلطانية .
وفي المشروع القومي ، جرى التركيز على الاشتراكية الإنسانية San Simon ، التي أضحت مع مرور الوقت ، عبارة عن بيروقراطية دولة ، مفصولة عن القاعدة ، ومكبلة بتعدد المساطر والقوانين ، التي تحولت مع ظهور البوادر الأولى للفشل ، الى ترسانة قامعة ، لاجمة للحريات العامة ، ولحقوق الانسان . فساهم هذا الوضع في احداث الشرخ بين القمة الطاغية المريضة ، وبين القاعدة الجاهلة والمستلبة . كما كان سببا في جميع الهزات التاريخية المتوالية التي حصدها هذا المشروع . ولا اذل على ذلك ضياع فلسطين ، والقدس ، والجولان ، وفشل كل محاولات بناء الوحدة العربية الإسلامية ، التي تحولت الى كانتونات تحكمها مليشيات رجعية وظلامية .. وما الواقع السوري ، والعراقي ، والليبي ، واليمني ... لخ ، الاّ النزر اليسير مما يخفيه جبل الثلج العائم ..
اما في المشروع الإسلامي ، فقد جرى التركيز على الموروث الأيديولوجي الحضاري ، بتقديم الحاكم السلطان كطاغية في صورة شطيان ، الذي يبحث لنا عن الشر والهزيمة ، وادماجنا في منظومة تغريبية اباحية ، متناقضة مع القيم والأصول ، المميزة للشعوب والحضارات ..لقد تحول هذا النضال في جدول نضالات الإسلام السياسي ، الى ان اصبح عبارة عن نرجسية اكثر منه تقويما علميا ، لطبيعة المبادة التي يريدون غرسها في عقولنا . .. والأخطر ان أيا من هذه المشاريع ، لا يعترف لسابقه بفضل او ميزة ، حتى بدا ان كل مرحلة تكاد تبدأ من الصفر الذي لا يزال الجميع داخله . او تبحث لها عن اصل يعود الى تاريخها الخاص ، الذي تبحث عنه في حقبة ، او في اتجاه ، او في موقف ، او في نص من النصوص ..
اذن السؤال الذي يمكننا طرحه هو . هل هناك ثمة استراتيجية حضارية بديلة ، لكل الإخفاقات ، والهزائم ، والفشل التي طبعت تاريخنا المثخن بالجراع التي لا تندب ابدا ، وهو جراح سيزيد في تعميقه ، المشروع السلطاني الذي يجري تنزيله على قدم وساق ..
ان الجواب ، سيبقى دائما معلقا على أساس من الاقتناع ، انّ الاستراتيجية لا يبنيها كاتب ، او باحث ، او مثقف ، او مفكر . بل تبنيها إرادة وحركات الشعوب ، في نضالها ، وجهادها ، وعطاءاتها على كل المستويات .. فالفلاسفة والمفكرون ينظرون فقط للثورة ، والثوار السياسيون يقومون بها ، لأنها تهمهم ، في حين ان المنافقين والجبناء هم من يستفيد منها .
--- استقطابان منهجيان تجادبا المشروع العربي الإسلامي :
1 ) اتجاه يركز على منهج الثورة ، والعمل السياسي اليومي الدائم والمستمر .
ان لهذا الاتجاه منطقه ، ومبرراته ، وتحليلاته التي يمكن ان نقرأها عبر مفاهيم يزخر بها خطاب الثورة ، مثل مفاهيم التشديد على الجهاد ، والتغيير ، والرفض ، والمواجهة ، والكفاح المسلح ، ومباشرة العنف الثوري ، في مواجهة عنف النظام ، ومواجهة عنف الامبريالية .. الخ . كما ان لهذا المنطق مبرراته ، التي تستقي التجارب من التاريخ ، والاحداث ، حيث فشلت ثورات وتوقفت ، او تم اجهاضها .. وحيث تعبت قوى مناضلة فتخلت ، او استراحت .. كما ان له رؤيته التاريخية والمستقبلية ، التي تستلهم الثورات من التاريخ الإسلامي ، وتتطلع نحو استمرار الثورة ، حتى التغيير الشامل ، واحيانا حتى الحلم بتغيير العالم .
2 ) اتجاه يركز على بناء الدولة العصرية القوية . وما يزخر به هذا الخطاب من مفاهيم الانماء ، والمعاصرة ، والتحديث .
ان لهذا الاتجاه مبرراته المستقاة ، من التجارب التاريخية التي اثبتت أهمية المؤسسات ، والأجهزة ، والإدارات ، والخطط ، والبرامج .. للخروج من حالات التأخر والجمود الحضاري . أي الانخراط حاضرا ومستقبلا في النظام العالمي القائم . مطالب عصرنه الدولة وتحديثها ..
ان هذين التوجهين ، يحملان عنصر التداخل والتشابك ، على مستوى القوى السياسية ، والأحزاب ، والنخب ، والكتل الحاكمة . فبعض هذه القوى كانت تقول بالثورة ، وانتهت في حضن السلطة ، وغرقت في خطاب الدولة وتوجهاته .
وبعضها فهم الثورة من خلال مصالح الدولة . ولمّا كانت الدولة العربية والإسلامية قد أضحت دولة وطنية .. فان اختلاط المنظور الوطني والإسلامي ، اضح اختلاطا يشوبه الكثير من التوظيف السياسي ، لمصالح هذه الدولة او تلك .. إذ أضحت الأيديولوجية القومية ، كما الأيديولوجية الإسلامية ، ايديولوجيات دول تعبر عن مصالح وطنية لكل دولة في غالب الأحيان ، وانْ كان التوظيف قوميا او إسلاميا . ان الرؤية المتجاوزة لهذا الواقع المتأزم ، تدعو لإعطاء الأولوية لتحقيق هذه النزاعات الإنسانية الثلاث ، والتي يمكن تلخيصها بكلمات ثلاث : حرية ، عدالة ، مساواة في الدولة الوطنية ، وللامة على حد سواء .
--- ما هي اطراف المشروع العربي الإسلامي ؟ :
هناك ثلاثة اطراف في المشروع العربي الإسلامي .
-- الثورة بما هي طموح تغييري .
-- الدولة بما هي ضرورة اجتماعية .
-- الانسان بما هو عنصر الفعل والانفعال ، المتجاذب في هذا التغيير والإصلاح .
1 --- الثورة :
من المتعارف عليه عالميا ، ومن خلال التجارب الإنسانية المتنوعة .. فان كثيرا ما يقع أصحاب الثورة في الفوضى العارمة ، وفي اشكال من الرفض العدمي ، او المسلك النخبوي ، الاستبدالي ، او الحزبي .. وذلك على حساب نظام الجماعة ومصالحها ، وعلى حساب شورية الامة وشرعيتها . بل اكثر من ذلك ، تتحول الثورة من مبررات قيامها في سبيل الحرية ، والعدالة ، والمساوة ، الى نقمة ، ودكتاتورية ، واستبدادا ، وطغيانا ضد الاخر المعارض ، وفي غالب الأحيان يجري اللّجْم والقمع ، باسم الدفاع عن القدس وفلسطين ، او باسم الدفاع عن شرف الانتساب الى النبي ، او باسم الخصوصية التي ليست سوى انتهازية لسرقة ثروة الرعية . فيتحول الثوار الكتبة على حد تعبير مظفر النواب ، الى نخبة مستبدة قامعة ، تتكلم باسم الامة ، وباسم الشعب .. فتستبدلهما بحزبها ، وتحل محلها في تصريف شؤونها اليومية والمعيشية . استبدال الحزب عن الشعب ، واستبدال القيادة عن القواعد .. أي الانتهازية ، والعسكرتارية ، والحزبوية التوتاليتارية ، المجسدة للاستبداد ، والقمع بشكليه المادي والايديولوجي .
2 ) الدولة :
إن من أخطاء هذا التيار ، ان الواقفين وراءه ، يقعون في أحادية الرأي والمسلك . فيقمع الرأي والاجتهاد ، ويجرم الاختلاف السياسي كحق طبيعي مشروع في المجتمع ، بدل ان يتم حله حلا ديمقراطيا .
ان ضرورة ضبط التناقضات في المجتمع ، وغرائزه ، وباسم تجنب الفوضى مرة ، وتجنب الفتنة مرات بين افراده ، وجماعاته ، يعتبر ضرورة قسرية مشرعة للطغيان ، وللاستبداد ، والقمع ، واللجم ، ومصادرة الأصوات ، وخنق حركات الاحتجاج المشروعة ، وسلب الحريات . مع ان الضرورة لا تنفي الحوار ، والتحاور ، والجدل . ان النبوة القائمة على الوحي الإلهي ، التزمت منهج الحوار والجدل ، واكتفت وفقا للأمر الإلهي ، بمهمة النذير والبشير ، وامتنعت عن موقف السيطرة ، والتغلب ، والاستفراد بالراي .
فهل يمكن ان يحمل مشروعنا العربي الإسلامي ، الذي هو مشروعنا الحضاري الأصيل ، وليس مشروع الدولة السلطانية التغريبي المائع ، الغارق في الثقافة الصهيونية ، الذي يستهدف كل شيء جميل ، كالأسرة خلية المجتمع ، والأصول ، والدوق الرفيع ، والفن ، والتراث ، والمدرسة ، والصحة .. فهماً مختلفا لمسألة الدولة السلطانية في تراثنا ، ولمفهوم الدولة البيروقراطية الحديثة في عصرنا وحاضرنا ؟ .
فهل يمكن ان تتوازن العلاقات بين الدولة والمجتمع ، في صيغة مؤسسات لا يطغى فيها المجتمع بتناقضاته ، وبتوجهاته ، وبغرائزه المختلفة على الدولة ، فتنفجر الامة ، او الجماعة ، او الوطن ، ولا تطغى فيها الدولة بوحدانيتها ، وقسريتها على المجتمع ، فنقع في الاستبداد الذي نشكو منه ، او نسقط في أنظمة توتاليتارية مجرمة تبرع في جرائم قتل المعارضين ، وتبرع في جرائم سرقة ثروة الشعب ، وتهريبها الى الخارج ؟ .
انه تساؤل عمّا أصاب مختلف التجارب السابقة من انتكاسات ، عطلت مسيرة التنمية والديمقراطية ، وأنهت بالهزيمة التي كان الخاسر الأكبر منها ، الوطن ، والمواطن ، والشعب الذي تتقاذفه اليوم تناقضات الدولة السلطانية الناهبة ، والمفترسة ، والمستبدة الطاغية ، والأحزاب الحزبوية التي تتحرك لوحدها في الساحة ، مع العلم اننا نعيش زمن موت الأحزاب التنظيمية ، والأيديولوجية ، وفراغ الساحة منها .
3 ) الانسان وحقوق الانسان :
بمقارنة تاريخنا بتاريخ الغرب الاّاخلاقي العنصري ، المملوء حقدا ، ودماً ، وعنفا ، ومصادرة للثروات .. سنجد هناك عدة نصوص واحاديث ، تتحدث عن المساواة ، والتآخي ، وحقوق الانسان ، قبل ان تفطن لها التشريعات الغربية ، وتستعملها بشكل انتقائي غاية في المكر والتضليل .. فيدفع بنا هذا التراث من قيمنا وتاريخنا ، ومن دون ان نشعر انْ نحس بالزهو والراحة ، على اننا حقيقة كنا في يوم من الأيام خير امة أخرجت للناس ، وللأسف لم نعد كما كنا ، بفعل حكامنا اللصوص المستبدين ، الطغاة القامعين .
لكن ومن دون ان نشعر كذلك ، ننسى الانتباه الى ما يسمى بحقوق الانسان في الغرب اللاّاخلاقي ، في كيفية الاعتناء بمواطنيه ، بمنحهم المساواة في الاستمتاع بحقوقهم التي يعطيها لهم التاريخ النضالي للشعوب ، وتعيطها لهم القوانين ، وانْ كان كل ذلك يتم على حساب تعاسة الشعوب الأخرى ، التي تستنزف ثرواتها ليل نهار ، لتحقيق الرفاهية لشعوب العالم المسمى متحضر، وما هو في حقيقته ، الاّ همجي مفترس غير متحضر . لان الحضارة موروث وحضارة إنسانية ، وليست بشركات مفترسة ناهبة ، عابرة للقارات ..
اذا قمنا بمقارنة بسيطة بين قيمة الانسان عندنا وعندهم ، سنجد فروقا شاسعة في العديد من الخدمات الأساسية التي يجب ان يتمتع بها المواطنون ، كخدمات الصحة ، والتعليم المنعدمين ، والشغل ، والسكن اللائق ، وحرية الراي ، والتعبير ، والتنقل ... كما نجد فرْقا شاسعا في مستوى الخدمات التي تقدمها دول المحيط ، ومن بينها الدولة السلطانية مقارنة مع دول الغرب ، لمواطنيها ، ولرعاياها بالنسبة للدولة السلطانية .. اذ السؤال : كيف يمكن تجديد قيمة العمل في الإسلام ، على مستوى الفرد والجماعة معا ؟ . أي تخليق العمل بتحميل المسؤولية للمسؤول عن العمل . وهذا يعني ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وعدم الإفلات من العقاب ، ولو كنت ملكا ، او سلطانا ، او اميرا ، او رئيس جمهورية . أي حاكم .
انه باستثناء بعض الكتابات التي حصلت في الماضي ، ممثلة في ما كتبه محمد عبدو ، ومالك بن نبي ... تحض على العمل ، وقيمته ، واخلاقياته من وجهة إسلامية .. فان المشروع الإسلامي المتمثل في خطاب الدولة النرجسي ، او خطاب الثورة التحريضي على حد سواء ، قلما يُتنبه الى أهمية هذه القيمة في الإسلام ، فيسعى الى تجديدها نصا ، وسلوكا ، ونظرية . أي استدخالها في النفس كقيمة .
--- المشروع العربي الإسلامي في الدولة الوطنية ، والدولة القومية :
من خلال مختلف التجارب التي مر بها العالم العربي وحتى الآن ، لم تعد المسألة المطروحة للنقاش بين المثقفين الذين انقرضوا ، والمفكرين ، والمحللين ، والحاملين لهمّ الوطن ، كامنة في السؤال التالي :
- كيف نثور ؟ .
- ما هي الطرق المؤدية الى الثورة ؟ .
لكن السؤال الأن هو : كيف نستطيع الجمع بين مختلف الإيجابيات التي راكمتها مختلف التجارب الإنسانية ، عبر مختلف العصور والازمنة ؟ . أي كيف نعي تاريخا انهزم ، وكيف نصنع مستقبلا بعيدا عن التشنج ، والتعصب ، والتطرف المؤدي الى الهلاك ، والدمار ، والتخريب .. والمسبب في تعطيل قاطرة التطور ، والتقدم التي حققه الأخر المسيحي اليهودي ، وجعلته يختصر تاريخنا في ( محدودية وشح إنتاجية العقل العربي العاقر ، المأزوم والمهزوم ) .
ان هذا السؤال الذي هو سؤال المرحلة الحرج ، يهم الجميع ، ومن دون استثناء . ثوارا . حاكمون وطنيون . وطنيون ، قوميون ، علمانيون ، لا دينيون ، ملحدون ، واسلاميون .. أي المجتمع ، من دون تفضيل ، ولا ترجيح ، ولا اقصاء .. لان المشروع يتعلق بالدولة التي ستزاوج بين إيجابيات الجديد والحديث ، وبين الاصالة النابعة من القيم ومن الأصول دون افراط ولا تفريط ودون الانحياز الى اتجاه من الاتجاهات .. حتى تسود صقل اللحمة ، وبين المعاصرة الغير الضاربة لقيمنا ، واصولنا ، ومعتقداتنا ..
ا – الجمع بين الدولة الوطنية والدولة القومية :
لا اشكال في ان الدولة الوطنية والدولة القومية ، يمكن ان يلتقيا على اكثر من صعيد . واعتقد ان تجنيب الاختلاف السياسي والايديولوجي ، لصالح التعاون الاقتصادي والمشاريعي ، يمكن ان يسرع في تحقيق ، او على الأقل تقريب الأفق نحو الاندماج التحتي ، في افق تحقيق الاندماج الفوقي ، مع الاحتفاظ بالخصوصية وبالتراث المحلي . ان تجربة الاتحاد الأوربي في الوحدة والتكامل ، مع الاحتفاظ بالاختلافات الاثنية ، والمذهبية واللغات ، والأعراف ، والتقاليد .. يبقى مثلا شامخا يحتذى به ، امام هذا الإنجاز العظيم للدولة الوطنية ، والدولة القومية .
وفي هذا الباب يبقى التركيز على وسائل النقل ، والمواصلات بين مختلف الدول العربية والإسلامية ، انجع طريقة تساهم في هذا الإنجاز ، الذي تنتظره الملايين من العرب والمسلمين ، لتحقيق سمة أساسية من الحلم المعجزة ، في بناء المشروع العربي الإسلامي للدولة التي نتمنى ان تكون ..
ب – ما بين الثورة والدولة :
عندما يدرك الحاكم بأمر الله انّ الشعوب لا تساس بالقوة ، والتفرد والاستئثار ، وبواسطة الأجهزة البوليسية ، السياسية ، السرية ، الفاشية . بل ثمة مؤسسات وقنوات يجب ان تشكل وسائط لا بد منها ، بين الدولة القامعة التي يجب ان تكون دولة المجتمع ، وبين المجتمع ..
وعندما يقتنع الداعون الى الإصلاح او الثوار ، بالمبدأ الفقهي الإسلامي الداعي لتجنب الفتنة ، المرادفة للحرب الاهلية بين أبناء نفس الشعب ، وان يدركوا تماما الحد الفاصل بين الثورة والفتنة ، بين مصلحة الامة وسفك دماء ابناءها .. فتفهم الثورة على انها تغيير في النفس ، وتغيير في القوم ، تربويا واخلاقيا واجتماعيا ...
آنذاك يسهل ردم الهوة الفاصلة بين المكونات الأساسية للمجتمع . أي الحاكمون الطغاة ، والثوار المنتفضون ، او المصلحون ذوي الإصلاح .
اذن كيف نوازن بين الدولة والمجتمع ، كي لا يطغى احدهما على الاخر . طغيان اهل الدولة على المجتمع طغيانا استبداديا . ويطغى أصحاب الثورة ، او دعاة الإصلاح على الدولة ، والنظام العام للجماعة ، فيسبب ذلك في العنف والفتنة ..
فعند معرفتنا بالجواب عن هذا التساؤل . نكون حقا قد حددنا نوع الدولة التي نريد ، ضمن المشروع العربي الإسلامي الذي ينتصر الى الحرية ، العادلة ، المساواة ..
ج – هل تتقارب اللائيكية بالإسلامية السياسية :
لقد بلغ الاختلاف بين " العلمانيين / اللائيكيين " Les laïques ، و " الإسلاميين " Les islamistes ، درجات قصوى ، خاصة بعد تحميل كل منهما للأخر المسؤولية المباشرة عن ما آلت اليه أوضاع الامة ، من مذلة ، واهانة ، وحضيض ، كان ابرزها هزيمة الأنظمة التي لوحت باللائيكية في حرب الستة أيام ، المعروفة بالنكسة الأكثر وقعا من النكبة ، وفي ارجاع التأخر الى المنظومة الفكرية لكل مجموعة .
ان هذا الجدل الذي يتخذ شكل استنزاف فكري وسياسي ، خاصة بعد ان رفع القوميون العلمانيون ، والشيوعيون ، والماركسيون اللينينيون اللائيكيون ، شعار لائيكية الدولة ، التي تعني فصل الدين عن الدولة ، كما هو حال الدولة السلطانية العلوية .
وبعد ان رفع الإسلاميون شعار الإسلام هو الحل ، في عملية استعجال للوصول الى السلطة والحكم ..
جعل الجدل العقيم بين المجموعتين ، يتخذ شكل حوار خارج التاريخ ، وخارج السياق الفكري ، وخارج حقل الصراع الفكري ..
في اوربة كان الصراع كالاتي : اللائيكية مقابل الكهنوت الديني . الدهرية مقابل اللاهوت او الغيبي .. وكان الصراع تعبيرا عن صراع أفكار ، بين قوى ، ومؤسسات ، واتجاهات : الليبرالية مقابل الكنيسة . الديمقراطية مقابل التحالف الاقطاعي الكنسي . البرلمانية والدستورانية ، مقابل الطغيان والاستبداد .
اذن بهذا الجدل ، يمكن ان نفهم موقف اسلاميي النهضة من الاتجاه الإصلاحي الإسلامي ، " محمد عبدو / رشيد رضا / الكواكبي / النائيني ... " ، ولماذا خاض هؤلاء المعركة الدستورانية للوصول الى الدستور الديمقراطي في كل من ايران ، والدولة العثملية السجلوقية ، جنبا الى جنب مع الليبراليين ، والديمقراطيين البرلمانيين المحليين .. معتبرين ان كل الأفكار والمؤسسات ، هي أفكار ومؤسسات إسلامية الأصل ، وان المؤسسات السلطانية الاستبدادية ، وانْ توسّمت بالكهنوت الديني ، فهي مؤسسات غير إسلامية . فمشيخة الإسلام في الدولة السلطانية ، واخر تجلياتها الدولة العثمانية ، والدولة الصفوية القاجارية ، والدولة السلطانية العلوية ، التي أصبحت شبه مؤسسة أكليركية ، رغم التأكيد العام انْ لا كنيسة في الإسلام .
لهذا رأينا الكواكبي يتحدث عن الاستبداد السياسي ، والاستبداد الديني في الدولة العثمانية " ان اشد مراتب استبداد السلطان ، هي حكومة الفرد المطلق ، الوارث للعرش ، القائد للجيش ، الحائز على سلطة دينية " . وراينا نائيني يتحدث عن شعبتي الاستبداد في الدولة القاجارية ، الشعبة الدينية المتمثلة بعلماء السوء المجرمين ، والشعبة السياسية المتمثلة بالسلاطين .
انه الصراع بين الاتجاه الإسلامي السلطاني ، والاتجاه الإسلامي الشوري . وهو نفس الصراع يجري اليوم بين الإسلام السياسي السلطاني العلوي ، وبين الإسلام السياسي الشعبي التي تمثله مختلف حركات ، وتنظيمات الإسلام السياسي . وهو نفس الصراع يجري ويدور بين الدولة السلطانية العلوية الاستبدادية ، وبين سلطة التنظيمات السياسية الاسلاموية ، التي تنشد نظام الخلافة ، او نظام الجمهورية الاسلاموية ، الأكثر استبداد وطغيانا ..
الى جانب حقل الصراع ، بين الاتجاه اللائيكي ، وبين الاتجاه الاسلاموي ، فانه الى جانب الاستعارة اللاّتاريخية فيه ، فانه يترجم حاليا حالة الصراع السياسي ، بين نخب تستعجل الوصول الى السلطة ( اللائيكيون ) ، وتستعجل الوصول الى الحكم ( الاسلامويون ) .. هذه باسم تطبيق الشريعة ، وتلك باسم الحداثة وفصل الدين عن الدولة . وفي الحالتين تستعيد الدولة العربية ( الحديثة ) ، والدولة السلطانية ، لنموذجها السلطاني القديم ، فتعود الى الكهنوت الديني لاستخدامه كايديولوجية سلطانية ، او فقها سلطانيا .. حتى يستمر السلطان يحكم الرعايا والسلطنة ، فيستفرد لوحده بالثروة ، وبالجاه ، والمال ، والسلطة ، والنفود . وعندما يشبع يشرع في تهريب ثروة المفقرين من الرعايا المساكين ، خارج الدولة ليكدسها في الابناك العالمية ..
لقد سلبت الدولة السلطانية خلال القرنين الماضيين ، عبر نمط علاقتها بالدين ، المعاني السامية النبيلة ، التي كان يمكن للقيم الدينية ان تزخر بها ، وتشجع لتستقيم علاقة متوازنة بين الدين والسياسة ، بين الفقيه والسلطان ، وبين المجتمع المتدين ، والدولة السلطانية المستعملة للدين .. وهي نفس النتيجة تمخضت عن العلاقة بين الدين ، وبين السياسة للسيطرة عليها بالكهنوت ، سجلناها خلال حقبة الدول السلطانية العلوية في شكلها التقليدي الاكليركي ، او خلال حقبة ما يروج له باسم الدولة السلطانية العصرية ، التي لعب الدور الأكبر في رسم خارطة طريقها السلطان الحسن الثاني ، وليس محمد الخامس . وهذا ما جعل المطبلين الجدد من مناضلي ذاك الزمان الغلطة لنظام السلطنة يصفونه . أي الحسن الثاني ، بانه مشيد الدولة السلطانية العصرية ، في شكل ملكية يحتفظ فيها لوحدة السلطان / الملك بالحكم ، والباقي هم مجرد أدوات في ملكيته .. أي ان الدولة السلطانية الحديثة ، أكملت ما قامت به الدولة السلطانية القديمة من خلال المزاوجة في تصريف الخطاب السياسي دائما ، ممزوجا في شق إسلامي ، وفي شق شَبَهُ علماني ..
كذلك اكملت بعض الأحزاب الإسلامية المعارضة ، مهمة ما بدأته الدولة السلطانية القديمة . فتم اقبار ما تبقى من القيم الدينية في المجتمع ، حتى انعدم الحل الفاصل الضروري ، بين الدين والسياسة . فغرق الفقيه السياسي المشعوذ في حقل السياسة حتى اصبح سلطانا ، او مشروع سلطان ، وابتذل الحاكم الدين ، حتى اضحى ممثلا فلكلوريا للتراث الديني .
والمفارقة اللاّفتة للعيان . انّ حاملي خطاب العلمانية ( اللائيكية ) Le laïcisme ( في موقع المعارضة ) ، تناسوا ان السلاطين المسلمين ، كانوا اكثر لائيكية ( علمانية ) منهم بالمعنى المدني ، والدنيوي ، والزمني ( محمد السادس ) . كما انهم لا يدركون انه في حالة وصولهم الى السلطة ، او الى الحكم على سبيل الافتراض ، سيكتشفون كما اكتشف بعض زملاءهم ، أهمية الاستخدام الديني في تثبيت السلطان الزمني ، ولو كان ذلك عن طريق الارتضاء بتطبيق الشريعة في باب الحدود ... الاتحاد الاشتراكي / حزب التقدم والاشتراكية / أحزاب فدرالية اليسار ....
وبالمقابل ينكشف العمل الحزبي انكشافا سريعا ، عندما يرتضي محالفة السلطان ، على أساس هذا الشعار ، وبمعزل عن السياق العلائقي بين مجتمع الرعايا ، والدولة السلطانية التي على راسها مولانا السلطان ظل الله في ارضه . . وبغض النظر عن القيم الدينية ، والأخلاقية ، والسلوكية التي يزخر بها الإسلام في بعض جوانبه ، خاصة زمن ممارسة المعارضة ، فلا يسأل اين هي في نصاب الدولة ومسلكها ؟ وأين هي في نصاب المجتمع ومسلكياته ؟ وأين هي في مسلكيات العمل الإسلامي ، واخلاقياته توجها وممارسة ؟ .
ان التجديد الحضاري الأخلاقي ، ليس خطابا في الاصالة ، وليس خطابا في المعاصرة . انه ليس تقليدا لماض يخص الذات وحدها ، او لماض يخص الحكم وحده . ان التجديد الحضاري أولا وقبل كل شيء ، هو جواب على تحديات راهنة ، محورها وقطبها الانسان أولا وأخيرا . الانسان في زمن قطعت فيه حركة التاريخ العالمي خلال القرنين السابقين ، اشواطا هائلة من الإنجازات ، والنظريات ، والتجارب ، والأنظمة السياسية والاقتصادية . كما فعلت فيه حركة التاريخ العربي الإسلامي المعاصر، منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الآن ، اشواطا من التجارب الفنية من ليبرالية ، وقومية ، واشتراكية إنسانية ، وماركسية ، وصحوة إسلامية .. كما مرت بأشكال من التجارب الوحدوية والوطنية ، والمشاريع الاتحادية والإقليمية . والآن وبعد كل هذا التغني التاريخي المركب والمعقد ، لم تعد المسألة محصورة ، ولا يمكن ان تنحصر في سؤال : ماذا نختار من هذه التجارب ؟ . لكن السؤال الفعلي هو : هل استوعبنا هذه التجارب ، ام اننا لا نزال في ضلال مبين .. وكيف نتجاوزها في مسيرتنا الراهنة ؟ .
ومن أولويات العمل الجاد في هذا الباب ، انه لا يكفي ان نشير إشارة سريعة الى ازمة النظام الرأسمالي العالمي ، ومأزق الحضارة المادية لنستدل على فشلها .. ولا يكفي ان نشير الى انهيار النظام الاشتراكي ، وعجز الشفافية في انتقاده ، وننتصر سريعا الى البديل الإسلامي ، كنموذج حضاري محقق وناجز . ذلك انه مع صحة الدعوة الى البديل الإسلامي ، فان النظرية الإسلامية المعاصرة ، إذا لم تستوعب تجاب التاريخ العربي الإسلامي ، قديمة ، وحديثة ، ومعاصرة ، ستبقى عاجزة عن إيجاد البديل الحضاري العربي الإسلامي . وسيبقى البديل مجرد نص او خطاب مؤمل ، وفي احسن الأحوال ثورة هنا ، او انتفاضة هناك . مقاومة هنا او معارضة هناك ، تقوم جميعا باسم الإسلام الشعبي ، طالما كان سلاح حماية ودفاع ، بيد الحركات الجماهيرية في مواجهة الحكم ، والحاكم السلطان ، او معارضة الطرف المعارض للمشروع .
فعلى ضوء هذا الاعتبار ، يتشكل الوعي التاريخي الذي يتواصل مع الحاضر ، ويتصور صورة المستقبل ، بدل ان يبقى العرب والمسلمون اسيري تواريخ فرق ، وسير ، وتراجم . كما هم اسيروا احكام فقهية ، لمذاهب أُنتجت في مراحل تاريخية سابقة ، وهم يحلمون الآن بصناعة مشروع حضاري معاصر ، لامة وعالم إسلامي ، يقبض عليها نظام رأسمالي عالمي ، ظالم ، وجائر ..
لقد فشلت جميع المشاريع الايديولوجية التي تم تجريبها في الوطن العربي .
- فشل المشروع الدولتي ، لتحوله الى مشروع استبدادي ، وطاغي ودكتاتوري ، وتحول الدولة من دولة ديمقراطية ، الى دولة قامعة باسم الدفاع عن الشعاراتية المُدلّسة ، فتحول النظام من نظام المجتمع والتعددية ، الى نظام الكليانية والتوتاليتارية .
- وفشل المشروع الماركسي اللائيكي ، لتركيزه على دكتاتورية طبقة " العمال " غير موجودة بالعالم العربي ، ونفيه والغائه لباقي الطبقات التي تكون المجتمع .
- وفشل المشروع الإسلامي للإسلام السياسي ، لاعتماده على الاطلاقية والنرجسية اكثر من اللازم ، واقتصاره على مخاطبة الحواس والشعور ، دون تعمقه في بحث اصل الداء ، بغية طرح الحلول المعقولة والممكنة ، حتى اصبح هو اكبر داء يهدد المجتمع ، ويهدد مستقبل الدولة الديمقراطية . والمستغرب له ان القاسم المشترك بين كل هذه التصورات ، هو تبادل التهم ، ونفي اية مزايا عند الاخر المعارض ، اكان الدولة ، او كانت أحزاب المعارضة .
ان المشروع العربي الإسلامي ، الذي من المفروض ان يكون البديل العقلاني ، عن المشاريع التي افلست ، وانهزمت ، وتلاشى الداعون اليها ، خاصة عندما انتقلوا عائدين مستسلمين ، من مشروع بديل الى مشروع الدولة ..
وان المشروع العربي الإسلامي الذي يجب ان يكون المقاوم للمشروع السلطاني ، الذي يجري تنزيله على طبق من ذهب ، والذي يستهدف كل القيم ، والأصول ، وكل شيء جميل في هذا الكون ، ولذا هذا الشعب المغوار ، الذي يجري تمييعه ، وتوليفته العيش مع ظواهر تناقض اصله ، واصوله كالتغريب الاعمى في مظاهره السلبية ، وليس الإيجابية من خلال المعرفة والعلوم ، وصهينة وجوده بالقوة ..
يجب ان ينطلق من الذات ، وان يعود اليها . فالاستمرار في التعويل على المشروع القومي في لبه العنصري ، والاستمرار في التعويل على المشروع الوطني في لبه الشوفيني ، والاستمرار في التعويل على المشروع الليبرالي في لبه الجشع المفترس ، والاستمرار في العويل على المشروع الإسلامي في لبه الفاشي .. ستكون ناهيته حصاد مزيدا من الفشل ، وسينتهي بالهزيمة النكراء .. لان خصوصية البلاد العربية والإسلامية ، وخصوصية ، والارث المغربي ، يرفضون التطرف في الاختيارات الأيديولوجية ، ويرفضون كل شيء غريب عن التاريخ ، ومتناقض مع الأصل ومع الذات .. فالمشروع ينبغي ان يكون اول الامر محليا وجغرافيا ، وحين تكتمل له دورة النجاح والتحدي ، يمكن ان ينتقل من الخاص الى العام ، من التجزئة الى الوحدة ، التي لن تكون في صورتها الاعم ، غير اقتصادية وتجارية .. في افق الانتقال الى وحدة على غرار دول الاتحاد الأوربي ، التي تلاقت في اتحادها رغم اختلاف التضاريس ، والمناخ ، واختلاف الاثنيات ، والاعراق ، واختلاف اللغات ، واللهجات ، واختلاف الأديان بين كاثوليك ، وبروتستان ، ويهود ، ولائيكيين من قوميين ، وشيوعيين ، واشتراكيين ، ولا دينيين ، وملحدين ..
انطلاقا من هذه المسلمة ، فان الحل ليس في الدعوة الى نظام الجمهورية التي كان لها بريق ، واليوم تلاشت في ظل التحول الجذري الذي عرفته المجتمعات الاوربية ، وفي ظل نهاية الحرب الأيديولوجية ..
كما ان الحل ليس في الملكية البرلمانية الاوربية ، التي تزخر بقيم لا علاقة لها بنوع القيم السائدة منذ قرون ، في دول المحيط العربي الإسلامي ..
وليس الحل في نظام ، وليس دولة الخلافة الفاشي القمعي ، ولا في النموذج الاموي ، ولا العباسي ، ولا العثملي السجلوقي ، ولا في الدولة السلطانية العلوية ..
ولن يكون الحل في بناء الأنظمة العسكرية الجمهورية ، التي كانت وبالاً على الامة ، وعلى الشعب ، والجماهير ، وسببت في كل الهزائم التي انتهت بمحو القضية الفلسطينية ، وتحول القدس الى عاصمة ابدية للدولة العبرية ، وبمباركة جميع الحكام العرب ..
ان الحل هو ابعد من كل هذا النماذج التي أعلنت افلاسها ، وانتهت بالهزيمة النكراء ، او تعيش تنازل العد العكسي من حياتها ..
ان البديل لكل هذا الفشل المدوي والمتعاقب ، والذي قد يجد الخلاص لازمة ومشاكل الشعب ، ومستقبل النظام السياسي الذي يجب ان يكون رهينا لاختيار الشعب ، الواعي المثقف ، لا ان يكون رهيناً بأيدي عملاء الخارج ، والداعون الى الفتنة ، وتجزيئ وتفتيت الوطن ، والأرض ، والشعب ، ودعاة الفتنة والتخريب ... يكمن في الجمع بين ثوابت التاريخ ، وثوابت الشعب ، والارث الذي يجب ان يكون عنوان المغرب .. وفي الجمع بين ثوابت الدولة الوطنية ، والقومية الوحدوية . أي التمسك بالاحتفاظ بالموروث الأيديولوجي الأصيل ، في ظل الاعتراف بالحق في الاختلاف والتمايز ، ضمن نفس النسيج الاجتماعي المغربي .. ثم الإسلام كمرجعية في جانبها الإنساني التقدمي ، وليس الرجعي الفاشي .. يستجيب للأحاسيس ، والرغبات الروحية ، وليس الدينية / الدينية .لان الدولة الدينية تبقى دولة عنصرية .. الى جانب التفتح على ما راكمته الإنسانية عبر تاريخها النضالي ، من ابداع في مختلف المجالات السياسية الثورية ، والإصلاحية . والتفتح على الابداع التقدمي في مختلف المجالات ، من فنون ، وفلسفة ، وادب ، ومسرح ، ورسم ، وعلوم ، واشكال الأنظمة والحكم المختلفة والمتنوعة ، لإغناء التجربة المنتظرة ، بغية الدفع بالانطلاقة نحو اتجاهها الصحيح ، عوض الاستمرار في اجترار شعارات تجارب افلست ، وفشلت ، وانتهت بالهزيمة المدوية النكراء .
وحتى نتفادى كل اشكال الإحباط ، وتجنب الفشل والهزيمة في المسيرة نحو بناء المشروع العربي الإسلامي المغربي .. وهنا فان الاطار لمزج كل هذه الشروط وتنظيمها ، يبقى الدولة الوطنية العصرية الديمقراطية ، التي توظف الجمع بين الجديد والقديم ، وبين العصري والماضوي ، بين الاصالة الحقيقية ، والمعاصرة الحقيقية . اذ لا تفريط نحو احدهما الاّ بما لا يتعارض مع الأصل ، والمنبع ، والقيم ..
--/-- امّا القطع مع الماضي باسم الحداثة المعطوبة ، وباسم التغريب في جانبه السلبي ، وليس في الجانب الإيجابي . والارتماء في المشاريع الصهيونية التي تستهدف كل شيء جميل ، وتستهدف القيم ، والتاريخ ، وفرض مجتمع التفسخ ، والانحلال الخلقي ، والاباحية ، باسم المدنية ، وليس باسم الحضارة ، وهي مشاريع صهيونية مفضوحة ، ستأجج حركة الاعتراض الشعبي ، التي سيخطفها الإسلام الرجعي الفاشي ، التواق الى دولة الجبر ، والضبط ، واللجم ، والمنع ، واعدام الحقوق ، والحريات الاّ بما يرضى عليه الاتجاه الاسلاموي الفاشي الخارج ، والمتعارض مع التاريخ ..
-- /-- وامّا الارتماء في الماضوية الرجعية ، باسم تحصين الذات المنحلة ، وغير محصنة ، وباسم الإسلام الذي يوظف ، ويستعمل كبضاعة للبيع والشراء ، تمكن أصحابها إنْ استفردوا بالشعب / الرعايا الجدد ، من الثروة ، والمال ، والجاه ، والنفود ، والسلطة ، والحكم . أي تغيير نظام سلطاني استبدادي ، وطاغي ، وناهب لثروة الشعب ، بنظام اسلاموي اكثر استبدادا ، وطغيانا ، ونهبا منه . لأنه نظام شاب سيسرق نظر المحرومين ، والفقراء ، والبرجوازيين الصغار ، وما فوق الصغار ، والمتوسطين .. بخلاف نظام السلطان الشيخ الهرم .. أي خطر هجومي مقابل خطر دفاعي ..
--/-- وامّا التركيز على الدولة الاستبدادية القامعة باسم مجابهة الفتنة والاضطراب ..... وهي نماذج منها من سقط بالانقلابات ، ومنها من اسقطته الانتفاضات ، ومنها من سقط بالتدخل الخارجي .. أي دولة العسكر ..
فان كل هذه الاشكال من النظم التي يُنظر لها ، ويجري العمل على قدم وساق لتنزيلها على الأرض ، لن تزيد الازمة الا تعقيدا وتأزماً ، ووضعااكثر استفحالا ..
ويبقى احسن مثالا يقتدى به في هذا المجال ، هو دول الاتحاد الأوربي التي تحافظ على دولها ، في اطار خصوصياتها . لكنها تندمج مع جميع الدول الاوربية ، ضمن الاتحاد الذي دمج كل قوانينه الاتحادية ، من منطلق خصوصية الشعوب ، والدول الاوربية . فالاتحاد نجح رغم اختلاف اللغات ، والدين كاثوليك ، بروتستانت ، ويهود ، وروافد خارجة كل هذه الديانات ، دون تكفير ، ولا اقصاء ، ولا قمع .. واللهجات ، والتضاريس ، والشعوب .. لان نجاحه تركز على الاقتصاد بدرجة اولى ، وعلى الديمقراطية بدرجة ثانية ، وركز على العلوم والبحوث العلمية ، ولم يركز على السحر ، والشعوذة ، والاضرحة ، والمواسم ، واللاهوت بأشكاله المختلفة ..
ان عنوان المشروع العربي الإسلامي المغربي هو " حرية ، عدالة ، مساواة " .. فلا مناص من الدولة الديمقراطية .. وتبقى مهمة الجيل الحالي ، والجيل القادم .. لان الديمقراطية وحدها تبقى عامل استقرار وحدة الوطن ، ووحدة الأرض ، ووحدة الشعب ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك مراحل تطور الدولة السلطانية البتريركية .
- البرلمان الاسباني .
- الى الضابط السابق في الجيش الملكي ، المعارض لمغربية الصحراء ...
- 11 ابريل 2007 - الحكم الذاتي - .
- المعارضة في الاسلام
- هل سيكون للرسالة الشخصية - لبيدرو سانشيز - رئيس الحكومة الاس ...
- اهم مصطلح ساد في السبعينات اسمه - الانفتاح والاجماع -
- زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى الرباط ، والى الجزائر العاص ...
- هل يجري اعداد حلف ضد ايران ؟
- الحكم الذاتي
- رسالة رئيس الوزراء الاسباني ، الى السلطان العلوي محمد بن الح ...
- رعايا السلطان المعظم ، يتدورون الفقر ، والفاقة ، والجوع ، بس ...
- لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود ...
- ذكرى ثورة فشلت حتى قبل اطلاق الرصاصة الاولى مع برنامج الحركة ...
- التحالف الطبقي السلطاني
- الاحكام البولسية للدولة السلطانية .
- رئيس الحكومة الاسبانية السيد - بيدرو سانشيز - يستقبل ابراهيم ...
- الاتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة
- ثمانية وثلاثون سنة مرت على مجزرة 1984
- النظام السلطاني المغربي مقبل على تحدٍّ كبير . يومي 17 و 18 م ...


المزيد.....




- المغرب - رسو سفينة حربية إسرائيلية في ميناء طنجة: بين غضب شع ...
- سيدة محجبة تحرق علما فرنسيا. ما حقيقة هذه الصورة؟
- سياسي فرنسي: رد روسيا على حظر RT وغيرها في الاتحاد الأوروبي ...
- مسؤول سابق في CIA يشير إلى -نوعية الصفقة- التي عقدت مع أسانج ...
- وقف توسع -بريكس-.. ماذا يعني؟
- الجيش الأردني: مقتل مهرب وإصابة آخرين خلال محاولتهم تهريب مخ ...
- ألمانيا تعتزم تشديد الفحوص الأمنية للموظفين بالمواقع الحساسة ...
- القضاء الأمريكي يعلن أسانج -رجلا حرا-
- -واللا-: الجيش الإسرائيلي يستحدث وحدة جديدة للمهام الخاصة بع ...
- -الوطن التركي-: هدف واشنطن إضعاف وتفكيك تركيا وإبعادها عن ال ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - حرية ، عدالة ، مساواة .