|
تفكيك مراحل تطور الدولة السلطانية البتريركية .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 21:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة : قبل ان نتحدث عن طبيعة النظام السياسي المغربي ، هل هو نظام ديمقراطي / أم دكتاتوري / أم بوليسي / أم استبدادي / أم طاغي / أم نظام بتريمونيالي / فيودالي / أوليغارشي / كمبرادوري / بتريركي ابوي / ثيوقراطي / أثوقراطي / مخزني سلطاني ....لخ . أي قبل ان نتحدث في السياسة " الخالصة " ، يجب مسبقاً معرفة ما إذا كان الاطار السياسي الأصلي / الدولة / هو نفسه موجودا وجودا سياسيا ، إذ لا سياسة بدون دولة سياسية .. ان الدولة السياسية مُعطى اول ، بينما النظام السياسي مُعطى ثان . الأول حقيقة اجتماعية جوهرية ثابتة في المجتمعات الطبقية ، وشبه الطبقية ، والثاني ظاهرة سياسية متغيرة ، قد تتقمص هذا الشكل او ذاك . اذن ماهي صيغة الدولة المغربية ؟ . من خلال الجواب ، سنحاول تحليل موقع الدولة في البنية المجتمعية المغربية ، واستشفاف القانون الموضوعي الذي يضبط حركة التوازنات السياسية داخل المجتمع المغربي التقليدي ، الذي تغلفه الطوطمية ، والقروسطوية ، والغيب ، والتقاليد المرعية ، والحرص على التظاهر بتمثيل الأصول ، والاعياد ، والأقراح ، والافراح ....لخ ، بنواميس يغلفها النفاق ، لان كل شيء في المجتمع مسكون بالهواجس ، ويركز على التظاهر الذي يخفي الحقيقة الصادمة التي اساسها الخضوع ، والانبطاح ، أي الخوف . 1 ) الدولة والمجتمع : السؤال هنا . هل الدولة المغربية دولة سياسية ؟ . تكون دولة ما دولة سياسية ، بقدر ما يكون المجتمع نفسه سياسيا ، ويصبح المجتمع نفسه سياسيا ، حينما يكون قادرا على ضبط انقساماته ، وصراعاته داخل مؤسسة عليا موحدة ، تسمى جهاز الدولة . انّ الدولة بهذا المعنى ، هي في نفس الوقت فوق المجتمع .. وفي صلب المجتمع .. في صلب المجتمع ، لأنها تمثل اطارا تتمكن من خلاله التناقضات والمصالح ، من التعبير بشكل او باخر ، عن ذاتها ، وعن هويتها الخاصة . وفوق المجتمع ، لأنها تمثل أداة توحيد ، يتمكن المجتمع بواسطتها من تجاوز تناقضاته ، وانقساماته ، وصراعاته في المصلحة العليا العامة . خلاصة القول . انّ الدولة السياسية ، هي القادرة على حل التناقض بين الدولة والمجتمع ، في اطار وحدة عفوية ، تمكن من احتواء المصالح الاجتماعية الخاصة ، من اجل تجاوزها نحو المصلحة العليا للشعب والأمة . وحينما تتكسر تلك الوحدة العضوية ، او تكون غائبة أصلا ، يصبح الانفصال بين الدولة والمجتمع ، انفصالا تاماً ، وتتحول بالتالي طبيعة الدولة من دولة سياسية ، الى دولة لا سياسية ، من دولة تحكم علاقاتها بالمجتمع اعتبارات ومعايير سياسية صرفة ، الى دولة تحددها اعتبارات ومعايير دون السياسية . أي من مؤسسة اجتماعية عامة ، ومركزية ، وقومية ، الى مؤسسة خاصة ، الى دولة طائفية ، او قبلية ، او أسدية . الدولة السياسية إذن ، تشكل لحظة متقدمة من التبلور الطبقي ، والنضج المجتمعي ، والاندماج الوطني والقومي . من هنا يبدو ان الدولة السياسية ، هي حصيلة اجماع عام ، ووفاق وطني / قومي ، يتوصل اليهما المجتمع عبر تناقضاته ، وانقساماته ، وصراعاته . بهذا المعنى . الدولة السياسية هي الدولة الديمقراطية ، حتى وانْ كانت تستوعب حقيقتها الجوهرية لا الشكلية . ان مفهوم الدولة السياسية اعمق واشمل ، من مفهوم الدولة الدستورية . لان الأساس في الأولى هو الاجماع العام ، والوفاق المجتمعي القائمان على علاقة سياسية صرفة وفعلية ، تضبط الدولة بالمجتمع ، ولو انّ تلك العلاقة في بعض الأحيان ، لا تحددها نصوص دستورية ديمقراطية . اما الثانية . فقد تكون دستوريتها زائفة وشكلية ، لانّ الدولة اللاّسياسية ، نفسها قد تلجأ الى النظام الدستوري لحماية مصالحها الخاصة .. مصالح الطائفة ، او القبيلة ، او الاسرة الحاكمة على حساب مصالح المجتمع ككل . وإذن . فيما انّ الدولة ليست هي النظام السياسي . وان الدولة السياسية ليست هي الدولة الدستورية .. فبالتالي فان الطريق المؤدي الى بناء الدولة السياسية / التي هي بالضرورة قومية ، ووطنية ، وحديثة ، وقوية .. قد يكون طريقا ديمقراطيا طوعيا يعتمد المشاركة الحرة للمواطنين ، وقد يكون طريقا فوقيا مركزيا بانقلاب من فوق عسكري او بلانْكي ، او بانقلاب من تحت ثورة . اما الذي يرجح هذا الطريق او ذاك ، فليست هي الرغبات الذاتية للقوى الاجتماعية الفاعلة داخل المجتمع . ولكنها في نهاية المطاف ، شروط المجتمع المادية ، والثقافية ، وشروط العصر التاريخية المحيطة . ان معظم تجارب التاريخ الحديث ، تؤكد على ان اغلب الدول السياسية التاريخية ، قد تم بناؤها بطريقة فوقية مركزية : فرنسا الحديثة قامت في الأصل على اكتاف الدولة البونبارتية ، وألمانيا الحديثة على اكتاف الدولة البسماركية ، واليابان الحديثة على اكتاف الدولة الميجية ، وروسيا الحديثة على اكتاف الدولة الستالينية . كما ان العديد من البلدان التي تتقدم اليوم جديا في بناء الدولة السياسية تسلك نفس الطريق . في العالم العربي . انّ الذي أدى الى اختناق التجربة الناصرية ، ليس هو كون الدولة الناصرية كانت دولة فوقية مركزية . بل لان ايديولوجيتها لم ترتق الى مستوى أيديولوجية عصرها الأكثر تقدما . 2 ) تطور الدولة المغربية : لقد مر تاريخ الدولة المغربية منذ النشأة الى الآن ، بأربعة اشكال رئيسية عبّر كل واحدة منها ، عن مرحلة تاريخية معينة . انّ هذه الاشكال هي : الدولة القبلية ، الدولة المخزنية ، الدولة الكلونيالية ، والدولة التقليدية . ا --- الدولة القبلية : ان هذه الدولة ، تجد صيغتها السياسية العليا في دولة الامبراطوريات السلطانية . لان الامبراطور هو السلطان ، هو الحاكم لوحده ، والباقي في الإمبراطورية مجرد عبيد ، وفي السلطنة مجرد رعايا .. وهي الدولة التي سادت تاريخ المغرب في القرون الوسطى . ان الذي ميز هذا الشكل ، هو التناقض الصارخ بين الدولة والمجتمع . فلانّ جوهر هذه الدولة جوهر قبلي . و لأنها بحكم جوهرها ذاك ، عاجزة عن تجاوز قبليتها ، لتتمثل وتُعبّر عن المجتمع ككل ، وبالتالي يصبح وجودها على رأس السلطة المركزية ، مسألة مؤقتة ، إذ سرعان ما تتمكن قبيلة أخرى منافسة من ازاحتها ، واخذ مكانها . إذا كانت الدولة القبلية السلطانية في مظهرها دولة احتكارية / احتكار السلطة من طرف القبيلة المُهيمنة / ، فإنها في جوهرها ، هي دولة مشاعية . لانّ من حق كل قبيلة من قبائل المجتمع ، انْ تستولي على الحكم ، إذا ما توفرت لها القوة الضرورية لذلك . وإذن . فان الدولة القبلية السلطانية ، تستمد شرعيتها الأساسية من قوتها . أي مما يسميه ابن خلدون بالعصبية القبلية . وحينما تتفكك تلك العصبية ، وتضعف القبيلة المهيمنة ، يفسح المجال لصعود قبيلة أخرى ...وهكذا حتى وصلنا الى حكم القبيلة العلوية . ولانّ كل القبائل المتعاقبة على رأس الدولة ، متشابهة من حيث الطبيعة من قبيلة الى أخرى . فان تغيير القبيلة لم يكن يمس سوى السطح السياسي ، بينما بقيت قاعدة المجتمع المادية تتميز بالركود العام ، وبالتخلف .. ان العائدات التجارية الهامة ، الناتجة عن التوجه المركنتيلي للدولة القبلية السلطانية . إنْ كانت فعلا قد ساهمت في تطوير نسبي للاقتصاد ، وفي تنمية المدن ، الاّ انها من ناحية أخرى ، لم تمكن المجتمع من الانفلات من الجاذبية القبلية العنصرية . انّ هذا العجز عن اختراق النظام القبلي ، للارتقاء الى نظام طبقي اكثر تقدما . وبالتالي عدم توفر الشروط اللازمة لظهور طبقة اجتماعية منتجة ، تضم الأسس المادية الراسخة لاقتصاد محلي قوي ، سيبرز بشكل درامي ابّان المنعطف التاريخي الكبير ، الذي شهده العالم في المرحلة اللاحقة . إذ كان يكفي تحويل الطرق التجارية الذي رافق صعود الرأسمالية الاوربية ، لكي ينهار الاقتصاد المغربي عن آخره . ان الدولة القبلية السلطانية التي كانت قادرة أيّام امجادها التاريخية ، على تشييد الامبراطوريات ( المرابطون ، والموحدون ) ، لم تعد تستطيع في مرحلة الانهيار الاقتصادي الشامل ( المرينيين ، والوطاسيين ) ، حتى حماية التراب الوطني من الغزو البرتغالي . لقد كان ذلك إيذانا بنهاية الدولة القبلية ، وبزعامتها التاريخية . 2 --- الدولة المخزنية السلطانية : ان الانهيار الاقتصادي ، والازمة ، الاجتماعية ، والاحتلال البرتغالي للشواطئ المغربية ، والضغط التركي على الحدود الجزائرية ، وضعف الدولة المركزي ...الخ .. كلها عوامل ساعدت على ظهور البديل السياسي للنظام القبلي . هكذا سيتحول مركز السياسة من المدن الكبرى ، الى البوادي الصغيرة ، في شكل رد فعل ديني ، سيعبر عنه ظهور الزوايا الدينية الرجعية . وإذ كانت بعض الزوايا لم تستطع الذهاب ابعد من رد الفعل الصوفي السلبي .. فان البعض الأخر قد نادى بالتجديد الديني ، وبالتعبئة العامة لمقاومة الغزو الأجنبي . ففي خضم هذا الصراع إذن . ستبرز وتتقوى النخبة الدينية ، حاملة مشروع الدولة المخزنية السلطانية ، التي جاءت على انقاض الدولة القبلية المخزنية السلطانية . ان الذي يميز هذه الأخيرة عاملان اثنان : -- العامل الأول هو احلالها الزعامة الروحية ، القائمة على الانتساب السلالي الشريف ، محل الزعامة القبلية التي كانت في مرحلة الدولة القبلية تقوم على العصبية القبلية . -- والعامل الثاني احلالها القوة العسكرية اللاّقبلية ، حيث كان يتشكل الجيش الذي هو دعامتها الأساسية في جزء منه ، من المرتزقة الاتراك ، والمسيحيين ، والمرتدين شأن الدولة السعدية ، و من العبيد البواخرة بالنسبة لدولة العلويين ، وفي الجزء الآخر الأهم ، منْ قبائل الگيش . وهي القبائل المكلفة بالخدمة العسكرية القبلية ، التي كانت تمثل فيها القبيلة المهيمنة قاعدتها الاجتماعية . لقد كان يحرك الدولة المخزنية السلطانية ، طموح السمو المتعالي ، فوق كل قبائل المجتمع . ولقد أسست فعلا دولتها على نزعة هيمنية ، اطلاقية ، توتاليتارية . لأنها باحتكارها لمشروعية السلطة الروحية ( سبط الرسول ) ، تكون قد نزعت أيديولوجيا من كل القبائل " حق " الاستيلاء على السلطة السياسية / لعبة مكيافيلية خطيرة / . ان ذاك التعاقب القبلي على رأس الدولة الذي تميزت به مرحلة الدولة القبلية ، قد انتهى اذن في عهد الدولة المخزنية السلطانية . ان التناقض الحاد بين الدولة والمجتمع في العهد السابق ، اصبح اكثر احتداماً في العهد الجديد . فبعد فقدان العائدات التجارية الناجم عن الانقلاب التاريخي في التجارة العالمية ، يصبح المورد المالي الوحيد للدولة المخزنية السلطانية ، هو الفائض الاقتصادي المستخرج من البوادي .. مما اضفى على تلك الدولة ، طابع الدولة العسكرتارية النهابة ، والمفترسة . لان استمرار وجودها ، اصبح مشروطا بتنظيم الحملات العسكرية ، للإغارة على القبائل الرافضة دفع الضرائب . أصبحت دولة تفقير . انّ هذا التناقض الحاد إذن ، بين الدولة والمجتمع ، سيبلغ مداه في التمزق الذي سيقسم المجتمع الى بلاد " المخزن " ، والى بلاد " السيبة / بلاد الثوار الجمهوريين " . فالقبائل المتمردة على السلطة المركزية ، أصبحت بفعل العامل الأيديولوجي المُستجد ، لا تطالب اكثر من الانزواء في المناطق النائية الخاضعة ل " بلاد السيبة " . هكذا ستتأسس العلاقة بين الدولة والمجتمع ، على التوازن السياسي التالي : وجود دولة قوية تحتكر التمثيلية الروحية ، في مواجهة محيط قبلي بربري مشلول أيديولوجيا ، تواقا الى الجمهورية التي بلغت قمتها في الجمهورية الريفية الانفصالية . ولكي تدوم وتترسخ تلك المعادلة .. معادلة المركز القوي ، ضد الأطراف الضعيفة ، عمدت الدولة المخزنية السلطانية الى نهج كل التكتيكات السياسية الضرورية / من تحالفات وغيرها / ، لقطع الطريق امام كل قبيلة ، يحتمل ان تشكل مستقبلا قطبا سياسيا منافسا ، ينازعها سلطتها الروحية ، وهيمنتها السياسية . لقد دام ذاك التوازن السياسي / باستثناء لحظة الانقطاع السعدي من القرن السادس عشر ، الى مطلع القرن العشرين ، مع بداية التغلغل العسكري الكلونيالي . 3 --- الدولة الكلونيالية : فكما ان الاستعمار الكلونيالي لم يذهب على صعيد القاعدة المادية ، الى حد التدمير الشامل لعلاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية . بل احتفظ بها ، وجعلها تتعايش مع نمط انتاجه الرأسمالي الجديد بإخضاعها له . كذلك على صعيد البنية السياسية الفوقية ، لم يذهب الى حد التدمير الكامل للدولة المغربية السلطانية . وانما رعاها و احتفظ بها ، مع تحويل كل سلطاتها الفعلية لصالح ادارته المحلية / الجنرال ليوطي Le général Lyautey والسلطان / ، وجعل دورها ينحصر في حدود الرمز الديني والوطني للبلاد / الطابع الشريف / .. . ان الدولة المغربية نظرا لطبيعتها الاجتماعية / السياسية ، لم يكن بوسعها ان ترضى بذلك الدور الرمزي الشكلي . فرغم كل الامتيازات المادية التي اغدقها عليها النظام الكلونيالي . ورغم امتداداتها الاجتماعية في البوادي / الاقطاع التقليدي / ، فهي قد اندمجت بالنظام الكلونيالي . الاّ انه ما انْ لاحت في الأفق بوادر تحسن في الوضع السياسي العالمي ، المتولد عن نتائج الحرب العالمية الثانية . وما ان برزت الحركة الوطنية البرجوازية / المركنتيلية ، كقوة سياسية حاملة لمشروع تحرري، برجوازي وطني ، حتى تحركت التناقضات الكامنة بين النظام الكلونيالي ، والدولة المغربية في شخص السلطان ، لتدفع بهذه الأخيرة الى الانحياز لصف الحركة الوطنية البرجوازية المدينية المطالبة بالاستقلال . 3 ) الدولة التقليدية : ان السؤال الأساسي الذي طرحته الفترة الموالية للاستقلال السياسي هو التالي : هل يمكن للمجتمع المغربي ان يتقدم في انجاز برنامج الحركة الوطنية البرجوازية / المركنتيلية ، الذي قد نعتبره في ظرفه ، برنامجا تقدميا ، بدون بلورة ، وتحديد موقف نظري واضح من مسألة الدولة ؟ . في اعتقادي ان عجز الحركة الوطنية البرجوازية المتناقضة مع جيش التحرير ، والموالية لشخص السلطان / خاصة في شقها وطرفها المتقدم - الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / ، عن تقديم حل نظري لمسألة الدولة ، يعتبر من العوامل الحاسمة التي حددت مصير المجتمع ، الى يومنا هذا بشكلها القائم حاليا . فلقد كانت هزيمة الحركة الوطنية ، هزيمة نظرية قبل ان تكون هزيمة سياسية . والهزائم النظرية في قضايا حاسمة مثل مسألة الدولة ، لا يمكن الاّ ان تكون هزيمة تاريخية ، نتائجها نشاهدها امامنا اليوم . ان الانشقاق داخل حزب الاستقلال / حركة 6 شتمبر 1959 / ، وحل تنظيمات المقاومة وجيش التحرير ، وطرد المجموعة التقدمية من الحكومة ، والانقلاب على الحكومة التي ترسها الأستاذ عبدالله البراهيم ، وبداية تكيف النقابة العمالية / ا م ش UMT / مع الوضع الجديد ، وانتفاضة 23 مارس 1965 ، واختطاف واغتيال وبدم بارد المهدي بن بركة ، والصعود الكاسح للأوفقيرية ، وبعدها الجنرال احمد الدليمي ، وبعده ادريس البصري ، وبعده فؤاد الهمة ، وامراء الظل الذين يجسدون الحكم الحقيقي اليوم ، وتغول البوليس السياسي ، واطلاق يديه في التنكيل بالشعب ، وانتهاكه لحقوق الانسان ، وهو الذي كان محط ادانة صارخة ومعرية منذ بضعة أيام ، في تقرير وزارة الشؤون الخارجية الامريكية Un rapport accablant .....الخ . ليست سوى مظاهر متعددة ، ومتسلسلة ، لهزيمة تاريخية اصلية ، تلقها الجناح المتقدم من الحركة الوطنية ، في وقت مبكر منذ نهاية الخمسينات . وقد كان حجر الأساس لهذه الهزيمة المدوية ، المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في يناير 1975 ، وما سيصبح عليه الحزب الذي اصبح مجرد عنوان باهت ، في زمن زائر الكلموتر 5 بطريق زعير ، ادريس لشكر . بيد ان عجز الحركة الوطنية في ذاك الوقت عن تقديم حل نظري لمسألة الدولة ، لم يكن فقط قضية شخصية تمس هذا ( الزعيم ) او ذاك . بل كانت أيضا قضية اجتماعية ، قضية تخلف مجتمعي ، ثقافي شامل ، أساس التخلف الفكري لدى النخبة السياسية القائدة . فان تكون لقائد تقدمي كبير من حجم المهدي بن بركة ، ويتوفر على إرادة نضالية قوية ، وموهبة سياسية عالية .. مواقف غامضة ومتذبذبة من مسألة الدولة .. فهذا معناه ان المسألة قد تتعدى حدود الشخص الموهوب . في هكذا أوضاع ، تصبح حركة الصراعات الاجتماعية ، السياسية المكثفة ، بمحنها ، ونتائجها السياسية القاسية . هي وحدها الكفيلة بالتجاوز ذاتيا ، شروط التخلف المجتمعي / الثقافي الموضوعية . ولكن حينما بدأ المهدي بن بركة يتلمس بعض الوضوح كان الوقت قد فات . لقد اعتقدت الحركة الوطنية انها قادرة ، في اطار حياد الدولة التقليدية ، / وهو حياد كانت تؤمن به / على انجاز برنامجها التقدمي ، في حقبة زمنية مقسمة الى ثلاثة مراحل : ا ) المرحلة الأولى تقتضي الاستيلاء على بيروقراطية الدولة . وهذا ما حصل فعلا . لان الحركة الوطنية ، هي وحدها كانت تتوفر على الأطر الإدارية ، والتقنية اللازمة لتعويض الأطر الأجنبية المنسحبة . ب ) المرحلة الثانية كانت تقتضي الاستيلاء على مؤسسات الاقتصاد العصري الأوربي / التأمينات والمغربة / . ج ) اما المرحلة الثالثة فتقتضي الاستيلاء على البادية / - اقتصاديا . اي تصفية السلطة الاقتصادية للإقطاع التقليدي ، وسياسيا ، القضاء على العلاقات الاجتماعية / القبلية العشائرية / وعلى رموزها الاقطاعية ، واستبدالها بمجالس قروية منتخبة ، ومؤطرة بخلايا حزب الاستقلال ، المغرب لنا لا لغيرنا . ان التجربة التاريخية لتلك المرحلة ، أكدت بالملموس على انّ برنامج الحركة الوطنية البرجوازية ، ولو في حدوده الدنيا ، يدخل في تناقض حاد مع دولة مثقلة بترسباتها التقليدية القروسطوية . انّ الدولة التي كانت قد رفضت في عهد الاستعمار الكلونيالي ، انْ يتحول دورها الى مجرد رمز ديني / وطني ، وهو الدور الذي فرضته عليها فعلا الإدارة الكلونيالية ، لا يمكن لها في عهد الاستقلال ، القبول بنفس الدور ، وترك السلطات السياسية الفعلية في يد حزب مهيمن / حزب الاستقلال . ان حزب الاستقلال لو كتب له ، كما كان يطمح ، ان يتقدم في انجاز برنامجه الوطني ، لشكل ذاك التقدم في حد ذاته ، عاملا من عوامل التقويض للأسس الاجتماعية للدولة التقليدية . لذلك عارضت هذه الأخيرة سياسة تنموية ، لا تتحكم في تطورها وابعادها . هكذا سيوضع المجتمع المغربي على مفترق الطرق التالي : --- إمّا ان يتقدم المجتمع مع احتمال تقهقر الدولة التقليدية . ملكية برلمانية او جمهورية . --- وإمّا الحفاظ على الجوهر التقليدي القروسطوي للدولة ، مع اعاقة تقدم المجتمع . وهو ما تمثله اليوم الدولة السلطانية العصرية من حيث الشكل . لكنها من حيث الجوهر الذي أساسه الحكم ، فالدولة السلطانية العصرية ، هي الامتداد الطبيعي ، والفزيولوجي ، والذهني ، و الخرافي ، للدولة السلطانة التقليدية القديمة .. وفي وضع مجتمعي لا يزال لم يستقر بعد ، كان يكفي ان تنحاز الدولة التقليدية لهذا الفريق او ذاك ، لمرحلة تاريخية بأكملها . ولان الدولة تقليدية من حيث طبيعتها الاجتماعية / السياسية ، فقد اختارت الانحياز الى صف القوى الاجتماعية التقليدية في المجتمع . ان بعض رموز الاقطاع التقليدي ، أمثال عدي اوبيهي ، ولحسن اليوسي ، والمحجوبي احرضان ، وامبارك البكاي لهبيل .. لخ ، المتخوفين من اجتياح حزب الاستقلال للبادية ، ونسف سلطة الاقطاع الاقتصادية والسياسية ، سيستغلون نفوذهم الأيديولوجي على الفلاحين ، وسيعملون على تعبئة الولاءات القبلية ، والعشائرية ضد حزب الاستقلال ، وبالأخص ضد جناحه التقدمي الذي سيتبلور في الجامعات الاستقلالية ، التي منها سيخرج مارد جديد ، باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . ولقد كان ذاك بداية التحالف الفعلي بين الدولة التقليدية ، والملاكين العقاريين الكبار الاقطاعيين ، تعمّق اكثر مع ظهور حزب القصر " الحركة الشعبية " كقوة سياسية إقليمية ، وسيتعمق اليوم شكل مذهل بسبب فراغ الساحة من معارضة الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات . فالموجود وحده في الساحة السلطان ، واعوانه من امراء الظل يمسكون بيد قوية الحكم ، ومن أصدقاء المعهد المولوي ... وكل الأحزاب تقتات من فضلات موائد السلطان ، تسبح بحمده ، وتتسابق لتنزيل مشروعه ، وليس برنامجه .. وبانتكاسة قوى التقدم يبدأ العد العكسي : فعوض ان تؤدي حركة المجتمع غداة الاستقلال الى تقهقر الدولة التقليدية ، كان حزب الاستقلال هو الذي بدأ يفقد هيمنته ، ويخلي المواقع تلو الأخرى ، لصالح التحالف الكمبرادوري /الاقطاعي/الفيودال / البتريركي . 4 ) الدولة والأحزاب : في هذا الجانب سنميز بين فترتين متقاربتين ، رغم انهما وجهان لعملة واحدة . الدولة والأحزاب في عهد الحسن الثاني ، والدولة والأحزاب في عهد محمد السادس . --- ا بدون شك او تأويل خاطئ ، الدولة في المغرب ، وانْ لم تكن تعتبر دولة الأحزاب ، باستثناء مرحلة تشنج سرعان ما زالت منذ الستينات وحتى سنة 1975 .. فان عهد الحسن الثاني كان بحق يمثل عهد الأحزاب ، فكان شخصيا يتولى كل ما يتصل ، و يتعلق بالأحزاب ، لأنه كان يوظفها في خدمة نظام حكمه ، من خلال إعطاء مصداقية لديمقراطيته التي كانت تؤثثها الأحزاب . وهنا فالأحزاب المقصودة بالعناية الملكية ، كانت الأحزاب المحسوبة على ( اليسار ) ، وبالضبط حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . وبعد الاحداث المسلحة في 3 مارس 1973 ، وهي الاحداث التي جاءت كتعويض لفشل الانقلاب العسكري الذي تورط فيه الفقيه محمد البصري ، ممثل الجناح الراديكالي المسمى بالاختيار الثوري ، وجاءت للانتقام من اعدام ضباط الانقلاب العسكري الذين اطلقوا على نفسهم اسم الضباط الاحرار بدون محاكمات ، وجاءت كذلك كجواب عن اختطاف ضباط ، وضباط الصف ، والجنود الذين اتهموا بالمشاركة في انقلاب الصخيرات سنة 1971 ، وانقلاب الطائرة في سنة 1972 ، ليلا من السجن المركزي بالقنيطرة ، وترحيلهم الى سجن تزمامارت الرهيب .... حتى ضغط الحسن الثاني على قيادة الحزب ، لتوضيح موقفها من النظام الملكي ، ودعاها الى تغيير النهج الذي تسبب في مآسي إنسانية ، واقترح على عبد الرحيم بوعبيد الملكي ، تغيير اسم الحزب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . كما ضغط على القيادة للقطع مع كل محاولات الركوب على الحكم من فوق . وقد توجت هذه المرحلة الحساسة في تاريخ الحزب ، وفي تاريخ الصراع على الحكم ، بعقد المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، الذي كان بحق مؤتمر ارتدادي ، ومؤتمر تصفية الحساب مع تاريخ الحزب الثوري ، المتمثل في قرارات المؤتمر التأسيسي ، وقرارات المؤتمر الثاني ، وخطابات صقور الحزب السياسية ، وعلى راسها المهدي بن بركة ، والفقيه محمد البصر . كما تجسد الماضي الراديكالي للحزب في الهبّة المسلحة في 16 يوليوز 1963 ، وفي مشاركة افقير انقلاب الطائرة في 1972 ، وفي الاحداث المسلحة المعروفة ب 3 مارس 1973 . هكذا سينتقل الحزب الى النضال ضمن ما سماه بالمنهجية الديمقراطية . أي النضال من داخل النظام لإصلاحه ، في حين ومع مرور الوقت ، فان النظام هو من اصلح الحزب ، حين حوله الى مجرد بوق ينفخ في مشاريع النظام ، حتى التي فشل فيها .. وبالرجوع الى ما يسمى بالمنهجية الديمقراطية ، فهي لم تعني الدولة الديمقراطية / الملكية البرلمانية . بل كانت تعني ان يقود الحزب الذي نجح في الانتخابات ، حكومة جلالة السلطان ، لتنفيذ برنامج السلطان ، ضمن مشروع السلطان الذي يؤثث اليوم لتعميمه في كل المغرب . وهو ما قام به عبدالرحمان اليوسفي عندما تولى حكومة تصريف الاعمال ، لنقل الحكم من سلطان الى سلطان اخر ... في هذه الفترة العصيبة في التاريخ السياسي المغربي ، عندما طرح النظام قضية الصحراء ، وعندما اندمج الحزب ، وكل الأحزاب في الدفاع عن الصحراء تحت رعاية جلالة السلطان ، اصبح دور الحزب هو المشاركة في حكومات جلالة السلطان ، بعد ان تنازلوا عن مطلب اقتسام الحكم / السلطة ، ومن قبل تنازلوا عن مطلب الحكم . وبتصريح الأستاذ محمد الساسي قال لم نعد جمهوريين . نحن ملكيين ديمقراطيين .. أي ملكية نصف برلمانية .. ورغم العناية التي كان يوفرها الحسن الثاني للمعارضة السلطانية ، من جهة لتزيين نظام حكمه ، ومن جهة لخلق شَبَه جبهة ضد اليسار الجديد السبعيني الذي استأثر بالساحة الجامعية ، ووصل الى قيادة المنظمة الطلابية بعد المؤتمر الخامس عشر / غشت 1972 .. ورغم حرص تلك الأحزاب على المشاركة في كل انتخابات السلطان .. الاّ انها لم تكن تحقق الفوز المطلوب ، من جهة بسبب اعتمادها على النخبة المثقفة التي كانت محاصرة ، ومن جهة لأنها كانت تفتقر الى قاعدة شعبية ، سيطرت عليها أحزاب وزارة الداخلية ، وبسبب تدخل هذه الوزارة في تزوير الانتخابات . ب --- اذا كانت حقبة الحسن الثاني بحق تعتبر حقبة الأحزاب التي كانت تتفاعل مع كل مبادرات الدولة ، مع الاحتفاظ بالحق في معارضة بناءة وعاقلة ، فان وضعية الأحزاب في حقبة محمد السادس أصبحت لا تطاق . فمن جهة ماتت الأحزاب كما عُرفتْ في مرحلة الحسن الثاني . فعوضتها الحزبوية في فترة محمد السادس . كما ماتت السياسة في عهد الحسن الثاني ، ولتعوضها السياسوية في عهد محمد السادس ، ومات البرلمان بموت الحسن الثاني ، وبموت البصري ، لتسود في عهد محمد السادس البرلمانية ، ومنها الرداءة التي مثلتها الوجوه القبيحة La mochetè لحزب العدالة والتنمية خاصة ، وبشهادة كل من يشتغل بالشأن العام . وبعد ان كانت الجماعات الاسلاموية في عهد الحسن الثاني تترجاه ان يسمح لها بالقليل من النشاط السياسي ، سنجد في حقبة محمد السادس ، ينجح حزب العدالة والتنمية بحصد 107 مقعداً بالبرلمان ، رغم انه جاء بشكل انتهازي الى الحكومة ، بعد سطوته على نتائج حركة 20 فبراير التي وقف ضدها . أحزاب اليوم تحولت الى مجرد صدفيات فارغة ، تحرص اكثر على ارتباطها بالنظام ، وليس هذا الأخير من يحرص على ارتباطه بها ، كما الحال في حقبة الحسن الثاني . فمن السبب في هذا التقهقر ، والتدهور الذي أصبحت عليه الأحزاب ، وبما فيها أحزاب وزارة الداخلية ، كحزب صديق ومستشار الملك " الاصالة والمعاصرة " ؟ . من خلال تتبع كل المراحل التي قطعتها الدولة المغربية ، خاصة في علاقتها مع الظواهر الحزبية التي تلاشت اليوم ، ولم تعد تلعب الأدوار التاريخية المسنودة اليها ، فان السبب الرئيسي يكمن في طبيعة الدولة التقليدية نفسها . -- انّ دولة لا تربطها بالمجتمع علاقة سياسية متطورة ، تسمح باندماج وانصهار كل الخصوصيات الاجتماعية في بوتقة المصلحة المجتمعية العامة .... -- وانّ دولة تريد ان تكون فوق المجتمع بأكمله ، بدون ان تكون في الوقت نفسه قادرة على عكس وتمثل تناقضاته وانقساماته .. انّ هذه الدولة محكوم عليها الاّ ترى المجتمع ، الاّ على شاكلتها هي ، وعلى صورتها الخصوصية . أي على انه ليس مجتمع الفئات والطبقات الاجتماعية المتبلورة الى هذا الحد او ذاك ، ولكنه مجتمع الذرات الاجتماعية المتناثرة هنا وهناك .. مجتمع القبائل ، والعشائر ، والطوائف ، والاقاليم ، والعمالات ، والاثنيات ، والاسر الكبيرة . وفي وضع مجتمعي هذه هي حقيقته من زاوية الدولة التقليدية السلطانية ، يتعين اذن على الأحزاب السياسية الحقيقية التي لم تعد موجودة ، وإنْ وجدت افتراضا ، الاّ تطمح الى الارتقاء الى مستوى تمثيل مصالح الفئات ، والطبقات الاجتماعية ، وانّما عليها ان تلتزم حدود الوضع التشرذمي ، كما تراه الدولة التقليدية حتى تسود لوحدها . ومرة أخرى نكتشف في صلب العلاقة القائمة بين هذه الدولة والمجتمع ، جوهر العلاقة التي كانت سائدة في عهد الدولة المخزنية السلطانية ، مع تغيير فقط في اللباس ، والزي العصري ، والفيلات الراقية ، والسيارات الفارهة ، والهاتف النقال ، والأجور الضخمة .. ذلك انه اذا كان التوازن السياسي في العهد القديم ، يقوم على ضرورة وجود دولة قوية في مواجهة عدد كبير من القبائل المشتتة والضعيفة ، فإنه يقتضي اليوم ، في ظل شروط تفكك النظام القبلي ، وجود دولة مركزية قوية ، في مواجهة عدد كبير من الأحزاب السياسية المشتتة ، والضعيفة التي أصبحت مجرد صدفيات فارغة . من هنا يتضح ان الدولة التقليدية ، إذا كانت تحتمل ، وربما تحبذ وجود عدد من الأحزاب السياسية ، بما فيها الحقيقية ، فإنها من ناحية أخرى ترفض . بل وتعادي ان يتحول حزب ما ، الى قوة سياسية ، واجتماعية كبرى ، ولو كان هو حزب الاصالة والمعاصرة ، او التجمع الوطني للأحرار ، او الحركة الشعبية ، او حزب الاستقلال .....الخ .. وبما ان الدور الأساسي للأحزاب في الدولة التقليدية ، ليس هو الحكم ، وليس هو اقتسامه ، وليس هو تطبيق برنامج الحزب ،.. فان الدور الرئيسي الموكول لها من طرف الدولة ، هو المشاركة فقط في الانتخابات ، بحيث ينتهي دور الأحزاب كهيئات تمثل المنتمين اليها ، وتتنافس البرامج ، بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات المصنوعة والمتحكم فيها ، وليصبح اللاعب الأساسي ولوحده في الساحة هو السلطان / القصر . ان الانتخابات نفسها تأخذ في ظل الدولة التقليدية معاني مغايرة . فإذا كانت الانتخابات بوجه عام ، تشكل مناسبة يبيحها المجتمع للتعرف عن القوى السياسية الفاعلة ، والمؤثرة ، ولدفعها للمشاركة في تسيير شؤون البلاد .. تصبح الانتخابات في ظل الدولة التقليدية السلطانية العصرية ، مناسبة لتجديد الصلة والولاء ، بين المجتمع ، وبين الدولة التقليدية السلطانية ، لإضفاء الشرعية اللاهوتية ، والشعبية التائهة الغير موجودة ، على الدولة التقليدية . وهذا يفقد الانتخابات جوهرها وركيزتها السياسية ، ويجعلها في الدولة المغربية مجرد تسلية لصنع خرائط سياسية مزيفة وكاذبة ، واندماج الجميع ( حكومة ومعارضة ) في خدمة مشاريع السلطان ، ضمن خدمة مشروع السلطان ، واسرته ، وعائلته ، وأصدقائه ، وأصدقاء اصدقاءه .. وهكذا حتى تصل الى اسفل درج في سلم أصدقاء الأصدقاء ، ومن المقربين لهؤلاء الاصدقاء .. هنا فان أصوات الاقتراع المعبر عنها في المواسم الانتخابية / المسرحيات المُلعبة ، لا تملك اية قيمة معيارية مؤثرة على الصعيد السياسي العام ، باعتبار ان القضايا الأساسية لا تحددها صناديق الاقتراع ، وانما تحددها شروط التوازنات السياسية ، بين الدولة والمجتمع ، التي هي بالضرورة عملية خارج انتخابية . ان الدولة التقليدية انْ كانت فعلا في مرحلة تاريخية ، قد عكست وعبرت عن بنية تقليدية متخلفة ، تميز بها المجتمع ككل ، الاّ انها مع التطور التاريخي ، قد تجاوزت دورها الأصلي ، دورها كمجرد انعكاس لبنية المجتمع التقليدية المتخلفة ، لتصبح هي نفسها أداة فاعلة في المجتمع لترسيخ بنيته المتخلفة تلك . أي دولة متخلفة بارعة في انتاج وصناعة التخلف ، لان كل ما هو عصري حديث يتناقض مع مشروعها الجاري به العمل للتنزيل . هكذا إذن يبرز كل الثقل الذي تضغط بكاهله الدولة التقليدية على المجتمع ، وهكذا يصبح تحديث الدولة شرطا ضروريا لوجودها ذاته .. أي وجود علاقة فوق قبلية ، فوق إقليمية ، فوق اسروية .. وباختصار وجود علاقة سياسية فعلية بين الدولة والمجتمع ، تمثل مصالح الشعب ، والأمة التاريخية ، والحضارية ... لذا ففي غياب الدستور الديمقراطي الذي ينصص للدولة الديمقراطية ، فان استمرار الدولة التقليدية ذات البنية المتخلفة الأركاييكية Archaïque سيستمر كما هو ، ومن ثم ففي هكذا وضع يصبح مقاطعة الانتخابات فرض عين وواجب وطني ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرلمان الاسباني .
-
الى الضابط السابق في الجيش الملكي ، المعارض لمغربية الصحراء
...
-
11 ابريل 2007 - الحكم الذاتي - .
-
المعارضة في الاسلام
-
هل سيكون للرسالة الشخصية - لبيدرو سانشيز - رئيس الحكومة الاس
...
-
اهم مصطلح ساد في السبعينات اسمه - الانفتاح والاجماع -
-
زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى الرباط ، والى الجزائر العاص
...
-
هل يجري اعداد حلف ضد ايران ؟
-
الحكم الذاتي
-
رسالة رئيس الوزراء الاسباني ، الى السلطان العلوي محمد بن الح
...
-
رعايا السلطان المعظم ، يتدورون الفقر ، والفاقة ، والجوع ، بس
...
-
لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود
...
-
ذكرى ثورة فشلت حتى قبل اطلاق الرصاصة الاولى مع برنامج الحركة
...
-
التحالف الطبقي السلطاني
-
الاحكام البولسية للدولة السلطانية .
-
رئيس الحكومة الاسبانية السيد - بيدرو سانشيز - يستقبل ابراهيم
...
-
الاتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة
-
ثمانية وثلاثون سنة مرت على مجزرة 1984
-
النظام السلطاني المغربي مقبل على تحدٍّ كبير . يومي 17 و 18 م
...
-
الصحراء الغربية / الصحراء المغربية
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|