|
الذكور المتحرشون بالنساء من صناعة تفكيرنا وثقافتنا
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7218 - 2022 / 4 / 14 - 03:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الذكور المتحرشون بالنساء من صناعة تفكيرنا وثقافتنا ------------------------------------------------------------- قرأت منذ عدة أيام ، عن مطالبة بعض جمعيات حقوق الإنسان ، وجمعيات حقوق النساء ، بضرورة إصدار تشريع أو قانون عاجل ، يعتبر " التحرش الجنسى " بالمرأة ، بمثابة جريمة " هتك االعرض " ، وأن تكون العقوبة أغلظ وأشد ما يمكن . وقرأت أيضاً ، رأى بعض الشخصيات العامة فى مجالات الإعلام ، والاجتماع ، وعلم النفس ، والثقافة فى قضية " التحرش الجنسى " بالمرأة . والتى يؤكدون وفقاً للدراسات ، والبحوث الميدانية ، وبناء على متابعة مستمرة لصفحة الحوادث فى المجلات والجرائد ، أنها أصبحت " ظاهرة " ، وتحتاج التدخل السريع ، بالقانون . يقولون أن " التحرش الجنسى " بالمرأة ، أصبح نمطاً شائعاً فى السلوك اليومى . فى الشوارع ، فى وسائل المواصلات ، فى أماكن العمل ، فى المصالح الحكومية ، التى ترتادها النساء لقضاء مصالحهن ، وكذلك فى البيت . هناك أنواع مألوفة مستترة من "التحرش الجنسى " بالمرأة والأطفال الإناث ، تتم من قبل ذكور العائلة ، والذكور ، الأقارب . والبعض تكلم عن التحرش بالنساء من جانب الأزواج . وهى أنواع أكثر صعوبة من التعقب ، والمتابعة ، وبالتالى للرصد . لأن المرأة ، فى ثقافتنا تخاف من مجرد التلميح عنها ، إما تجنباً للإيذاء من الذكور المعتدين ، أو ستراً للفضيحة ، أو لشعورها بالخجل ، والذنب ، والعار. والجميع ، يتفقون على وصف مجتمعنا ، نتيجة هذه الظاهرة ، بالانحدار الأخلاقى المزرى ، غير المسبوق وبانهيار فى القيم ، فاق كل معدل مألوف . لست بالطبع ، أنكر هذا السلوك العنيف ، ولا أستهين " بالتحرش الجنسى " ، الذى تتعرض له المرأة فى جميع مراحل عمرها ، وفى كل أشكاله ودرجاته ، ولا أقلل من حجم الحالات التى نراها ، ونسمع عنها ونقرأ نتائجها . ولست أيضاً ، ضد الجمعيات التى طالبت بقانون وعقوبة غليظة ، تعاقب " التحرش الجنسى " كجريمة هتك العرض ، باسم حقوق الإنسان ، أو باسم حقوق النساء. وبالطبع مؤشراته ، أنه " انحدار أخلاقى " من الطراز الأول ، وغير مسبوق فى بلادنا . ومع ذلك ، لست مرتاحاً إلى هذه الضجة الإعلامية ، تعلو مع كل حالة تحرش ، والتى تدين " التحرش الجنسى " بالمرأة، وتتهم الشباب الذكور بـ " الانحدار الأخلاقى " غير المسبوق . هؤلاء الذكور من صناعتنا نحن . والسبب ، أننا نتعامل مع قضية " التحرش الجنسى " بالمرأة ، كعادتنا فى التعامل مع جميع القضايا ، بمنطق الاستسهال ، وإصدار قرارات وعقوبات ، تتناول النتائج ، وتقوم بـ " تسكين " الأعراض ، والأعراض ، وتخدير الألم . لكننا لا نتعرض إلى التشخيص الجذرى عن أصل المرض ، حتى يتم استئصاله ، وإبادته على المدى القصير والمدى الطويل . دائماً نمسك فى الفروع ، والذيول .. ونترك الجذور ، والرءوس . إن " التحرش الجنسى " بالمرأة ، ليس إلا عرضاً للمرض الأصلى المتوطن ، وهو العقلية السائدة منذ آلاف السنوات ، التى تختصر المرأة إلى " كتلة لحم " ، تسبب الهياج الجنسى للذكور ، الذين تبقى غرائزهم ساكنة ، كامنة ، إلا إذا رأوا أمامهم " كتلة اللحم " المثيرة . المرض الأصلى ، الذى لم يطالب أحد بإصدار تشريع لإلغائه ، وتجريمه ، هو الثقافة الأخلاقية غير العادلة ، ذات المقاييس الأخلاقية المزدوجة ، التى تُورث للنساء ، والرجال. المرض الأصلى ، ألا وهو التفرقة الجنسية ، والإنسانية ، بين الرجال والنساء ، فى جميع مراحل أعمارهم ، هى التى خلقت لنا الرجل الذئب ، الذى لا هم له إلا تعقب الفريسة الأنثى " كتلة اللحم " ، ليصطادها ، أو يتسلى بها ، أو يأكلها . وخلقت لنا ، المرأة التى لا تنظر إلى نفسها ، إلا باعتبارها محرضاً لأحط غرائز الذكور ، غير المتحكم بها ، التى إن طالتها ، لن تتركها إلا فاقدة العذرية ، فاقدة الوعى ، فاقدة الكرامة ، وربما فاقدة الحياة . ومن أجل تفادى الأذى ، ارتدت الحجاب والنقاب ، كما حاصرها الفكر الاسلامى الوهابى المتغلغل فى مصر ، منذ منتصف سبعينات القرن الماضى . إن " التحرش الجنسى " بالمرأة عنف ، وإرهاب ، وجريمة ، وقلة أدب ، وانحطاط أخلاقى ، وانفلات شهوانى حيوانى . ولكن كل هذه الأمور ، ما هى إلا نتائج طبيعية ، واردة ، متوقعة ، للثقافة الذكورة السائدة ، التى تتمسك بها مجتمعاتنا ، كأنها لا بديل لها . إن " التحرش الجنسى " بالمرأة ، بمثابة " حفرة " صغيرة ، الجميع يتشطرون عليها . لكن هذه " الحفرة " . لا تقارن بــ " البئر " العميقة ، التى نحن مُلقون فيها . وهى التفرقة التاريخية المزمنة ، بين الرجال ، والنساء ، لصالح هيمنة الذكور على أرواح ومصير وأجساد النساء . إن المرأة التى يتم التحرش بها جنسياً ، قد خضعت قبل ذلك ، إلى أنواع عديدة ، وكثيرة من التحرشات الثقافية والاجتماعية والإنسانية . تحرشات إنسانية يعتبرها البعض طبيعية ، منشقة من التفسيرات الدينية . متلائمة مع طبيعة المرأة القاصرة الشيطانية ، متوافقة مع غاية خلقها ، فى طاعة الذكور وأتباعهم . منسجمة مع احتواء المرأة لجميع الشهوات المتدنية . وتمهد المرأة لتكون ملكية خاصة فى الزواج ، والأسرة . ومن حق الذكر فعل أى شىء ، فى ملكيته الخاصة . إن " التحرش الجنسى " بالمرأة لهو مجرد " الصدى " . لكنه ليس " الصوت " . عليكم بالصوت الذى يجب أن نخرسه الى الأبد ، .. حتى لا نسمع الصدى أبداً ، وخاصة ، أن العقوبات القانونية ، لا تحل الأمراض المتوطنة. ماذا يفعل القانون المغلظ ، حتى لو كان رادعا ، حازما ، سريع الانجاز ، أمام ثقافة وهابية سلفية ، مازلت مسيطرة ، ولديها امكانات ضخمة فى الاعلام ، والتعليم ، ونشر الكتب الدينية غير صالحة للانسانية والعدالة والمنطق . ثقافة لا نواجهها بثقافة مضادة مغايرة ، تبتر الفكرة من جذورها ، وتستأصل بقاياها ، وترش مبيدات قاتلة لسمومها . من المحزن أن مصر لم تعرف " التحرش الجنسى " من قبل ، والذى بدأ فى ثمانينات القرن الماضى . بالطبع كانت هناك معاكسات فى الشوارع ، لكنها لم تكن تتطور الى لمس جسد الفتاة أو المرأة ، أو الانقضاض عليها واغتصابها . وكلما زادت تغطية المرأة ، زاد التحرش . هذه حقيقة تثبتها الأرقام والاحصائيات فى بلادنا ، وفى المنطقة العربية ، وغيرها من الدول التى تفرض على النساء الاختفاء عن الأعين ، تطبيقا للاسلام النسخة الوهابية والسلفية . اصدروا ما شئتم من قوانين . لكن تغيير الثقافة هو المناعة الحقيقية الدائمة ، لأنسنة المرأة ، وتهذيب أخلاق الرجل تجاه النساء . من كتاب " استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق " 2008 ------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- التبرك - بالعقل و - ارضاع - العدل
-
المناصرون لحزب الله والبحث عن بطل
-
هل جماعة الاخوان - محظورة - حقا ؟؟
-
الانتحار .. صرخة احتجاج ضد الحضارة العالمية
-
جريمة - ختان العقل - فى الصحف الدينية ... نعيش فى عصر - الكف
...
-
- شو - عمرو خالد وغضبة القرضاوى
-
لا مستقبل للاخوان المسلمين على أرض مصر
-
سيدة ليبيريا الحديدية والنموذج الاسلامى للمرأة
-
النساء الكويتيات يحترقن ليضيئن للرجال
-
تجربتى مع أحد التاكسيات الاسلامية
-
الليبرالية الحنبلية لحزب الغد
-
قانون نقل الأعضاء من الموتى .. لماذا لا يصدر ؟؟
-
كونداليزا رايس ..... أليست امرأة ؟!
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 5 )
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 4 ) الجمال فى الفكر الاسلامى
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 3 )
-
تأملات فى مفهوم الجمال ( 2 )
-
تأملات فى مفهوم - الجمال - ( 1 )
-
النيولوك للاخوان المسلمين .... الجهاد على أنغام الموسيقى الش
...
-
وظيفة شكلية - تصحيح صورة الاسلام والمسلمين -
المزيد.....
-
إليك ما نعرفه عن اصطدام طائرة الركاب ومروحية بلاك هوك وسقوطه
...
-
معلومات سريعة عن نهر بوتوماك لفهم مدى تعقيد البحث عن حطام ال
...
-
أول تعليق من ترامب على حادثة اصطدام طائرة ركاب ومروحية عسكري
...
-
حوافه حادة..مغامر إماراتي يوثق تجربة مساره بوادي خطير في قير
...
-
كيف نجا قائد الطائرة إف-35 -الأكثر فتكا في العالم- بعد تحطمه
...
-
إيطاليا تعيد كنوزا عراقية منهوبة.. قطع خلدت ذكرى من شيدوا ال
...
-
FBI يستبعد العمل الإرهابي في حادث اصطدام طائرة الركاب بمروحي
...
-
بعد كارثة مطار ريغان.. الإعلام الأمريكي يستحضر آخر حادث كبي
...
-
جورجيا تنسحب من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بعد مطالباته
...
-
الائتلاف الوطني السوري يهنئ الشرع بتنصيبه رئيسا للجمهورية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|