|
ما يشبه القص ( 3 )
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7216 - 2022 / 4 / 12 - 11:41
المحور:
الادب والفن
تتكسر الأقلام احتجاجاً كلما كتب شيئاً على الورق ، ويتطاير حبر المسودات . وكلما حاول ان يدون بعض ما عنّ بخاطره من افكار على صفحته الرسمية في الفيسبوك ، او في سواها من مواقع التواصل الاجتماعي : تعصف الرياح ، وتنفض الأشجار اوراقها ، وتغادر الأنهار مجاريها ، وتهتز اركان البلاد الاربع : عائدة الى الوراء ، الى ما قبل العصور الحجرية ، الى أزمنة الصيد وجمع الغذاء بكراً من الطبيعة …
منذ ولادته جر النكد على نفسه وعلى من حوله : جف ثدي امه ، وجف ضرع الارض ، وضرع جميع الحيوانات . وكاد يفطس من الجوع ، لولا ان جارتهم العجوز سمعت صراخه ، فتذكرت كلبتهم التي ولدت البارحة ، فنادت على الام من وراء الجدار الطيني الفاصل بين داريهما ؛ - يا حليمة ، يوجد حليب في ضروع كلبتنا ، وبأمكانك ان تسدي جوع الطفل منها . داخت الام عند سماع هذا النداء ، وبحركة لا إرادية تلمست نهديها ، وحنت جسدها ، ومدت يديها الى الارض ومشت على اربع مثل الحيوانات . شعرت وهي تمشي على اربع بضرورة استبدال أصابعها بمخالب : لتدرأ عنها انياب ومخالب الكلبة ، " وماذا عن الجراء " ، سألت نفسها : " ستستنفر الكلبة كل قواها ، ما ان تراني ، للدفاع عن جرائها " فردت على العجوز قائلة : " ستعضني الكلبة يا ام حسن " . جاوبتها العجوز بگحة طويلة تشبه نباح كلبة تلعب مع جرائها قائلة اجلبي "ممة " الرضيع معك . ومنذ تلك اللحظة سقطت القبيلة ، وسقطت المنطقة في ليل طويل من الجوع ، ولم يعد حصاد الارض بالوفير في فصول السنين اللاحقة .
لم تزود الطبيعة وجه هذا الرضيع بتقاسيم مشرقة ولا بشوشة ، ولم تمنحه ما تمنح الاطفال عادة من حركات وأصوات يتحبب بها الى نفوس مشاهديه . ظل اخوته يقفون على مسافة منه ، ولم تمتد اكفهم يوماً وتحمله الى صدورهم ، كان وجهه جافاً وعيناه مطفأتين ، وكان لون شفتيه يميل الى الزرقة التي تجعل الأصابع تنكمش قبل ان تمتد لمداعبته . وقد اخبر احد حراسه لاحقاً : بأنه لم يشعر بدفء العلاقة مع اي كان بشري ، وكان يحس بأن أصابعه تنحني على بعضها حين يدخل الزوار حجرته ، ويدنون من مقدمة مكتبه ، فيطلب منهم الجلوس وشرح مشكلاتهم : قبل ان تمتد اكفهم لمصافحته ...
ولم تستطع أمه كبت الروائح التي تتطاير من جسده وينفثها جوفه . ولم ينفع في علاجها : لا تحميمه المستمر ، ولا تعريضه لاشعة الشمس وتركه في الهواء الطلق لساعات ، وكان أقارب العائلة وأصدقاؤها لا يطيلون المكوث ، ينظرون اليه شزراً كما لو لم يكن موجوداً ، مع انه مرمي أمامهم في زاوية الغرفة ، ملفوفاً بقماطه السميك ، ولكنه لا يتحرك ولا تصدر عنه اية نأمة ، فلا يطيلون زياراتهم ويتراجعون الى الخلف كما لو كانوا يتراجعون عن جيفة هربت من رائحتها الطيور الجارحة . الا انهم يظلون لساعات طوال : كما لو انهم لم يغادروا حجرة الرضيع الطينية - يشمون روائح المزابل والإسطبلات ، اما امه فمنذ ولادته لم تخرج من البيت : لا الى مأتم ، ولا الى فرح : كانت تعي انها تحولت الى نافورة من روائح عطنة ، فاضطرت الى اعتزال فراش والده ، الذي هرب الى سكن الكوخ الصغير الكائن شمال البيت ...
ملحق 1 - طوى الموت أسراره وحملها معه الى القبر . كان يعشق الموت الصامت ، ولا يحبذ النطق والحوار بعد الوفاة . ولذا لم يعلق ذاكرته امام الناس كشاشة عريضة ويدعوهم لقراءتها ، فهو لم يترك وراءه مذكرات ولا سيرة ذاتية ولا يوميات . لم يرد لاحد الاطلاع على الدوافع الكامنة وراء قراراته . لقد بث بين الناس بانه اتخذ قراراته بوعي وبارادة حرتين ، وان المتآمرين وحدهم يتحدثون عن وجود قوى أجبرته على ان يتخذ هذه القرارات ، ولا يتخذ ما يناقضها . 2 - وحتى بعد موته يستمر السياسي في اكل حقوق الناس ، واول هذه الحقوق المغدورة هو السماح للموت بدفن اسرار نشاطه السياسي والحكومي معه ، مع ان ما اتخذه من قرارات وهو يزاول نشاطه الحكومي تظل ملتصقة بحياة الناس ، ولا تغادر معه الى الموت فهي ملكية عامة وليس خاصة . 3 - لا الملك ولا رؤساء العهد الجمهوري : مارسوا كتابة اليوميات والمذكرات . لو فعلوا ذلك ، لنزعت الشعوب عن وعيها الكثير من الاوهام التي نشرها الساسة عن نضالات( هم ) وبطولات (هم ) والهام( هم) ، ولتلمسوا الاسباب والعوامل : الداخلية والخارجية الحقيقية ، ولكذبوا دعاية السياسيين الذين روج اعلامهم : ان مصلحة الوطن كانت وراء قرار تحويل رؤساء العشائر الى إقطاعيين ( الملك ومجلس نوابه ) أو قرار الإعدام للمعارضة عام 1948 ( نوري السعيد ) او قرار الانقلاب العسكري ( عبد الكريم وعبد السلام ) أو قرار تدخل الفقيه في مسار الصراعات الاجتماعية والسياسية ( آيات الله : محسن الحكيم وعلي السيستاني ) وقرار الحرب ( صدام حسين ) ، أو قرار عدم مواجهة الغزاة ( نوري المالكي ) . 4 - كانوا جميعاً نرجسيين ، يعشقون ذواتهم حد العبادة ، منفوخين بالادعاء الكاذب بوجود قوى فوق طبيعية تمدهم بالإلهام والحكمة ، لكي يبرروا تقاعسهم عن عدم الكتابة عن أيامهم في الحكم . فهم يكررون القول بان شعوبهم ليسوا بحاجة الى مراجعة مذكراتهم وسيرهم الذاتية ، طالما هم ملهمين ومعصومين ، وهم في الحقيقة : خائفين من رؤية الناس لهم عراة من غير حجاب . 5 - نرجسيتهم العالية توسوس له بان الآخرين اذا ما اطلعوا على ما كتبوه من يوميات فسيحولونها الى فضائح تاريخية . ومثلما حرموا شعبهم من هذه المعرفة الضرورية ، حرموا الباحثين من دراستها واستخراج الحكمة السياسية منها . صحيح انه توجد عندهم صفحات إلكترونية في الفيسبوك وتويتر وسواهما ، ولكنها صفحات رأي وصفحات دفاع عن مصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما يشبه القصة
-
قصة من قصص الف ليلة وليلة
-
الحرب الروسية الاوكرانية
-
لم استطع دخول حفلة أنغام .. فكتبت
-
عضلات ايران البالستية
-
آلهة البدو / الجزءالثاني / 5من 5
-
آلهة البدو الجزء الثاني ، 4 من 5
-
آلهة البدو : الجزء الثاني 3 من 5
-
1 و 2 من 5 / من مقال آلهة البدو - الجزء الثاني ،
-
أوكرانيا - العراق
-
آلهة البدو
-
حفلات رئيس الوزراء البريطاني وقوانين محاربة - كورونا -
-
محطات
-
هي التي لا يحدها اسم إشارة
-
من يجدد وحدة العراق ؟؟؟
-
مجلس الامة واكفان مقتدى الصدر
-
احذروا هذه الظاهرة
-
هل ستنبت لي اجنحة ؟
-
عبور الازمنة
-
من - ديوجين - الى شنور
المزيد.....
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|