|
حين يبدأ الصمت بالكلام
حارث الخضري
كاتب وأكاديمي
(Harith Kadhim)
الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 06:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- الذهب ام اطلاقة مجانية من الامثال المهمة "اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من...." وبما ان مجتمعنا لا يختلف عن جيرانه الشرقيين، بتفضيله الذهب على باقي المعادن فانه دائماً ما يلجأ الى الخيار الثاني.. الصمت سيكفينا (دوخة الرأس) والدخول في سلسلة من نقاشات لن تنتهي، بل انها قد تمتد لتوصل صاحبها، اذا أصر على متابعة الكلام، الى محاكمة سريعة بتهمة الهرطقة واطلاقة في الرأس. لكن المهم ان عائلة المقتول لن تضطر هذه المرة لدفع ثمن الاطلاقة.. 2- بغداد صامتة.. حينما نجلس.. كثيراً ما نتذكر كيف أننا متيمون بشوارع بغداد لاسيما حين ترتدي حلة ما بعد منتصف الليل. كان لي صديق يرفض تماماً ان يستقل سيارة الى شقة نسكنها في الكسرة... فالمسافة الفاصلة بين فندق السدير في ساحة الاندلس حيث عمله والكسرة يجب ان يعبرها سيراً على الاقدام.. درجة ان هذا المشوار- باصرار من صديقي. غدا تقليداً مسائياً رصيناً لجميع افراد (الشلة). كانت شوارع المدينة هادئة ولذيذة.. وكنت شخصياً أميل الى عبور شارع الرشيد. اليوم... تبدو الصورة غير تلك.. فالدخول في الرشيد اصبح ضرباً من الجنون، وأنا هنا اتكلم عن نهارات بغداد بعد ان خرج الليل من حسابات أهل بغداد. ورغم اني تجاوزت سن الرشد منذ سنوات، ما زال ابي يصر على رفض فكرة ان اتجول في شوارع المدينة. حتى ابي تغيرت افكاره كثيراً عن الماضي. ومع اعتراض الوالد اجدني مجبراً على الانسحاب بصمت وممارسة هوايتي الجديدة في البحث عن مدينتي بين الركام. أعود الى صديقي الذي انقطعت علاقته ببغداد منذ سنوات، هاتفني ذات مساء متسائلاً عن احوال المدينة واناسها ومدى محافظتي على ذلك التقليد القديم. لم اجب على سؤاله.. فمحدثي يبدو أنه قادم من المريخ، وان كانت كلماته قد اثارت سؤالاً في مخيلتي اكبر غباء من محاولة البحث عن اجابة في زمن يترنح الناس فيه هلعاً من سيارة مجهولة ان لم تحيلك الى أشلاء فستركبك عنوة في صندوقها. وما ان تطأ قدماك الشارع حتى تدرك ان بغداد مدينة صمت، هكذا تحولت العاصمة الى مدينة صامتة، رغم حرارة الاحداث التي تتوالى على جنباتها... ويبدو ان المدينة اقتنعت اخيراً باهمية صمتها واوكلت أمرها الى الله..!! لم اتحدث بعد ذلك وصديقي كان واضحاً ان بغداد شكلت الجسر الذي يربطنا، ولما التزم جسرنا العتيق الصمت قررنا نحن كذلك. 3- عندما تتغير الاسماء: انا أثق بحسن نيات المسؤولين في البلد، لكني لا اثق بجميع ما ينشر. ظاهرة أخذت تحتل مكاناً مميزاً في صفحة الاعلانات السريعة والقصيرة اصحابها يعلنون من خلالها تغيير اسمائهم لامر ليس سيئاً الى حد يبعث القلق، فانا أرى ان مواطني العاصمة ملوا اسماءهم كما ملوا اوضاعهم الاخرى بدءاً بطوابير تخترق حياتهم عنوة وانتهاءً بمانشيتات الصحف العريضة. اعتراض صامت لكنه مكتوب في زمن تحول الاسم فيه من اشارة لغوية للدلالة وتمييز الافراد عن بعضهم الى لعنة قد تحيلك الى بناية الطب العدلي في باب المعظم بعد ان ازدحم دجلة بمريديه المرغمين على زيارته، وذلك طبعاً لأنك ومن خلال اسمك من الممكن ان تغدو خطراً على القانون الذي يتغير بتغير الأمكنة في العاصمة. من هنا جاء قراري بحذف اسماء من ذاكرة هاتفي المحمول، يراها البعض تنحاز الى تيار معين وابقاء الاسماء المحايدة فقط.. أوليس الحياة نوع من الصمت؟. 4- البلدة التي لاتعيش الا على (باجاتها) اجراء آخر... يحاول الناس من خلاله ان يفهموا. صديق آخر يصر على أنني لن اتمكن من دخول منطقته.. لا لشيء سوى لانني لا احمل باجاً "بقياسات المنطقة". فصل بين الناس مفروض وحواجز اجبارية نتقبلها مرغمين وبصمت آخر. فالصمت هنا، وليس الصبر كما يقول زميل لي، مفتاح الفرج. 5- ويأتي منع التجوال منع التجوال في بغداد هوية وسمة تعريف العاصمة لساكنيها.. فاليوم لا يمكن تمييز بغداد عن غيرها من المدن من دون هذا الحظر.. وبالمقابل احب سكان العاصمة هذا المعلم الجديد لما سيوفره من احاديث زائدة ومصاريف هم في غنى عنها. الحظر في معان اخرى صورة واقعية اختمرت في الصدور.. فهو صمت لا تقطعه اصوات محركات السيارات. هنا.. لا أجد ابلغ من لوحة علقها زميل آخر برزت بحروفها العربية الكبيرة ان "الشكوى لغير الله مذلة". وهل صمت ابلغ من صمت لوحة هذا الزميل. 6- اخيراً... دولة مؤتمرات صحفية تكسر القاعدة. تأتي المؤتمرات الصحفية لمسؤولي البلد، لتحاول ان تغير من نمطية السائد. ولا زلت اتذكر كيف أن رواد المقهى القريب من سكناي صمتوا فجأة حين بثت قناة محلية وعلى حين غرة مؤتمراً صحفياً لواحد منهم. كلامه وصمتهم خلق لوحة فلسفية قديمة عن صراع داخلي وصامت بين قوتين متضادتين ومتوحدتين الى اقصى الحدود. ولمن يعترض، صارخاً بوجهي، رافضاً صمتي وصمته.. اود ان اذكره بان عليه ان كان يرفض فكرة الصمت بان هناك حكمة قديمة عليه ان يعيها مفادها ان خير الكلام قليله.
#حارث_الخضري (هاشتاغ)
Harith_Kadhim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المربد .....هزيمة تقدمية!
-
الفرصة مازالت عراقية
-
غصت يهم قاعة المسرح الوطني.... المئات اضاءوا ليلة الفرح الكب
...
-
الازمة العراقية الاخيرة ... هيمنة الحل الكروي
-
عن الشموس التي انارت ليل العراق الطويل ....يوم الشهيد الشيوع
...
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|