كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 7213 - 2022 / 4 / 8 - 16:36
المحور:
الادب والفن
أوصى ذات عيدٍ بدفنه في جَبّانة ʺبين عنينʺ مع والده الذي لم يعرفه فقد مات ʺمنصورʺ عام مولده.
استغربت أمي:
ألا تُحبُّ أن تُدفن مع ʺلَلاَّ العَيَّاشِيَّةʺ في جبّانة ʺالشّرفيينʺ؟؟!
قال لا: ʺعِشْتُ مع أمّي أكثر من سِتّين عاما و لستُ أشتاق في الدُّنيا لغيرها و لكني أحبّ أن أُدفن مع منصور، أبي الذي لم أعرفه.ʺ
قلت له مازحة: أنا أعرف... : تُريد أن تُدفن في ʺبين عنينʺ لِتكونَ بقرب الحانوت .
صَمَتَ و لم يُجِبْ.
علاقته بالحانوت علاقة سريّة سحرية لا يشعر بها إلاّ من دخل الحانوت و أصغى السّمع و الفؤاد لهمس الحجر المدقوق للصّاحب و الإبن المحبوب: المكّي ʺمُولَىʺ الحانوت!
هذا إحساس لا يعرفه إلا من ذاق اليتم رضيعا و تذوّق، على الكِبر، حنان الخشب و الحيوط...
مات ʺالمكّيʺ الموت المناسب في الوقت المناسب و ستعيش الروح الزكيّة العيشة المناسبة لقلب كبير و نفس أبيّة شامخة و غنية.
مات خفيفا بلا عذاب...
مات هادئا مطمئنا ذاهبا للموت كأنه ذاهب كعادته للنوم.
كانت الصدمة لنا فوق المتوقع...
الرّجل الذي كان يحلق ذقنه منذ ساعات استعدادا للقاء المهندس المعماري الذي سيشرف على تهيئة الحانوت، كيف يموت؟؟؟ كيف بهذه السرعة يموت!؟
لا شيء كان يوحي بالموت رغم أحزان الشيخوخة و رغم نزلة البرد التي طرأت و رغم وجع الحانوت المغلق للإصلاح.
و لكن من يعرف متى نَمُوت؟ من منّا يملك علم الكتاب؟
حين مرض من عشرين عاما تجهّزنا للموت و حين جاءت عجوز للمستشفى تصيح:
ʺلا يا سي المكّي... لن تموت!
أنا ʺرِبْحʺ يا سي المكّي...
أنا ʺرِبْحʺ...
أُريد أن أرى طلّتك في الحانوت،،،
أُريد أن ألمح خيالك و أنت في ʺبين عنينʺ تدور...
فأنت نور في هذه البلاد
أنت نور...يا سي المكّي... نور...نور...ʺ
قام المكّي يومها و عادت رئتيه المريضتان تتنفسان هَوَى الكاف.
قَتَلَ الموت يومها...لأنّ الحبَّ كان أقوى!
قام من فراشه... لأنّ حُبّ الحانوت كان أقوى!!
و حين دَناَ أجل الحانوت و تصدّع سقفه استدعى ʺالمكّيʺ الموت ... ليموت مع الحانوت!!!
***إلى روح المكّي بن منصور بن المكّي في ذكراه الرّابعة.
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟