|
عزة دياب تخلق علاقة في روايتها -حارسة الموتى- بين سكان المقابر والمدن
الغربي عمران
الحوار المتمدن-العدد: 7212 - 2022 / 4 / 6 - 19:38
المحور:
الادب والفن
عزة دياب، كاتبة مثابرة تسير بكتاباتها بإيقاع متوازن وغير متسرع. من عمل لآخر ترفع منسوب الدهشة والإعجاب لدى متابعيها، فمن مجنون الحي -مجموعة قصصية- إلى لقاء من الكتب خان إلى روايتها روزينا. ومؤخرا صدر لها "حارسة الموتى" الرواية الأولى في جائزة راشد بن حمد الشرقي 2019. حمدية تلك الفتاة الراضية بعيشتها، تسرد قصتها منذ صباها وحتى زفافها إلى شاب ظل ضعيف أمام أمه، يضرب حمدية كلما اعترضت على تبديد شقاه ورزق أولاده كم عنفته على ضعفه أمام أمه، عندما يأتي من الصيد تأخذ ما يجلبه وتمنحني القليل، وتطلب نقودا تجهز بها زيارة لبناتها المتزوجات، يمنحها ما معه، وإن طلبت منه شراء ملابس للولدين أخرج لي جيوبه الفارغة، غير سطوها على الفاكهة والحلويات التي يأتي بها بعد سهرة المقهى... لجأت إلى الخصام فلجأ إلى الضرب... حمدية الضحية لمجتمع لا يرحم، فبموت زوجها يتخلى الجميع عنها، أم زوجها، أخوه، الجارات، حتى أمها عدة أيام والجارات ترعاني، وتحضرن ما استطعن من أطعمة ويصبرني ويدللن الولدين، بعدها مكثنا في غرفتي لا يدق الباب علينا أحد. تتلقفها المقابر، تصحب طفليها إلى قبر زوجها تبكي، ليلتفت إليها زائر لقبر قريب يمد يده بالصدقة خنقتني الدموع، صعبت علي نفسي، أنتظر إحسان الناس اليوم، أدخل مرحلة جديدة، تعريني فيها الدنيا من عزة النفس، نظرت لحالي فماذا أنتظر غير الإحسان.... الرواية بنيت بشكل مشوق، فحمدية تحكي تحولها من زوجة مستورة إلى كائن دون عائل، فلا عمل ولا علم ولا أهل أو أصدقاء. إلى الداهش يحكي حياته علاقاته، تلك الحادثة التي أثرت على حياته، بداية بعلاقة عمه وكبير أسرتهم بسردينة، التي انتهت برصاص خطأ من طبنجة سردينة لتسكن صدر عمه ليتحول العرس إلى معركة ألتم الجميع بهراواتهم على سردينة، واستمروا يضربوه لوقت بعد وفاته. سعيد يحكي غربته وعودته من العراق بعد سنين من الكد خلالها كان يرسل ما يجنيه إلى والده الذي عمر وزوج أخوه وإنشاء تجارة ويوم يصل سعيد ينكره الجميع، يعود لمهنة كان يجيدها سباك على باب الله. أبو إسماعيل أو شحاتة يحكي سنواته مع الكبير، وتجارة الممنوع. من خلال تلك الأصوات المتعاقبة على سرد تغوص الكاتبة بالقارئ إلى قعر مجتمع يصطخب بالظلم، ولا يظهر أي بارقة أمل لرحمة. تلك الشخصيات تعيش بالحيلة وقوة الذراع. ولم تكن تلك الأصوات هي الوحيدة، فقد بدأت الرواية براو عليم، لفصلين: الموتى خارج المقابر. والليلة السابقة لخروج الموتى. رويت كمدخل لأحداث الرواية التي هيمنت شخصية حمدية كضحية بدايةً، لتتحول بعد مصاحبتها ل نعيمة مغسلة المتوفيات بداية كمساعدة لها، ثم نباشة لقبور الميتين حديثا لتسطو على سنة ذهب أو سلسلة أو أساور ودبلة، ثم تتعاون مع تاجر مخدرات لإخفاء كميات قليلة ما لبثت أن تضاعفت الكميات، فجأة رنت في أذني جملة حمدية البضاعة في مقابر الناحية الشرقة، هي تفتح المقابر وتضع البضاعة داخلها وقلبها يطاوعها تفتح على الموتى... تفتح جبانة وتدفع الميت وتضع الأكياس بجوار الموتى يخرب بيتك يا مجرمة... أبو إسماعيل يحدث نفسه وهو يسترجع كلامها ليكتشف أن بضاعته تتعفر وتتشرب من جيف الموتى. عنوان الراوية مخاتل فلم تكن حمدية حارسة للموتى بل سارقة لهم، نباشة لتربهم. وهنا ندرك رمزية تلك الشخصية وكيف يحول الظلم الكائن البشري إلى وحش لا يخشى شيئاً. ففي بداية الأحداث ونتيجة لما وقع على حمدية من ظلم الأقارب يجد القارئ نفسه متعاطفا معها، لكن سريعا ما تتحول تلك النعجة الوديعة إلى وحش ما حدث لرجب إنذار من ربنا كي أقلع عن نبش القبور، ما أقرره في الليل أنساه في النهار، أواصل النبش، لم تمنعني روائح العفن والكمكمة ولا القوارض... وتصف حالة الرضيع مدفون بجوار مقبرة العائلة في لحد صغير ومبني عليه بالقليل من الطوب والأسمنت، خلعت ما فوقه وجدته ملفوفا في الأبيض تحسست يديه وجدت في كل منهما خاتما وفي رقبته سلسة بها خماسية قطعتها في خطفة واحدة وانتزعت الخاتمين بقوة فانفصل إصبع عن كفه الصغيرة، خلصت منه الخاتم ورميته في الكفن... بل إنها صادقت أشباح المقبرة، تلتقي ببعضهم وتجالسهم، لترى أو هي تتوهم ما لا يراه غيرها، نسجت حول ذلك حكايات عن حياة سكان المقابر، فمنهم من يرفض أن يظل في قبره، يخرج يجول ليلاً، ومنهم من يبوح لها بأسراره، وآخر يذهب ليقتص ممن قتلوه، وهكذا تحولت حياة ذلك المجتمع إلى جحيم وقد أمتزج الأحياء بأمواتهم وتحولت المقابر إلى منازل والمنازل إلى مقابر. الكاتبة أجادت في تقديم شخصية حميدة بتحولاتها، لتقدم لنا نموذج أمثل للشخصية المركبة، متعددة الأوجه. فهي تحن وتعطف علي سعيد المنبوذ من أهله، وهي تطارح الأستاذ عبده الغرام، ثم تتجاوزه إلى أن تغرم بأحد أشباح القبور وتقضي معه لذتها. ملمح آخر ظهر بين شخصيات مجتمع الرواية، متمثل في الفقد، موت واحد بعد الآخر بداية بزوج حمدية، مرورا بشقيقه، ثم الأستاذ عبده، العربي، وغيرهم، لتنتهي بموت حمدية الشخصية المحورية ثم ابنها رجب، ولم يقتصر الفقد على الموت فقد تعدد وتنوع في مجتمع ليس للضعيف فيه مكان. إضافة إلى عدة قيمات ناقشتها الرواية منها: الحرمان، الطبقية، انتشار تجارة وتعاطي الحشيش... إلخ شكلت الرواية ايقاع حياة مدينة من مدن الدلتا، وتلك العلاقات المتداخلة صورتها الكاتبة بصدق فني مدهش، وكأنها بعين كمرة ترصد تلك التداخلات الاجتماعية بجميع تفاصيلها، مجتمع صيادين وعربجية وارزقية على باب الله. أجواء مقابر تتمازج كجزء من حياة الناس، ما جعلها حياة المقابر يهيمن على واقع ذلك المجتمع، بتلك العلاقات المتشابكة، بداية من عائلة الميت إلى من يقومن بغسله وتجهيز للدفن ، إلى العربة التي تنقل أدوات الغسل والتجهيز، نقل النعش، طقوس الدفن ، وما يتبعها من طقوس، وتلك العلاقات بين طائفة من الأرزقية، حفاري القبور، بناء الترب, ما يصاحب زيارات المقابر، القراءة والدعاء على الميت، لتتداخل عدة عناصر مجتمعية، منها تجار الحشيش، الشذوذ، الصيادين، تصاحب ذلك ممارسات خفية، إلى تصور لحياة يريدها سكان القبور، وقد جسدتها الكاتبة في رفضهم للبقاء تحت التراب، بل وخروجهم يسيرون في الطرقات ويتحدثون إلى البعض. رواية مائزة، بثيماتها وشخصياتها، تجاوزت الكاتبة بها أعمالها السابقة، لتكون لها بصمتها الخاصة.
#الغربي_عمران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باعزب يشكل الغد بأسلوب فنتازي، داعيا لقرائه للتأمل في روايته
...
-
سحر القص في عنقود -لا شيء سواها، ورحيلكم المباغت- يصحبنا حبي
...
-
بن محمود تعيد تأثيث الأنثى في -صديقتي قاتلة-
-
شواطئ الغربة.. مجموعة نصوص تبعث على التأمل
-
-على كف رتويت- رواية فاضحة لرغبات مكبوتة..
-
قراءة في رواية أسكندرانية
-
قراءة في مستوطنات تعليمية
-
الفيل يفك ضفائر السرد في اصداره الجديد باختراق التابوهات
-
دانة البطران تراوح بين المفارقة والترميز
-
رياح محمد الشميري في قصاصة عنيدة المضامين ذاهبا بها لمناقشة
...
-
واقعية سيرية .. ايدلوجية الطرح في رواية عبد الرحمن خضر -شرخ
...
-
لابوانت.. رواية السخرية السوداء.. وتشظي الهوية.
-
المرواني يمزج بين فنون الشعر والسرد في مجموعته- انبثاق ضوء-
-
عادل سعيد في الأسايطة يكسر مسارات السرد.. ويعري التسلط....
-
صلاح بن طوعري.. يلون نصوص بغموض السحر.. سحر جزيرة سقطرى...
-
قراءة في مجموعة قصصية لسلوى بكر
-
قراءة في رواية مغربية
-
قراة في رواية سنوات الغروب
-
قراءة في رواية رايات الموت
-
قراءة لرواية سيدات الحواس الخمس
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|