كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 3 - 21:05
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
يقول كاتب القرآن: "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيْ قديرا" (الاحزاب: 27).
قال أبو العباس القلقشندي: "اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر, كانت بجزيرة العرب" ( نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب, ص51.).
شهادة لا يختلف فيها إثنين, أن العرب هم أهل الحجاز و النجد, فهذه الجغرافية المعروفة بشبه الجزيرة العربية هي بلاد العرب, وما غيرها من بلدان الشرق الأوسط و القارة الإفريقية هي بلدان الشعوب الغير العربية (العجم). إذا فكيف أصبحت هذه البلدان من الشرق الأوسط الى شمال افريقيا بلاد للعرب؟.
لا يختلف وضع الأتراك عن وضع العرب. الترك هم أهل جبال غرب آسيا عرفوا بالترحال و الرعي في هذه المناطق. بإعتناق أحد زعمائهم و هو أوغوز سلجوق الإسلام, بدأت غزوات السلجوقيون لكافة أراضي الأناضول و أملاك البزنطيين, و إستكمل العثمانيون مهمة الإحتلال و أسلمة أهالي المنطقة, و بفضل الإسلام تم التحول الهوياتي لشعوب المنطقة و صناعة الشعب التركي و صناعة بلاد الأتراك الحالية.
يقول ابن خلدون:" العدوان أكثر ما يكون من الامم المتوحشة الساكنين في بالقفر كالعرب والترك و التركمان و أشباههم, لانهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم" (تاريخ ابن خلدون).
التعاليم الإسلامية, شكلت الأرضية النظرية للإستعمار, "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيْ قديرا" (الاحزاب: 27).
هكذا حرض الإسلام على غزو أراضي الشعوب الآخرى و نهب خيراتها و سبي نسائها و إحتلال أراضيها. حسب التعاليم الإسلامية فالأراضي المحتلة محكومة بأحكام الغنيمة. و الحكم في الأرض المغنومة حسب ما ورد في كتاب (موسوعة الفقه الإسلامي) : "إذا كانت الغنيمة أرضا فتحها المسلمون عنوة, فيخير الإمام فيها بين أمرين, الأول: قسمها بين الغانمين, عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته و نصفا بين المسلمين قسمها بينهم. ( أخرجه أبو داود). و الثاني: أن يقفها على المسلمين, فيقرها بحالها, ويضرب عليها خراجا مستمرا يدوم نفعه للمسلمين, يؤخذ ممن هي بيده, يكون أجرة لها كل عام, كما فعل عمر رضي الله عنه بما فتحه من أرض الشام ومصر والعراق".
البلدان المحتلة, هي غنيمة النظام الإستعماري بشرعية إسلامية و كانت إلزامية للدولة المحمدية الجديدة في البحث عن الأراضي الخصبة الغنية بثرواتها و الوافرة المياه, فالدولة الجديدة لم تكن تتوفر على شروط بقائها (بلاد الصحاري و القفار), ولهذا كانت بحاجة الى موارد إقتصادية, العنصر الأساسي في تأسيس الدولة و تطورها وإستمراريتها. كما كان الإسلام العنصر الأساسي في تأسيس دولة الترك ببلاد شعوب الأناظول و أرض الإغريق. الغنيمة الإسلامية شرعنت إحتلال أوطان الشعوب المقهورة.
قد يكون الاسلام هو المعتقد الديني الوحيد, الذي خدم اللغة و القومية صاحب واضعي هذه التعاليم و الذي هم العرب و دافع عن النظام العربي الاستعماري و أحكام التعريب اللساني و الهوياتي, بتكريس الإحتلال بالتحول الهوياتي, من الهوية الأصلية الى الهوية العربية بالنسبة للإستعمار العربي, إعتمادا على التعريب اللساني و تكريس الدين العرقي, "وكذلك أوحينا إليك قرأنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها" (سورة الشورى, 5),"وكذلك أنزلناه حكماً عربيا " (سورة الرعد, 38). عن ابن تيمية قال: قال رسول الله: "إن الرب واحد, والأب واحد, والدين واحد, وإن العربيةَ ليست لأحدكم بأب ولا أم, إنما هي لسان, فمن تكلم بالعربية فهو عربي", ثم قال ابن تيمية: "وهذا الحديث ضعيف, لكن معناه ليس ببعيد. بل هو صحيح من بعض الوجوه. ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية وقبطية وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية. وأرض المغرب ولغة أهلها بربرية, عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم. وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللُغة العربية, واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم, وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم. وَلا ريب أن هذا مكروه" "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/207). التعاليم الإسلامية الإستعمارية فرضت قسريا اللغة العربية على شعوب الأوطان المحتلة بشرعية آلهية ( حب الله والرسول من حب العرب والعربية), وأن قراءة القرآن و الصلاة لا تجوزان إلا باللغة العربية, كما أن المسلم لا يكون مسلما حقيقيا, إلا إن حمل أسما عربيا, عن ابن تيمية في موضوع اللغة, قال:"اللغة العربية من الدين, ومعرفتها فرض واجب"(اقتضاء الصراط المستقيم, ص.207). التعاليم الإسلامية الإستعمارية بقانونها الإلزامي المفروض على الشعوب الغير العربية بالتخلي عن لغاتها و ثقافاتها و تاريخيها, تكون تخدم العروبة الإستعمارية.
لم تنفصل القومية العروبية عن الاسلام منذ النشأة, يقول عفلق البعثي الشوفيني المسيحي :"ان القومية العربية عبرت عن نفسها في التاريخ من خلال العروبة والاسلام . و الاسلام خير مفصح عن نزوع الامة العربية الى الخلود والشمول" (في سبيل البعث ). هذا ما أكده الإخونجي القرضاوي في المؤتمر القومي - الإسلامي في الدوحة (2004), بأن العروبة والإسلام جسم واحد لا تنفصل أعضاءه الواحد عن الأخر, وهي شهادة عن ان الإسلام لعب الدول الحاسم في نشر العروبة في الدول المغنومة بواسطة التآثير الإيديولوجي الآسطوري, القادر على فبركة آلة التحول الهوياتي لشعوب المنطقة من هوياتها الأصلية و الأصيلة الى الهوية المزيفة العروبية الإرتزاقية. و الإسلام كان و لا يزال الحاضن للعروبة, وما زال الإسلام العنصر الأخطر في الصراع ضد حركات التحرر الوطني-القومي في المستعمرات العروبية, بما يملك من أدوات فعالة في عملية آلإستلاب الثقافي وغسل العقول لتكريس الهوية المزيفة لشعوب المنطقة و خصوصا شمال افريقيا بلاد إمازيغن.
إمازيغن الامة الاصيلة والاصلية لجغرافية شمال افريقيا, منذ ظهور الحياة البشرية في هاته المنطقة و سيادة المجتمعات الطبقية وصنع التحولات التاريخية للنظم الاقتصادية والاجتماعية و تشكيل النظم السياسية (الدول), و لم تكن الهوية الأمازيغية وليدة غزوة إستعمارية ولا مؤامرة إمبريالية. إمازيغن أمة شمال إفريقيا, أما ما يقال عن عروبة بلاد إمازيغن فهو من إنتاج التعاليم الإسلامية بخلفيتها الإستعمارية, و وليدة المؤامرة الإستعمارية الفرنسية في القرن العشرين, في تطبيق هذه التعاليم على أرض الواقع لخلق الهوية المزيفة لصناعة الدولة العروبية. لم يكن الإستعمار الأوروبي لينسحب من بلاد إمازيغن إلا بصناعة بيدق عميل يخدم المصالح الاستراتيجية للإمبريالية العالمية.
قال الشوفيني علال الفاشي في تجمع لشباب زاويته سنة 1965 :" قضية العربية في المغرب قضية مزمنة والحق يقال, فهي ليست بنت اليوم ولا ناشئة فقط عن أثر الاستعمار في وطننا, ولكنها في الأصل ناشئة عن تقصير أجدادنا العرب في إكمال مهمة التعريب في المغرب. قلت إن مشكلة العربية في بلادنا مزمنة, وأعنى بذلك أن التعريب الذي بدأه أجدادنا لم يتم في هذا الوطن. فما يزال قسم من جبال المغرب لا يتكلم العربية ولا يتقن الكلام بها. وهذا على عكس ما انتهى إليه الأمر في كل من تونس وليبيا والبلاد المشرقية". (فعالية اللغة العربية), مجلة (اللسان العربي). ويضيف الفاشي في نفس المصدر :" وإني لأرجو أن يتحد رجالنا على خدمة اللغة العربية وتمهيد الطرق لنموها وتطورها, حتى يضمنوا للمغرب وللإسلام فيه, حياة عربية موحدة, تستكمل ما بدأه أجدادنا من غرس ناجح للعروبة في هذه الأرض الحبيبة، وبذلك تكمل وحدتنا اللغوية, التي هي ضرورة لنا لوحدة العالم العربي كله". ألصحيح, إن فعالية اللغة العربية, لم تكن لها أن تكون لولا تعاليم الإسلام الإستعماري و تطبيقاتها الإمبريالية في تأسيس الكيان المزيف في بلاد إمازيغن أطلق عليه ( دول العروبة).
أن الايديولوجية الاسلامية أخطر من غيرها من الإيديولوجيات الدينية, بما تتمتع به من المهام و من القوانين المزدوجة, الروحية و الدنيوية, فهي إيديولوجية السلطة من تتحكم في الأحكام السماوية و الأحاكم الدنيوية , هذا ما يمكنها من القدرة في سهولة التأثير على البربر القابلين للإنبطاح و الإستعمار. هذا التأثير السلبي ما زال يستغله حراس الايديولوجية الإسلامية الظلامية الاستعمارية حتى اليوم, في خطب الجمعة و في الخطابات المناسباتية في الهجوم على الهوية الأمازيغية واللغة الأمازيغية, بشتم الأحرار و صهينتهم و تكفيرهم و تحقير اللغة الأمازيغية, بخلق الأكاذيب والإختلاقات لمحاولة تشويه القضية التحررية الامازيغية لهدف إحتواءها وإماتتها في المهد تحت قناع خادع حماية الهوية الدينية للامازيغ. اما حقيقة الاسلاميون تكشفها نزعتهم العرقية, بتفضيلهم العرب واللغة العربية عن الشعب إمازيغن و اللغة الأمازيغية, بأدلة من النصوص الإسلامية التي يضطهد بها إمازيغن في بلادهم.
الإسلام بإعتباره إيديولوجية إستعمارية في خدمة و حماية قومية العرب, فقد حارب خصوصيات الشعوب و حريتها و لغاتها, و حارب الإسلام اللغات (العجمية) مثل الفارسية, (و كان الفرس لا يرون فضل العرب عليهم, بل هم من كان أصل الحضارة و كان فضلهم على بدو الحجاز). عن بن تيمية:" واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم, وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم. وَلا ريب أن هذا مكروه" "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/207). كما حارب الإسلام العزة القومية عند بعض الشعوب مثل الفرس و إيمازيغن, بغطاء أنها نزعة شعوبية مكروهة و معادية للعرب و اللغة العربية. و الحقيقة المسكوت عنها, أن بروز الخصوصيات المحلية أو النزعات القومية لدى شعوب الأوطان المحتلة أنذاك راجع الى ما عانته هذه القوميات من نهب خيراتها و سبي نسائها, و ما ذاقته من القهر و الإضطهاد و الإحتقار و الإذلال تحت نير الإستعمار العرو-اسلامي. ولهذه الأسباب إندلعت الثورة القومية التحررية للبرغواطيين إمازيغن و نجحت أنذاك في طرد الأستعمار العربي, لكنها فشلت في طرد الإيديولوجية الإسلامية الإستعمارية. إستمرار هذه الإيديولوجية الإستعمارية, لعب دورا رئيسيا في إعادة التاريخ الماضي المظلم بفضل مساعدة التدخل الإمبريالي لصناعة دولة العروبة الإستعمارية ببلاد الأمازيغ. إلا أنها فشلت في إماتة الهوية الأمازيغية, رغم التعريب و سياسة الإضطهاد القومي و الإجتماعي الذان مازال يعانيهما القوم إمازيغن. إن إعادة المشروع الإسلامي العروبي الإستعماري الى عهده الماضوي, سينتهي الى الفشل الذريع, بحتمية الطبيعة و التاريخ و بالنضال الواعي لأحرار تامازغا. كل الهويات الزائفة ستزول و لا يبقى إلا الأصلي والأصيل, الهوية الأمازيغية لبلاد إمازيغن.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟