أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الحداثة بين أوهام البعض والواقع الثقافي















المزيد.....

الحداثة بين أوهام البعض والواقع الثقافي


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 3 - 18:06
المحور: الادب والفن
    


هناك العديد من الأدباء يحتمون وراء اصطلاح الحداثة، لتبرير غموض نصوصهم وأحيانا غياب المضامين منها. أصبح اصطلاح الحداثة تقليعة نعلق عليها كل غسيلنا الوسخ، كل عاهاتنا الإبداعية وكل أزمتنا الأدبية.
كيف يجوز ان نصف اعمالا ما بالحداثة وهي تفتقد للخطاب الأدبي البسيط، المشروط في العمل الإبداعي، وتحول الابداع الى مجرد نصوص تهوم بلا هوية مميزة، مضطربة المعاني، مفككة الصياغة ومليئة، وهذا الأساس، بالإفلاس الأدبي غير المعلن.
ان التهافت لوصف كل نصوصنا الفاشلة بالحداثة، لا يضر الحداثة بشيء، انما يبرز عقم التفكير لدى البعض، والضياع داخل الاصطلاحات التي لم تنشا أصلا في ثقافتنا، انما استنسخناها من الحضارة الأوروبية بالأساس.
كثيرا ما اقرأ مراجعات نقدية لنصوص تافهة، يحاول الناقد ان يقنعنا بانها عمل ابداعي مميز. قرأت قبل فترة ديوان شعر لشاعرة، لم انجح في إيجاد مقطع شعري واحد يلفت الانتباه، لم أجد أيضا ضرورة للاحتفاظ بالكتاب في مكتبتي، لكني فوجئت بناقد يحمل شهادة الدكتوراة، لم يستح ان يجعل من الديوان مفخرة شعرية، سألت نفسي لعل بينه وبين الشاعرة ما يوجب هذا الحماس؟ طبعا ذهب صاحبنا بعيدا لدرجة انه أجلسها على عرش الحداثة الشعرية، وهي أصلا لم تكتب جملة شعرية واحدة، فأين وجد الشعر في ديوانها ليلصق به الحداثة؟
كيف نتعامل مع الحداثة او ما بعد الحداثة؟ (التي ربما لم يسمع بها ناقدنا؟) هل يجوز لمجتمع لم يبلغ بعد الحداثة، ولم يستوعبها، ان يبدا بالحديث عن "ما بعد الحداثة"؟ الا يعبر عدم فهمنا للحداثة عن وضعية فكرية؟ الا يعتبر الالتصاق بهذا التعبير ضربا من التهريج، خاصة حين نشبه بالحداثة كل ما هو تافه، غامض ومشوه؟
اذن ما هي الحداثة؟
يمر العقل البشري بعدة مراحل في تطوره. تمتد من المرحلة الغيبية-الخرافية، الى مرحلة الاحتكام للعلوم والمنطق. بينهما تنشأ عشرات المراحل في تشابك من الصعب فكه، مع ذلك كل مرحلة هي حديثة نسبيا، بالمقارنة مع سابقتها، وما زالت المجتمعات النامية، بل وبعض المجتمعات المتطورة، تعاني نسبيا بصورة اقل، من فكر خرافي غيبي. يبدو ان لتطور العلوم مساره المستقل، الذي لا يؤثر تأثيرا شاملا ومباشرا على المثقفين وذوي القدرة على استعمال عقولهم بموضوعية. هذه حالة منتشرة ومتجذرة خاصة في المجتمعات البدائية، للأسف معظم المجتمعات العربية لم تتجاوز هذه المرحلة. اذن كيف نتحدث عن خطاب الحداثة او ما بعد الحداثة، ونحن لم نتخلص بعد من القديم البائد؟ كذلك استصعب فهم الحداثة في مجتمع تغلب عليه العقلية اللاهوتية التي تنتمي الى الماضي. ان الخطاب العلمي الحديث في مجتمعاتنا لا يجرؤ حتى على توجيه النقد العلني، ومشكلته انه فكر مقموع يدافع عن شرعية وجوده وحقه في احتلال مكانته.
نحن كمجتمع ما زلنا نعيش في المرحلة اللاهوتية، لاهوتنا لا يمشي مع التطور. من الصعب ان نقول اننا في مرحلة "العلمية الوضعية"، وهي مرحلة هامة شهدتها أوروبا في طريقها للحداثة والتحرر من عقلية القرون الوسطى.
في الغرب هناك نقد لعقل الحداثة العلمية، لكننا بعيدون عن هذه الحداثة العلمية، مجتمعنا ما زال يحتكم لانتماءات اثنية وقبلية، بينما المجتمعات الحديثة طورت الدولة المتجانسة، دولة حقوق الانسان، التعددية الثقافية، حرية الرأي والمجتمع المدني.
الحداثة لم تولد في مجتمعاتنا الا فكريا، تعرفنا على الحداثة بالفكر، ونقاتل لجعلها قاعدة لحياتنا، والأدب والنقد الفكري الاجتماعي هو أحد أسلحتنا لترسيخ الحداثة في واقعنا الاجتماعي. السؤال: هل حقا يقوم ادبنا المأزوم بهذه المهمة؟ أليست أزمته هي التعبير الصارخ عن عجزه من القيام بدوره الحداثي؟
اليس ازدياد انتشار الفكر الأصولي هي الدلالة على تعثرنا الثقافي والاجتماعي وتراجع الفكر المتنور والحداثي لحساب القديم البائد؟
بيننا وبين الوصول للحداثة مرحلة تاريخية واسعة، لا أعني الوصول الى القناعة الفكرية، فأعداد كثيرة من المثقفين والأكاديميين يعيشون الحداثة بنبضها العالمي ولكنهم عاجزون عن جعلها نهجا اجتماعيا ثقافيا، يخلص مجتمعنا من لاهوتيته الغيبية، ويدفعه نحو العلم والعقلانية والتقدم. أصلا لا حداثة بدون بناء اقتصاد وعلوم والانتقال لنظام ديموقراطي، يحمي حق الاختلاف والتعددية الفكرية والدينية ويطبق القانون الوضعي وليس الديني.
بدل ذلك نجد من يجرؤ على تسمية الغيبيات بالحداثة، وادعاء البعض انهم الحداثة بعينها. الحداثة تعني أولا التخلص من الماضي الخرافي، من عقلية القرون الوسطى الغيبية، وان يسود العقل العلمي الذي يخرج مجتمعاتنا من مرحلة الانحطاط والتخلف التي نتخبط فيها، وان نعيد للفكر العربي مجده الغابر في العلوم والاكتشافات والتطور الاقتصادي والثقافي، وان تصبح المنافسة بيننا وبين الغرب ليس صراع أديان او حضارات بين حضارة حديثة وحضارة أصولية، انما المنافسة على الإنجازات العلمية، الاقتصادية والثقافية.
آية حداثة ستنشأ ومجتمعاتنا غارقة بخطب عمرو خالد وثقافة مصطفي محمود، و"فلسفة" الدواعش ومن لف لفهم، وفتاوى ارضاع الكبير ونكاح الكفاح وغيرها من الترهات التي تثير الألم والاستهجان لعجز تفكيرنا عن الفرز بين المنطق الديني السليم والترويج لغباء ديني مدمر، بينما الغرب يتعامل مع روسو وديرو وكانط وهيغل وسبينوزا وماركس وورودنسون ونيتشه وادوارد سعيد وغيرهم من حملة الفكر والتقدم الاجتماعي.؟
في آية مرحلة يعيش المجتمع العربي اليوم؟ هذا هو السؤال الذي على أساسه نستطيع ان نحدد مكاننا من الحداثة!!
ملاحظة:
كتبت المقال قبل أكثر من عقد من السنين ولم انشره. اليوم أستطيع ان اضيف انه يتطور ادب مهجري حديث لا يقل بحداثته وانفتاحه على التنور والحداثة الفكرية والابداعية عن أي ادب أجنبي آخر. حتى لغته العربية تزداد طلاوة واتقانا وجاذبية (ولا اعني القواعد والنحو والتقييد اللغوي الذي يسجنها وراء قضبان التزمت) . ابحثوا مثلا (كنموذج) عن اعمال الأديب المهجري المبدع د. جميل الدويهي، ربما يشكل في هذا المضمار النموذج الأمثل لفكر الحداثة الإبداعية والفكرية واللغوية. في وقته أيضا انجز ادباء المهجر انقلابا فكريا ولغويا أخرج لغتنا من سجن الغباء اللغوي والانغلاق، وساهم بتحريرها من التتريك القاتل والقيود المتزمتة. طبعا لا أنكر وجود ادباء ومفكرين حداثيين أبدعوا في مضمار الأدب والفكر، لكن الساحة الأدبية مقيدة بتطور المجتمع، ان تطوير الأدباء لمشروعهم الثقافي هو عملية تقع خارج مجتمعهم بواقعه وقيوده. لذا ليس بالصدفة ان المهجر أضحى ملجأ للكثيرين من المفكرين والعلماء والباحثين والأدباء!!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعبنا عاف سلاح التشهير وصبيانه
- الأدب المهجري قديما والأدب الاغترابي حاليا يشكلان انقاذا لثق ...
- الشعر في ثقافتنا مزايدة ثقافية ام نهضة ثقافية؟
- ظاهرة انتشار الكتابة الشعرية ونقدنا المحلي
- الرجولة
- هاشم يحتفل بعيد زواجه
- لزعيم !! لوحات قصصية عن الحمير
- من روائع الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
- ليس عضواً في النادي ..
- نظرة دونية
- الله لا يحب الملحاحين
- قصتان ساخرتان
- موسى والمسيح يلعبان الغولف
- جولة حكومية تفقدية
- حكاية فلسطينية: الأحمر، الأسود، الأخضر والأبيض
- الرئيس الأمريكي في حينا
- يوميات نصراوي: الشتيمة نفسها في واشنطن وفي موسكو
- هل تسقط شرائح الخبز على جهة واحدة فقط؟
- خطـــأ سياسي
- الهنود الحمر يجمعون الحطب بشكل جنوني


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الحداثة بين أوهام البعض والواقع الثقافي