|
آخر الشعراء-قصيدة
عبدالناصر صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7204 - 2022 / 3 / 28 - 23:05
المحور:
الادب والفن
آخِر الشعراء .. " إلى صديقي الشاعر الراحل حلمي سالم " شعر : عبد الناصر صالح لم نكن وحدنا في الممرّ نُخاتلُ فرحَتنا لم نكن وحدنا في رنينِ الكؤوسِ نكابدُ أوهامنا ونجهّزُ أنفسنا لاقتناصِ القصيدةِ في شهوةٍ سيجتها خيام المواجع والتجربة. لم نكن وحدنا يا رسول المحبةِ نخجل من دمعةِ الوردِ إذْ تتحسَّسُ فَرْوَتَها ونُرتّل ألحاننا خارج السّربِ نشتاق لامرأةٍ تشبه البحرَ حين يفيضُ الكلام على شفتيها وتُمْعِنُ في العشق جذلى كَمَن مسّها مُلْهَمٌ بالهوى تُرى من أضاع الطريقَ إلى بيتِها واختفى طائراً مرهفَ الريشِ يشرب غيم الكوابيسِ تخنقه لفحة القيظِ وهو يفكُّ رموزَ السّحابِ يترجمُ صوتَ السّماءِ لكيْ يتعلّمَ نَصَّ الضحيّةِ يكشفُ في سرّهِ عن نزيفٍ سيأتي وَيُبقي الحروف على حيّزٍ من فراغٍ طلولاً تؤانس عُزلتها يعلنُ الجوعَ كفراً وّيبكي على زمنٍ نَسَجَتْهُ القناديل من أُلفةِ النيلِ لم يرتكب خطأً حين عجّت أجِنْدَتُهُ في بريق الصباحاتِ بالشعرِ ينهالُ أحمرَ كالأُرجوانِ وأبقى على جرحِهِ ناصعاً في الميادينِ والنيلُ رغبته المُستكنّةُ يعتنقُ الأرضَ حَدَّ التَّماهي ويرقى –إذا شاغَلَتْهُ الَنَّواعيرُ-بالنّصِ يبدعُ طقسَ عبادتهِ ثمَّ يأوي إلى حيثُ شاءَ ، المدينةُ لوحُ وصاياهُ يأوي إلى وعدِها خالصَ الطُّهْرِ يسكنهُ الأملُ القاهريُّ / تُرى من سيمضي وحيداً كأنَّ على رأسه الطيرُ أو وردةُ الأنبياء ؟ وحيداً يغادرُ محرابَهُ والعصافيرُ مُسْدَلَةُ الجفنِ تبكي وحيداً.. يُحاصرهُ الموتُ من كلّ حَدْبٍ فَيُشعلُ مصباحَهُ الكهربائيَّ يَفتحُ قاموسَهُ اللغويَّ هل يًثمر الشعر في آخرِ الشّوطِ أم يُثمرُ الجُرحُ ؟ يَسبِقُني باهظَ الحزنِ في حكمةِ الزاهدينَ لكي يرثَ البحرَ يَدْحرُ كلَّ التماثيلِ غارقةً بالفجيعةِ يقرأ للأرضِ موعظةً وهو يعجن رؤيتَهُ في كلامٍ يفيضُ غيوماً .. فكم مرّةٍ سوف يحلمُ أنَّ الطريقَ يغيبُ وأن الدموعَ ترانيمُ عمرٍ فَتيّ الأصابعِ ؟ لكنّهُ .. تقطُرُ النارُ من تحتِهِ يتناسلُ في دمِهِ الشعْرِ أزرقَ كالبحرِ أبيضَ مثلَ الغماماتِ يقطرُ فوقَ مظلتّهِ الأُمميّةِ يتوسّدُ سرباً من الموجِ والزَّبَدِ المستريحِ على الرملِ يستأنسُ العشبَ يمضي إلى حتفِهِ مُغرماً كعيون مَلائكةٍ عاشقينَ ولا شيءَ غيرُ مشاهدَ بيضاءَ لا شيءَ غيرُ شبابيكَ مطفأةٍ وتماثيلَ مجهولةٍ وشهيقٍ عقيمِ الحروفِ فكم سنةً سوف أحلمُ أنَّ الطريقَ سينأى وأنّي أؤَبّنُ مَوتايَ أنّي أُودّعُ في زمنٍ ضامرٍ آخرَ الشعراءِ النُّدامى.. وأَنّي، على وَجَلٍ ، أستدينُ منَ الشعْرِ صَبْوَتَهُ ثم أمشي على الرّملِ كي يُبحرَ الغيمُ في صُبحهِ أستعيرُ حنينَ الغوايةِ أيُّ وريدٍ سيحملُ قلبيَ ؟ أرتابُ خوفاً كأنّي انتبذتُ مكانا ًيراوحُ ما بين جُرحيْن فاجعتَيْنِ أؤبّن موتايَ ، أشربُ حُزنيَ مُرّاً وأدخلُ فجراً توضّأ في موسمِ الإنتظارِ بنسغِ الولادةِ ، أعزفُ لحناً يناديكَ في غَبَشِ الدربِ كم يتبقّى من العمرِ كي يرحلَ الحلمُ منّي وأحفظُ في مُهجتي وردةَ الأنبياءِ ؟ وهلْ تستقيمُ الأغاني إذا غابَ عازِفُها ؟ ثمَّ شمسٌ أضاءتْ إلى أين يا صاحبي ؟ أرهقتكَ المسافاتُ / أثقلَ كاهلَكَ الوجدُ والفاتناتُ اللواتي افترسنَ القصيدةَ ذات صباحٍ نقيّ ، فأومأتَ للشعر أن يتجلّى بملءِ إرادتهِ كم مساءٍ مضى دون صوتِكَ ؟ أو دونَ عَزْفِ كمنجاتِ روحِكَ ؟ فانثر نزيفَكً نوراً على الشُّرفاتِ يَنشعُّ برقٌ ويهبِطُ نحو مضارِبِهِ العشقُ تصحو الرياحينُ من نومِها. خفّفِ الوطءَ يا صاحبي وتذكّر زمناً يتدحرجُ كالثلجِ يقتاتُ نصَّ الغرائبِ يتشدّقُ في قلَقٍ يشبهُ الفقدَ ثمّ يعودُ إلى ورشةِ الذئبِ حيث الظلامُ المُبَرْمَجُ يُدمي حقولَكَ والموتُ يهبطُ كالثلجِ يضبطُ أوقاتهُ بانفلاتِ الغواية. فيا أيها المتزمّلُ بالشعرِ مَيْتاً رُدَّ لي دهشتي كي أراكَ على شُرفَتي قمراً كاملَ الوجدِ تقطُرُ من تحتِهِ الأنجمُ الفاتناتُ ويَنطلِقُ الماعزُ الجبليّْ. هيّء الغابَ لي كيْ أَمُرَّ على شجرٍ يحرسُ العاشقينَ ويمسحُ دمعَ الثكالى . ولا تنسَ يا صاحبي شاعراً سلَبتْهُ المدينةُ عَنقاءَهُ وهو على نَغَمِ النّايِ يروي حكايتَهُ مثلَ لحنٍ أصيلْ. ************ طولكرم /فلسطين
#عبدالناصر_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأفون-قصيدة
-
حالاتُ البحّار العاشق..
-
يا نصيب-قصيدة
-
ما زلتَ تَنْزِفُ في مَدارِجِها
-
لا بدّ من حيفا
-
البديل-قصيدة
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|