الحلقة السادسة: ملاحظات مندوب الى المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي

ماجد فيادي

الحوار المتمدن-العدد: 7196 - 2022 / 3 / 20 - 14:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تأثيرات انتفاضة تشرين على سياسة الحزب، القاعدة الحزبية تقدم نموذجا رائعا في النضال.

بعض ما يعرف الحزب الشيوعي العراقي لنفسه (حزب الطبقة العاملة والفلاحين وسائر بنات وأبناء شعبنا من شغيلة اليد والفكر، ويكافح لأجل استكمال استقلال البلاد وسيادتها الوطنية وبناء الدولة المدنية المعاصرة، ويناهض استغلال الانسان لأخيه الانسان وكل اشكال الكبت والعسف والقهر. يسترشد الحزب في كفاحه بالفكر الماركسي، ويسعى لتجسيده في العراق استنادا الى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في الميادين كافة).
تاريخياً وبالرغم من كل محاولات حزب البعث المنحل، لم يتمكن من تشويه تاريخ ونضال الحزب الشيوعي العراقي بعيون الجيل الأول والثاني من القرن العشرين، فقد شهدا تأسيس الحزب ونضاله ضد الاستعمار من تظاهرات وانتفاضات ومعتقلات واعدامات، وما تلاه من عمل فترة حكم الجمهورية الأولى وضحاياه في انقلاب شباط الأسود 1963، الدفاع عن مصالح الشعب الكردي، ومرحلة الجبهة الوطنية حتى صعود جبال كردستان بحركة الأنصار الشيوعيين، كما لم يتمكن البعثيون بكل ما لديهم من آلة إعلامية ضخمة في تشويه الصورة كاملة امام الجيل الثالث لأنه عرفها من آبائه. حتى تلك الأكاذيب التي لفقها البعثيون، كشفت على لسانهم بعد سقوط الصنم واحتلال العراق (شهادات السيد حسن العلوي بعد السقوط كانت نموذجا صارخا لبراءة الشيوعيين من إشاعة "بس هالشهر ماكو مهر والقاضي نذبه بالنهر") لان الشيوعيين أصحاب فكر وموقف، ارتبط نضالهم بالدفاع عن معاناة الشعب العراقي، كما انه لم يأثر بالنضال لنفسه ولم يحجبه عن باقي القوى السياسية وان اختلف معهم ايدلوجيا.
بحرص وطني أقام الحزب الشيوعي العراقي تحالفات عديدة مع الأحزاب الكردستانية وحزب البعث المنحل والأحزاب الإسلامية منذ تأسيسه حتى اليوم، دَوَنَها التاريخ اما بالفخر للشيوعيين او بانتقادهم. لم تدفعهم تلك التحالفات يوما ان يتخلوا عن منطلقاتهم الفكرية او التنظيمية ولا عن انحيازهم لمصالح الشعب العراقي، ولم تجلسهم في بيوتهم خوفا من قول كلمة حق بوجه سلطان جائر، فكانت التظاهرات والتنظيمات السرية وتوزيع المنشورات وحمل السلاح والعمل النضالي داخل وخارج الوطن، كلها أساليب مشروعة لجأ اليها وأشار لها تعريف الحزب لنفسه.
في المؤتمر الوطني الحادي عشر جرى الاعتراض ولم يكن للمرة الأولى على لسان القاعدة الحزبية، أن رسالة وصلت الى التنظيم من اللجنة المركزية تدعو الرفيقات والرفاق عدم المشاركة في تظاهرات الأول من تشرين الأول 2019، وان حزبا نضاليا من اجل الشعب على اعتاب التسعين، يمكنه ان يتخذ موقفا يتخلى عن الجماهير وهي تنتفض من اجل التغيير، دفاعا عن كرامتها ومصالحها، موقفا يجعل الجماهير تسبقه في سوح النضال. جاء الجواب على هذا الاعتراض من عدة رفيقات ورفاق أعضاء اللجنة المركزية، أجوبة يكمل بعضها بعضا. أحد الرفاق المخضرمين يقول "ان القرار جاء بهدف التوثق من الجهات التي دعت الى التظاهرات، وعدم الانجرار خلف شعارات غير مدروسة، ومنظمين غير معروفين، وزج رفيقات ورفاق الحزب في تحرك غير محسوب" رفيق آخر يقول "من الخطأ ان يجتزئ موقف من حياة الحزب ويحاسب عليه في حين كان الحزب ولا يزال أحد اهم القوى الداعية والمحركة للتظاهرات بعد السقوط، وقد تعرض الى المضايقات والاعتقالات بسبب مواقفه النضالية منذ تظاهرات 2011" رفيق آخر يقول "ان رفيقات ورفاق اللجنة المركزية كانوا في ساحة التحرير الى ساعات متأخرة من الليل يستطلعون الأوضاع ويقدمون التقارير الى الرفاق في المكتب السياسي، وهم جالسون في المقر يجمعون المعلومات، بهدف رسم صورة لما سيحدث بعد ساعات" رفيق آخر يقول "انه بقى الى ساعات متأخرة من الليل في ساحة التحرير، ومنها ذهب مشيا على الاقدام الى بيته وهو ينقل التقارير الى المكتب السياسي" رفيقة تقول "انها في محافظتها بقيت مع عدد من رفاقها تتابع الحركة بالمدينة حتى لا تصحو في الصباح على احداث مفاجئة" رفيق آخر يقول "تواجدنا منذ الصباح نرصد التحركات ونتابع الأوضاع ونشارك الجماهير حتى وصلت الى ساحة التحرير، ونقلنا الصورة كاملة الى قيادة الحزب" رفيق آخر يقول "حتى رفاق القاعدة الحزبية لم يبقوا جالسين في بيوتهم، انما انطلقوا الى ساحات التحرير والاعتصام بدوافع وطنية والتزام فكري بقضايا الشعب، لان القاعدة تعودت ان تكون في مقدمة الجماهير أينما سنحت الفرصة". ثم أشار الرفيق سكرتير اللجنة المركزية أنهم بعد ان وصلتهم كل تلك المعلومات لم يترددوا في اعلان الموقف بعد ساعات من الموقف الأول، بالانضمام الى الانتفاضة ودعمها ودعوة رفيقات ورفاق الحزب للنزول مع الجماهير الغاضبة للتعبير عن موقفهم الرافض للمحاصصة والفساد.
لم يشكك أحد من المندوبين بما قدمه الرفاق من توضيحات، لان تلك الصورة لم تكن غائبة عن انظارهم. لكنني أقف عند الشهادة الأخيرة مطولاً، تلك التي تتكلم عن رفيقات ورفاق القاعدة الذين نزلوا الى الساحات بالرغم من وصول رسالة المكتب السياسي بعدم المشاركة في تظاهرة الأول من تشرين، وأتساءل هل وصلتهم الرسالة فعلاً؟ هل حجبت عنهم من قِبَل رفاق الكادر الوسطي؟ لماذا حجبوها؟ وإذا وصلتهم، لماذا لم تلتزم القاعدة الحزبية بها؟ هل جرت اتصالات سريعة بين رفيقات ورفاق القاعدة الحزبية، تناقش مدى صحة الرسالة، مشككين ان القيادة فعلا دعت لعدم المشاركة؟ هل الاتصالات التي سبقت الرسالة بين الكادر الوسطي والقاعدة الحزبية في الترويج للتظاهرة والمشاركة الفعالة، كان لها مفعولا أكبر من واجب الالتزام بتعليمات القيادة وفقاً للنظام الداخلي؟ هل لعب رفاق الخارج كجزء من الجسم الحزبي، دورا محفزاً بالتحشيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل لعب التثقيف الفكري ونضال القاعدة الحزبية على مدى حياة الحزب دوراً في قرار النزول للشارع بدون انتظار موافقة القيادة؟ هل فكرت القاعدة وفقا لما تربت عليه، ان هذا القرار خطأ ولا يجب الالتزام به، وان القيادة ستتراجع عنه؟ كلها أسئلة مشروعة ومنطقية، لان الرسالة جاءت فقيرة ولا تحتوي على شروحات وأسباب، وتخلو من المعلومات. لهذا في اليوم الأول من تشرين الأول 2019 كان الشيوعيون على موعد نضالي بساحة التحرير، أصواتهم تصدح بالهتافات والشعارات المطلبية، وان لم تصلهم شعارات مركزية من الحزب كما جرت العادة.
لا يمكن عند إطلاق وصف حزب على جماعة منظمة ان نختصر هذه الجماعة بقيادتها، على أهمية دورهم في رسم سياسة الحزب. هذه التجربة اثبتت أن قاعدة الحزب الشيوعي العراقي قد أسست على أفكار ومواقف نضالية حصنتها من أي ظرف مهما كانت مبرراته وحيثياته من شأنه أن يبعدها عن حركة الجماهير، وهي قادرة دائما ان تتقدم الحركة النضالية وتتحمل المسؤولية مع كل منعطف سياسي، ولا تتردد عندما تأتي اللحظة التاريخية من اخذ زمام الأمور للتعبير عن ذاتها. هذه الحقيقة تشكل مفخرة فكرية وتنظيمية لهذا الحزب العتيد.
هذا الموقف الوطني والنضالي تكرر في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي مع كل ضربة امنية تعرض لها على يد السلطة، فكانت الخلايا تعيد تنظيم نفسها بدون الانتظار لقرار حزبي وتعمل سراَ حتى يأتي الوقت الذي تعيد فيه التنظيم والحزب الى الحياة من جديد. اذكر مرة قالها لي ابي ان الحزب كالثيل كلما قُصَ، نما من جديد.

#ماجد_فيادي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات