|
نهاية المسرحية
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7195 - 2022 / 3 / 19 - 15:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العودة المحزنة للقفص الزجاجي ١٣٣ - نزول الستار
التساؤل القائم هو كيف يتمكن شخص ما من إختلاق نسخة جديدة من شخصيته الإجتماعية وإعطائها الصورة التي يريد دون الرجوع إلى الواقع الحقيقي ؟ كيف يمكن الحياة بشخصية مزدوجة ؟ وهل هذا محتمل على الإطلاق ؟ نستطيع أن نقول بأن جان-كلود رومان قد نجح في تحويل حياته إلى عمل مسرحي لا مثيل له من ناحية التمثيل و من ناحية السيناريو والإخراج، وكان من الممكن أن يكون عمله المسرحي هو عمل حياته لو لم ينهار في اللحظات الأخيرة ويرفض أن ينزل الستار وينهي العرض. لقد كان خائفا من مواجهة الجمهور، ولم يكن يحتمل فكرة إنتقاده أو العثور على أية علامة من الفشل في حياته. أثناء محاكمه جان-كلود رومان، عاينه ثلاثة من الإخصائيين في الأمراض النفسية والعصبية المعتمدين من قبل المحاكم الفرنسية، وأجمعوا بأن جان-كلود رومان ليس مجنونا ولا معتوها وغير مصاب بأي مرض نفسي أو عصبي كالشيزوفرينيا أو البسيكوز من أي نوع، ولا يعاني من ظاهرة إزدواج الشخصية أو أي شيء من هذا القبيل، لقد كان شخصا عاديا مثل بقية الناس مع فارق وحيد، هو مبالغة أهله في التركيز على مواهبه وذكاءه وكونه شخصا إستثنائيا وفريدا من نوعه بين الشباب، صورة الشاب المثالي الناجح في كل ما يقوم به بطريقة لامعة. وربما تكون هذه الصورة المتألقة هي التي كانت السبب في ضياعه، والتي قادته تدريجيا إلى محاولة المحافظة عليها بجميع الطرق الممكنة، ولو بالكذب والخداع. أهله وأصدقاءه لم يصدقوا القصة في البداية، وحتى بعد التحقيق والإدانة بقي العديد منهم يشك في مصداقية الأحداث كما نقلتها الصحافة، قد يكون القاتل فعلا، ولكن لا يمكن أن لا يكون طبيبا وباحثا في منظمة الصحة العالمية، لأن الناس لا يصدقون بأنه ضحك عليهم وخدعهم كالأطفال. ذلك أن أهله وأصدقاءه كانوا شهودا لمرات عديدة وفي مناسبات مختلفة على مواهب الطبيب في الحوار والنقاش في الأمور الطبية والعلمية المعقدة، وبالذات في آخر تطورات العلوم الطبية المتعلقة بجراحة القلب. ذلك أن جان-كلود، ليبعد عنه الشبهات ويثبت كونه طبيبا، كان مطلعا فعلا عن آخر تطورات المجال الطبي، وكان مشتركا في أغلب الدوريات والمجلات المتخصصة بالفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى أنه كان يمتلك الوقت الكافي للقراءة والإطلاع على كل هذه المنشورات العلمية. لقد بقي طالبا في حقيقة الأمر طوال حياته ولكن دون أن يجتاز الخطوة الضرورية التي تعطيه الشرعية الإجتماعية والإعتراف به كطبيب أو كباحث يمكنه من ممارسة وظيفته. الفترة الوحيدة التي تمكن فيها من ممارسة الطب، هي عندما كان في السجن، حيث كان السجناء يستشيرونه في بعض الأحيان، وحسب شهادة البعض، كان نادرا ما يخطيء في تشخيص الحالات المعروضة عليه. في حقيقة الأمر، جان-كلود لم يكن يحتمل الفضيحة المقترنة في وعيه بعدم النجاح، ولم يكن يحتمل أن يخيب آمال أهله وعائلته الذين بالغوا في حبه وتوفير كل ما يحتاج إليه، ماديا ومعنويا لمواصلة دراسته. يبدو أن جان-كلود قد بدأ في إختلاق وبناء شخصيته التي يريد تقديمها للمجتمع، أي تكوين جان-كلود الطبيب والباحث في أثناء السنة الثانية من سنوات دراسته في كلية الطب بجامعة ليون، حيث لم ينجح في إجتياز إمتحاناته النهائية، تنقصه بعض الدرجات في مادتين أو ثلاث مواد. بطبيعة الحال هذا يحدث لأغلب الطلبة، وكان من السهل عليه إجتياز هذه الكبوة في إمتحانات الدور الثاني بكل سهولة، فهو يمتلك الإمكانيات الفكرية والمادية لمواصلة الدراسة في ظروف مثالية، فقد أشترى له والده الشقة التي يسكن فيها حتى لا يسكن في بيوت الطلبة المزدحمة والمزعجة، ومع ذلك ولأسباب مجهولة، لم يتقدم جان-كلود لإمتحانات الدور الثاني، وتظاهر أمام الجميع بالنجاح والإنتقال إلى السنة الثالثة. وهكذا واصل دراسته الوهمية، وقد سجل في السنة الثانية طب لمدة إثنى عشرة سنة متوالية، دون أن يتقدم ولو مرة واحدة للإمتحانات. لقد صرح في المحكمة بانه أراد أن يكون أقوى من القدر، وكأن حادثة عدم نجاحه في السنة الثانية أصبحت "علامة" هذا القدر الذي عليه تجاوزه بطريقة ما، وعدم مواجهته مواجهة مباشرة. وقد ردد أكثر من مرة أثناء المحكمة " عندما لا أستطيع إجتياز عقبة ما .. فإنني ألغيها من الوجود"، وهذا يعني بكل بساطة "التظاهر بعدم وجود هذه العقبة"، أي التظاهر بأنه نجح في الإمتحانات ولم يرسب، وهذا التظاهر يتطلب تكوين الشخصية "النسخة" التي تستطيع أن تلعب هذا الدور، وهي شخصية البروفيسور الباحث ومتخصص جراحة القلب.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بداية النهاية
-
تكملة المجزرة
-
المجزرة العائلية
-
الحريق
-
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
-
مكعب الضباب
-
فان جوخ والسجن الإختياري
-
غربة فان جوخ
-
المال والسلطة والسلاح
-
اللامرئي
-
الرفض
-
حرب على الحرب
-
كاليجولا ومطاردة القمر
-
سرير بروكست
-
بين الوجود ولكينونة
-
أدونيس وتعطيل العقل
-
جريمة في القطار
-
أدونيس وعمامة رامبو
-
الجرذ المحاصر
-
الوعي وال - أنا - المتعالية
المزيد.....
-
بوغدانوف يبحث مع وفد من حماس المستجدات في غزة ويؤكد أهمية ال
...
-
الجدل حول شراء غرينلاند لم ينته بعد.. ورئيسة وزراء الدنمارك
...
-
بيل غيتس وصورة -الملياردير المثالي-
-
ترامب يعلق رسومه الجمركية على المكسيك -شهرا-
-
الرياض.. برنامج أمل التطوعي لدعم سوريا
-
قطاع غزة.. منطقة منكوبة إنسانيا
-
الشرع لـ-تلفزيون سوريا-: النظام كانت لديه معلومات عن التحضير
...
-
مصراتة.. سفينة مساعدات ثانية إلى غزة
-
جنوب إفريقيا تعلن عن إجراءات محتملة ردا على قرار ترامب وقف ت
...
-
مصر تصدر خرائط جديدة لقناة السويس.. ما أهميتها وتفاصيلها؟
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|