أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - بعض من تاريخ المادية















المزيد.....


بعض من تاريخ المادية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 18:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يظن الكثير من الباحثين اليوم وفي الأمس أن المادية كفكر تكون في العصور الأوربية الوسيطة نتيجة لردة فعل على واقع حضاري تناقضت فيه قيم متصارعة بين الواقع والمطلوب من جهة وبين القدرة على التغيير والمحرمات المانعة منه, وله أيضا صلة ما بالفهم الإنساني الذي تطور تدريجيا بتطور مفهوم الحاجة وتنوع هذه الحاجات مع تجدد المفهوم ذاته, لترتقي من كونيتها البسيطة إلى كيف ضروري أملتها عوامل حضورية قد تبدو بشكليتها الآنية وفي حينها غير قادرة على أن تستجيب حقيقة لهذا التطور وتتفهم دوافعه الحصرية, فنشأ بذلك ما يعرف بالهوة بين الواقع المعاش بكل أطره التي كان يغلب عليها الطابع العقيدي وبين تجدد الحاجات وضروراتها.
كان لزاما أن يحدث في هذه المفصلية التأريخية شكل من أشكال التمرد على قوانين وقيود المجتمع مع توفر البدائل المتعددة والمحفزات الحضارية والتأريخية وما تقدمه المعرفة الإنسانية المخزنة لقواعد التغيير في طيات الذاكرة النخبوية بشقيها الديني والفلسفي في العقلية الأوربية أنداك ,وهو ما تشير إليه الحتمية التأريخية وبمنطق التأريخ المادي منه والحضاري لحصول ذلك التمرد ولكن ليس بشكله الأنقلابي ولكنه في حدود المحاولة والطرح الفوقي ولو مرحليا لتتهيأ الظروف القادرة على فرض الشروط والمعطيات.
وهذا ما نجده حقيقية في قراءة للتأريخ الأوربي في عصريه الوسيط والمتوسط بين العصري والحديث أي أبتدأ من القرن الثالث عشر ميلادي وحتى بدايات القرن السابع عشر وهي فترة الإرهاصات المادية التي عرقلتها من الظهور السطوة الكنسية وحفزها التأثير المشرقي بشقيه العقدي والعلمي الحضاري.
هذه المقدمة قد تبدو ضرورية للبدء ولكن ليس كل الحقيقية في حالية التغيير الأوربي في تجاهه نحو الأبتعاد عن الأسس العنصرية التي قام عليها ونقصد فيها التمييز الأوربي المعلن عنه جنسيا وأعتقاديا والذي لا زال مع التغيرات الهائلة في أطره الفكرية ينطلق بعمومية جماعية من قيمة تقديس العنصر الأوربي وتقديمه على أنه هو الأصلح تكوينيا في القيادة التأريخية للعالم, ولكن الأبتعاد عن المعرقلات التأريخية التي تحده ذاتيا بالنظر للمحددين السابقين وهما(الدين والعنصر) للبحث عن قيمة أعلى أو أصلح لمواجهة تلك الإشكالية المتعلقة بمعالجة الهوة وتجاوزها بتطبيق أسس خارج أطار العلة الدافعة للتغيير وتتفق مع سير الضرورة وتستجيب لها وللقواعد التي تحددها هي وليس الفكر المعرفي, فتكون الضرورة هي قاعدة التغيير والمتحكمة في مسارات عملية الانقلاب الذاتي بكل المعطيات الممهدة أو المساعدة على التحفيز والتحريض لها.
لقد لعبت النخبة الفكرية دورا مركزيا وهاما في تعرية الدين في أوربا وإظهار عورته وتتبع تناقضاته مع نفس القواعد التي يؤمن بها وكان ذلك بداية الانقلاب الفكري والروحي الذي قاد إلى الانفلات من ربقة القواعد الصارمة التي كان يفرضها الكهنوت والفكر المسيحي الأوتوقراطي بتحالفه مع الإقطاعية الأوربية بما يوفر كل منهما للأخر من تبريرات تتعلق بالوجود الحتمي لكل منهما, وكأن العملية البينية بينهما ترتبط بالوجود الذاتي المصيري للقواعد التي ساهمت في تشابك الموجبات الايدلوجية التي أفرزت ذلك الوجود وساهمت في تعميق الصلة بينهما.
فكان الكهنوت الديني إقطاعيا في تفكيره وفي ممارساته الأستبدادية من خلال تنصيب المؤسسة الدينية حاكما على الشق الروحي للفكر الإنساني عموما وللعقل الأوربي خصوصا ,فيما أستأثر الأقطاع في أوربا على القوى المادية المنتجة والمحركة للديمومة وقوانينها, وبذلك وجد الإنسان الأوربي نفسه مسحوقا بين القدرية الروحية المفرطة في جانبها العقدي وبين خضوعه المطلق للقواعد الإقطاعية في التعامل البيني في طوله وعرضه بين الإنسان والإنسان, وبين الإنسان والخالق.
لقد أفرز هذا التجاوز على الإنسانية قدرا من الإحباط واليأس بين النخبة الفكرية في معالجة الحال ضمن أطار نفس المؤسسة الحاكمة بشقيها الروحي والمادي, وعدم قابلية هاتين المؤسستين من تجاوز ذاتهما نحو مصلحة الإنسان وبالتالي مصلحة الوجود كله ,فلابد أذن من البحث عن مقومات خارجية قد تصطدم ولا تلبي مطالب القواعد الأجتماعية السائدة في حينها وهذا ما أدركته النخبة وهي في أول الطريق نحو وضع تصوراتها الفكرية وتهيئة القواعد الأسية للانقلاب دون أن تعلن ذلك صراحة ولكن سطرتها ضمن مفهوم الفلسفة للمعرفة والوجود الذي أخذت حيزا مهما وكبيرا في ترديد قواعد ومنطلقات فلسفة القرون القديمة أبتدأ من سقراط بالقاعدة التي أبتكرها وهي (أعرف نفسك بنفسك)مرورا بالرواقيين الذي أعلنوا القداسة وفرض قداسة النفس,
فكانت العلمانية التي أعلنت وجودا مناقضا للكنيسة وقواعدها أبان ظهور مقدمات الثورة الصناعية وأنتقال أو بوادر أنتقال قواعد السلطة المادية من الأقطاع الأوربي إلى يد الطبقة الصناعية التي أثبتت جدارتها وبقوة بإدارة رأس المال والتحكم بقوانين العمل والسوق وأثر ذلك في تفكيك البنية الحورية الجدلية بين الكنيسة والأقطاع الأوربي.
لقد قادت قوة الطبقة الناشئة والتي يمثلها الصناعيون وأصحاب رأس المال والصيارفة والتي تحكمت بدورها في قوة الأقتصاد القومي الذي تحولت وجهته من النمطية والتحجر إلى التسارع والتنوع في بنيته واتجاهات مصادره إلى تعزيز هذا الدور من خلال تحالفها مع ظهور مفهوم الدولة القومية على أنقاض مجموعة الدويلات والأمارات والكونتات التي يغلب علها الطابع العائلي المرتبط بالأرض كمصدر للثروة والتسلط وتستمد مشروعيته منه بالتحالف مع الكنيسة مع تعدد مذاهبها ودور كل مذهب في تعزيز النفوذ الأسري الإقطاعي.
بذلك كان الأتجاه القومي في الضد تماما مع الأتجاه السائد المعتمد على الملكية العائلية وعلاقتها بالدين ,هنا ظهر مفهوم العلمانية أول مرة لينزع الغطاء عن مبررات الوجود الطبقي المتهالك الذي يربط بين مفهوم قوة الدويلة والقدرة على التأثير المادي المبني على الثروة والقوة العسكرية بجانب تأثير الكنيسة في تثبيت مبررات هذه القوة.
لقد كانت العلمانية أختراع القوميين الأوربيين المدعومين من القوة الأقتصادية المستجدة والتي جرت أوربا إلى عالم التحديث والانقلاب على قواعد القوة وسياقاتها القديمة وكل مبرراتها ,وهكذا كانت تتطور العلمانية مع أنتشار التحديث ونمو المدن على حساب الإقطاعيات وهجرة اليد العاملة وتحول وجهتها نحو الصناعة والتصنيع والتحديث وما يتطلب ذلك من توسع معرفي لابد له من أن يترافق مع حركة التحديث والتقنية واستحقاقاتها المادية.
فأولت المدارس ودور التعليم والجامعات أهمية قصوى للتعليم التقني الذي يمهد لقواعد التشغيل الصناعي ويمد المصانع الجديدة باليد العاملة الماهرة من أبناء المدن خاصة ,وهذه العملية بحد ذاتها لا بد أن تنطلق من بناء قاعدة علمية كفؤة تمارس دور الأعداد والتأهيل والبحث العلمي ,فأعيد الأعتبار للمنهج العلمي المادي وترعرت الدراسات العلمية التي تعتمد على المنطق العلمي التجريبي وأعادة قراءة القوانين الطبيعة للوجود ودراسة التفاوت بين المعطيات العلمية والصناعية ومقدماتها وبين الفهم الجمعي الذي كان سائدا في أوربا, وفضح الزيف والعجز والتخلف الذي كانت عليه الكنيسة في عدم قدرتها على الأجابة على قواعد العلم المنطقي والعلم التجريبي وما هي تفسيرات هذا العجز.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعصب الحضاري في مواجهة الكونالية
- الكونالية وعالم متعدد الأقطاب
- الحرب والسلام ... مقاربة تضاد أم مقاربة وجود
- السياسة من منظور فعل القوة
- الكونالية وما بعد العولمة
- تناقضات الكونالية والعولمة
- العولمة والكونالية
- هل يمكن التجرد من الهوية الكونية
- أنا والآخر من منظور كوني
- الإنسان الكوني هوية أم وجود؟
- صراع الفسلفة ومبدأ الحرية
- وعي الحرية وحرية الوعي معادلة غير منصفة بين الشرق والغرب
- حلم الإنسان الأول
- الكونية وحاجة الإنسان للعودة لنقطة الإنطلاق الأولى
- هل يمكن التوافق بين الفكر الديني ومبدأ الديمقراطية التعددية
- حق الإنسان في الحرية والديمقراطية من منظور ديني حقيقي
- وهم انظرية الأقتصادية للدين
- الخروج من الدين ح2
- الخروج من الدين
- الى صديقي ...أخي فراس معلا


المزيد.....




- مسلسل White Lotus يجذب المزيد من السياح إلى تايلاند
- أزمة غير مسبوقة في قطاع الصحة بالبرتغال: غرف طوارئ مغلقة وط ...
- علماء يحاولون الكشف عن وظيفة بروتين -أوبسين 3- الغامض في الج ...
- دراسة: هذا ما يخيف سكان ألمانيا حالياً!
- روسيا.. ساعة نووية لاستكشاف المناطق النائية
- لماذا تزايد الاهتمام بإطلاق أقمار صناعية في مدارات منخفضة لل ...
- حاييم وايزمان: -أقود أمة من مليون رئيس-!
- المجلس الأوروبي: نريد المشاركة في مفاوضات أوكرانيا لمناقشة ه ...
- القوات المسلحة السويدية تزيد أنشطتها في القطب الشمالي
- صحيفة: المرتزقة الأجانب في أوكرانيا يخططون للتوجه إلى إسرائي ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - بعض من تاريخ المادية