سعدي رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 7192 - 2022 / 3 / 16 - 16:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السببية أم العادة؟ بين الغزالي وابن رشد :
تشكل قضية السببية من أبرز القضايا التي ابتدع فيها الغزالي الفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة، وقد قام ابن رشد بالرد عليه مدافعا عن الفلسفة والعقل والنظام .
يعد الغزالي من كبار متكلمي الأشاعرة، إلى جانب الباقلاني والجويني، الذين يعتبرون أن الاقتران بين السبب والمسبب راجع إلى العادة وليس للضرورة العقلية كما كان يعتقد الفارابي وابن سينا. يقول الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة"إن الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا وما ما يعتقد مسببا، ليس ضروريا عندنا، بل كل شيئان(أي مختلفان) ليس هذا ذاك، وليس ذاك هذا، ولا إثبات احدهما متضمنا لإثبات الآخر، ولا نفيه متضمنا لنفي الآخر..... مثل الشبع والاكل والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء...... فإن اقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه وتعالى". ففي هذا النص تعبير صريح عن انكار الترابط بين الأسباب والمسببات، فالاقتران بين الأشياء راجع للإرادة الإلهية.
إن رفض الغزالي للسببية مرده اعتقاده أن فكرة الضرورة والاقتران الحتمي بين الظواهر، نفي وانكار للمعجزة، يقول الغزالي" إن مخالفة الفلاسفة تعد أمرا ضروريا إذ تنبني عليها إثبات المعجزات الخارقة للعادة، بحيث أن من سلم بالسببية فإنه ينفي بالتالي قلب العصا ثعبانا واحياء الموتى، وشق القمر". كما قدم مثالا على عدم لزوم الاقتران بين السبب والمسبب، يقول الغزال".... فلنعين مثالا واحدا وهو الاحتراق في القطن مثلا، عند ملاقاة النار فانا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق، ونجوز حدوث انقلاب القطن رمادا محترقا دون ملاقاة النار.... بل نقول فاعل الاحتراق هو الله تعالى".
ويمكن إجمال النقط التي انتقد فيها الغزالي الفلاسفة فيما يلي: قولهم
1) ضرورة الاقتران بين الأسباب والمسببات: إن هذا الاقتران ملازم بالضرورة فلا يمكن أن يوجد السبب دون المسبب والعكس بالعكس، فمثلا لا يحترق القطن إلا إذا لاقي النار، والنار لا تحرق إلا إذا لقيت القطن.
2) نظام الكون: يعتبر الفلاسفة أن الكون له نظام محكم وقوانين ثابتة، فالله تعالى خلق الكون وجعل له نظاما وهذا النظام هو بمثابة القوانين الكونية وبدونه يصبح الكون عرضة للتغيرات العشوائية، فإذا لم نقل بالنظام و السببية، يصبح من الممكن القول أننا تركنا طفلا في المنزل وعند عودتنا وجدنا الطفل قد انقلب كلبا أو العكس،تحت اسم القدرة الإلهية.
3)المعجزة: لقد عمد الفلاسفة حسب الغزالي على تأويل المعجزات، كأن نقول النبي فلان أحيى الموتى والمقصود بذلك، أن الجاهل عندما بث النبي فيه العلم يكون قد أخرجه من الموت(الجهل) إلى الحياة (العلم). اضافة الى ادخال المعجزة في سياق الضرورة الطبيعية، و التمييز بين المعجزة الحسية و المعجزة العقلية. (ولنا في قادم الأيام تدوينة في هذا المجال).
خلاصة القول أن ما يقوله الغزالي هو تكرار لموقف الأشاعرة، الذين يرفضون مبدأ السببية ويقرون بالعادة دفاعا عن المعجزة الإلهية.
في المقابل ودفاعا عن العقل والمنطق والنظام، يؤكد ابن رشد أن المعرفة تستحيل دون مبدأ السببية لأنها معرفة بالقوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية، يقول ابن رشد "من رفع الأسباب فقد رفع العقل"، ويعتبر أن الله سبحانه وتعالى خلق العالم واودع فيه قوانين ثابتة، فليس من عادته أن يخلق شيئا ثم يغيره أو كما قال أنشتيان "إن الله لا يلعب بالنرد" فقد خلق الكون وأودع فيه نظاما وقوانين ضرورية وثابتة، هكذا فإن نفي السببية سينتج عنه الفوضى و العشوائية في الطبيعة، وهو ما عبر عنه ابن رشدبشكل ساخر بقوله لا يمكن أن نترك طفلا في المنزل وبعد عودتنا نجده قد تحول إلى كلب، ويستشهد ابن رشد بآية قرآنية" ولن تجد لسنة الله تبديلا" "ولن تجد لسنة الله تحويلا" معتبرا أن النظام والترتيب الموجود في الكون تابع للنظام والترتيب الذي في العقل الإلهي، فإبطال القول بالسببية هو ابطال للحكمة الإلهية وللناموس الرباني. فإذا عرف الإنسان الأسباب الحقيقة الظواهر كان حكمه برهانيا، وإذا لم يعرف كان حكمه ظنيا.
أما ما يعتبره الأشاعرة والغزالي" عادة" يقول ابن رشد أنه أمر غير واضح بذاته يقول في تهافت التهافت "ما أدري ماذا يريدون باسم العادة؟ أهي عادة الله، وهذا محال في حقه لأن العادة ملكة مكتسبة بالتكرار، والله منزه عن ذلك، أم يريدون عادة الموجودات وهذا غير جائز لأن العادة لا تكون إلا لذي نفس، وإذا كانت لغير ذي نفس فهي طبيعة، والأشاعرة يرفضون القول بالطبائع. أما إذا كانو يريدون بالعادة عادتنا نحن في الحكم على الموجودات فإن هذه العادة ليست شيئا أكثر من فعل العقل الذي يقتضيه طبعه وبه صار العقل عقلا واذا فهمت بهذا الشكل كانت هي مبدأ السببية... "لكن بماذا سيجيبنا ابن رشد إذا طرحنا عليه السؤال التالي: ما قولك في النبي إبراهيم الذي القي في النار ولم يحترق؟ سيجيب ابن رشد في" تهافت التهافت" أولا" إن الذي يجب أن يقال فيها إن مبادئها هي أمور إلهية تفوق العقول الإنسانية، فلابد أن يعترف بها مع جهل أسبابها"ثانيا أن المعجزات حالات استثنائية لا قياس عليها، فالأصل والقاعدة هي الاقتران و الارتباط بين الأسباب والمسببات.
.
#سعدي_رضوان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟