|
العملية العسكرية الروسية وآفاقها
محمود جديد
الحوار المتمدن-العدد: 7186 - 2022 / 3 / 10 - 20:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العمليّة العسكرية الروسية وآفاقها ++++++++++++++++++++++ بقلم : محمود جديد كانت تسمية الحرب الحالية بالعملية العسكرية من قِبَل القيادة الروسية دقيقاً إلى حدّ كبير ، لأنّها أقل من مستوى الحرب، فهي لا تهدف لاحتلال أوكرانيا ، ولا ضمّها إلى الاتحاد الروسي ، كما تحافظ على البنية التحتية المدنية قدر المستطاع ، وتوزّع المساعدات الغذائية على بعض المدن الأوكرانية ، على الرغم من أنّ النتائج المحتملة لهذه العملية ستكون فائقة الأهمية، ولا تضاهيها أيّة حرب سابقة غير عالمية .. التحضير للعملية : ——————— إنّ إجراء مناورات عسكرية لأغراض تدريبية على مستوى الجيش تحتاج أشهراً عديدة للإعداد من فروع العمليات، فكيف الحال بالنسبة لعملية عسكرية حقيقية في بلد مجاور هزّت العالم ، وممّا لاشكّ فيه، أنّ القيادتين الروسيتين السياسية والعسكرية قد شاركتا في دراسة الموقف من كل جوانبه، سواء أكان ذلك بالنسبة لمسرح العمليات بكل عناصره ، أم بالعوامل الخارجية ، وخاصة ردود أفعال " الناتو " ، علماً أنّ الروس يتمتعون بخبرة واسعة، قديمة وحديثة في الساحة الأوكرانية ، كما هم على اطلاع مستمر بمخططات أمريكا "وناتوها " ، ومتابعون تطوراتها ساعة بساعة ، وردود الفعل الغربية الاقتصادية والسياسية والعسكرية المحتملة.. ولذلك ، أعتبر أنّ هذه العملية كانت " شرّاً لا بدّ منه " .. إنّ صور الأقمار الصناعية الغربية كشفت بالتأكيد حجم القوات المحتشدة على طول الحدود الأوكرانية ، ومكانها ، وأدركوا أنّ تموضعها هجومي، وليس دفاعياً ، ولكنّ نشوبها لم يكن حتميّا من قِبَل الكثيرين ، نظراً لكثافة الاتصالات التي جرت بين القادة الأوربيين ، وبوتين عشيّة انطلاقتها.. علماً أنّ المقارنة بين حجم القدرات العسكرية الروسية ، والأوكرانية راجح إلى حدّ كبير لصالح الروس ، وخاصة الجوية والصاروخية ( ولا داع لذكر القدرات النووية )، فهي ستبقى خارج أي حساب لأنّها لن تُستخدم ... العملية الآن في بداية أسبوعها الثالث : ويمكننا إلقاء الضوء اليوم على بعض مجرياتها .. ابتدأت العملية بتمهيد جوي وصاروخي استهدف مقرات القيادة والسيطرة ، ومحطات الرادار ، والمطارات العسكرية ، ومرابض مدفعيته على امتداد الأرض الأوكرانية .. ثمّ انطلقت القوات البرية الروسية باتجاهين رئيسيين : الأول : على امتداد الحدود الشمالية الشرقية المشتركة مع أوكرانيا وحتى الحدود مع بيلاروسيا ، وقد تمّ احتلال خاركوف ، ومنطقة تشرنوبل ، ووضعت اليد على مفاعلها القديم ، وشاركت القوات الأوكرانية المتواجدة هناك بحمايته ، كأمر واقع لامفرّ منه منعاً لأي قتال يعرّض هذا المفاعل لمخاطر جديدة ، ثمّ انعطفت القوات المهاجمة على هذا المحور باتجاه الجنوب مستهدفة العاصمة كييف التي وصلت إلى ضواحيها . الاتجاه الثاني : انطلق من الحدود الروسية شرقاً ومن شبه جزيرة القرم، وعلى طول شاطئ بحر آزوف والبحر الأسود جنوباً مستهدفاً ميناء أوديسّا ، وقد تمّت السيطرة على خيرسون ووصلت القوات إلى مشارف أوديسّا . الاتجاه الثالث : من جمهورية دونيتسك الشعبية الحديثة ، وبقواتها المدعومة بقوات روسية، وقد استرجعت معظم أراضيها ، وقد أفاد إدوارد باسورين نائب قائد قوات جمهورية دونيتسك الشعبية الاثنين الماضي بأنّ قوات الجمهورية وصلت إلى حدود مقاطعة زاباروجيا بأوكرانيا، وأنّ قوات الجمهورية "فرضت سيطرتها على بلدات آزوف وروزوفكا وميرنوي". وقد استهدفت العملية العسكرية الوصول السريع إلى معظم المحطات النووية الأوكرانية، وتأمين حمايتها من أي تخريب متعمّد من كتيبة آزوف ( فصائل النازيين الجدد )، والحريق الذي نشب في محطة زابوريجيا لا يمكن أن يكون من صنع القوات الروسية كما يُشاع، ويُستثمر في الغرب ضد الروس ، فالعلم العسكري يدحض مثل تلك التهمة، لأنّ القوات الروسية المهاجمة ستكون أوّل المتضررين من أيّ تفجير في تلك المحطات .. المهمات التالية المحتملة للعملية العسكرية : —————————————————— - الوصول إلى كييف، وإذا كان احتلالها مكلفاً جداً ، فمن المحتمل أن تتمّ محاصرتها ،وقطع طرق الإمداد عنها من كافة الجهات . - استكمال احتلال ميكولايف، ثمّ احتلال أوديسا في أقصى الجنوب أو محاصرتها ، وبعد ذلك ، التوجّه شمالاً باتجاه كييف لفصل شرق أوكرانيا عن غربها ، وأستبعد استمرار الهجوم باتجاه الغرب الأوكراني لكونه معادياً للروس ، ومشبعاً بعشرات الآلاف من المتطوعين المسلحين بأحدث الأسلحة الغربية ، وسيضطّر الروس على نشر قواتهم على مساحات شاسعة، ممّا يضعف قبضتها، ويعرّضها لخسائر كبيرة ، ويستنزفها ، ويعقّد تأمينها بالأسلحة والذخائر .. الخ ، كما سيُجبر الجيش الروسي على زج تشكيلات جديدة من احتياطاته الاستراتيجية، لأنّه حريص على الاحتفاظ بها تحسّباً لأيّة تدخّلات خارجية مباشرة ، ولكنّ الغارات الجوية ، والضربات الصاروخية ستستمرّ على الأهداف العسكرية الأوكرانية المتبقية، أو الأهداف الجديدة على ضوء وصول قوات ومتطوعين أجانب .. وقد صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية البارحة أن 2786 موقعا تابعا للبنية التحتية العسكرية في أوكرانيا تم تدميرها منذ بدء العملية العسكرية الروسية من بينها 953 دبابة وآلية مدرعة أخرى، و101 راجمة صواريخ و351 مدفعا، و718 قطعة من العربات العسكرية الخاصة، و93 طائرة مسيرة. و89 طائرة و57 مروحية، وأن جزءا من الطائرات الأوكرانية طارت إلى رومانيا ولا تشارك في العمليات القتالية. وأنّ 90% من المطارات العسكرية الأوكرانية تم تعطيلها، ولا ينفذ الطيران الأوكراني سوى طلعات منفردة. وأنّ منظومة الدفاع الجوي الأوكراني جرى تدميرها بنسبة تزيد عن 90% من قدراته ..
الآفاق المحتملة للعملية العسكرية : ===================== الاحتمال الأول : نجاح اللقاءات الروسية - الأوكرانية في بلاروسيا ، أو اللقاء بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في أنتاليا ، وبحضور وزير خارجية تركيا ، أو المساعي الصينية مع ألمانيا وفرنسا على مستوى الرؤساء ، وهذه المساعي لايمكن أن يقوم بها الرئيس الصيني بدون علم وموافقة بوتين ، ولكنّ زيلينسكي يصرّ على ضرورة لقائه مع بوتين وإتمام الاتفاق معاً، علماً أن المسؤولين الأوكرانيين يلوّحون بإمكامنية التفاهم مع الروس على كافة المسائل باستثناء قضية القرم ، والجمهوريتين الجديدتين. وقال زيلينسكي، في حديث لصحيفة "بيلد" الألمانية البارحة متحدثا عمّا إذا كان من الممكن أن يعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وتبعية القرم لروسيا: "المسألة لا تكمن في ما يمكن أن أقدم عليه. في أي حوار، هدفي يتمثل في إنهاء الحرب مع الاتحاد الروسي". وتابع: "من أجل ذلك أنا مستعد لخطوات معينة، مستعد لخوض مفاوضات ومستعد لحلول وسط. لكن لا يمكن أن تكون خيانة لشعبي. والطرف الآخر يجب أن يكون أيضا جاهزا لحلول وسط". وأردف زيلينسكي: "هذا هو الطريق الوحيد لخروجنا من هذا الوضع. من الصعب جدا ومن السابق لأوانه الحديث عن تفاصيل... وهذه الحرب لا يمكن إنهاؤها إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الرئيسين" وحسب تقديري ، أنّ القيادة الأوكرانية ستسلّم في نهاية المطاف بالقرم للروس الذين ضمّوها منذ عام 2014، كما أنّ بوتين سيقبل ببقاء الجمهوريتين الشعبيتين ضمن اتحاد أوكراني ، على غرار الجمهوريات الموجودة في الاتحاد الروسي.. وفي حال الوصول إلى اتفاق بين الطرفين سيخرج الروس فيه منتصرين، ويحققون معظم أهدافهم ، وإنّي أرجّح التوصّل لحلّ سياسي .. الاحتمال الثاني : فشل المساعي السلمية، وتحويل الساحة الأوكرانية إلى مستنقع للروس يتمّ فيه استنزافهم لأمد طويل ، وتكبيدهم خسائر كبيرة ،مع تشديد وتصعيد الحرب الاقتصادية والإعلامية ، والنفسية ضد روسيا ، وتوجيه عشرات الألوف من المتطوعين المزودين بأحدث الأسلحة اللازمة لمثل هذا الاستنزاف إلى أوكرانيا ، وهذه المسائل تشكّل الجانب الأساسي من المخطط الأمريكي ، غير أنّ المواقف الأوربية قد لا تتطابق مع الموقف الأوروبي الذي يميل للحلول السلمية، لأنّ بعض دوله وخاصة ألمانيا هي الأكثر تضرّراً ، وهنا من المفيد التوسّع في جوانب الحصار الاقتصادي ومقاطعة غاز ونفط روسيا الذي أقدمت فيه أمريكا على خرق محظورات سابقة في سياستها الدولية من أجل تأمين طاقة بديلة عن النفط والغاز الروسي ( زيارة فنزويلا - التلويح بالنفط والغاز الإيرانيين ، زيارة بايدن إلى الرياض المحتملة .. الخ ، ممّا سيخلق متاعب اقتصادية حقيقية خطيرة في الداخل الروسي، غير أنّ بوتين قد يلجأ إلى المبادرة في استخدام هذا السلاح الاقتصادي بسرعة تجاه الدول الأوربية التي ستستجيب للرغبات الأمريكية ، وذلك قبل أن تتمكن من تنفيذ أغراضها التي تشمل محاولة تفكيك الاتحاد الروسي مستفيدة من تجربة الحرب الافغانية ضدّ الاتحاد السوفييتي التي شكلت عاملاً مهماً في تفكيكه وإنهائه، وإن كانت الظروف مختلفة في أوجه كثيرة بين الحالتين .. - يتبع -
#محمود_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أضواء على الأزمة الأوكرانية
-
المجالس الفلسطينية مختطفة من سلطة أوسلو
-
ملاحظات وتوضيحات على ندوة الدوحة للمعارضة السورية
-
الإبراهيمية الصهيونية والشرق الأوسط الجديد
-
العوامل والأسباب التي دفعت سعد الحريري للهروب
-
ملاحظات واستنتاجات حول الغارة الإسرائيلية
-
وقفة مع الغارات الجوية الإسرائيلية على اللاذقية
-
جولة مختصرة في الأجواء السياسية الراهنة
-
قبل خمس سنوات: اغتيال محسن فكري: دروسٌ من أجل مستقبل الكفاح
...
-
ذريعة تصريحات القرداحي ، الدوافع والآفاق
-
لقاء بوتين - أردوغان ، ظروفه ، وآفاقه
-
أبو مازن والطرق المسدودة
-
لقاء الأسد - بوتين ، الدوافع ، والنتئج المحتملة
-
أفغانستان الصيرورة والآفاق
-
ملاحظات موجزة حول خطاب القسم
-
الصراع يحتدم في العراق
-
لبنان والأزمة المستعصية
-
فريق أوسلو كابح للنضال الفلسطيني
-
صاروخ ديمونة اللغز
-
ملامح وبوادر انفراج دولي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|