|
عزّت الطيري شاعر موهوب متميّز
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 7181 - 2022 / 3 / 5 - 14:09
المحور:
الادب والفن
لم تتسنّ لي الفرصة لمطالعة دواوين الشاعر المصريّ عزّت الطيري، كوني أعيش في درّة التّاريخ التي أضاعها إخوتي في العروبة ونسوها، ويا حسرة التاريخ لو يعلمون أيّ مدينة أضاعوا بضياع القدس. ما علينا...فدواوين الشّاعر عزّت الطيري لم تصل وطني الذّبيح، ومن خلال متابعتي لقصائد الشاعر المتميّز عزت الطيري التي ينشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، وجدت نفسي أمام شاعر مطبوع ساخر خفيف الظّلّ، سريع البديهة، يصنع من لا شيء قصيدة، حتّى خلته كما أبي نواس عندما قال" والله لو أردت أن لا أتكلم إلا شعرا لفعلت"، وإذا كان الشّاعر الطيريّ قد اختار أن يكتب غزلا عذريّا، وأن يكتب النّوادر والفكاهات، فهو يعبّر بهذا عن روح أشقائنا في أرض الكنانة، الذين عرفوا بخفّة الدّم، وكأنّهم ينتصرون على سوء الأوضاع في مجالات مختلفة من خلال السّخرية منها. عندما قرأت للمرّة الأولى بعض المقاطع الشّعريّة للشّاعر الطّيري، أدهشتني فتوقّفت أمامها، وأعدت قراءتها مستمتعا، وشعرت أنّني قد عثرت على ضالّتي التي أبحث عنها، خصوصا وأنّ صفحات التّواصل الاجتماعيّ تعجّ بكثيرين ممّن يزعمون أنّهم شعراء وشواعر، حتّى كدت أن أعزف عن قراءة "الشّعر" وصنوف الأدب كافّة على "الفيسبوك"، الذي ساوى في النّشر بين العالم والجاهل، وبين الشّاعر ومدّعي الشّعر، لكنّ شغفي لمعرفة مبدعي أمّتنا العربيّة، الذين انقطعنا عنهم، وانقطعوا عنّا بسبب الاحتلال البغيض، الذي أهلك البشر والشّجر والحجر، جعلني أواظب على ما ينشره أشقاؤنا العرب خصوصا أولئك الذين لم أعرف عنهم من قبل، فتابعت الشّاعر الطّيريّ فرحا سعيدا بشعره، وبكلّ كتاباته، واحتفيت بـ "اكتشافي" هذا على عادة أجدادنا القدامى الذين كانت تحتفي كلّ قبيلة منهم بنبوغ شاعر فيها. لكنّ الشّاعر الطيري ليس جديدا على الشّعر، بل ظهر كشاعر مجيد قبل ظهور "الفيس بوك" والشّبكة العنكبوتيّة بأكثر من عقدين، وشارك في مهرجانات شعريّة كبرى في مصر وفي أكثر من قطر عربيّ. والشّاعر الطّيري ولد في قرية صغيرة اسمها نجع قطية، التابع لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا، في صعيد مصر، وتبعد عن القاهرة حوالي خمسمائة كيلومتر، ومع أنّه درس الهندسة الزّراعيّة في جامعة أسيوط، إلّا أنّه عاد إلى القرية التي ولد فيها، وابتعد كثيرا عن مراكز الصّخب الإعلاميّ والإبداعي في القاهرة والإسكندريّة، وغيرهما من المدن المصريّة الكبيرة. وبما أنّ الإنسان بمن في ذلك الإنسان المبدع ابن بيئته، فهل جاءت هذه العفويّة البرّاقة وبراءة عذريّة القصيدة التي يكتبها الطّيري، وليدة البيئة الرّيفيّة البريئة التي قضى حياته فيها، هذه البيئة التي لم تهتك عذريّتها ازدحامات المدن الكبيرة كالقاهرة؟ ولا يفهمنّ أحد من هذا أنّ الشّاعر الطّيري بعيد عن الحضارة، منعزل في قريته الصّغيرة في الصّعيد، فالعكس هو الصّحيح، فشاعرنا ذو اطّلاع واسع، وثقافة غزيرة متعدّدة الأوجه والمشارب، ويظهر هذا جليّا في شعره، ولا غرابة في ذلك فشاعرنا ولد وعاش في بيت علم وأدب، فوالده أزهريّ ومدير مدرسة أسّسها في قريته، لكنّه -أي الشّاعر-لم يحظ بتسويق أعماله الشّعريّة كما يليق بها وبه، وكما هو حال مبدعي الطّبقة المخمليّة أو الملتقين بها بشكل وآخر. وإذا كان الشّعر تعبيرا عن لحظة شعور، فإنّ قصائد الطّيري تؤكّد ذلك، فالرّجل لمّاح بطبعه، ويلتقط فكرة قصيدته وهو جالس في شرفة بيته، أو وهو يمرّ في طرقات الحقول بين المزارعين، فيغزلها خيوطها بشرايين قلبه وعاطفته الدّافقة، فتأتي لغتها انسيابيّة عذبة كخرير قناة مياه تمرّ عبر حديقة غنّاء، تأتي كلماته راقصة يعلو إيقاعها، فتتسلّل كما خيوط ضوء القمر البدر إلى قلوب قارئيها أو مستمعيها. هذا اليوم قرأت له هذا المقطع: وحبيبى يستضعفنى يفرض سيطرة فى الليل على قلبى يحتل بقاعى ويشل ّ ُ فضاءاتى والعالم يشهد دون حراكِ وكأن حبيبى روسيا وأنا اوكرانيا وهنا لاحظت خفّة الدّم وسلاسة اللغة وسرعة البديهة وربط العام بالخاصّ، من خلال حدث يقلق العالم جميعه، وهو الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة. الشاعر عزّت الطيري لم ألتقه يوما إلا من خلال قصائده التي أجدها على"الفيس بوك" وألتقطها وأقرأها متمعنا وفاحصا ومستمتعا، فأنا لا أجيد نقد الشّعر مع أنني أحبّه وأتذوّقه وأستمتع به وأطرب له، وكم تمنّيت أن أجد في إحدى مكتباتنا دواوينه الورقيّة، لأشبع ذائقتي الأدبيّة منها، ومن الطّريف أنّني سألت زملائي الأدباء الفلسطينيّين إن كانت لديهم دوواين شاعرنا الطّيريّ، فأجابوني: إذا كانت لديك أعرنا إيّاها! في حين سألني عنها آخرون، وهم يشيدون بقدرات الطّيري الشّعريّة وتميّزه عن كثيرين غيره، وأنا لم أستغرب هذه الموهبة اللافتة عند الشّاعر الطّيري، فأرض الكنانة ولّادة. وإذا كان من حقّ ذوي الفضل علينا أن نذكر أفضالهم، فإنّني أكتب هذه العجالة عن شاعر ذي فضل يتميّز شعره شكلا ومضمونا، لكنّها حتما لا تغني عن مطالعة دواوينه، ودراسة مسيرته الشّعريّة. 5-مارس-2022
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديوان-أشواق تشرين- وعمق الإنتماء
-
بدون مؤاخذة-الذكاء الصيني والعهر الأمريكي في أزمة أوكرانيا
-
بدون مؤاخذة-وداعا لهيمنة القطب الواحد
-
بدون مؤاخذة- السّلطة الفلسطينيّة ومنظّمة التّحرير
-
رسائل فوق المسافات والجدران
-
محمود شقير يحلب التاريخ ليصنع أجبان القدس
-
مايا ملاكي الصغير
-
بدون مؤاخذة-وأعطي نصف عمري....
-
بدون مؤاخذة-God bless his soul
-
بدون مؤاخذة- الصهيونية والعنصرية
-
ذكريات الطّفولة المعذّبة في الرّغيف الأسود
-
بدون مؤاخذة-تكريم المبدعين وعصا المجانين
-
بدون مؤاخذة-جوائز الابداع الفلسطيني
-
بدون مؤاخذة-أمّي وأنا ابنها
-
قصة مفتاح جدّتي والسّرّ الدفين
-
بدون مؤاخذة-كلّنا بريئون، كلنا خطّاؤون
-
رواية -زرعين- وحلم العودة
-
بدون مؤاخذة-دعاة الدّولة الواحدة
-
بدون مؤاخذة-لا تصدّقوهم الوقت ليس لصالحنا
-
بدون مؤاخذة-لنرفع عَلَمنا الفلسطينيّ عاليا
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|