أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المصري - رسالة إلى الدكتور يوسف إدريس














المزيد.....

رسالة إلى الدكتور يوسف إدريس


محمد المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 03:29
المحور: الادب والفن
    


يموت الزمار وأصابعه تلعب .. فالعزف شكل موجات وجوده وحتماً يظل يعزف ويعزف إلى آخر رمق ، فالمسألة ليست هزلاً .. إن لها قانوناً ، وهكذا بدلاً من الموت كفاً وكفراً بأداء الدور .. أليس الأروع أن تظل تعزف ، مهما بدا عزف نشازاً وشاحباً فحتماً سيأتي اليوم الذي يعلو ويجبر الناس من صدقه على سماعه ،، أو حتى إذا لم يأت اليوم

فماذا تفعل ؟؟
إنه وجودك ولا فكاك منه ..

فشمس الشموسة قد طلعت
وما أجمله من صباح !
سأجعله أسعد صباح عشته في حياتي .

الأمر صدر من اشعاعات الشمس الطازجة التي لا يزيد عمرها عن ثماني دقائق : قم وافعل شيئاً تفخر به أمام نفسك وأولادك ويفخر به أحفادك .. فأنت أعظم مخلوق في هذا الكون الفسيح الذي لا تصدق أبعاده ..

أنت أروع ما فيه
أنت الكائن الوحيد القادر على أن يكون إنساناً

أتعرف ما هو الإنسان ؟..


يوسف إدريس
من قصة "يَموت الزَمّار"


======

عزيزي الدكتور يوسف :

في البداية يجدر القول بأنه يحق لك الاستغراب من أن تكون رسالتي لك هذه المرة علنية ، فبالرغم من كل ما بيننا من حديث ومشاحنات وخناقات و.. و.. و.. ، لم أفكر أبداً في أن أنقل ما بيننا إلى العلن ..

ولعل هذه المرة خاصة . فهي لا تخصني أو تخصك قدرما تخصنا جميعاً ..

رسالتي لك خاصة بقصتك "يَموت الزَمّار" وأنت تعلم جيداً أنها واحدة من أقرب قصصك إلى قلبي وواحدة من أهم القصص التي استمددت منها فكري وأسلوبي في الحياة ..

قراءتي الأخيرة لقصتك يا يوسف لم تترك ليّ نفس الإحساس الدائم الذي تتركه في كلَ مرة ، بالرغم من أنني مازلت مؤمناً بكل كلمة فيها إلا أنني أشعر بأن الحياة أصبحت تسير بنفساً ذا إيقاع بطيء ، حراكها أصبح أقل .. شمسك الشموسة التي تحدثت عنها لم يعد نورها يحمل نفس الضياء الذي كنت أشعر به في كل مرة أصل إلى الصفحة الأخيرة من قصتك ، أمور أصبحت تحدث ليست منوطة بنا ولا بتصرفاتنا ولكنها تحجب عنا تلك الشمس الشموسة وتفرض علينا أحاسيسنا ، الأرض يا يوسف أصبح دورانها بطيئاً يبقي كل شيء على حاله ولا يغيره ..

هل تذكر حينما ذكرت في إحدى مفكراتك أن حضارة الشعوب لا تحسب بمقدار العلم والثقافة التي يملكها ذلك الشعب .. فالعلم يُعلم والثقافة تُثقف ولكن الحضارة الحقيقية هي إنسان متحضر يشكل معنى حضارتنا ذات السبعة آلاف عام التي كونت هذا الإنسان .. أتذكر ؟؟ ، إنني أرى يا يوسف أن جزء من حضارة هذا الإنسان وتكوينه مرتبط بهذا النيل ، هذا الممتد في فضاء شاسع وكبير ولكنه هادئ ومتوازن يفتقد لثورية البحار وأمواجها ، هذا الذي يتمايل ببساطة ولا يحاول تغيير مياهه مهما رُميت فيها القمامة ومهما زادهُ العفن ، يظل هو على سكونه ولونه الداكن الحزين ، حتى حينما تمر عليه سفينة كبرى وثقيلة فهو يمتص ثقلها ويظل على هدوؤه ، نادراً ما تشعر فيه بالحراك وتشاهد مياهه ثائرة غاضبة .. تهتز وتتحرك ..

أعن نفسي أتحدث .. أم عنا كوطن .. أم عن عالمنا كاملاً ؟؟

أعلم يا عزيزي أنك أذكى من أن تطرح هذا السؤال .. فما أنا إلا جزء من هذا الوطن .. وما هذا الوطن إلا جزء من هذا العالم .. وما هذا العالم إلا جزء من كوّن فسيح وكبير يُدار بمنطق وفلسفة .. ليست فلسفتي .. ولا فلسفتك .. فلسفة النيل ربما ..

أتعلم .. من عدة أيام حدث لنجيب محفوظ اليقين الأكبر في حياته منذ مولده ، ربما هوّ معك الآن ، بعد أن ظل ستون عاماً يكتب عن الظلم والقهر والكبت .. بعد أن ظل ستون عاماً يتمنى الخير والعدل والرحمة ، بعد أن كتب عن أُسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم ( ليالي ألف ليلة ) .. بعد أن كتب عن بحثنا الدائم عن العدالة الإجتماعية والحرية ( أولاد حارتنا ) وخاض رحلة طويلة بحثاً عنهما ( رحلة ابن فطومة ) .. بعد أن كتب عن أبطالنا المنتظرين ( الحرافيش ) .. بعد أن كتب عن أحوالنا وحياتنا ورغبتنا في ثغرة ننفذ منها للحياة ( بداية ونهاية .. زقاق المدق .. القاهرة الجديدة و.. و.. و.. ) .. كتب يشرح عالمنا وواقعنا في العديد من كتاباته ، بعد أن كتب كل هذا ودون أن يرى أي مما حلم به وكتب عنه يتحرك على أرض الواقع .. مات .. هكذا بكل بساطة ..

مات وهو يحمل فشله وفشلنا .. مات وفلسفة النيل وقانونه يحيطاه من كل جانب .. مات بعد أن ظل يعزف طوال حياته ولم يرى عزفه يغير شيء أو يتفاعل معه الناس .. مات يا يوسف ..

أمانة عليك يا يوسف إذا رأيته .. ابلغه أسفي .. وربما أسف الكثيرين ، قل له أننا قد أخطأنا في حقه كثيراً وهو حيّ وأخطأنا مرة أخرى في حقه وهو ميت وسمحنا بتحوّل جنازته إلى ( شو ) يحضره سيادة الرئيس وحاشيته لتلميع صورته ، أمانة عليك يا يوسف .. حِبَ لنا على رأسه وقُلّ له " حَقَك عَلينا يا عَمّ نجيب " ..

رسالتي تلك يا يوسف ليست يأساً ، فأنا مؤمن بأننا خُلقنا لكيّ نتفاءل ونرى دائماً أن غداً سيكون أفضل ، ربما رسالتي تلك مجرد رغبة في الحديث معك ، وربما هي اثبات أن الزَمّار في أحياناً كثيرة يموت دون أن يتفاعل الناس مع عزفه ، واثبات أيضاً أن صوابع الزَمّار مازالت تلعب ..

سيظل الزَمّار يلعب يا يوسف .. فهذا وجوده ، يجب أن يظل العزف مستمراً حتى لو بدا عزفاً منفرداً لا يتفاعل معه الآخرون ، يجب أن يظل العزف مستمراً مهما استمرت فلسفة النيل مُسَيّطرة علينا وعلى الكوّن ، يجب أن يستمر العزف .. فهذا هو قدر ووجود الإنسان ..

أتعرف - يا يوسف - ما هو الإنسان ؟؟



#محمد_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخبار من عاصمة الجمهورية


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المصري - رسالة إلى الدكتور يوسف إدريس