أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الوجود ولكينونة














المزيد.....

بين الوجود ولكينونة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7173 - 2022 / 2 / 25 - 16:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٢٣ الحنين للكينونة

في نهاية قصة دوستوييقسكي "النسخة"، يبدأ السيد غوليادكين في رؤية مزيد من النسخ المطابقة له في الشكل والإسم والتصرف في كل مكان يذهب إليه في مدينة سان بطرسبيرغ، ويصاب بمرض تعدد الشخصية الذي تحدثنا عنه سابقا، ولم يعد يميز بين الأصل والنسخة، قائلا في نهاية الأمر " أنا هو هذا الآخر"، ويُلقى به في مصحَّة نفسية تحت رعاية طبيبه السابق. دوستوييفسكي عبر عن هذه الفكرة الجديدة في سنة ١٨٤٥، وبعد عقدين ونصف عبر الشاعر رامبو عن نفس الفكرة في رسالة الرائي سنة ١٨٧١، معبرا عن الإنفصال الطبيعي بين الأنا والوعي الذي أنتجها je est un autre " " ولا أحد يعتقد أن رامبو كان له الوقت الكافي لقراءة دوستوييفسكي في ذلك الوقت الذي لم يتجاوز فيه بعد السابعة عشرة من عمره. الإحساس بالغربة الأنطولوجية، وبأن الإنسان غريب عن ذاته وعن العالم، هو إحساس صاحب الإنسان منذ الإرهاصات الأولية لمحاولته للخلق والإبداع وممارسة التفكير والخيال. هذه هي غربة الإنسان الأساسية، إنفصاله الأبدي عن "هويته" وعدم إمكانية تحديد محور هذه الهوية الزئبقية. الإنفصال الدائم عما "هو"، وتجاوزه الأصلي والمستمر لما يسميه بالـ"أنا". ويرجع هذا البحث الدائب من جهة، وهذا الهروب والإنزلاق نحو العدم من جهة أخرى إلى رغبة الإنسان الواعي في "الكينونة" وفي "الوجود" في وقت واحد، أن يكون "غوليادكين" الأصل والنسخة في نفس اللحظة وليس بالتناوب. أن "يكون"، أي يشارك العالم وما فيه من أشياء في الكينونة العامة، يصبح كائنا، وموضوعا في هذا العالم، شيئا صلبا ومتينا وماديا، يقف بقدميه راسخا على الأرض، بثقله وجسده وظله، شيئا من المادة الكثيفة، وفي نفس الوقت يريد أن يكون وعيا أي فكرا وخيالا وأحاسيس وعواطف وإرادة، أي أن ينتقل من الكينونة الثقيلة المعتمة إلى الوجود المطلق الشفافية ويحقق حريته ويعي وعيه وحريته، حتى لو ضحى بهذه الأنا التي أخترعها ليلتصق بكينونة العالم بطريقة إصطناعية ومزيفة. بما أن الإنسان محكوم علية بالحرية، فإنه يظل مترددا على الدوام بين الكينونة والوجود، لأنه لا ينتمي إلى قبيلة الآلهة، ولا يستطيع أن يجمع بين الحالتين في وقت واحد، فإنه يظل مشتتا ينتقل من حال إلى حال. يبدأ ببناء حياته كشيء، كتمثال من الحجر أو من البرونز مثل القوليم golem، يقف صلبا، عاليا ومتعملقا على بقية البشر، ثم ينتابه نوع من الخلل، قد يكون الضجر أو القلق، ولا يعود يحتمل هذا الصمت وهذه البرودة وهذا السكون المميت، فيقفز من فوق قاعدته، وينزل يجري ويصرخ في الساحات والشوارع والأزقة المعتمة، يصرخ في وجه العالم ويطالب بحريته، ويرفض الصمت والخنوع لقوانين الطبيعة المزرية. يجري هذا الإنسان المهموم طوال قرون وقرون، في الصيف وفي الشتاء، طوال الليل والنهار حتى يسقط من التعب على فراشه في حجرته الصغيرة في الطابق الثاني. ويجتاحه الحنين مرة أخرى إلى كثافة الأشياء وثقلها وعدم إهتماها ومقاومتها للرياح والعواصف والأعاصير، وبالذات حين يكتشف عرضية الحياة وعبثية الوجود وعدم جدوى الجري طوال الليل والنهار والصراخ في شوارع المدن المزدحمة أو القرى النائية، فيحن إلى الطبيعة وإلى الكينونة الهادئة، يحن حتما إلى أن يكون حجرا ساكنا في أعماق نهر بارد.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة
- المعرفة عند الحلاج
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ
- الشعر والصوفية
- الأنا والغيرية
- الشك
- تعرية الله
- الوعي وتكوين ال - أنا -
- الحجرة
- رواية -النسخة- لدوستوييفسكي


المزيد.....




- تحذير أمريكي للصين بعد مناورات عسكرية حول تايوان
- مرشح ترامب لرئاسة أركان الجيش الأمريكي: على واشنطن الاستمرار ...
- مقتل بلوغر عراقية شهيرة في العاصمة بغداد
- ترامب يزور السعودية في مايو المقبل
- مصر: السيسي بحث مع ترامب استعادة الهدوء في الشرق الأوسط
- الداخلية الكويتية تكشف ملابسات جريمة بشعة وقعت صباح يوم العي ...
- البيت الأبيض: نفذنا حتى الآن أكثر من 200 ضربة ناجحة على أهدا ...
- -حزب الله- ينعى القيادي في صفوفه حسن بدير ويدعو جمهوره لتشيي ...
- نصائح حول كيفية استعادة الدافع
- العلماء الروس يرصدون توهجات قوية على الشمس


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الوجود ولكينونة