|
أوكرانيا وصعود الصين
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 7172 - 2022 / 2 / 24 - 13:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربحت الولايات المتحدة معركتها في هذه المحطة. لقد تمكن بايدن العجوز تلميذ أوباما الشاب من جر الدب الروسي إلى حرب عبثية في أوكرانيا. ولا بد أن ثمار الحرب قد بدأت تتساقط في حجره قبل بدء الحرب بأيام. جمدت ألمانيا خط الغاز، و"اضطرت" أوروبا إلى الاصطفاف دون قيد أو شرط وراء الزعيم الأمريكي. بل إن بلداً صغيراً ومشاكساً ومدللأ يسمى إسرائيل قد وجد نفسه عاجزاً عن مواجهة التيار الجارف فأعلن وقوفه الحازم إلى جانب أوكرانيا على الرغم من أن ذلك قد يكلفه الكثير في حال غضب الدب الروسي وقرر أن يغير سياسته الناعمة تجاه الكيان العبري فيما يتصل بلبنان وسورية وفلسطين ذاتها. على الرغم من ذلك نظن أن الصراع مع روسيا ليس إلا واجهة لما عبر عنه أوباما وترامب وبايدن نفسه مراراً وتكراراً. بل إن جوهر الصراع هو ما عبرت عنه هارفارد وبرنستون وكولومبيا وستانفورد وبيركلي منذ عقدين من الزمن: إن الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة بوصفهاً البلد المهيمن الوحيد منذ العام 1945 إنما يأتي من الصين. ولا بد من إيقاف التنين الصيني بأي ثمن. لكن الصين بحكمة وهدوء كلاسيكي معروف تواصل ألعاب الصعود بصبر لا ينفد. نتذكر في هذا السياق الحرب الكبرى سنة 1914 ومراقبة الولايات المتحدة للصراع دون أن تحرك أصبعاً. ونتذكر العقدين التاليين اللذين شهدا تصعيداً هائلاً بين الدول الأوروبية. بدا وكأن بريطانيا تواجه تحدياً لهيمنتها من جهة ألمانيا. لكن بمجرد أن انجلا غبار الحرب الكبرى الثانية اتضح أن الحرب كانت في حقيقتها حرباً على خلافة بريطانيا. وبمجرد أن انتهى توقيع عقد استسلام ألمانيا، كان رئيس وزراء بريطانيا قد انتقل إلى دور التابع الصغير لوزير الخارجية الأمريكي. وفي السياق ذاته أصبح بلد بلد بمقدرات صغيرة نسبياً اسمه الاتحاد السوفييتي أكثر أهمية من بريطانيا في لمحة بصر. الحرب الراهنة لن تربحها روسيا استراتيجياً حتى لو ربحتها على نحو كامل في ميدان المعركة. ما الذي سيجري في نهاية المطاف؟ تستقل جمهوريتا دونتسيك ولوغانسك عن أوكرانيا وتتحولان إلى مناطق نفوذ لروسيا؟ يسقط الحكم الموالي للغرب في كييف؟ ربما، وهذا أكبر ما يمكن أن تطمح إليه روسيا، لكن أوكرانيا ذاتها كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي مدة سبعين عاماً، ولم يؤثر ذلك في الصراع مع الغرب كثيراً أو قليلًاً. ولا بد أننا نعرف أن الولايات المتحدة كانت تهيمن على العالم هيمنة مطلقة وصلت إلى التحكم في سبعين في المئة من الناتج الكوني في السلع المختلفة، وكانت تسيطر على العلم والتقنية على نحو مطلق. من ناحية أخرى تظل الولايات المتحدة خاسرة جوهرياً حتى عندما "تربح" تشديد الخناق الاقتصادي على روسيا، لأن صورتها ستنهز تماماً بوصفها البلد المهيمن الذي لم يعد قادراً على تنفيذ هيمنته في أي مكان بعد فشله في فرض شروطه في سورية على سبيل المثال، وفشله في أزمة القرم 2014 وأخيراً فشله الراهن، إن حصل، في "حماية" أوكرانيا من الدب الروسي. وإضافة إلى هذا كله فإن الولايات المتحدة ستظل مشوشة تماماً ومنهمكة في المواجهة مع روسيا بما يسمح لبكين بتوسيع نشاطها في محيطها المباشر، وتعزيز حضورها وقبضتها في ساحات أخرى عالمية مثل إفريقية وأمريكا اللاتينية من بين مناطق أخرى. هكذا تواجه الولايات المتحدة التحدي الحقيقي الأول من نوعه الذي تمثله الصين الصاعدة دون توقف. سوف يسعد الولايات المتحدة انجرار الصين إلى الصراع الحالي لعل ذلك يضغط على مواردها من ناحية، ويهز صورتها المسالمة من ناحية أخرى، مما قد يقود إلى ضرب التجارة الصينية مع العالم ككل ومع أوروبا على نحو خاص. لكن الصين الذكية تسعى في هذه اللحظة إلى المحافظة على الحياد المسالم: الدعوة إلى ضبط النفس، والبحث عن حل سلمي للنزاع، واحترام استقلال أوكرانيا، واحترام مخاوف روسيا الأمنية فيما يتصل بوصول حلف الأطلسي إلى حدودها عن طريق الحكومة الموالية في كييف...الخ. من ناحية أخرى تبدو الصين صريحة في تحديد طبيعة الدور الأمريكي في الصراع، وفي هذا السياق اتهمت بكين أمريكا بصب الزيت على النار في أوكرانيا، والسعي المحموم لتفجير الأوضاع مع إرسال المزيد من الأسلحة والتهييج الإعلامي والدبلوماسي على حد سواء. وقفت الصين على "الحياد" في أزمة شبه جزيرة القرم سنة 2014 وهذا على الأرجح ما سيحدث في الأزمة الحالية. الصين تدرك بطبيعة الحال أن روسيا لن تتعرض إلى أية مخاطر في سياق المواجهة الحالية باستثناء العقوبات الاقتصادية الموجعة دون شك. وفي هذا المجال لا بد أن الصين ستتمكن لاحقاً من تقديم يد العون بدرجة أو بأخرى عندما تسوء الأوضاع في روسيا. كما أنها ستستفيد من حالة الانفتاح المتواصلة على العالم لجني المزيد من الأرباح التي ستمكنها من دعم الحلفاء وردع الخصوم والمنافسين. ولسنا نجانب الصواب كثيراً إذا قلنا إن النظرة الاستراتيجية الصينية الحالية قد لا ترغب كثيراً في رؤية دولة روسية قوية جداً يمكن أن تكون عاملاً معوقاً في وجه الصعود الصيني المتواصل باتجاه قيادة العالم وإزاحة المهيمن الأمريكي عن عرشه.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية والتفاهة
-
حول حقي الاستثنائي في العودة إلى زكريا
-
التلاميذ ومهارات التفكير
-
الكتابة البحثية في سياق التمويل والسلطة والاحتلال
-
المعلم بين تدريب الطلبة على مهارات التفكير وافتقاره الذاتي ل
...
-
إسرائيل دولة عادية
-
رأس المال التبعي بين البناء والتحرير
-
الكورونا بين الكمامة والتطعيم
-
حزب التسحيج ومخاطر عبادة القائد
-
تونس وأوهام الديمقراطية
-
أغاليط التهوين من الجريمة التي تعرض لها نزار
-
المقاومة الإسلامية بين فلسطين والتنظيم العالمي
-
قطر بين إيران وإسرائيل
-
ماتياس شمالي
-
أكذوبة الانتخابات السورية
-
بين الانتصار والتظاهر بالانتصار
-
غزة تسقط عقيدة الضاحية
-
هابرماس الأسطورة يعانق جائزة الشيخ زايد للكتاب
-
6000 في المئة زيادة وفيات اللقاح
-
قراءة في الثقافة السياسية الفلسطينية
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|