إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 18:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في علاقة بالإطار المرجعي الخاص بالنموذج التنموي الجديد، ركز التقرير النظري على المرجعية الإسلامية و ضمنها المذهب المالكي. على مستوى الشكل، هذا واضح، لأنه ينسجم مع منطق الدستور. لكن، على مستوى المضمون لا نجد حضورا لهذه المرجعية باعتبارها الفلسفة التي يجب أن توجه المشروع التنموي و تتحكم في مخرجاته. لقد أشار مقررو النموذج التنموي إلى هذه المرجعية بحكم الواجب، على ما يبدو، و انصرفوا ! لماذا ؟
• لم ينشغل المقررون بالعمق الحضاري العربي الإسلامي للمغرب، باعتباره رأسمالا رمزيا توج المغرب كقائد للغرب الإسلامي، و كقوة متوسطية جنوبية منافسة للضفة الشمالية.
• لم ينشغل المقررون بخصوصية المذهب المالكي ذي النزعة البرهانية المقاصدية التي تحكمت في التدين الإسلامي بالغرب الإسلامي، و كانت بمثابة الوقود الحضاري الذي أوقد الشعلة النهضوية و شيد حضارة الأندلس التي كان المغرب مشيدا رئيسيا لها و حاميها العسكري و قائدها السياسي، هذه الحضارة التي أنجبت الشاطبي و ابن رشد و ابن خلدون كرموز ناطقة بما وصلته حضارة الغرب الإسلامي من تطور و ازدهار، و كان كل ذلك ثمرة تلك الشجرة المالكية التي رسخت مبادئ النموذج المعرفي البرهاني المقاصدي.
عندما أقول: لم ينشغلوا، فأنا لا أقصد، طبعا، الانشغال النظري عبر بسط المفاهيم و تحليلها ! و لكني أقصد أن هذه المرجعية لم تكن حاضرة على مستوى التوجيه الفلسفي للنموذج التنموي المأمول، سواء على مستوى التعليم أو على مستوى الثقافة و الإعلام أو على مستوى النموذج الروحي و القيمي، و كذلك على مستوى الاختيارات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية.
لم ينشغل مشروع النموذج التنموي بهذا البعد الحضاري الإسلامي-المالكي كفلسفة قائدة و موجهة للمشروع التنموي المغربي، و ذلك لأن المغرب، بعمقه الحضاري هذا، أكبر من منتوج لخرائط سايكس-بيكو، هو أمة متجذرة في التاريخ تمتلك من الخصوصية الحضارية ما يمكنها من التموقع كتجربة متوسطية متفردة و قادرة على المنافسة.
لكشف هذا العمق الحضاري و توظيفه كوقود تنموي، كنا في حاجة إلى استراتيجيين من ججم (أحمد داود أوغلو) الذي تمكن من خلال كتابه (العمق الاستراتيجي) من الكشف عن العمق التاريخي و الجغرافي الذي بإمكانه صياغة التجربة النهضوية التركية الجديدة. لا نعدم أمثال أوغلو في المغرب، لكن التوجه الفرنكو-تقنوقراطي للجنة النموذج التنموي حرم المغاربة من اكتشاف عمقهم الاستراتيجي، تاريخيا و حغرافيا، هذا العمق الذي كان بإمكانه تتويجهم كقوة متوسطية فاعلة على نهج أجدادهم.. نقول هذا، عن أسف، و كلنا أمل في تدارك هذه الفجوة العميقة في مشروع النموذج التنموي الجديد.
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟