|
أصابع مؤمن سمير البيضاء فى محبة الشِعر بقلم/ بهاء الدين حسن
مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري
(Moemen Samir)
الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 18:16
المحور:
الادب والفن
على الرغم من أننى هيــأت نفسي للكتابــة عن أحــد دواوين الشاعــر مـؤمن سميـر ، إلا أننى وجـدت قلمى يأخـذنى للكتابة عن وجه آخر من وجوه الشاعر ، وجه لا يتخلى فيه الشاعر عن الشعر، ويكتب فى محبة الشعر دراسات لنمـاذج من الشعـراء ، فالدراسة ( من وجهة نظرى ) هى المصباح الذى يمهد للسير فى شارع الابداع دون تعثر ، فالمنجز الشعري عندنا لابأس به ولكن المنجـز النقـدي التبصيـري يحتـاج الى زيادة إنتـاج ، فالدراسة تقوم مقـام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيـده، والمبـدع الباحث عن التجويــد يلزمه أن يقـرأ عن تجارب من سبقوه ، بغية الوصول إلى مفاتيح الابداع ، وكيف سار الأوائل حتى وصلوا !! وربما يكون هـذا ما استشعره الشـاعر مؤمن سمير فكتب " الأصابع البيضاء للجحيم ـ قراءات فى محبة الشعر " ، الصادر عن دار ابن رشد عام 2019 فى طبعته الأولى !! بأصابعـه البيضـاء يحملنــا مؤمن سمير ليضعنا على جناح السـرد ، لنطالـع أول مـا نطالـع فى كتابـه ، لغـــة نقدية خاصة ، فيضعنا بسرده السلس على كرسى المستمع المستمتع بالحكواتي الذى يحكى لنــا عن ظاهـرة الثنائيات فى الشعر والغنـاء ، شوقى وحافظ ، طــه حسين والعقاد عبدالصبور وحجازى ، درويش وأدونيس ، دنقــل وعفيفى مطر ، أم كلثوم وفيروز ، وظاهرة النجومية فى الشعـر ، التى خلقها نزار قبانى ثم فاروق جويــدة ، معبــود المراهقين على حــد تعبير مؤمن سمير ، الذى كانت الثمانينــات والتسعينـات ملعبــه السحـري ، بمباركــة السلطـة الثقافية ، الذى ملأت بــه الفراغ وغطت ببريقه الوهمي ، كما يقول مؤمن سمير على الحصار الذى فرضته على الطليعيين ، ونصوصهم الجديدة الخارجة عن المزاج الكلاسيكى العام !! وعلى الرغــم من تحذيـرات الوالد " إلا نزار ياولدى " ، الذى يمثــل ظاهرة الانقلاب الأخلاقى وكشف المستور ، حسب وجهة نظر الأب ، ابن القــرى النائية التى لا تملك إلا قدرا ضئيلا من الوعي بالتعليـم الإلزامي ، إلا أنه ( مؤمن سمير ) ينتهى إلى أن رد الاعتبـار لنزار قبانى أمـرا عفويــا ، كواحـد ممن شكلوا البدايات الحسية والعاطفية عند الشباب !! ومثلما تفحص السابقون تجربة الشاعر الفلسطينى محمود درويش الإبداعية ، كان طبيعيــا ألا يتجاهـل مؤمن سمير هذه الصفحة البراقة من دفتر الشعر العربى ، فمحمود درويش كما يقول من الممثلين الأكثر سطوعــا للشعرية العربيـة ، منذ إصـدار ديوانـه الأول " أوراق الزيتون " عام 1964 على مدى أكثر من 40 عاما !! فمحمـود درويش الذى ينتمى إلى الجيــل الثـانى فى الشعرية الحديثة ، بعد جيــل الرواد يصلح بغزارة إنتاجه وانتقالاته النوعية فى جسد الشعرية العربية ، خاصة فى العشرين عاما الأخيرة أن يكون أحد الروافد الرئيسية ، التى تغذى وتكوّن فضاء النص !! ومادام الحديث قد تطرق لمحمود درويش، فلابـد من الحديث عن القضية الفلسطينية، نبع الألم العربي الذى لا تجف دمــاؤه ، التى مثلمـا أنجبت محمود درويش ، أنجبت أيضـا سميح القاسم وتوفيق زياد ، ثالــوث المقاومـة الفلسطينية ، كمـا يطلـق عليهـم مؤمن سمير ، رغـم اختلاف طرق مقاومتهما الشعرية ، وأداءاتهما الجمالية وحفرهما الفني، بل كما يقول مؤمن ، وطريقة التعاطى السياسى لكل منهما ، فالشاعـر كما يقــول مؤمن سمير ، البعيــد عن معتــرك الحيــاة والأداء السياسي تحديدا ، ينقص نصه الروح والسخونة والتوهج !! يرى مؤمن سمير أن سميح القاسم قد نجح فى دق وحفر واحديته وتميزه بسبب تطويره الدائم والمستمر لنصه ، بداية من ديوانه الأول " مواكب الشمس " الصادر عام 1958 ، وانتهـــاء بديوانه الأخير " بغض النظر " عام 2012 !! ويجىء اختيـار مؤمن سمير للكتابة عن أمـل دنقل ، بعد الكتابــة عن درويش والقاسم ، ليؤكد أن اختيـاره لهذه النماذج من منطلق قضيــة ، فإذا كانت قضيــة ثالــوث المقاومـة الفلسطينيـة ( درويش وتوفيق زياد والقاسم ) إحياء القضية وتدويلها ، فإن قضية أمل دنقل إحياء القومية العربية ودعـم القضية الفلسطينيـة ، الأمــر الذى جعلنــا نحصـر دنقــل فى قصائــده السياسيـة وتجاهلنــا قصائــده الأكثر إنسانيـة ، كمـا يقــول مؤمن سمير ، على الرغم من تعدد الأغراض والموضوعات عنـد أمـل دنقـل !! فعلى مدى 102 صفحـة من كتابـه " الأصابع البيضـاء للجحيم ـ قـراءات فى محبـة الشعــر " يأخذنــا مؤمن سمير فى رحلـة مع شاعـر لبنــان سعيد عقـل ، الذى درس اللاهــوت المسيحي فصار مرجعــا فيــه ، ثم درس الفقـه الإسـلامى فتعمق فيــه تعمق المتخصصين ، والذى عاش عمرا طويلا ، ثم خسرته لبنان ، هو وأسطورة الغناء صباح ، التى عاشت هى الأخــرى طويلا فى يومين متتاليين !! ومن سعيد عقل فى لبنان إلى جيل السبعينات فى مصر ، ومحمد عيد إبراهيم ، بمناسبـة مرور أربعة عقود على ديوانه " طور الوحشة " الصادر فى 1980 ، عن جماعة " أصوات " التى مثلت هى وجماعة " إضاءة 77 " جناحي تجربـة جيـل السبعينات ، هذا الجـيل الفارق ، الذى لولاه، كما يرى مؤمن سمير، لكان آباؤنا هم الشعراء الذين ظهروا فى مرحلة ما بعد الشعـراء الرواد ، والذين لم تضف قصيدتهم إلا إعادة إنتاج نصوص سابقيهم ، والدوران فى فلكها !! ومن محمـد عيــد إبراهيـم إلى علاء عبدالهــادى، الذى يبـرز كواحــد من أصحــاب المشـاريـع المتميزة ، بعد انقســام شعــراء السبعينـات فى مصر إلى فئتين ، فئــة تبنت النص الذى ارتبط بالشعـراء الجـدد ، أمـا الفئـة الثانيـة فواصلت مشـروعها بإصرار على القيـم الجماليـة ، وهذه الفئة ينتمى إليها علاء عبدالهادى !! وعن على منصـور الذى يعتبـره البعض المعبر بين جيـل السبعينـات وجيــل الثمانينـات يقــول مؤمن سمير ، تصاحب على منصور مع القصيدة منذ بدايات وعيه ، فسقاها ورمى عليه الظل من أهدابــه ، حتى أثمرت تينا ورمانا ، وعن الشاعر إبراهيم داوود ، الذى يمثل حالة إبداعية وإنسانية مائزة ، بحضــوره فى كل مرحلـة من مراحل رحلته الإبداعيــة ، يكتب مؤمن سميــر وكذلك يكتب عن رحلة الشاعرة إيمان مرسال ، التى أبهـرت الشاعر بكامـل أناقتهـا ووهجهـــا وألقهـا عــام 1995 مع ديــوان " ممر معتم يصلح للرقص " ، ومن عالــم إيمان مرسال إلى عالم عماد أبو صالح ، باعتباره شاعرا عربيا هامـا ومؤثـرا وحقيقيــا ، لـه ملامحـه الشعريــة الخاصة المحفـورة باسمه فى سجـل قصيدة النثر العربيـة ، وعن صاحب تسريب قصيـدة النثر إلى مجلة الشعر ، الذى استطـــاع أن يقنع العم خيرى شلبى ( رئيس التحرير وقتها ) بأنـــه لا يصح منه ، وهــو المتسع المنفتح على كل أشكــال وأنمـاط الفـن ، ومن شتى الاتجاهـات ، أن يرفض الجــوال كلـه بكل ما فيــه من بضاعـة ، منها الجيد ومنها الرديء ، يكتب مؤمن سمير عن شريف رزق !! وعلى ذكر قصيـدة النثر يكتب مؤمن سمير عن تجربـة الشاعر سمير درويش مع قصيدة النثر وعن أحمد يمــانى ، الذى صدّره الواقع الثقافي مع أسماء الأصدقــاء إيمـان مرسـال وأسـامـة الدناصورى ، كواحد من جيـل التسعينـات ، ويكتب أيضـا عن تجربة الشاعر عصام أبويد الذى يقسّم حياتــه إلى مرحلتين ، الأولى هى الإنتـاج وفق الوصفـة المصريـة لكتابــة قصيــدة النثر والتى انفجـرت وشـاعت فى التسعينـات ، والثانيــة عندمــا أتقـن الشـاعر اللعب وفـق وعيــــه وإنحيازاته الجمالية ، ورؤيته المتميزة للعالم !! كمـا يكتب مؤمن سمير عن الدهشة فى ديــوان أحمد شافعى المتميز " 77 " ، والذى سرعان ما يكتشف القارئ أن هذا الرقـم " 77 " هــو عـام ميلاد الشـاعر ، ويكتب عن الشاعر الشاب عبدالرحمن تمام ، الذى يجعل القارئ من خـلال ديوانــه " طريق لاتشبه الترومبيت " لا يتردد فى امتلاك الشاعر للجسارة والجرأة الفنية ، التى تنــأى به عن التردد فى تجربـة واختبــار كل ما يظن أنــه قـد لا يصلح فى حــد ذاتــه لإنتـاج الشعريـة وتفجيرهــا ، كما يكتب عن الشاعـرة الإماراتيـة خلــود المعلا ، التى تعــد من أهـم أصـوات قصيـدة النثر فى الإمــارات ، وعن أهــم الأسباب التى جعلت بقاء الأبنودى فى العمق من الوعي، وكذلك فى دائرة الضوء لعقود طويلة يقول مؤمن سمير ، أن هـذا يرجع لكونــه من طراز خاص ، فهو شاعر متمكن وفنــان حقيقي يجمع بين البساطة والتعقيد فى شعره، وينحت شعره من الطبيعة المصرية الشاسعة ، استطاع أن يبدع قصيدة تدخــل و " تعمّر الدماغ " بتعبير مؤمن سمير!! قبل المحطة الأخيـرة التى اختـار أن تكون محطة الشاعرة دعاء عبدالمنعم ، التى تعتبر الكتابة متنفسا ومجــالا للحكي المختـوم بصوت وأعماق روح أنثويــة ، تعيــد خلق العالــم باستمــرار وكأنها الأم المقدسة القديمة ، أو الأرض المستعادة ، والتى تلفت النظـر فى تجربتها بمركزية العنونة ، على عكس ما ألفناه إزاء العناوين ، فالعنوان فى نصوصها كما يقول مؤمن سمير لا يلخص تجربــة النص ، وليس مقطعـا شعريـا من النص ذاتــه ، فنجدهــا تختــار عنوانـا يكون مساويا لكتلة النص ، يتوقف بنا مؤمن سمير فى المحطة الأخيرة عند تجربـة مسعـود شـومان الذى يمتص كل شىء حوله ثم يعيد إنتاجه مُشَعّرا ، كمـا أن تجربته كباحث فى الفلكلور يتضح صداها فى إندغام القصيدة بالروح المصريـة الثريـة !! نعود إلى ما بدأناه فى مقدمة هذه الإطلالة ، ونؤكد أن الدراسات والقراءات هى المصباح الذى يمهد السير فى شـارع الابداع دون تعثـر ، حيث أن الدراسة تقـوم مقام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيده، فالمبدع الباحث عن التجويـد يلزمه أن يقرأ عن تجارب من سبقوه بغيـة الوصول إلى مفاتيح الابـداع ، وكيف سـار الأوائـل حتى وصلـوا !! ــــــــــــــــــــــــــ *نشرت المقالة في جريدة "القاهرة" العدد رقم1127 الصادر يوم الثلاثاء22 فبراير2022
#مؤمن_سمير (هاشتاغ)
Moemen_Samir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملف عن الشاعر المصري مؤمن سمير في مجلة -ميتافورس- الالكتروني
...
-
مؤمن سمير يشيّد شعرًا أبعد بلد في الخيال! بقلم/أشرف أبو اليز
...
-
مؤمن سمير:قصيدة النثر تتسع لكل أشكال التجريب
-
-صاحب مقام-.. تجليات الصوفية الشعبية بقلم/ مؤمن سمير.مصر
-
الإقامة فوق البساط السحري..قراءة في ديوان -أصابع مقضومة في ح
...
-
كتابة المرأة أم كتابة الرجل بقلم/مؤمن سمير.مصر
-
(غذاء السمك لمؤمن سمير) الشعر بوصفه اجتهاداً جمالياً تحرر من
...
-
مؤمن سمير يواجه بؤس العالم بالسخرية العبثية -أبعد بلد في الخ
...
-
السينما المصرية بين النور والظلام
-
-أبعد بلد في الخيال- لمؤمن سمير.. حرية النص وانعتاق المعنى ب
...
-
زمن الشعر أم زمن الرواية بقلم/مؤمن سمير.مصر
-
السحاب المخاتل أو تأسيس شعرية الاحتمال..قراءة في ديوان -وأكت
...
-
الشاعر مؤمن سمير: ثورة الاتصالات جعلت الأعمال الأدبية بلا رق
...
-
-تفكيكُ المهزلةِ الأرضية.. منازلة الجحيم الأرضي-بقلم/ مؤمن س
...
-
قوة الأثَرَ وخِفَّة الريشة بقلم/ مؤمن سمير. مصر
-
لعبة العنوان الطيبة لعبة العنوان الشريرة بقلم/ مؤمن سمير.مصر
-
(الشاعر إيهاب خليفة يترجل) بقلم/ مؤمن سمير.مصر
-
(العزلة والكتابة) بقلم/مؤمن سمير.مصر
-
- بَسْمَةٌ واسعةٌ و فضفاضة - شعر / مؤمن سمير. مصر
-
مؤمن سمير: الشعر هذا الجامح القاتل، هو منحة الله ليتحقق الرد
...
المزيد.....
-
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
...
-
مصر.. قرار للنيابة في واقعة صاحب رسالة الانتحار الموظف في دا
...
-
الذكاء الاصطناعي في الترجمة.. أداة مساعدة لا بديلا
-
-نسائم الإضاءة وستائر الدهشة-.. حوارات مع الشاعر الفلسطيني م
...
-
أوكرانيا تعترف بأن اللغة الروسية تضاهي الأوكرانية استخداما ب
...
-
زوار كثر بلا كتب.. جولة في معرض القاهرة للكتاب
-
وزارة الثقافة في صنعاء تحتضن معرضا فنيا عن القضية الفلسطينية
...
-
صوت أم كلثوم ينبعث من الكتب والمقاهي بعد 50 عاما على رحيلها
...
-
50 عامًا بعد الرحيل.. ودموع فرقة أم كلثوم لم تجف
-
محاضرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب تستعرض ثراء وتنوع الثقافة
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|