|
آل ( قره ) وآل ( الصابي ) من النتائج الرائعة لثقافة التسامح الديني
يحيى غازي الأميري
الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 10:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قال تعالى في محكم كتابة العزيزالقرآن الكريم (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند اللّه اتقاكم) (الحجرات/ الآية13) لنغر في أعماق التاريخ العباسي ونقرأ ما دونه لنا ، على صفحاته من دروس وعبر في بناء مجده الذي نتفاخر به بين الشعوب والأمم وها هي بعض دروسه ، ناصعة ، ساطعة كالشمس براقة متلألئة كالنجوم، لا يحجبها، غربال الظلاميين والتكفيريين والدجالين والانتهازيين والمتسترين بأردية الدين والوطنية والقومية . ينهل من عذب فكرها وشهد حبها وعبق عطرها ، وعدل حكمها وبديع بيانها ، كلًّ محب للخير ، متطلع للعدل والسلام و الأمان والحرية والتقدم . انها دروس كبيرة وجميلة دونها لنا التأريخ ، انها دروس لمن يريد الهداية والتنور ، لمن يؤمن بالرأي والرأي الأخر لمن يريد ان يبني الأوطان ويزرع الحب والسلام ويحقق عدالة السماء . ان من أهم الأشياء التي يجب ان يؤمن بها من يريد ذلك ان يؤمن بالتسامح الديني ، ونبذ العصبية والتعصب والمذهبية والعرقية والعنصرية ، فالتسامح الديني يعني تقليل وإلغاء الفوارق بين الأديان ومعتنقيها ، من اجل تحقيق العدالة ، وتكافؤ الفرص والعيش بوئام وسلام ، وزيادة المحبة والتعاون بين بني البشر ، إنها الأهداف الأساسية التي جاءت بها رسالات السماء وسعى من اجلها الرسل والأنبياء . فعلى أساس التسامح الديني وحجمه يمكن حساب النتائج ، فكلما كان التسامح الديني واسعا" وحقيقيا" تكون النتائج تصاعدية نحو الرفاهية والسعادة والتقدم و الأمان ، فهو الذي يعمق روح الأخوة والمواطنة ويزيد من الثقة بين أبناء البلد ويعم خيره البشرية جميعا ً . أن مقياس الرقي والتقدم والحضارة انما يقاس بما يتحقق من سعادة ورفاه وعدالة وأمان للبشر في حقبة من الزمن ، فتدلنا كل مصادر التأريخ ان التسامح الديني الحقيقي هو العامل الأساسي الأول في الوصول لهذاالهدف المنشود ، وان حل محله أو جاء التعصب الديني أو الطائفي أو المذهبي أو القومي فنتائجه تكون كارثية عام أسوء من عام وتبقى أثاره ومخلفاته تضرب بالمجتمع سائرة به عقود طويلة نحو الهاوية والدمار. تدلنا تجارب الشعوب التي سجلها سجل الزمن ، ان الشعوب التي سادها التسامح الديني و مارست بشكل صادق وحقيقي حرية المعتقد والفكر والرأي ، وحرية العبادة وممارسة شعائرها الدينة بحرية وأمان سجلت أرقى درجات التطور و أنتجت أفضل العلوم والمعارف ودونت وسنت أجود النظم والقوانين العادلة التي تفيد البشرية وتسعدها . الصابئة ودورهم في بناء الحضارة العباسية : هنالك من أعلام الصابئة المندائيين في الفترة العباسية من قد أخذوا حظهم من التعريف في العديد من محافلنا* مثل ( الطبيب الرياضي الفيلسوف المترجم ثابت بن قره و الأديب البليغ ابو اسحاق الصابي والعالم الفلكي البتاني ) ولم يتسن الوقت للتعريف بعلم آخر لم يحض بما حضي به {{ ثابت بن قرة وأبي أسحاق الصابي والبتاني }} وهو {{{ هلال بن المحسن الصابي }}} وكنت أفضل أن أكتب عن الأديب الجليل ( المحسـِّن ابى علي ) الملقب صاحب الشامه وهو أبن (أبو اسحاق الصابي ) لكن قلـِة المصادر عنه منعني من الكتابة عنه ، فأخترت حفيده ( هلال بن المحســِّن الصابي ) لتوفر مجموعة من مؤلفاته . لكن قبلها أود أن أستعرض وبشكل مختصر الدور الرائع والمشرف الذي اضطلع به الصابئة المندائييون في بناء الدولة الاسلامية ؛ خاصة في العهد العباسي الاول والثاني وحتى سقوط الحضارة على يد المغول عام 656هـ قد تبدو هذه المقدمة غريبة عن أجواء هذه المناسبة أو هذه الايامِ . لكن هنالك رغبة جامحة هي التي دفعتني الى بث حقيقة قد تكون خافية على قسم كبير من أبناء وطننا عن تأريخ أهلنا واجدادنا لأسباب يطول شرحها . من الضروري ان ادعو الجميع للفحص بعين المتبصر على { تاريخ الصابئة} وأخترت الفترة العباسية تحديدا ً ، لانها تعتبر من افضل وأثمر واعظم الفترات العربية الإسلامية تقدما ً ورفعة ً وحضاره ، أننا الأن طائفة لايمكن ان يـُخطئها النظر، فلنا دورٌ مشرف ٌ في جميع مجالات الحياة على الرغم من قلة عددنا في تشكيلة المجتمع العراقي وذلك بفضل عملنا المتفاني لخدمة الوطن وحبنا بصدق وأخلاص له وتضحياتنا الكبيرة في سبيله ، وكذلك للمساواة والتسامح الديني ، الذي يتاح لنا في بعض الاحيان ، فنحن قد أثبتنا للعالم اجمع اننا أحفاد اولئك الرجال العظام الذين عندما فسح المجال ُ لهم وأقصد ( التسامح الديني ) فرضوا شخصيتهم على المجتمع ونالوا مكانتهم عند الخلفاء والوزراء ومفكري ذلك المجتمع . فمنذ أنتقال السلطة الى الدولة العباسية بدأت حركة فكرية ثقافية واسعة في الدولة الاسلامية ، هدفها وغايتها معرفة علوم وحضارات البلدان المجاورة الأخرى اليونانية والرومانية والفارسية والهندية ، ونقلها وترجمتها الى العربية . وقد كان للتسامح الديني الذي ابداه الخلفاء العباسيون دور كبير في اتاحة الفرصة بشكل أكبر وأوسع لغرض الاستفادة من ( العلماء غير المسلمين ) . فبعد أن أمر( الخليفة هارون الرشيد) الإمام ( أبا يوسف ) بوضع ( كتاب الخراج ) والذي يبين فيه حماية الدولة لأهل الذمة ( اليهود والنصارى والصابئة ) مقابل دفع الجزية . يقول الاستاذ { أمير علي} نقلا" عن المؤرخ [ أولستر ] :{{ ان المأمون أنشأ مجلسا ً أستشاريا ً للدولة يتألف من ممثلي جميع الطوائف وأصبح هذا الديوان يضم المسلمين واليهود والمسيح والصابئين والزرادشتين على حد ٍ سواء، وكانت حرية الأعتقاد والعبادة مضمونة للجميع وسياسته مضرب الأمثال في التساهل ، فنشط دور هؤلاء}} . من كتاب ( أمير علي ) (مختصر تأريخ التمدن الاسلامي ) ص2365 و يورد لنا ( جرجي زيدان ) في ( تأريخ التمدن الأسلامي ) ( أنه في هذه الفترة ( فترة المأمون ) تقاطر إلى بغداد المترجمون من أنحاء العراق والشام وفارس وفيهم من النساطرة واليعاقبة والصابئة والروم والمجوس والبراهمة يترجمون من اليونانية والفارسية والهندية وغيرها ، وتعددت مجالس الأدب والمناظره ) . ويأتي دور العالم الفـذ النابغة ( ثابت بن قـره ) بعد فـترة المأمون ، فـي زمن ( الخليفةالمعتضد ) لـيرأس (( مدرسة حران للترجمة )) واليه يرجع نسب اشهر علماء هذه المدرسة من الصابئة . (فـثابت بن قره ) يماثل العالم والعلم الكبير ( حنين بن أسحاق النصراني ) في أيجاد مدرسة خاصة به للترجمة في تلك الفترة !! يذكر عنه الأستاذ ( فيليب حتي ) في كتابه ( تأريخ العرب ) يقول ( كما كان حنين رئيس نقلة النساطره ، هكذا كان ثابت رئيس جماعة أخرى من الصابئة ، وقد تولى اعمل ثابت الجليلة من بعده الطبيب (سنان ) وعـُرف عنه مؤرخ صادق ٌ وأديب ٌ فاضل ٌ ومترجم ٌ دقيق وعالم عارف ثم حفيديه ( ثابت و إبراهيم ). وليس بخافٍ علىالجميع ( البتاني ) العالم الفلكي ودوره في تطوير علم الفلك لخدمة الحضارة والإنسانية ، وآل ( زهرون أو آل الصابي ) العائلة الثانية مع آل ( قره ) قد ساهمت في دور ٍ مشرف ٍ في ارساء أسس البناء الشامخ للحضارة العربية الاسلامية ، ويقف على راس هذه العائلة الأديب ( أبي أسحاق الصابي ) والذي وصفه ( أبو منصور الثعالبي ) في كتابه ( يتيمة الدهر ) بقوله ( أوحد العراق بالبلاغة ) . هذا في بغداد أما في واسط مركز الحضارة العباسية الثاني في العراق أبان العصر العباسي ، فيقول الدكتور ( عبد القادر سلمان المعاضيدي ) في كتابه ( واسط في العصر العباسي ) (( فلوجود الصابئة بواسط ومنطقتـها أثر في ظهور علم الفلك والنجوم ) ص 323 ثم يقول الدكتور عبد القادر ( أشهر البيوتات في واسط هو البيت المندائي؛ بيت معروف بالقضاء والعدالة والرواية ) ص375 مستندا ً بذلك على كتاب ( الجامع لأبن الساعي ) . وأشتهرت منه ست شخصيات ابرزهم ( أبو الفتح محمد بن أحمد أبن بختيارالمندائي )، ويستطرد الدكتور المعاضيدي ( وان المهنة التي أشتهر بمزاولتها الصابئة بواسط هي مهنة الصياغة )ص 205 مستندا ً في قوله على ( تاريخ بغداد ) للخطيب البغدادي ، الذي يؤكد فيه ( ان قسما ً من هؤلاء أقام في واسط وسكنوا بدرب خاص ٍ بهم سمي ( درب الصاغة ) كان يقع في الجانب الغربي من المدينة ) ص203 ( هلال بن المحســِّن الصابي ) الثقة الصدوق يقول عنه المؤرخ الخطيب البغدادي هو ( أبو الحسين هلال بن المحسـِّن بن أبي أسحاق الصابي بن هلال بن إبراهيم ابن زهرون بن خيون الصابي الحراني ) ولد ببغداد عام 359 هـ من اسرة ٍ عرفت وأشتهرَ أجداده ُ بالطب والعلوم وكان جده ُ أبو أسحاق بديوان الرسائل والأنشاء والبلاغة . { رسوم دار الخلافة ص8 } وكان والده( أبو المحسـِّن) أديبا ً فاضلا ً لكن الفضل يرجع في تعلم ( هلال ) فنون الكتابة وأصول البلاغة الى جده ِ أبى أسحاق ، الذي كان يتولى ديوان الإنشاء . وخدم ( هلال ) في هذا الديوان] ردحا ً من الزمن مع جده ِ وهو لمـّا يتتجاوز العشرين من العمر فـَبرع في ذلك وتميز . تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء ص 170 ورد في معجم الأدباء وكذلك في تأريخ الحكماء أن ديوان الإنشاء أو ديوان الرسائل كان يـُعد أول َ ديوان ٍ وضع في الإسلام ومـَنْ يتولاه كان يـُلقب( بصاحب ديوان الإنشاء ) وله أرفع محل وأشرف قدر ، وكان معظّما ً عند الخلفاء ، يلقون اليه أسرارهم وخفايا امورهم ويكون فصيح الالفاظ ِ طليق َ اللسان ، وقورا ً وان يكون من كتمان ِ السر بالمنزلة التي لا يدانيها فيه أحد ٌ ، ويخاطب ( بالأستاذ الرئيس ) ومن خلال عمله تمكن من معرفة ِ جميع خفايا وأسرار دار الخلافة ِ ورسومـِها وغوامضِها وخزائنها ، واتيحت له معرفة أحوال الخلفاء فوقف على عاداتهم وأخلاقهم ، ورسومهم في الملبس والمأكل وماشابه ذلك حتى فاق جدَه ُ ( أبا أسحاق ) . أشتغل ( هلال ) كاتبا ً لاسرار ( فخر الملك ) الذي يـُـعـدْ من أعظم وزراء آل ( بويه ) بعد ( أبن العميد ) و (الصاحب بن عبـّاد ) ، وعند وفاة ( فخر الملك ) ترك له ثلاثين ألف دينارا ً ، كان قد اودعه أياها وقد أعترف ( هلال ) للوزير ( مؤيد الملك ) بذلك فقال له ( هي لك ) فترك هلال الأرث لولده ( محمد غرس النعمة ) ولم يتنكر ( هلال ) لفخر الملك ولم يجحد فضلــَه ونعمته ، بل ذكره ذكرا ً حميدا ً . {غرر البلاغة ص24ــ 25 } أشتهر ( هلال ) كاتبا ً للتأريخ كما أشتهر جد ُه أبراهم برسائله ، وقد عده ( القفطي ) في عداد من أشتهر بتدوين التأريخ وقال فيه ( القفطي ) (( فيما كتبه ثابت بن سنان ، كان خال ُ أبن المحسـِن بن ابراهيم الصابي الكاتب البليغ عمل ثابت هذا كتاب التأريخ المشهور في الأفاق الذي ما كـُتب َ كتاب ٌ في التأريخ أكثر مما كـُتب ، وهو من سنة نيّف وتسعين ومائتين وإلى حين وفاته سنة ثلاث وستون وثلاثتمائة وعليه تمم أبن ُ اخته ِ (هلال ُ بن المحســِّن )إلى سنة سبع واربعين وأربعمائة ولولاهما لجهل شيءٌ كثير ٌ من التأريخ مـن المدتيين . ويؤكد القفطي أيضا ( ولم يتعرض أحد ٌ في مدته إلى ماتعرض له من أحكام الامور . وقد أكمل عليه بعده أبنه ( محمد غرس النعمة ) صاحب كتاب (( الهفوات النادرة )) يورد ( السخاوي ) في كتابه ( الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ ) (( ان هلالا ً له تأريخ ٌ في أربعين مجلدا ً ). أما ما كتبه أبنـه ( محمد غرس النعمة ) في مقدمة ِ الكتاب وبعد (( كان والدي أوصى الي ّ لما أحس بقدوم الوفاة ويئس من أيام الحياة ولمعت له لوامع المنية ، وقرعت ْ سمعه ُ قوارع ُ البلية رغبة في زيادة الذكر ونمائه وأنتشاره ِ وبقائه ِ بصلة ِ التاريخ الذي ألفه تأليفا ً يعجز عنه مـَن يـَروم ُ مثله ويفتضح مـَن ْ يتعاطى فضله اذ هو السحر الحلال والعذب الزلال والصادر من أوحد ِ دهره وفريد ِعصره . وشرع فيه وقد أتت عليه سنون جرب فيها الأمور ومارسها وخبرها ولابسها، وانا عار ٍ من جميع صفاته ِ وخال ٍ من سائر سماته ِ )) { رسوم دار الخلافة ص 17ــ 18 } بالإضافة إلى كتابة التأريخ فهو أديب ٌ بليغ ٌ قال فيه (سبط أبن الجوزي ) (كان هلال من الفصحاء وله الكلام الفصيح والنثر المليح ). ويقول عنه المؤرخ الخطيب ُ البغدادي في مؤلفه ( تأريخ بغداد ) أنه (( كان ثقة ً صدوقا ً )) . {تاريخ بغداد 14 :76 } وقد ذكره عدد ٌ من الكتاب والادباء بالتقدير والثناء ومنهم ياقوت الحموي ، و أبن ُ أبي أصيبعة ،و أبن ُ الفوطي ، وأبن ُ عبد الحق ، وحاجي خليفة وغيرُهم كثير . ومن المعروف ان ( ( الشريف الرضي )) كان على علاقة وطيدة مع ( ابي أسحاق الصابي )والرسائل المتبادلة بينهم وقصائد الرثاء التي قالها بحق ( أبي أسحاق ) لهي خير ُ دليل على المودة ِ ولم تنته ِ هذه العلاقة برحيل ( أبي أسحاق ) بل كانت المودة قائمة مع هلال الصابي أيضا ً اذ كانت تربط ( هلال ) علاقة حميمة مع صديق آخر وهو (( الشريف المرتضى )) نقيب العلوين المتوفي في بغداد سنة 436 هـ ، ومما لايخفى عليكم ان ( الشريف المرتضى هو شقيق الشريف الرضي ) . لقد كتب ( هلال) الشعر واجاد فيه ، وهذه أحدى المقاطع من قصائده إلى ( الشريف المرتضى ) والتي تدل على الصداقة والمحبة بينهما : { رسوم دار الخلافة ص 19 } أسيدنا الشريف عَـلوَتَ عن أن تضاف َ اليك أوصافَ الجلاله ْ لأنك أوحـــــــــد ُ والناس ُ دونٌ ومن يسمو لمجدِك أن ينالــه وفيت َ وزدت فضلا ً ان فضلا ً كفضلـِك لا تحيط ُبــــه مقالهْ ولي أمل ٌ سأدركه وشيكــــــا ً بعون الله ِ فيك َ بـــــلا محاله فرد عليه ( الشريف المرتضى )) بقصيدة منها وأنك من أناس ٍ مــــا رأينا لـــــــهم الا الرياسة والجلالـه فـــــلا ملٌ لقلبي منك دهرا ً وحاشى الله قلبي مــــن ملاله { رسوم دار الخلافة ص19 } ولهلال الصابي تآليف جليلة ضاع بعضُها وسَلم َ بعضُها الآخر، سأورد التأليف التي تم تحقيقها كما وردت في كتاب (غرر البلاغة )الذي ألفه هلال الصابي وحققه وقدم له الدكتور ( أسعد ذيبان ) سنة 1983 1 ـ تحفة الأمراء في تأريخ الوزراء : حيث قال فيه هو كتاب في التأريخ يتناول عصر الصابي في نهج يتلاقى فيه العرض والقصص فيجعله شيئا ً جم الفائدة ، لكنه ليس في التأريخ فحسب بل هو في السياسة والأجتماع . وقد جلب أنتباهي وانا أتصفح الكتاب بيت من الشعر للشاعر المشهور أبن عربي ، غاية في لطف المعنى عندما أراد ( هلال الصابي ) وصف صبر الانسان للوصول إلى أهدافه بعد جهاده حيث يقول الشاعر ( أبن عربي ) : لا تحسبن المجد َ تمرا ً أنت آكله لن تبلغ المجد َ حتى تلعق الصبرا من كتاب { تحفة الأمراء ص6 } 2 ـ أما كتاب التأريخ والذي تمم فيه هلال تأريخ ثابت بن سنان وهو بأربعين مجلدا ً ، لكن هذا الكتاب ضاع ولم يصل الينا منه سوى الجزء الثامن وقد عنى بنشره آمد روز عام 1916 م 3 ـ رسوم دار الخلافة :( كتاب قيم ذو قيمة حضارية وهو يُـطلعنا على القوانين السائدة ِ في دار الخلافة وهو يشبه فيما يوصف اليوم نظام التشريفات أو البروتوكول ، والكتاب يرسم الاصول المتبعة في الدخول على الخليفة أو خدمته أو أستئذانه وطريقة تصرف الوزراء ). سأورد هنا مقطعا ً من هذا الكتاب فيه الجميل من الحكمة واللغة الأدبية : ( وما زال جرح ُ اللسان كجرح اليد ، وزلة ُ القول ِ كزلة ِ العقل ، وعثرة َ الكلم ِ كعثرة ِ القدم ، فأحذر أن يكون تقربك من السلطان أو وزيره بخيانة ِ صاحبك مقدرا ً أنك تحضى بذلك عنده فربما كان فساد أمرك َ معه ). 4 ـ غرر البلاغة : يقول عنه الأستاذ ( ميخائيل عواد ) محقق كتاب ( رسوم دار الخلافة ) عن غرر البلاغة الآتي : هو كتاب في الرسائل في واحد وعشرين بابا ً ويتضمن اصولا ً في الكتابة ِ وأساليبها مع جملة ِ رسائل من كلامه . وقد نجا هذا الأثر من قوارع الدهر ... { رسوم دار الخلافة ص 32 } و سأورد هنا فصلا" قصيرا" في ( الشكر ) من هذا الكتاب ، يقول هلال (( الشكر اذ لم يقع مستحقا ً كان خداعا ً ، وأذا لم يأت ِ مستوجبا ًكان نفاقا ًوكان قائله ُ موردا ً زورا ً وبهَتانا وعادما ً دليلا ً وبرهانا ، وقابله مكاذبا ً نفسه و مخادعا ً حَسه ، اذ أكتسى ما ليس من أثوابه ِ وأحتسى ما ليس من أكوابه ولبس ما ليس من اطواقه . { غرر البلاغة ص 207 } أما التأليف المفقودة فيوردها الدكتور أسعد ذيبان { في كتاب غرر البلاغة ص 32 ، 33 ، 34 } كما يلي : 1 ـ أخبار بغداد 2 ـ كتاب الرسالة أو الرسائل 3ـ كتاب السياسة 4 ـ الأمثال والاعيان ومنتدى العواطف والاحسان 5 ـ كتاب الكُتاب 6 ـ كتاب مأثر أهله وفيه يتحدث عن أهل بيته ونحسب انه ضم معلومات طريفة عمن نبغ من أهله في العلم والأدب والسياسة . 7 ـ أخبار الوزير المهلبي 8 ـ أخبار النحاة وقبل أن ننهي هذه السيرة عن هذا الرجل الفذ ( هلال الصابي ) لابد لنا أن نذكر أنه عاش تسعا ً وثمانين سنة وقد قيل في رثائه . لا أم ّ للموت كـــــم يبلى بجدته ِ في كل يوم ٍ حكيما ًما له خلف ُ اصاب قصدا ً هلالا ً في تكامله ِ وبـحر منطقه ِ ما ليس يغترف ُ لــم يبله الدهر مادامت بدائعه ِ تطوى على جمعها الاخبار والصحف وقيل فيه ايضا ً مات البديع ُ وغارت درة الفطن وأستدرج الموت بحرَ الفضل في كفن ِ لله در ّ المنايا ماصنعت بــــــه وما تضمنت الأكفان مـــــــــــــــــن بدن { غرر البلاغة ص 29 } ومن الضروري ان نذكر ان الأقليات الدينية غير المسلمة ، رغم كل ماقدمته من ابدعات وخدمات ومساهمات كبيرة وتفاني وإخلاص حقيقي في إعلاء ورفعة وبناء للحضارة الإسلامية العباسية ، لم تنعم دوما ً في التسامح الديني والحياة الهانئة الهادئة الامنة طوال الفترة العباسية ، فقد كانت تظهر حتى قي الفترات التي كان يسودها الأمن والاستقرار ، تظهر فتاوى دينية هنا وحركات تكفيرية هناك وجميعها تصب حقدها وبغضها على الأقليات الدينية غير المسلمة ، فقد سجل لنا التأريخ ايضا ً العديد من تلك الفتاوى والانتهاكات المحزنة والمأساوية بحق الصابئة وبقية الأقليات الدينية غير المسلمة ، والتي اثرت تأثيرا" سلبيا " كبيرا"جدا ً على الصابئة المندائيين وغيرهم من الاقليات غير المسلمة . ومثال تلك الفتاوى فتوى الإمام ( أبو سعيد الأصطخري ) عندما استفتاه الخليفة بحق الصابئة . وكان مفاد فتواه عدم أخذ الجزية منهم وأعتبارهم ( كفار ) وبلا دين مما عرضهم الى اقسى انواع البطش والتعسف والتنكيل واجبر العديد منهم على تغير دينهم ، وكانت مثل هذه الفتاوى والحركات والتحريضات ان صادف ووقف الخليفة او الوالي او الحاكم المتنفذ بجانبها ، فنصيب الأقليات غير المسلمة ومعتنقين دياناتها يكون اشد بطشا ً واكثر ظلما ً . وتشير كل بينات التأريخ وصفحاته المشرقة ان أفضل فترات الرقي والتطور والأمان والاستقرار كانت الفترات التي تسود فيها ثقافة التسامح الديني وعدالة القانون . السويد في مايس 2006 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع كتب خصيصا بمناسبة المؤتمر الرابع لاتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ، كتب من اجل نشر ثقافة التسامح الديني وأهميتها الملحة جدا ً في عراقنا اليوم ، أتمنى أن يساهم الجميع في الكتابة عن ثقافة التسامح .
المصادر 1 . الثعالبي أبو منصور ، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 2 . الصابي هلال ابن المحسن ، الوزراء أو تحفة الأمراء في تأريخ الوزراء ، حققه الأستاذ عبد الستار أحمد فراج 3 . الصابي هلال ابن المحسن ، رسوم دار الخلافة ، حققه وقدم له الأستاذ ميخائيل عواد بـ 76 صفحة صدر عام 1964 ويعد من أهم وابرز كتب هلال الصابي المحققة ولأهميته فقد قررت اللجنة الدولية في اليونسكو إضافته إلى السلسلة العربية في ( مجموعة الروائع الإنسانية العالمية ) وقد ترجم الكتاب إلى عدة لغات شرقية وغربية . 4 . الصابي هلال ابن المحسن ، غرر البلاغة ، حققه وقدم له الأستاذ اسعد ذيبان ونشر عام 1983 5 . المعاضيدي عبد القادر سلمان ، واسط في العصر العباسي ، للفترة من ( 324 هـ لغاية 656هـ ) 6 . القفطي علي بن يوسف ، إخبار العلماء بأخبار الحكماء ، مكتبة المثنى ـ القاهرة 7. بن خلكان احمد بن محمد ، وفيات الأعيان وأنباء الزمان ـ تحقيق د . إحسان عباس ـ دار التقافة ـ بيروت ــــــــــــ *محافلنا : أعتاد (نادي التعارف ) ببغداد الخاص بالصابئة المندائيين أقامه احتفالية سنوية بأسم العالم الجليل العراقي المندائي الدكتور المرحوم (عبد الجبار عبد الله ) تخصص فيها جوائز توزع للمتفوقين المندائيين في مختلف الاختصاصات ولمختلف المراحل الدراسية ولكن الجائزة الأهم هي للمتفوق الأول في الدراسة الإعدادية للفرع العلمي ( البكالوريا ) ، والتي تسمى جائزة العالم (عبد الجبار عبد الله ) لذلك العام . وقد أعطت الهيئات الإدارية في نادي التعارف وبقية المؤسسات المندائية أهمية واهتمام لهذه المناسبة تليق بعالمنا المندائي الوطني التقدمي الذي لم يدخر جهدا ً في سبيل خدمة بلده وتفانيه واخلاصه وتضحيته له ، والذي قدم خلاصة فكره وجهده المتميز من أجل إعلاء أسم ( العراق ) في مختلف المحافل الدولية .
#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأستاذ الكريم العم الطيب فرج عريبي ( أبو نبيل ) المحترم
-
المندائيون في بلدان المهجر معاناة قاسية وتطلعات من اجل استمر
...
-
تقرير إخباري عن وقائع جلسات المؤتمر الرابع لاتحاد الجمعيات ا
...
-
بطاقة حزن لك يا وطني في يوم العيد -عيد الصابئة
-
شاكر جواد القره غولي.... طيبة قلب.... وخفة دم.... و بديهية ن
...
-
الأخوة والأخوات الأفاضل في اتحاد الكتاب العراقيين في السويد
-
لا تلومونا على هذا الحزن وكثر البكاء
-
جديد المناشدة بحقوق الصابئة المندائيين
-
الصابئة في مدينة واسط خلال العصر العباسي للفترة 324 656 ه أ
...
-
بين أمي .. وفيروز .. والإنقلاب .. شدة وفرج
-
الاشاعات ومروجوها ..... جيف وقمامة لا تستحق إلا الطمر
-
زهرون وهام .... رمزٌ جميل للصداقة ، والتواضع
-
العزيزية ...... سحرها بنهرها وشاطئيها وأهلها
-
مسودة الدستور الجديد ضربة موجعة للأقليات الدينية غير المسلمة
...
-
الى : أول صوت ( للصابئة المندائيون ) في لجنة كتابة دستور الع
...
-
تثبيت حقوق طائفة ( الصابئة المندائيين ) في الدستور يقطع عنهم
...
-
الصابئة المندائيون ....أخيراً ....في لجنة كتابة دستور العراق
...
-
أحداث من الماضي الأليم .... محفورة في الذاكرة
-
الصابئة المندائيون : حصتهم من الاضطهاد كبيرة ...ومن الغنائم
...
-
سلاما ً يا أحبتي
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|