|
بين رجلين ... قصة قصيرة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7168 - 2022 / 2 / 20 - 09:53
المحور:
الادب والفن
بين رجلين .... قصة قصيرة -------------------------------------------
بين رجلين ----------------------------- فى لحظة خارجة عن مدار الأرض والمنطق ، دخلت إلى مصيرى المعتم فى عينيه. لا خبرة عندى ولا دليل ، فى طريقى الملغم بالسواد ، ورقصات الأشباح . لا زاد معى ، ولا ماء ، ولا قطرة من كبرياء ، فى رحلة وعرة الدروب ، خاصمها الشجر ، هجرتها متعة الترحال ، وسحر السفر. على تنهيدة غجرية الإيقاع ، استيقظت ذات صباح ، على شدو قلبى ، " أحب هذا الرجل ". وقف الجميع ضدى . انضمت نفسى إلى جبهة الناس .عاتبتنى قائلة :" كيف أهون عليكِ إلى هذه الدرجة؟ كلهم معهم حق . أترميننى فى هاوية لا قرار لها ؟ ". أنا وحدى بقلبى ، فى معركة شرسة غير متكافئة ، ضد مدار الأرض ، والمنطق . أنا وحدى بقلبى ، ضد كل الناس ، وضد نفسى . أنت وحدى بقلبى ، أقف فى صفه ضد العالم . أزهو بحماقتى ، ويطربنى إلى حد الانتشاء غبائى . الأشياء كلها تنبىء أنى فى صفقة خاسرة . راهنت عليه بعمرى الباحث عن عنوان. لعبت كل أوراقى ، استخدمت كل فنونى . خذلنى وخسرت الرهان . فى بدايات المساء يأتينى صوته عبر الهاتف : " أين أنتِ ؟ اتصلت مرات ولم أجدكِ. أحدث شىء لا أعرفه ؟ ما رأيكِ ، هل نسهر معا الليلة ؟ ". تغمرنى الفرحة ، فلا أسأله عن غرابة تصرفاته ، واختفائه أياماً تعبت من حسابها . أخاف أن أعاتبه ، حتى لا يحسنى قيداً على حريته ، أو عبئاً يثقل عواطفه . موعدى معه ، يعيد إلى وجهى أحلى ملامحى . على موسيقى راقصة أرتدى أجمل أثوابى . أتعطر بأشواقى الجامحة إلى صحبته . يلقانى مرحباً ، فأحس أنه قسمتى ونصيبى من الرجال . يصافح ارتعاشه يدى ، بحرارة تقول أننى المرأة التى طالما انتظرها ، وتمناها . بحنان يفزعنى يسألنى : " ماذا تشربين ؟ ". أقول : " أى شىء نقتسمه معا يروى ظمأى " . نشرب معا ، حتى ندرك حكمة العشق ، وسر الكون . فى دهشة ، تتطفل نظرات الناس ، على مائدتنا المنزوية . تتساءل العيون ، كيف الفرحة بين رجل وامرأة ممكنة ، فى زمن القبح والعداء ؟ . تطول سهرتنا ، وتقصر المسافة بين اشتياقى وسحر عينيه . يقصر آخر حاجز بيننا وبين الجنون . يقترب أكثر ، ويقول : " ما أحلى الليلة . أنا وأنتِ والموسيقى ، وهذا المشروب الجميل . ماذا ينقصنا ؟ " . أقول " ينقصنا الكثير والكثير " . يسألنى فى جرأة مرتبكة " أتعتقدين كذلك ؟ " . قلت : " أجمل الأشياء تلك التى لم تحدث ؟ . يأخذ رشفة متعجلة ويقول " : أخالفكِ الرأى . أجمل الأشياء ما عشناها . أما الأشياء التى لم تحدث . فلا تعنينى " . يفاجئنى بكل رقة واشتياق : " أحبك وأنتِ تعرفين ذلك . وأنا أعرف أنك تبادلينى مشاعرك . لماذا سكوتى ؟ لماذا تتجاهلين الأمر ؟ أحبك منذ اللقاء الأول . كفانا ما ضاع من الوقت . لابد أن نفعل شيئاً تجاه هذا الحب الجارف . حبنا قدرنا ، ولا مفر من القدر " . كلامه عن الحب ، يُعيد إلى قلبى دقاته المفقودة . الحنين المطل من عينيه ، يصالحنى على دنيا أدمنت عنادى . يحملنى صوته العذب إلى مدينة ، كل أهلها من العشاق. مدينة تشع بالخير ، والضياء ، نهارها شِعر ، وليلها غناء . قبله ، سمعت كلمة الحب كثيراً . لكن " أحبك " منه ، أسمعها كأنها المرة الأولى . ينطق كل حرف ، بسخاء ، وعمق ، وشوق يذيب المحال ، ويفتح مسام العمر . " أحبك " منه ، ليست كلمة ، وإنما عزف بارع على أوتارى المنسية ، فينهى الخصام الطويل بينى ، وبين أنشودتى المبعثرة فى الفضاء . يكررها : " أحبك " فاكتشف أن الحب ، ليس إلا أنا و " هو " . يحدث هذا ، فى سهرات المساء . أما الصباح ، فإنه قصة أخرى .. حين يمضى الليل إلى مثواه ، وتشرق شمس النهار ، يظهر رجل آخر . مَنْ هو ؟ ، ومن أين جاء ؟ ، لا أدرى . مستحيل أن يكون هو الرجل نفسه ، الذى قضيت معه سهرتى بالأمس . بعد كل سهرة ينتظرنى فى الصباح ، رجل لا أعرفه . عبثاً ، أبحث عن ملامح ، الرجل الذى همس كلمات الحب ، ونطقت عيناه بالأشواق. شىء ما ، يحدث له ، ما بين غفوة المساء ، وإشراقة النهار . هل أنا المخطئة ، صدقت كلام الليل ، الذى تذيبه شمس النهار ؟ . كرهت مجىء الليل . وأصبحت أخاف السهر منه ، رغم أنه فرحتى الوحيدة . لا أحتمل أن أعرف رجلين ، كل منهما نقيض الآخر . لست أدرى ، أى الرجلين هو ؟ . أى الرجلين أصدق ؟ . آخر شىء أحتاجه فى حياتى ، رجل يتذكرنى بالليل ، وفى الصباح ينسانى . يا له من مأزق وقعت فيه امرأة ، تعشق النهار ، وتتألق مع نسمات الصباح . يا للمفارقة الساخرة ، أنا المرأة حادة الذاكرة ، مع رجل بدون ذاكرة . المرأة " ابنة الشمس "، مع رجل يخاصم النور . وأسأله : " ألا تتذكر شيئاً من سهرة الأمس ؟ " . يقول : " أحدث شىء غير عادى ؟ هل صدر منى ما أغضبك ؟ " . قلت : " لا تشغل بالك .. لم يحدث شىء فى سهرة الأمس " . مضت شهور ، وأنا فى علاقة مع رجلين . حاولت أن أقرب المسافة بينهما .. حاولت أن أجمعهما معاً فى جلسة ود . لا جدوى . لا أدرى ماذا أفعل . ممزقة بين رجلين ، أريد رجل المساء الذى يسمعنى أحلى الكلمات ، ويغمرنى بالحب والأشواق ، ماذا أفعل ، وتعاقب الليل ، والنهار ، حقيقة من حقائق الكون ؟ . كيف لى أن أتشبث برجل المساء والسهر ، وأبقيه حتى خيوط النهار ؟ كيف أعقد الصلح بين الرجل الذى يحبنى ، وبين الضياء ، وزرقة السماء ؟ . كم أهفو إلى كلمة " أحبك " منه ، ممتزجة بأشعة الشمس ، وتغريد الطيور . أتيته مرة قائلة : إذا أردت أن تقول لى كلاماً هاماً ، قله فى الصباح . يكفينا فى أمسيات السهر أن نقضى وقتاً سعيداً ، لن آخذ أى شىء تفعله ، أو تقوله فى السماء ، مأخذ الجد " . وكان رده " إذا كان هذا ما تطلبين ، أوافق " . وتأتى أمسيات السهر ، بالقصة نفسها . فى المساء يحبنى ، يرعانى ، وتفيض مشاعره على روحى المتعطشة لقطرة حنان . وفى الصباح ، يلفظنى ، يتجاهلنى ، وتضن مشاعره بأبسط الكلام . لو كان الأمر بيدى ، لأعلنت راية العصيان . لو كان الأمر باختيارى ، لرفضت الرجلين معاً . رجل المساء ، ورجل النهار . لكنه قلبى الذى يجبرنى على البقاء معه . قلبى الذى سأم الأحزان ، ومعه ذاق طعم الفرحة . فرحة ناقصة ، مجهضة ، لا تزورها الشمس . لكنها فرحتى الوحيدة . إنها تلك الفرحة ، التى يملكها ضدى . إنها سلاحه الذى يشهره فى وجهى . فرحة لا يقدر عليها سواه . ويدرك جيداً ، أننى أحتاج فرحتى معه . ولا أملك شيئاً ، إلا الإختفاء بعض الوقت ، وسريعاً إليه أعود . أيهما أختار ، فرحتى أم لراحة بالى ؟ . فى بداية المساء ، يأتينى صوته عبر الهاتف : أين أنتِ ؟ .. اتصلت مرات ولم أجدك مرات ؟ .. أحدث شىء لا أعرفه ؟ .. ما رأيك هل نسهر معاً الليلة ؟ ". مَنْ يلومنى ، لو استعدت أحلى ملامحى . على موسيقى راقصة ، ارتديت أجمل أثوابى ، تعطرت بأشواقى الجامحة إلى صحبته ، وسارعت إلى لقياه ؟؟؟؟.
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مضادات ..... ثلاث قصائد
-
الله يقدم بلاغا للنائب العام ... قصيدتان
-
يكفينى فخرا .... ست قصائد
-
منْ تقبل الطاعة تستحق الضرب
-
اغزل لى كفنى .. قصيدتان
-
كن ابنى ... قصيدتان
-
هزة الأرض موعدنا ... قصة قصيرة
-
لا تكن حبيبى .... ست قصائد
-
كأس من يديك .... ثلاث قصائد
-
سيأتى يوم ... أربع قصائد
-
30 يناير 1948 يوم اغتيال - أبى - فى نسخته الهندية
-
منْ أنت ؟ ..... ثلاث قصائد
-
معطف الصوف لا يدفئنى ...... ست قصائد
-
كلام جرايد .... خمس قصائد
-
سنة جديدة خالية من كلمة - الطاعة -
-
الدولة الدينية أون لاين ... ست قصائد
-
اتهمونى بتعدد الأزواج ... أربع قصائد
-
المعروف والمنكر ... أربع قصائد
-
ثقب الأوزون وثقب البكارة .. قصيدتان
-
انتظار محمد .. موسى .. يسوع ..................... ثلاث قصائد
المزيد.....
-
وزيرة الثقافة اليونانية: متحف الأكروبوليس مكان مثالي لحفظ من
...
-
من هنا رابط موقع ايجي بست 2024 لتحميل فيلم ولاد رزق 3 وأهم أ
...
-
قصيدة : فَلسَفَةُ العَزَاء - الشاعر العراقي : - - - - محسن م
...
-
في انتظار الموت
-
عـشقٌ من طرفٍ واحد
-
الشاعر العراقي : - - - - محسن مراد الحسناوي - فَلسَفَةُ العَ
...
-
-دانشمند-.. خطوة نحو رواية معرفية عرفانية
-
مصر.. أول رد من نقابة الممثلين بعد فبركة صورة رانيا يوسف بال
...
-
أحداث مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 مترجمة للعربية وأهم القنو
...
-
رسمي وشغال 100%.. رابط دخول ايجي بست 2024 اتفرج على فيلم ولا
...
المزيد.....
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
المزيد.....
|