أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب
(Ayham Noursabah Hasan)
الحوار المتمدن-العدد: 7167 - 2022 / 2 / 19 - 12:39
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تحيلنا دراسة التشابه بين عصابتين حاكمتين في بلدين مختلفين , سورية و روسيا , إلى خُزَعْبيلة ( أضحوكة ) مفادها أن هذا التقارب اللفظي في اسم الدولتين قد لا يكون من باب المصادفة .
عندما يقوم الشعب مدفوعاً بالرعب و الإرهاب و بالإجبار و الإكراه بتسليم زمام حكم دولته لفلان , و عندما يشرع هذا الفلان بانتقاء الأربعين حرامي الذين " سيقودون " معه الوطن و الشعب , و تأسيس منظومة تسلط و استبداد هدفها الوحيد هو العمل على استمرار احتكار السلطة أياً كان الثمن و أياً كانت النتائج ( قتل الشعب أو تدمير الوطن ) , فإننا بالتأكيد نكون أمام عصابة تحكم ( تسرق و تبيع ) الوطن باسم السلطة , و لسنا أمام أشخاص وطنيين يؤدون واجبهم المرحلي أو المؤقت خدمة لوطنهم .
ففي حين ورث الأسد - الابن مزرعة أبيه , أسس بوتين مزرعته الخاصة على أنقاض المزرعة الشيوعية , و تماكر الاثنان في العمل على دوام اغتصاب السلطة ما استطاعا إليه سبيلا , لا يردعهم خلق ولا دين ولا أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية .
تتشابه القوانين السرِّية التي تحكم الدولة - المزرعة و إن اختلفت الأساليب في إنفاذها بين مزرعة و أخرى , إذ يعتبر الولاء لصاحب المزرعة من أهم أسرار قيادة الدولة - المزرعة , و يقف على النقيض منه الولاء للوطن , فكلما كان الولاء للوطن أعلى لدى الفرد في المزرعة تراجع ولاؤه لصاحب المزرعة , و العكس صحيح , و بما أن الولاء للوطن يكون غالباً محصوراً في الشرفاء أصحاب القيم و الأخلاق , يعمل صاحب المزرعة على ضرب المصفوفة الأخلاقية للمجتمع و استبدالها بمجموعة قواعد انتهازية أنانية وضيعة , تؤدي إلى إفساد الجميع , مما يُسَهِّل عملية انتقاء المسؤولين الفاسدين أصلاً و قيادتهم , و في نفس الوقت يُظهِر النخبة الواعية في المجتمع و كأنها تعيش في عالم آخر من المثالية و الطوباوية مما يعمق انفصالها عن القطيع المؤدلج .
تتشارك العصابتان سابقتا الذكر تأسيس حياة الأفراد على الخوف و الرعب , و تكريس قائمة الرذائل و البؤس في مزرعة كل منهما , فلا قيمة لحياة الإنسان و لا قيمة لحقوقه و لا عدالة و لا حرية و لا ديمقراطية و لا مجتمع مدني ولا مؤسسات تربوية و تعليمية حقيقية ولا صحافة حقيقية و لا مواطنة حقيقية و لا هيبة دولة حقيقية ( اللهم إلا في حال كانت هيبة الدولة هي احتكار العنف و توزيعه على المواطنين قمعاً و اعتقالاً و تعذيباً و قتلاً , كلٌ حسب درجة وطنيته و جرأته ) .
أما دستور الدولة – المزرعة فهو لا يعدو أن يكون سبورة أطفال بيد الاثنان يمحوان منه ما يشاءان و يعدلانه باجتماع سريع لمجلس الدمى وفق مقتضيات الاستمرار باغتصاب السلطة و سرقة الوطن و الشعب .
و عن بقية الوزارات و المؤسسات و الهيئات , فحدث ولا حرج , مجرد شركات مغفَّلة مهمتها تنظيم عملية السرقة و ترتيبها بشكل لائق و خفي .
لا تهتز كرامة " القيصر " الروسي للجوء الروسيات - المستمر - للعمل بالبغاء في كل أنحاء العالم بالرغم من كون اقتصاد بلاده هو الثالث عالمياً , تماماً كانعدام الوطنية و أدنى حس بالمسؤولية لدى قائد العصابة السورية الذي لا يشعر بأي إثم أو ذنب بالرغم من أنه دمر البلد بحجره و شجره و شرد أهله و أوقع بهم مقتلة شديدة و أحدث بينهم فتنة عميقة ليس من السهل وأدها , و أجبر السوريات للعمل كبغايا في دول الجوار .
العجيب أن العصابتان تستنكران على داعش بيعها للنساء السبايا في سوق النخاسة , في حين باتتا من أهم الدول المصدرة للعهر و العاهرات في العالم .. حتى ليُخيَل لنا أن داعش تصرخ عند استنكارهما : أحسداً أم ضيقة عين ؟
ربما لم يكن بإمكاننا أن نتخيل - حتى في أحلك كوابيسنا – أنه من الممكن أن تتحول فتيات سورية بهذا الكم إلى بائعات جسد و متعة , لكنها الحرب و تبعاتها القذرة عندما يفتعلها من لا وطنية و لا إنسانية و لا أخلاق فيه .
لا يشعر الديكتاتور الروسي بأي عار من شراء شرف و مصداقية ضباطه و جنوده " بقنينة ويسكي " , تماماً مثلما لا يحس راعي المزرعة السورية بأي عار أو ذل من بيع ضباطه و موظفي مؤسساته أنفسهم برشوة مالية صغيرة .
تعود الأريحية في التعامل بين اللصين إلى رفقة الزمالة و مقاعد الدراسة ( عن بعد ) , برغم فارق العمر بينهما , كتلميذين نجيبَين مخلصَين للمعلم مكيافيلي , و إلى أن منطق العصابة و عقليتها في إدارة و تسيير أمور المزرعة واحدة في البلدين , و هي من قبيل " جميع الحيوانات متساوية ، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها " ( مزرعة الحيوان – جورج أورويل ) , لذلك لا يستطيع أي منهما المزاودة على الآخر بشيء من القيم أو الأخلاق أو المآثر , إلا إن كان يعتبر تسليم قاديروف رئاسة الشيشان , و دكتور في أمراض ضرع البقر وزارة التربية السورية , مأثرة في نظر هذا الصنف من المخلوقات .
و من المفارقات المضحكة في عالم المزارع , أن مالكا المزرعتان لا ينفكا يعلنان أن الوعي السياسي و الوطني لجماهيرهما عالٍ جداً .. لكن يبدو أن هذا الوعي السياسي و الوطني ( العالي جداً ) مقتصر على الالتفاف حول القائد " الإله " و لا يصلح بأي حال من الأحوال لإدارة البلاد !!!
لقد صار واضحاً و يقيناً أن تساؤلات مثل :
أين الوطنية في كوني أسعى للاستمرار باغتصاب السلطة دون أدنى حساب لما سيسفر عن هذا الاغتصاب الطويل من نتائج كارثية ؟
أين بعد النظر و المسؤولية الوطنية في ما سيكون عليه حال الوطن و الشعب بعد نهاية هذا الإكراه و الإجبار ؟ ثم ماذا ؟ أو بالسوري ( و بعدين .. ؟؟؟ )
لا تخطر إطلاقاً على بال أسيادنا في الوطنية و أربابنا في الوطن .
ليست أمريكا – بالنسبة لسياستها الخارجية معنا كسوريين – بحال أفضل , إلا أنها لا تستطيع , بحكم الأخلاقيات التي تتذرع بها و تتلطى خلفها , أن تتعامل بشكل مباشر مع كل هذا الكم من القذارة الذي تنهجه عصابة دمشق , مما يضطرها لتفويض " صبيها الأزعر " بالعمل مع هذه العصابة نيابة عنها .
و بعد هذا التشابه و التشابك السوري الروسي الذي بتنا حقيقةً أسراه , و بما أن القضية " فتيلها " أطول مما يعتقد البعض بكثير , كونه لا أحد مستعد لبيع الوطن للروس أكثر من البائع الحالي , ربما سيأتينا يوم نحاول فيه , كما تحاول أوكرانيا اليوم أن تخرج من منظومة العصابة اللاأخلاقية لتدخل منظومة العصابة الأخلاقية , فموقعها و تاريخها لا يسمح لها بالخروج من تلك دون الدخول في هذه , و المسألة ببساطة هي أنه مادام الأمر إجبارياً بالتبعية لعصابة ما , فلننضم للعصابة الأقل سوءاً أخلاقياً , و لنحاول أن نحقق لمواطنينا معيشة أفضل , في ظل دولة مواطنة و قانون حقيقية , تسمح لعجلة البلاد السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية بالمضي إلى الأمام , لا بالدوران في مكانها فقط , إلى أن تستطع في يوم ما أن تجد موقعها السياسي المناسب .
لقد بات حالنا حالَ من ضرب الجرو الذي يحرسه ليتحرر منه , فاستدعى الجرو عمه الكلب , و لو أننا هزمنا الكلب , لأتى صاحبه العم سام ليجهض مسعانا بحجة المساعدة و الإنقاذ , فهل لنا من فِكَاك ؟
#أيهم_نور_الصباح_حسن (هاشتاغ)
Ayham_Noursabah_Hasan#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟