محمد رتيبي
الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 00:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كتب المفكر الإيطالي جيوفاني بوطيرو وهو رجل دين مسيحي عاش في منتصف القرن السادس عشر 1544-1617 كتاب مصلحة الدولة "The Reason of State" ولم من الغرابة في شيء أن يختار هذا العنوان، ذلك أن بوطيرو يميز بين الدولة بما هي حكم الشغب على نحو جائز، أما منطق الدولة، فإنه مجموع التقنيات والوسائل التي تمارس من خلالها السلطات مهامها.
لقد أعتقد جيوفاني بأن منطق الدولة هو الشكل المجرد، الثابت إنه الجوهر الذي تظهر الدولة من خلاله عبر مختلف العصور، إنطلاقا من النموذج الشرقي القديم ( مصر الفرعونية، حضارة ما بين النهرين، بلاد فارس، الصين) وصولا إلى الدولة الحديثة. إن منطق الدولة إذن يقوم على المصلحة الموضوعية، وهذه المصلحة تقتضي الكشف ( بلغة مارتن هيدجر) في كل مرة. هنا بالتحديد تبرز مهمة النخبة، إن مهمة النخبة هي لعب دور البوصلة لتحديد المصلحة العليا للدولة، وهذه المهمة لا تختزل في التبرير الإيديولوجي، بل هي بلورة تصورات جديدة من أجل تغيير المشهد السياسي. الفكر بالنسبة لبوطيرو إما أن يكون ثوريا أو لا يكون، والثور هنا، إنما هي تجاوز حالة التخلف والتمزق الاقتصادي الذي تشهده أوطاننا.
لقد آمن بوطيرو أن مهمة النخبة قد تكون قاسية جدا، إنها مهمة قد تتطلب التضحية حتى بالحرية بما هي أقدس المقدسات، وبالفعل كان بوطيرو يبرر نظام الحكم المطلق ( الاستبدادي) رغم علمه بمخاطره. لا نقصد أننا نتفق مع تصور بوطيرو ولكن إذا كان "الإنسان العامي" ينظر إلى مصلحة الغد القريب، فإن مهمتنا نحن النخبة هي استشراف المستقبل وتهيئة الوسائل الكفيلة بتجاوز الراهن المتخلف.
هكذا تصبح النخبة محرك التغيير، والتغيير لا يحدث إلا إذا تمت مهاجمة القديم وضربه بكل قسوة ( نستعير هنا تعبير الفيلسوف التفكيكي جاك دريدا) إن تغيير الواقع لا يكون إلا عبر أخذ مسافة من القديم، إنها المسافة التي تتيح مقاربته بموضوعية خارج كل الأنساق السياسية
#محمد_رتيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟