أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - العالمُ المخبَأ في ورقةٍ صفراءَ صغيرة














المزيد.....

العالمُ المخبَأ في ورقةٍ صفراءَ صغيرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7149 - 2022 / 1 / 30 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


Facebook: @NaootOfficial

عزيزي القارئ، دعني ألعبُ معكَ لعبةَ التداعي الحرّ للأفكار، لنتأملَ عبقرية المخ البشري، تلك التلافيف الدقيقة من الخلايا العصبية التي لا تشكّل في مجملها إلا كتلة صغيرة في حجم يد مقبوضة. أغمضْ عينيك وحَلّقْ معي في فضاء الخيال وتصوَّر ما يلي. أنتَ رجلُ أعمال، تجلسُ الآن في مكتبك، تراجعُ جدول أعمالك. يرنُّ الهاتفُ. هذا عميل يخبرك بصفقة مهمة. تلتقط قلمًا وورقةً صفراء من رزمة ورق الملاحظات اللاصق، لكي تدوّن البيانات. الورقةُ الصفراء ذكّرتكَ بلون شرشف الطاولة التي جلست إليها مع حبيبتك قبل سنين على ضفاف النهر. حزينةً كانت تخبركَ إنها المرة الأخيرة لكما معًا. تسمعُ نحيبَها وشكواها وعيناك مثبتتان في نسيج الشرشف الأصفر، هربًا من التقاء العيون. تقولُ لك حبيبتُك إنكَ لا تقدّرُ قيمتها كفنانة تشكيلية، وتُردّدُ دائمًا أن أعظم الرسامين في العالم رجالٌ لا نساء. قالت لك إن نصفَك يزعم الاستنارة والمناداة بحقوق المرأة، وهذا نصفُك الزائف، بينما نصفُك الفعال رجعيٌّ لا يُقدّرُ المرأة. لذا رفضتَ سفرها في ورشة تدريبية نظمتها اليونسكو في باريس. باريس. زيارتك الأولى لها منذ عشرين عامًا لا تُنسى. اللوفر وهضبة sacré – cœur. تنتقي، من بين الرسامين المنتثرين فوق الهضبة، رسّامةً تعجبك لوحاتُها المعروضة خلفها على حوامل خشبية. أمامها كرسي فارغ. تتقدم وتجلس عليه بعد أن تحييها بابتسامة. سترسم لك بورتريه تنتوي أن تعلقه في مكتبك، جوار شهادات التقدير والدرجات العلمية الرفيعة التي حصلتَ عليها. الرسامةُ بولنديةٌ سمينة. بياضُها مشبّعٌ بحُمرة تشي بطيبتها. تطلب منك بإنجليزية ركيكة ألا تتلفّت كثيرًا حتى تُنهي عملها. ربع ساعة تمرُّ كأنها الدهر. والنتيجة؟ الرجلُ الذي في اللوحة لا يشبهُك. ملامحه حادة وغاضبة. يبدو مثل ذئب. ذئب؟! كان في بيت جدّك الريفي جسدُ ذئبٍ محنّط. الجدُّ يزعم أنه ثعلبٌ نادر اصطاده من الصحراء في شبابه. لكنه ذئبٌ هزيل والكلُّ يعلم أن جدك يخترع أمجادًا وبطولاتٍ لم تحدث. لكنّك لستَ ذئبًا كما في ملامح الرجل الذي في لوحة الرسامة البولندية. تشرحُ للفنانة أن اللوحة لم تعجبك فتشير لك بكفيّها البضّتين بما يعني: "ليس في الإمكان أبدع مما كان”. تمدُّ لها يدك بالعشرين يورو. لكنها ترفض أن تأخذها مادامت اللوحة لم ترُق لك، وتبتسمُ وهي تغلّفُ اللوحةَ وتعطيها لك. فماذا ستفعل بها هي! أين تلك اللوحة الآن؟ والله نسيت! ربما في بيت العائلة الريفي القديم. أنت الآن تسكن في إحدى العمارات الشواهق بقلب العاصمة. والأمُّ وحيدة. رفضت أن ترافقك إلى مسكن ثرائك. كيف لها أن تتركَ ذكرياتها الحلوةَ مع أبيك ومع طفولتك؟! منذ متى لم تزرها؟ سنة أم أكثر؟ منذ متى لم تهاتفها؟ شهر؟ شهرين؟ تلتقطُ هاتفك وتنقر رقم البيت القديم. "وحشتني يا حبيبي، كده نسيت أمك؟" "مستحيل أنساك يا ماما، أنتِ في بالي طوال الوقت لكنها المشاغل.” "ربنا معاك يا ابني، دايما بادعيلك. أختك رجعت من السفر ونايمة على سريرك دلوقت.” آه! السرير الصغير. تعودتَ أن تدخل تحته وأنت طفل وتُخبئ اللعبَ في كرتونة صغيرة. وكذلك كلّ الأشياء التي كنتَ تسرقها من أختك الصغيرة؛ حتى تجعلها تبكي طوال اليوم.
تنتبه فجأةً على صوت السكرتيرة تسألك عن بيانات الصفقة التي أملاها عليك العميل الذي هاتفك قبل دقائق. فتكتشف أنك لم تدون أي شيء! الورقة الصفراء خاوية وقد تجعدت في يدك. أخذك اللونُ الأصفر في رحلة طويلة في الزمن والمكان. ورقةٌ صفراء سافرتْ بكَ شرقًا وغربًا في دقيقتين حتى أوصلتك إلى طفولتك الأولى، وواجهتك بجميع شرورك القديمة.
ما سبق هو شيءٌ من فوضوية "التداعي الحر للأفكار". وهو أحد معجزات المخ البشري العظيم. اكتشف تلك التيمة الإعجازية أدباءُ كبارٌ مثل جويس وبروست وفرجينيا وولف، فصنعوا ثورةً في عالم القصّ والرواية وانتقلوا بها من كلاسيكية القرن ال 19، إلى حداثة أوائل القرن الماضي. ودشنوا مدرسةً سردية اسمها "تيار الوعي Stream of Consciousness". تعتمدُ المونولج الداخلي، والتداعي الحر للأفكار، واستحثاث القوى الذهنية الكامنة في المخ البشري الملغز. تقول وولف: : "دعونا نرصدُ ذرّاتِ الأفكار أثناء سقوطها فوق العقل بنفس ترتيب سقوطها، دعونا نتتبعُ التشكيلَ مهما كان مفككًا وغيرَ مترابطِ التكوين، سنجد أن كلَّ مشهدٍ وكلَّ حدثٍ سوف يصيبُ رميةً في منطقة الوعي". في معرض القاهرة الدولي للكتاب اسألوا عن ترجماتي لإبداع "فرجينيا وولف" فارسة تيار الوعي، من جناح إصدارات "المركز القومي للترجمة” و"مكتبة الأسرة”. اللهم شكرًا على عطاياك العظيمة علينا نحن البشر.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرضُ الكتاب … والشتاء وآلزهايمر
- عيدُ الغطاس … والقلقاسُ الأخضر
- رسالةُ سلام للعالم … من أرض السلام
- منتدى شباب العالم … ميلاده الرابع
- تهاني الجبالي … الماعت … وداعًا!
- مِحرابٌ ومَذبح … في الجمهورية الجديدة
- جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب
- رحلة العائلة المقدسة… وجائزة فخرُ العرب
- السِّحرُ الذي ... معقودٌ بناصيتها
- شجراتُ الصنوبر تُضيءُ جنباتِ مصر
- ميري كريسماس بالمصري... أيها العالم!
- شحاذون
- “إحنا- … ضدّ التحرّش!
- كيف تنمو الموهبة؟
- -النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق
- هل أنت عُكازٌ … أم مِرآة؟
- ڤان ليو … قنّاصُ الجميلات
- مجدي يعقوب… له خفقةٌ في كلِّ قلب
- ماذا قالت -مايا آنجلو- في السبعين؟
- لعنَ اللهُ من أيقظها!


المزيد.....




- عصام إمام: الزعيم بخير
- مصر.. حمو بيكا يعلق على قرار إيقافه وإحالته للتحقيق
- مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل وإحالته للتحقيق بعد فيديو تضم ...
- ممثل كوميدي يصف نائب الرئيس الأمريكي بـ-قاتل البابا- ويفجر ض ...
- الأسد يطلب من فنانة تقليل التطبيل منعا للمشاكل الزوجية
- -نوفوكايين-.. سطو بنكهة الكوميديا يعيد أمجاد أفلام الأكشن ال ...
- لقاء مع الشاعرة والملحنة اليمنية جمانة جمال
- فضل شاكر .. نقابة الفنانين السوريين تمنح -عضوية الشرف- للفنا ...
- رغم ظروف مالية صعبة - SVT مستعد لإستضافة مسابقة الاغنية الاو ...
- -عباس 36- في عرضين بالأردن.. قصة بيت فلسطيني تروي النكبة وال ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - العالمُ المخبَأ في ورقةٍ صفراءَ صغيرة