|
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح6
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7140 - 2022 / 1 / 19 - 21:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفهم الأجتماعي الحقيقي لدور اللغة في عملية الأندماج وتعزيز الروابط لا ينطلق فقط من الضرورة والحتمية فقط، بل يمتد إلى جعل المجتمع أكثر قدرة على البقاء المتطور من خلال تعزيز أدوات وروابط الشد الأجتماعي فيما بين الأفراد خارجا وداخل المجتمع والأخر، فمن خلال اللغة أصبح التقارب والتعاون والمشاركة متاحة أكثر مما يعزز من أنتقال المعرفة وتطورها، لا فالمجتمعات التي تملك لغة مشتركة عي أكثر المجتمعات التي لديها فرص التطور والتكتل لتشكيل مجموعات أكبر ومن ثم تكوين ما يعرف بنظام الجماعة المنتظمة تحت سقف أكبر مؤسسة لما عرف لاحقا بنظام السلطة والقانون. في تأريخ المجتمع العراقي الأول كباقي المجتمعات القديمة لعبت اللغة بعد أكتشافها دور الرابط الذي جمع بين ما عرف بالقرى والقبائل الصغيرة فيما بينها لتكوين مفعوم القبيلة الأكبر ثم ترسخت هذه المفاهيم وتعاظمت لتظهر للوجود دويلات القبائل، ولولا اللغة لم يكن المجتمع القديم قادرا على الأنتظام في مجموعات متكاملة، اللغة السومرية مثلا كانت سببا مهما في قيام الأسس التي نهضت مع عوامل أخرى لقيام الدول السومرية دول المدن ثم دول المقاطعات التي في الغالب كان رابطها اللغة وليس العرق الجنسي، فعندما نافستها اللغة الأكادية وظهرت الكتابة بعد ذلك بمراحل صارت الغلبة لأصحاب اللغة المسيطرة، اللغة التي تربط أكثر من غيرها، فتحطمت وأفلت الحضارة السومرية بشكل تدريجي لتعطي القيادة للحضارة القادمة مع اللغة الجديدة، لأن من طبع الإنسان الأجتماعي أنه ينتمي دوما للعلاقات والروابط الأقوى في تأثيرها وفي قدرتها على الجمع. تقول الباحثة صبرينة مزياني في بحثها الموسوم (علاقة اللغة بالمجتمع _ وإشكالية التواصل في المجتمع) عن دور اللغة أجتماعيا ما يؤكد أن دور اللغة يتعدى الوظيفة الأجتماعية التواصلية المحدودة في بناء الأسس الأجتماعية الأولى وتكوين هوية الفرد إلى أبعد من ذلك، إلى دور المثري الفكري والمعرفي الذي يعكس روح المجتمع وخصائصه العامة (على اثر ذلك باتت اللغة واحدة من اشد الظواهر الانسانية تشعبا وتعقدا باعتبارها نظاما معقدا من الرموز التي تحمل في طياتها معاني مختلفة، فهي من اهم المنافذ المستخدمة من اجل الولوج الى عمق الثقافة والبنية الاجتماعية للناس بل وصياغتها وتوريثها لتكون بذلك واحدة من اهم العوامل الاساسية في تكوين و بناء المجتمع، لتشارك و بشكل اساسي وفعال في تحديد الهوية الجماعية للمجموعة البشرية التي تتحدث بها، هذا الذي يؤكد على وجود علاقة بين كل من اللغة والمجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة لا يوجد مجتمع دون لغة ولا لغة دون مجتمع)، هذه الحقيقية المهمة هي التي تفسر التغيرات الأجتماعية المحورية في بناء أجتماعي عندما تتبدل أو تتطور لغته نتيجة عوامل ذاتية أو خارجية، فاللغة كانت دوما هي المعيار الحقيقي الذي يستكشف من خلاله تطور المجتمعات وتحديث خصائصها. وحتى نفهم دور اللغة أجتماعيا علينا تفكيك العلاقة هذه أولا وفق أنساق وسياقات محددة على معيار مشترك، فاللغة كظاهرة أجتماعية مرتبطة بالمجتمع أرتباط فعل وفاعل فهي تتصف:. أولا_ إنها تعكس طريقة تفكير المجتمع ليس في موضوع التواصل والبقاء ولكن حتى في طريقة التفكير العامة من خلال بماء نظام اللغة، تقول الباحثة صبرينة فيما يخص هذا الجانب (ان اللغة التي تتبع فيها الصفة الموصوف كما هو موجود في اللغة العربية والفرنسية تدل على ان المجتمعات التي تتحدث بهذا النوع من اللغة تستخدم الطريقة الاستنتاجية في التفكير، بينما اللغة التي تسبق فيها الصفة اسم الموصوف كاللغة الانجليزية تدل على ان المجتمع يستخدم الطريقة الاستقرائية في التفكير)* . ثانيا_ كما أن اللغة تعكس طبيعة المجتمع فهي أيضا تعكس الطبيعة الطبقية الأجتماعية داخل المجتمع نفسه ودرجات ونوع الصراع الطبقي أيضا، وإن كانت اللغة واحدة ولكنها تتمظهر بمفردات محددة لدى كل طبقة أجتماعية حتى في طريقة النطق والفهم، فالطبقة الشعبية المسحوقة لا تهتم كثيرا بالقواعد والأنماط القياسية للغة، فهي أما غير متعلمة أو غير مهتمة أصلا بها، عكس الطبقات العليا من المجتمع التي تعتبر اللغة مظهر ثقافي وحضاري يجب الحفاظ عليه والتميز به أو من خلاله .** ثالثا_ اللغة عندما تكون المعيار النوعي لثقافة المجتمع فهي تظهر مكنونات الذات أو سيكولوجيا التنشئة والتربية والتعليم، فتحليل خطاب اللغة على أساس مفردات وأفكار سيكولوجيه وربطها بهوية المجتمع، يتبين من خلالها تركيبة الشخصية الفردية، على سبيل المثال: تؤثر استخدام لغة العنف و تحريض في الخطب السياسية بشكل يعكس صورة سلبية عن المجتمعات وعلاقاتها، هذا ما نجده في الخطب السياسية الدينية المتطرفة التي استطاعت جذب انتباه الكثير من الأفراد من ناقص الوعي والخبرة، للالتحاق بجماعات ارهابية أو مافيات عنفية أو الأنخراط في عقل جمعي متكتل حوا قضية يؤمن أن لا حل لها سوى العنف والقوة المضادة تحت مسمى الدفاع عن الذات أو القيم. رابعا_ اللغة طالما أنها حدث معتاد يرد وفق طريقة واحدة متبعة ومتشاركة، فهي بالأخر فعل أجتماعي مميز يعكس نوع القانون السائد في روابط المجتمع، فالكلمات أو المفاهيم التي تدل على نوعية القانون، الحرام والعيب والجريمة والعقاب وتكاثر المفردات التي تعكس القوة والقهر والغلبة في منظومة اللغة في مجتمع ما، تعكس قوة القانون أو شكله ومصدره سواء أكان دينيا أو وضعيا أجتماعيا، فالفعل الاجتماعي الذي يمارس في مجتمع قد يكون من وجهة نظر الجميع حراما ولا بد من تجنبه، بنفس القياس في مجتمع اخلا لا يعترف بمفردة الحرام والحلال، لكنه يدين الفعل ويسميه جريمة، وهكذا. فالعلاقة الأجتماعية التي تربط الإنسان باللغة تبقى علاقة تبادلية متطورة تنطلق من كون الإنسان أصلا كائن أجتماعي بالطبع والضرورة والمصداق، فهو كائن معبر هن ذاته منتج للمعرفة ناقل للأفكار مبدع في حالة الحاجة، غير ساكن ولا يقبل التوقف عند نقطة ما، ومع كل هذا فهو كائن متراكم ويراكم ما يعرفه ويدركه، كل هذه المميزات هي التي أهلت اللغة كمنتج وجودي له ترتبط بواقعه وتعكس قيمة الوجود من خلال حركة ترددية بينه وبين المجتمع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *نقلا عن– نايف خرما، اضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة،( الكويت: عالم المعرفة، ع9، 1978)، ص 180. ** . تؤكد النظرية الانثروبولوجية على لسان احد روادها فرانز بواس، على ان اللغة المشتركة بين المجتمعات هي الناقل الاساسي لثقافتهم، و حسب هذا الطرح لا يمكن دراسة ثقافة الشعوب من دون التعرف على لغتهم الخاصة، لان اللغة فعالة في فهم طبائع المجتمعات الانسانية، هذا ما جعل الانثروبولوجية اللغوية تهتم بدراسة اللغة و علاقتها بالبيئة الثقافية التي تنشأ فيها، فضلا عن الدور المتميز التي تقوم به اللغة كوعاء لثقافة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح5
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح4
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح3
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح2
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح1
-
فجر الحرف الأول
-
حفلة شواء في ميلاد الريس
-
قبل أن تغلق الحلول أبوابها ح1
-
زغاريد في جنازة وطن
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح2
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح1
-
رسالة إلى أمي
-
عشق النون وما تكلم المتكلمون
-
نون وما سطره العاشقون
-
صباح الخير على أمة السلام... صباح المحبة للناس أجمعين
-
التكسب بالدين تجارة في الله
-
الدين والدين الأخر
-
رسالة إلى ملاك الأحلام والأماني الكبار
-
أحببتك دوما
-
أنا وأنت وليلة العيد السعيد
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|