|
قبل أن تغلق الحلول أبوابها ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7133 - 2022 / 1 / 11 - 13:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كل المجتمعات البشرية حتى ما يسمى منها بالبدائية نجد حراكا بنيويا وبينيا بين أفراده يعمل ضمن أطارين مهمين وضروريين، الأول الحفاظ على منظومة العمل الجمعي التي تؤمن البقاء للمجتمع ضمن دائرة الفعل والوجود، والثاني البحث عن فرصة للتأقلم من تطورات الزمن ومستحكمات ما يجب لذلك من خلال رؤى وأفكار وحلول على كل المديات، ومن الطبيعي جدا خاصة في القضية الأولى بشكل مركز يتم الأهتمام الجاد والحريص بكل تفاصيل القيم والحدود والضوابط التي تمنع أنتكاس المجتمع والرجوع به للوراء، لذا تجد المجتمع بذاته يندفع تحت غريزة البقاء لرفض كل ما يمس البنيان الأجتماعي وبكل الوسائل مدافعا عن قيمه وإرادته تلك، أما النقطة الثانية فنجد التفاوت في الأهتمام بها منصبا بدرجة أكبر على المجتمعات التي تملك وعيا حضاريا معزز بالمعرفة والعلم والرغبة في النهوض ولو على مستويات متدرجة، لكنها بالأخر موجودة وفاعلة. هذه الحقيقية الأجتماعية واحدة من الأسس التي يدرسها هلم الأجتماع ويفهما المؤرخ والسياسي والمثقف والفنان كما يفهمها ويدركها الجميع على أنها من بديهيات التفكير الإنساني الطبيعي، وكل من خلال زاوية النظر الخاصة به يرى تفسيرا وتعليلا وفهما خاصا لها، لذا فهي مشترك جمعي مهم مدرك ومحدد وحتى قبل ظهور الدراسات الأجتماعية الحديثة بصورتها المنهجية، فالمجتمع الذب لا يتحسس مشاكله وإشكالياته لا يمكن أن يستمر ويتطور وينمو وفق السياقات التي يعيشها أو هو ضمن مدارات الفعل، فالتنظيم الأجتماعي والإنعكاس الثقافي والحضاري لروح المجتمع تظهر من خلال وعيها بتلك الإشكاليات والمشاكل، أما روح العمل والبناء والحرص على ضمان الأستقرار الإيجابي بما يعزز قيم المجتمع فتنتج عادة من خلال فعل الوعي وقدرته على التجسيد في الواقع، من هنا يبرز دور النخبة الفكرية والأجتماعية في التأثير على مسارات الوعي وإعادة صياغة روح البقاء والتطور، بالرغم من أن وجود النخبة الفاعلة دائما مرتبط أيضا بالحرية والمعرفة والرغبة في التجديد والمتابعة. من خلال ما تقدم نرى بوضوح أن الفعل الأجتماعي عموما يبنى على ركائز عدة منها أسس البناء التي قام عليها المجتمع من مجموعة علاقات تتميز بالأحترام والتقديم، يساندها طيف واسع من الضوابط والقوانين والأعراف التي نشأت من خلال الوعي والإدراك ومتلائمة مع ثقافة وحضور عقلي لقوى المجتمع الفاعلة، بعدها طبيعة التنظيم وأسس التداول في أليات وعمل مفاصل المجتمع، وأيضا دور النخب بكل مستوياتها العاملة في أتجاه التطوير أو بأتجاه الحفاظ على البنى الأحتماعية التحتية، هناك عامل غير ملحوظ دوما وهو واحد من أليات تعزيز البناء الأجتماعي، وهي ما يعرف بالصراعات الناعمة الناشئة من حوار الأجيال أو ما يعرف بتغيرات الزمن على الإدراك البشري لأعضاء المجتمع، هذا العنصر الذي يغيب في كثير من الأحيان عن البصيرة والتبصر عند المفكرين وأصحاب المشاريع النهضوية هو من العوامل التي لا يمكن تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام. إذا المجتمع من خلال ما تقدم لا يمكن بناءه أو تطويره وفقا لرؤية أحادية أو محورية دون أن نعطي لكل القوى والمتغيرات والعوامل والأسباب أهميتها، وأتاحه الفرصة لها أن تعمل وفق عمل مشترك متداخل ومتفاعل بأتجاه التغيير، فالقوانين والقرارات وحتى النظريات الأجتماعية التي لا تدرك هذه الحقيقية تفشل في قيادة المجتمع نحو التغيير المنشود والمنتظر أفتراضا، لأنها تمسكت بجانب رئيسي بنظرها وتركت جوانب عديدة أخرى ذات قدرة على الفعل، الأيديولوجيات الدينية والفكرية وحتى النظريات الفلسفية عجزت لوحدها أن تبني مجتمعات متطورة بمعزل عن الإحاطة بكل العناصر السالفة، يمكن أن يكون الدين أقرب في فهم ذلك لكن الممارسة الدينية التي حولت الدين إلى أيديولوجيا عززت من انكماشه في التعاطي مع موضوع البناء الأجتماعي وجعلته واحدا من مصادات التغير والتطور، الذنب طبعا ليس في الدين ورؤيته بالتأكيد لكن في التفصيلات التي يضعها المتدين في طريق المجتمع والدين، وهو يعكس ذاته على المجتمع بدل أن يعكس ذات المجتمع على نفسه، هذا أيضا ينطبق على الأيديولوجيات الفكرية التي تختزل المجتمع بفكرتها دون أن تعي أن الفكر متغير والمجتمعات باقية لأنها من ثوابت الوجود. إنطلاقا من فهم طبيعة الحركة المجتمعية وبنظرة تحليلية أجتماعية محترفة وعلمية عندما يواجه مجتمع ما إنسداد تأريخي في وجوده، وعدم القدرة على تجاوز الواقع بغياب حلول جذرية وحقيقية وواقعية تنبع من طبيعة المجتمع وتفاعلاته مع ذاته، على القوى الفاعلة البحث في عناصر البناء والروابط والقيم الجمعية لا التسليم بالفشل ومحاولة تبريره أو جلد الذات في محاولة للهروب بالمشكلة إلى الأمام، بل العمل من ملاحظة السياق التاريخي الذي سبب إشكالية الإنسداد بروح النقد الإيجابي المدرك لحقيقة الأزمة ومدى خطورتها في الحفاظ على الحد الأدنى من العمل السليم، في الواقع العراقي الراهن وليس منقطعا عن جذوره وأسبابه العميقة نجد الإشكالية الأجتماعية ذات رؤوس متعددة ومنابع مختلفة بين الديني والسياسي والأقتصادي التي تتفرع جميعا من سبب رئيسي، هو غياب الفعل النخبوي الحر لصالح العمل الأيديولوجي المنظم سواء في طوره الديني أو في مجاله العرفي، الدين المهيمن على المقدرات الفكرية يفعل ككابح قوي لأي تطلعات للحرية الفردية والجمعية لأنه يرى في نفسه القدوة والقيادة، والحرية تعني له الخروج عن سياسة القطيع المؤدلج، أما الفاعل العرفي الأجتماعي فهو لا يختلف في نظرته على نفس العلة ويرى في ضعف دوره إنحسار للمكسب التأريخي الذي يؤمن له السطوة والقيادة والسلطة الأجتماعية. المشكلة الأجتماعية العراقية إذا مشكلة مركبة يتفاعل بها التأريخي مع الحاضر الديني مع العرفي الأقتصادي مع السياسي، نتج عنها خليط من الأمراض الأجتماعية المتنوعة من المرض والفقر والتجهيل والظلم والإقصاء والديكتاتورية الفردية والجمعية، تغيب الوعي الكلي وظهور سلوكيات أجتماعية شاذة وليدة واقع متهرئ وشاذ أيضا بغياب الفعل الموجه والمسئول، أنتشار الجريمة كما ونوعا وأساليب لم يألفها المجتمع سابقا، ظهور عوارض تفكيك وانحلال في بنية المجتمع نتيجة ثقافات منحرفة عن الجذر التاريخي للشعب العراقي، والأهم من ذلك كله أن لا أحد من المستويات القادرة على صنع الوعي تتحرك وفق منهجية مدروسة لإيجاد الحلول أو حتى تعمد منعها من ذلك، السبب الرئيسي يكمن في أن المؤسستين الدينية والأجتماعية الحريصتين على بقاء مفهوم القطيع وتنمية ورمها السرطاني في المجتمع تتعاونان وتتشاركان في محاربة عوامل الوعي الحقيقي، وهي المعرفة الحرة والعمل التحرري للخلاص من سلطة قديمة تراوح مكانها وتؤمن أن كل الحلول بيدها وحدها، ترفض حتى مبدأ الشراكة أو الحوار من أجل الغد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زغاريد في جنازة وطن
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح2
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح1
-
رسالة إلى أمي
-
عشق النون وما تكلم المتكلمون
-
نون وما سطره العاشقون
-
صباح الخير على أمة السلام... صباح المحبة للناس أجمعين
-
التكسب بالدين تجارة في الله
-
الدين والدين الأخر
-
رسالة إلى ملاك الأحلام والأماني الكبار
-
أحببتك دوما
-
أنا وأنت وليلة العيد السعيد
-
نصائح بلا سبب
-
رصاصة واحدة لا تكفي
-
نصوص حائرة بين المعنى والروح
-
تنقية وتحرير الفكر والخطاب الإسلامي من تأثيرات التاريخ العقا
...
-
من أين يبدأ الإيمان؟
-
رسالة لشهداء جسر الزيتون
-
رسالة إلى صباح جميل
-
رسول الليل
المزيد.....
-
سقطت بعد ثوانِ من إقلاعها.. شاهد الفوضى بعد تحطم طائرة في في
...
-
تحليل بيانات يكشف ما فعله قائد طائرة الركاب -قبل ثانية- من ا
...
-
مدى الالتزام بتوجيه ولي العهد السعودي في المدارس بلبس الزي ا
...
-
السعودية.. فيديو احراق سيارة متوقفة بالطريق والداخلية ترد
-
-ديب سيك-: أسرار وراء روبوت الدردشة الصيني الجديد، فما هي؟
-
شرطة لوس أنجلوس تنقذ مسنة عمرها 100 عام من حريق في دار المسن
...
-
في دولة عربية.. أول عملية عسكرية للجيش الأمريكي ضد -داعش- في
...
-
صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
-
زوجة الضيف للجزيرة نت: لم يتنكر كما كان يشيع الاحتلال ولم يغ
...
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|