أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - البوط














المزيد.....


البوط


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 7132 - 2022 / 1 / 10 - 21:45
المحور: الادب والفن
    


للمطر رنين مطرب. هكذا غنت فلذة الكبد وهي تعبث بالماء. البارحة اشترى لها أبوها "بوط"، وهو حذاء بلاستيكي ذو رقبة طويلة وداخله مكسو بطبقة من القماش لينة تبعث الدفء في الساق. المطر يتـقاطر بهدوء وانقطاعات منذ يوم أمس وهو من المرجح أن يتواصل أمره على هذه الشاكلة الموسيقية لبضعة أيام وفق التـنبؤات الجوية. كان "البوط" شيئا ساحرا. أصبح مطلبا ملحا. ما أروع المشي في المطر بـ"البوط". السماء الداكنة بالسحب ورائحة الهواء الزكية والبرد المفعم بإحساس لذيذ. الطبيخ الساخن المتدافعة منه خيوط البخار. محمص بالخضار وفيه عظمة مسلوقة. الطبيخة ذاك الحساء المكون من الفول والعدس أو اللبلابي ذاك الحساء المكون من الحمص والعدس كذلك. الأم والجدة يتراوحن في الفناء جيئة وذهابا. الأب الداخل إلى البيت من العمل. كل ذلك يشكل أحاسيس لذيذة جدا ومتـشابكة بعضها مع بعض بحيث نقول عنها "جو". هذه الكلمة تعرب عن إحساس الفرح.
"البوط" يكمن سحره في ارتباطه بذاك الجو كله. السماء الداكنة كأنها تتحول إلى غطاء يضم الجميع وذاك الضم هو مبعث الإحساس بتلك السعادة. "البوط" فيه بواسطة ذاك الجو كله إحساس آخر رهيب وهو متعلق بالانـفـتاح الحر على الحياة وعلى المستـقبل. في الطفولة يكون جانب من السحر كبير ناتج عن ذاك الإحساس الكبير بتـنوع وكبر العالم وذاك الإحساس يكون مترافقا مع خيال لذيذ حر يستغرقك في ملذات رهيبة عديدة نتيجة حياتك الحرة لكل ما تريد بواسطة الخيال. "البوط" والمشي تحت المطر بذاك الجو كله، وعبورك لبرك الماء بواسطة "البوط" دون أن تبتل ساقيك الدافئـتين داخله. ذاك العبور والتـقدم في الأرض بكل ذاك المرح هو السحر العظيم الذي نفتـقده اليوم. لماذا نـفتـقده اليوم؟ نـفتـقده لسبب رئيسي وهو الحالة العامة الخرائية وخاصة حكم الجهلة فينا. الحكم لا يعني السلطة السياسية فقط فهذا اختـزال سطحي. الحكم هو الثقافة العامة أو العقلية الخرائية العامة التي تـقتل في البلد وتكبح ذاك المرح العظيم في التقدم والعبور في الأرض بتلك الروحية الملائكية الطفولية، فتبا لهم جميعا...
كان المقهى مرتـفعا بنحو متر على الطريق. انه مقهى لمحطة وقود. صفحته كلها من البلور، وكانت متعتي أن أترشف قهوتي وأدخن سجائري متواصلا مع المطر الخفيف ومتـنـقلا بين السيارات التي تقف لملئ الوقود والوقوف عند مختلف الوجوه الرجالية والنسائية. سيارة بيضاء صغيرة بعد أن ملئت خزان الوقود، توقفت جانبا ونزلت منها فتاة ودخلت إلى المقهى. كان المقهى فارغا أي جل الطاولات شاغرة. أخذت قهوتها من الكونتوار وجاءت لتجلس إلى جانبي. دون أن تلقي التحية قالت:
ـ يبدو أنك تتأمل المطر.
قلت بنبرة لم تخفي إعجابي بهذا الهجوم الرقيق الجريء:
ـ نعم. أنا أصلا الكائن المتأمل في كل شيء..
ـ رائع. يعني انك لازلت طفلا مثلي....
واسترسلت في حديثها الحار المفعم بالعذوبة و هي تتحدث عن البوط الذي يقفز إلى ذهنها مباشرة مع كل هطول مطر خفيف.



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة
- الفراشة
- آه يا عراق
- الإنهيار
- -يوم النفير- الغنوشي في تونس
- جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس
- ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
- إنتصار الرئيس قيس سعيد
- هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
- ساكن القبر 5
- ساكن القبر 4
- ساكن القبر 3
- ساكن القبر 2
- ساكن القبر 1
- أزمة الراهن التونسي
- فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
- المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
- حوار فلسفي مع فتاة ذكية
- في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
- الحجاب والاسلام


المزيد.....




- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - البوط